يوماً بعد آخر تتعقد الأزمة السياسية بإسرائيل على وقع فشل القوى السياسية في تشكيل الحكومة منذ الانتخابات الثانية التي جرت خلال العام الحالي سبتمبر (أيلول) الماضي، لتتزايد الاحتمالات أمام عقد انتخابات ثالثة مع ترجيح المراقبين أن لا يتمكّن مرشح ثالث من المقرر أن يسميه الكنيست الإسرائيلي، بعد تكليف من الرئيس باختيار عضو قادر على تشكيل الحكومة.
وعلى وقع الأزمة القائمة منذ أسابيع التي تصاعدت أصداؤها بعد تقديم المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية أفيخاي مندلبليت، الخميس، لائحة اتهام لرئيس الوزراء المنتهية ولايته بنيامين نتنياهو تضم تهم الرشوة وخيانة الأمانة والاحتيال في ثلاث قضايا فساد، فيما بقيت مساعي منافسه رئيس الأركان السابق وزعيم تحالف "أزرق - أبيض" لكسب دعم أعضاء حزب خصمه "الليكود" تجنباً لانتخابات ثالثة دون جدوى.
محاولات الرمق الأخير
بعد يومين من توجيه لائحة الاتهام إلى نتنياهو، دعا بيني غانتس منافس رئيس الوزراء المنتهية ولايته، قادة حزب "الليكود" إلى الانضمام إليه لتشكيل حكومة.
وقال غانتس، في مؤتمر صحافي بتل أبيب مخاطباً قادة حزب الليكود، "بالنظر إلى الظروف، أدعو إلى تشكيل أوسع حكومة ممكنة برئاستي".
وأضاف، "سأكون رئيس الوزراء في العامين الأولين"، موضحاً أنه "في حال تبرئة (نتنياهو)، يمكنه العودة ليكون رئيس الوزراء" في العامين التاليين.
واعتبر القائد الأسبق لأركان الجيش الإسرائيلي أن ما يطرحه هو "البديل الوحيد من إجراء انتخابات جديدة".
وتصدَّر حزب الليكود اليميني بزعامة نتنياهو وتحالف "أزرق - أبيض" برئاسة غانتس نتائج الانتخابات التشريعية المبكرة التي جرت في 17 سبتمبر (أيلول).
وعلى الأثر، فشل بنيامين في تشكيل ائتلاف حكومي، فكُلّف غانتس بالمهمة، لكنه أخفق بدوره، ولتجنّب إجراء انتخابات ستكون الثالثة في أقل من عام، كلف الرئيس رؤوفين ريفلين الكنيست بتسمية رئيس للوزراء لإخراج إسرائيل من المأزق السياسي، وأمام النواب ثلاثة أسابيع لاختيار شخص يحظى بتأييد 61 عضواً على الأقل من أصل 120.
لكن توجيه اتهام قضائي إلى نتنياهو، الخميس، قد لا يؤمن له غالبية نيابية تختاره، الأمر الذي يهدد بقاءه بالحكم.
وفي حالة عدم تمكّن أي عضو من أعضاء الكنيست من تقديم طلب لتشكيل حكومة جديدة مدعوماً بتوصية من 61 من زملائه أو فشل قادة الأحزاب في الاتفاق، فقد يتم حل الكنيست خلال أقل من عشرين يوماً، لتذهب إسرائيل إلى انتخابات ثالثة خلال تسعين يوماً من لحظة حل برلمانها.
من يتحمل مسؤولية الأزمة؟
ووسط تلك الأجواء السياسية "الملبدة"، أظهرت نتائج استطلاع أجري لصالح صحيفة "يسرائيل هيوم" المقربة من نتنياهو، اليوم الأحد، أن 34% من المستطلعة آراؤهم يرون أن بنيامين هو المسؤول الأول عن الفشل في تشكيل حكومة، فيما رأى 31% أن زعيم "إسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان هو المسؤول، و4% فقط حمّلوا غانتس المسؤولية.
وحسب الاستطلاع، الذي أجري وفق الصحيفة على مرحلتين قبيل وبعد تقديم لائحة الاتهام ضد نتنياهو، فإن 64% من المستطلعين لم يغيروا خياراتهم الانتخابية، فيما ضاقت الفجوة بين كتلتي اليمين (تضم أحزاب الليكود و"يمينا" و"شاس" و"يهدوت هتوراه") بحصولها على 56 مقعداً (55 في الانتخابات السابقة)، مقابل ثبات كتلة الوسط - يسار على 57 مقعداً (تضم أحزاب "أزرق - أبيض"، و"العمل - جيشر" و"المعسكر الديموقراطي"، والقائمة المشتركة).
وذكرت الصحيفة أن هذه النتائج في حال تحققها لن تشكّل نهاية للأزمة السياسية المستمرة منذ نحو عام في إسرائيل، إذ بقي زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان الزعيم السياسي صاحب كلمة الحسم في تحديد أي من الكتلتين ستكون قادرة على تشكيل الحكومة عبر منحها الأغلبية المطلوبة، وهي 61 مقعداً من مقاعد الكنيست الـ120.
ويرفض ليبرمان دعم أي من الكتلتين، ويصر على تشكيل حكومة وحدة تجمع الليكود و"أزرق - أبيض" وحزبه، لكن نتنياهو وغانتس فشلا في التوصل إلى اتفاق لتشكيل حكومة الوحدة.
ويبين الاستطلاع أن 9% من ناخبي حزب الليكود الذي يقوده نتنياهو قالوا إنهم لن يصوتوا للحزب في حالة توجيه لائحة الاتهام إليه، لكن 13% قالوا إن توجيه الاتهام إليه يدفعهم للتصويت للحزب، ولم يحدد 17% موقفهم.
أمَّا توزيع مقاعد الكنيست على الأحزاب، فيظهر الاستطلاع أن "أزرق - أبيض" قد يحصل على 34 مقعداً (33 حالياً)، والليكود على 33 (31 مقعداً حالياً)، والقائمة المشتركة (الأحزاب العربية) تحافظ على مقاعدها الـ13، بينما تتراجع حركة "شاس" الحريدية من 10 مقاعد إلى 8، وتتقدم حركة "يهدوت هتوراه" مقعداً واحداً لتحصل على 8 مقاعد أيضاً، فيما توقعت أن يفقد حزب ليبرمان مقعدين ليحصل على 7 مقاعد فقط.
تظاهرات في إسرائيل
في غضون ذلك شهدت إسرائيل، مساء السبت، تظاهرات مؤيدة وأخرى معارضة لنتنياهو بعد تقديم لائحة اتهام ضده، وحسب ما ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، فإن تظاهرتين انطلقتا في القدس قرب مقر إقامة بنيامين بشارع "بلفور"، الأولى شارك فيها أنصاره الذين اعتبروا تقديم لائحة الاتهام ضده "انقلاب"، فيما تظاهر من الجهة الأخرى معارضيه ودعوه لتقديم استقالته فوراً، كما تظاهر معارضون آخرون وسط تل أبيب.
ودعا نيسان هورفيتش، زعيم "الاتحاد الديموقراطي" (تحالف يساري حاصل على 5 مقاعد بالكنيست من إجمالي 120)، الجمهور الإسرائيلي للنزول والانخراط في التظاهرة، قائلاً "أي شخص سيتمسّك بولائه الأعمى لنتنياهو، سيُذكر على أنه شارك في أخطر إفساد للديموقراطية الإسرائيلية".
وتابع، "على نتنياهو أن يستقيل. يجب إقامة حكومة جديدة. إسرائيل ضد بنيامين (..) كلما ظل متحصناً في بلفور فستتآكل مؤسسات الدولة والبنية التحية التي يقوم عليها المجتمع الإسرائيلي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف هورفيتش، "إذا لم يستقل، يجب تشكيل حكومة جديدة حتى قبل حل الكنيست الحالي، وذلك لمنعه من التشبث بالسلطة لأطول وقت ممكن".
ويأتي ذلك في وقت ذكرت فيه قناة (13) الخاصة، أن المدعي العام مندلبليت، قد يأمر نتنياهو بالاستقالة من منصبه كرئيس وزراء للحكومة الانتقالية.
وقالت القناة، إن "التقديرات تشير إلى أن المحكمة العليا ستناقش قريباً ما إذا كان يمكن لنتنياهو أن يعمل في حكومة انتقالية، بموجب اعتزام النائب العام تقديم لائحة اتهام ضده"، مشيرة إلى أنّ بعض المسؤولين في وزارة العدل يعتقدون أنه من المفترض أن يقدم استقالته، في ظل التطورات الأخيرة بشأن تقديم لائحة اتهام ضده.
وسيكون أمام بنيامين 30 يوماً من تاريخ صدور لائحة الاتهام لتقديم طلب "حصانة" من المحاكمة ليتم بحث طلبه في الكنيست.
وحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت"، فإن طلب "الحصانة" يفترض تقديمه إلى لجنة الكنيست التي تجتمع بدورها لبحثه.