Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قصص نيجيرية نسائية في مواجهة وحشية "بوكو حرام"

16 كاتبة في مختارات مترجمة الى العربية

نساء نيجيريات تحت سيطرة "بوكو حرام" (يوتيوب)

نيجيريا، أكبر بلاد أفريقيا، من حيث تعداد السكان (أكثر من 200 مليون نسمة)، هي بلد تشينوا آتشيبي (1930- 2013) الملقب بأبي الأدب اأفريقي، وولي سوينكا (1934- ) أول أفريقي يحصل على جائزة نوبل في الآداب (1986). وهي كذلك بلد فلورا نوابا (1931- 1993) الملقبة بأم الأدب الأفريقي الحديث، وبلد السينما المعروفة باسم "نوليوود"، رغم أنه لم يكن لها وجود قبل العام 1987، وهي كذلك موطن عدد كبير من نجوم كرة القدم على مستوى أبرز أندية العالم في هذه اللعبة، ذات الشعبية الطاغية، في انجلترا وفرنسا وإيطاليا وأسبانيا.

وللأسف فإن نيجيريا هي كذلك موطن واحدة من أخطر الحركات الإرهابية، وهي حركة "بوكو حرام" والتي تكمن خطورتها في معاداتها، ليس فقط للتعليم في مجتمع تتفشى فيه الأمية، خصوصا في الإقليم الشمالي الشرقي، من هذا البلد الواقع في غرب أفريقيا، وإنما كذلك للمرأة التي لا ترى فيها سوى متاع لا قيمة له خارج دائرة بيولوجية ضيقة. من هنا يمكن النظر إلى كتاب "قصص قصيرة لست عشرة كاتبة نيجيرية"، الصادر حديثا عن سلسلة "الإبداع القصصي"/ المركز القومي للترجمة في القاهرة، من تحرير توين أديوالي- جبريل، وترجمة رانية خلاف.  

والكتاب يعيبه خلوه من أي معلومات، عن الكاتبات اللائي يضم قصصهن، ومن بينهن محررته نفسها، ولكن يمكن القول إنه يأتي في سياق تأكيد اتصال جيل جديد بأجيال سبقته في مسار الأدب النيجيري الحديث، والذي حقق بعض رموزه، كما أشرنا، شهرة عالمية، تخفف ربما من وطأة ارتباط اسم نيجيريا عالمياً بتنظيم يعادي الأدب والثقافة والحضارة وكل ما يمت إلى التقدم بصلة. وفي ضوء ذلك تصبح الكتابة، خصوصا عندما تمارسها امرأة في هذا البلد، في ظل تلك الأصولية الخانقة، تحدياً للتطرف وما يشمله من تقاليد بالية كتزويج الأطفال والطلاق السريع. ويتجلى ذلك خصوصاً بين نساء في قلب المنطقة القديمة من مدينة كانو، شمال نيجيريا، يكتبن القصص والروايات القصيرة بخط اليد وبلغة الهوسا، تحت شعار "ليتانا فان سويايا"، أي "حب الأدب". وبعضهن وجدن طريقاً للهجرة خصوصاً إلى أميركا، مثل روزماري إسيهاغو، صاحبة رواية "يلوح في الأفق الضباب"، وهي من مواليد العام 1981. وكذلك شيما ماندا نغوزي أديشي، صاحبة رواية "أمريكانا"، وقد ولدت في عام 1977 في نيجيريا وعاشت هناك إلى أن أكملت دراستها المدرسية ودرست سنة ونيفاً في كلية الطب في جامعة نيجيريا، ثم ذهبت إلى أميركا في عام 1996 وهي تبلغ من العمر 19 سنة، لتلتحق بجامعة دريكسل.

كتاب "قصص قصيرة لست عشرة كاتبة نيجيرية" صدرت نسخته الأصلية في عام 2005، ويتضمن 16 قصة قصيرة لـ16 كاتبة على النحو التالي: "رقص مظلم"، آنجيلا آمالوني نووسو، "عزيزتي موان موان الصغيرة الحلوة" كارين كينج- آربيسالا، "سأذهب لأقول بنفسي" أكاشي آديمورا- إيريبجو، "تأمين فطري" سيفي أنتا، "التواء على شكل خصية" لولا شونين، "طيور الظلام" لين تشوكورا، "الممر" نجوزي رزاق – سويبي، "اليتيمة بينتا" سالمة محمد، "إرث افتراضي" بيودن إيدوو، "رقصة القدر" فاطمة أوسارا حسن- توم، "في انتظار ابن" إفيوما أوكوي، "كلمة حصانها الأصيل" بونمي أوينسان، "دفن الطبيب" أودي شيكا أونيجوي، "ستار" بوولز أونوما آزورا، "الحلم الأبيض" تشينيري إيزي – مبولو، "النسر" أوبينا. توين آديوالي – جبريل.

القصة الأولى، على سبيل المثال، تحكيها - بضمير المتكلم، فتاة تدعى "أولى"، مستعيدة ذكرى زميلة لها في المرحلة الجامعية تدعى "كاندي" كانت في التاسعة عشر من عمرها عندما وقعت في غرام طالب غريب الطوار يدعى "بيترام"، يكبرها بعام واحد، وسرعان ما قتلها بوحشية بالاشتراك مع زملاء له في جماعة متطرفة، قبل أن يقتل نفسه تحت وطأة الشعور بالندم. القصة الثانية، بحسب الترتيب في الكتاب، تسردها فتاة تعاني من إهمال صديقها لها في ظل شغفه بالطبخ، وفي عنوانها إشارة إلى وجبة تدعى "موان موان" تتألف من الفاصوليا وبعض الخضروات، ينهمك الصديق في إعدادها لساعات عدة، فيما الساردة/ البطلة، يغلبها النوم داخل المطبخ، وهي ناقمة على ذلك الصديق الذي اعتاد أن يناديها بـعزيزتي موان موان الصغيرة الحلوة".

وفي قصة "سأذهب لأقود بنفسي"، سرد بضمير الغائب، لمعاناة فتاة في السابعة والثلاثين من عمرها أعطت سائقها الخاص إجازة، وقررت أن تقود سيارتها بنفسها في شوارع لاجوس المزدحمة لتلحق بحفلة زفاف، ورغم تحليها بالصبر على تجاوزات قائدي المركبات المختلفة، إلا أن سيارتها أصيبت بضرر بالغ وهي واقفة أمام بوابة قاعة الحفلة في انتظار السماح لها بالدخول، عندما صدمتها سيارة كانت خلفها.

أما قصة "تأمين فطري"، فالسرد فيها جاء على لسان طبيبة نساء وتوليد حديثة التخرج، زارها في عيادتها زوجان تخطى كل منهما الأربعين عاماً من عمره، لتجد لهما وسيلة تساعدهما على إنجاب طفل. قالا لها إنهما متزوجان منذ ثمانية أعوام ولم ينجبا على الرغم من أنهما جربا الكثير من الوصفات الشعبية. رفض الزوج أن يخضع للفحص بدعوى أن زوجته هي التي تعاني من العقم. وعند فحص الزوجة تبين أنها خالية من أي عائق طبي يمنعها من الحمل والإنجاب. ومن حديثها مع الطبيبة يتبن أنها تعرف أن العيب في زوجها وليس فيها بما أنه سبق له الزواج من أخرى ولم ينجب، ولكنها لا تجرؤ على مجادلته في هذا الأمر خوفاً من أن يطلقها. في الأخير ستعود الزوجة إلى الطبيبة بعد فترة من الزمن لتساعدها على ولادة طفلها الأول، وعقب ذلك ستعلم أن الزوج رفض الاعتراف بهذا الوليد وقال إنه لا يمكن أن يكون من صلبه!                   

في التقديم للكتاب تقول توين أديوالي- جبريل: "أعود بالذاكرة إلى عام 1996، حينما ظهرت الأنطولوجيا الأولى للقصة القصيرة التي تكتبها كاتبات نيجيريات، والمعنونة بـ"كسر حاجز الصمت". شاركتُ في كتابة الأنطولوجيا مع أوموونومي سيجون، التي أصبحت بمثابة محرك قوي لتعزيز وتبرير قضية الكتابة النسوية النيجيرية، التي غالبا ما يرفضها النقاد الذكور مشيرين إليها باعتبارها "أدب المطبخ". لقد أتاحت الأنطولوجيا أرضية جديدة للكاتبات وأسهمت في وضع الكتابة النسوية النيجيرية في جدول الأحداث الأدبية في البلاد. لقد أصبحت نصا دراسياً في العديد من الجامعات النيجيرية ودليلنا بالحياة لدفع مزيد من الفرص المتاحة للنساء النيجيريات اللاتي يردن الكتابة".

وتضيف: "حصلت العديد من الكاتبات، اللاتي نُشرت لهن نصوص للمرة الأولى، في كسر حاجز الصمت في ما بعد، على جوائز ونشرن العديد من الكتب التي قمن بتأليفها. وتقريباً، بعد عقدين من الزمن، رأيتُ أنه من الأهمية بمكان أن نتضامن ونحتفل بالمنجزات المعاصرة للكاتبات النيجيريات اللاتي يكتبن القصة القصيرة بأساليبهن متعددة الأوجه والقضايا التي ينشغلن بها والكوكبة القوية من الكاتبات من داخل حدود نيجيريا وخارجها. وهكذا بدأتُ العمل في هذا الكتاب".

وتستطرد: "لقد كانت اختياراتي تسير وفق رغبتي في تقديم القواسم المشتركة التي أثرتها خصوبة الاختلافات الثقافية، القصص المحكية عن تجارب النساء، القصص التي كتبتها نساء يحاولن تعريف "النيجرة"، التناقضات الموجودة داخل بلدنا، الوفرة، النقص المطلق، و"نايجا" تلك الماكرة التي كانت موطئ قدمنا على طريق النجاة. هذا هو النشيد الناتج عن ذلك البحث الدؤوب، فكل صوت له رنينه الواضح والمرتفع. تلك القصص تمتاز بعاطفة للأشياء ذات العمق، إن حكيها الفاتن، المرح، أو المأساوي يكشف عن جوهر ما يشكل خصوصية لنا كشعب. إنها تزخر بالمواقف الإنسانية والقضايا السياسية والاجتماعية، مرض الإيدز، استغلال النساء، استغلال الأطفال، النشاط الجنسي للمراهقات، انعدام الخصوبة، مشاركة النساء في الممارسة الديموقراطية، الاستدانة، التمييز الثقافي ضد الفتيات وأعراض "الرغبة الملحة في الثراء السريع"، تلك الأمور التي باتت مغوية جداً للكثير من النيجيريين بسبب الفقر المتزايد لشعبنا. لقد كان أمراً ممتعاً أن أكتشف كاتبات جديدات وأتشرف أن أقدم بعض الكاتبات البارزات".

في نهاية محتويات الكتاب تأتي قصة لمحررته عنوانها "النسر أوبينا"، ومن جوها: "سيسقط سيل من الأحجار في الحال على سقف المنزل. ستنزلق الأحجار من على السطح... تطقطق كعائلة من عائلات فئران لاجوس الوقحة التي تتحدى سموم الفئران ومصائدها. ستحط الأحجار على الأرض. تتقافز بعيداً عن الخرسانة الصلبة. ستنزلق حتى تتوقف عن قدمي مساعديه. مرة أخرى، سيتجمع تجار الشوارع ويتعجبون، يخمنون بأصوات متعبة. سيشيرون بأصابعهم المتحيرة إلى مشهد السقف خاصته. سيصرخ في خادمه: أنت يا من لديك عظام رخوة؛ ألا يمكنك أن تبعدها من هنا؟ تأخذ الأحجار الثقيلة. تأتي بمنجنيق... ارمها بمقلاع نحوه. اجعله يبتعد من هنا. وسوف يجيب أوكون: ولكن يا أوجا، لقد حاولنا بقدر استطاعتنا، ولكنها تعود مجدداً. أعتقد أنه ينبغي أن نجلب بندقية ونطلق عليها الرصاص فتسقط".

وأخيراً، فإن مترجمة هذه القصص؛ رانية خلاف، تعمل في جريدة "الأهرام ويكلي" التي تصدر بالانجليزية في القاهرة، وأصدرت مجموعة قصصية بعنوان "جسد آخر وحيد"، ورواية عنوانها "حكاية الحمار المخطَّط". وسبق لها أن ترجمت "الطفل االمنبوذ" لميلان كونديرا، و"مذكرات جارة طيبة" لدوريس ليسنغ، و"الحفر" للويس ساشار.

                 

 

المزيد من ثقافة