Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الرواية والقيم" كتاب للناقد الاكاديمي اللبناني لطيف زيتوني

الناقد لطيف زيتوني وكتابه

هل بإمكان الرواية أن تلعب دورا في الدفاع عن القيم الانسانية؟ وما هو هذا الدور؟ وكيف تمارسه؟ هذه الاسئلة يطرحها الناقد الاكاديمي اللبناني لطيف زيتوني في كتابه الجديد،الصادر حديثا عن دار الفارابي بعنوان "الرواية والقيم"، وينطلق منها ليبني مشروعه النقدي. لكنّ الحديث عن الرواية بصيغة العاقل يضمر سؤالا آخر: هل من صفات خاصة بالروائي الذي يدافع عن القيم الانسانية؟

هذا السؤال الأخير هو ما فضّل المؤلف البدء به، لأن وعي الروائي لمسؤوليته الاجتماعية ليس من المسلمات الواقعية، ولأن الدفاع عن القيم ليس من المسائل التي تشغل النقاد والكتّاب في هذا الزمن. فالاتجاه الذي تسير فيه المجتمعات الحديثة - منذ انتقالها من الثقافة العقلانية الى الثقافة العلمية، ومنها الى الثقافة السائدة اليوم اي الثقافة الاعلامية،- لا يفسح مجالا للقيم الانسانية بل للقيم النقيضة، أي قيم الربح المادي التي تقوم على التسلية والتسطيح الثقافي وتشجيع الاستهلاك. لهذا كان لا بد من العودة الى مصطلح المثقف الذي يحيل الى القيم والمسؤولية الاجتماعية. ولأن الزمن فعل فعله بالمفاهيم، وجد المؤلف أن عليه أن يبحث مسألة المثقف بالعمق المناسب، لأن الدور الاجتماعي للرواية منوط بالروائي المثقف تحديدا. فعاد بنا الى نشأة هذه المصطلح وظروفه في الغرب، وتابع تطوره مع المفكرين الذين أفردوا لموضوعة المثقف كتبا خاصة، بدءا بجوليان بندا مرورا بغرامشي وسارتر وفوكو وادوار سعيد وصولا الى بيير بورديو. ثم انتقل الى المثقف عند العرب، وكشف المسار الذي سار فيه هذا المفهوم. وأشار الى ما يسمى بالمثقف الاسلامي، فبيّن الاختلاف بين المثقفين الاسلاميين في الشرق والغرب من حيث المفهوم والرؤية والمنهج. وانتهى الى وضع تصوّر جديد لمفهوم المثقف يفتحه على الواقع المعيش. وأكد المؤلف أن هناك حاجة حقيقية اليوم الى المثقفين، لا كطبقة اجتماعية ولا كجسم ثقافي، بل كروح تسهر على احترام قيم الحقيقة والعدالة والتقدم والحرية. ورأى أن التفاوت في صورة المثقف، هو ثمرة تنوع الادوار وكثرة المهام التي تطلبها منه المجتمعات.

توضيح مفهوم المثقف وضبط معناه كانا الأساس الذي بنى عليه المؤلف فصوله التالية. فتعريف المثقف، بأنه « رجل قضية، يؤثّر في الرأي العام، ويعزّز الأمل بالمستقبل»، وهو أقدم تعريف لهذا المصطلح، يفرض أن يكون للمثقف قضية، وهي الدفاع عن القيم الايجابية. لهذا انطلق الفصل الثاني من السؤال عن معنى القيمة، وعن طبيعة القيم التي يتعامل بها الروائي، وعن علاقة القيم بالاخلاق. وميّز المؤلف هنا بين الاخلاق المرسومة والأخلاق المعاشة، بين فرائض المجتمع وقناعات الفرد. ورأى ان النوع الثاني من الاخلاق هو ما تتعامل به الرواية في دفاعها عن القيم. وعلى اساس هذا المفهوم حدّد المؤلف اخلاقيات الرواية من خلال

ترسيمة مسؤوليات خاصة بكل من المؤلف والناشر والقارئ والمترجم والناقد والسلطة، ثم مسؤولية هؤلاء عن كل عنصر من عناصر السرد، كالقارئ الضمني والمؤلف الضمني والشخصيات، ثم المسؤولية التي يتحملها كل من المؤلف والقارئ الواحد عن الآخر، وعن نفسه. وانتهى الى ان البعد الاجتماعي الذي تقدمه الرواية من خلال علاقة الشخصيات، كل منها بالأخرى وبنفسها، ومن خلال خيارات كل شخصية خلال نضالها في سبيل أهدافها، هو أكثر الأبعاد استيعابا لدور الروائي المثقف، ولتعزيز مساهمته في الوعي الاجتماعي والسياسي، وفي توجيه العقول الى التطوّر الهادئ المتواصل. أما إذا تعذّر هذا التطوّر، فإن عمل الكاتب يتحوّل عندذاك الى بذور للتغيير تنتظر دورة الحياة لتنمو وتنطلق الى النور حاملة اسم الثورة.

الدفاع عن القيم الايجابية يدخل في مفهوم الأخلاق ، لهذا يشترك فيه المثقف وغير المثقف. أما الثورة على القيم المضادة فهي لصيقة بالمثقف لأنها تتطلب موقفا والتزاما، وتتطلب قبل ذلك وعيا انسانيا كي لا تلبس لباسا فئويا. كيف يمكن للروائي المثقف أن يؤدي هذه المهمة الثورية؟ يبدأ المؤلف بمناقشة مفهوم الثورة، ويستعرض مفهومها عند رواد النهضة العربية متوقفا عند ثلاثة منهم الكواكبي والريحاني وفؤاد زكريا من المتأخرين. ثم يناقش شرعية الثورة على القيم المضادة، ويتناول علاقة الرواية والمسرح بالقيم المضادة. ثم يبحث في الالتزام فيدرس طبيعته، وعلاقته بالمسؤولية، ويدرس الرواية الملتزمة والروائي الملتزم. ويتوقف عند ثورة الرواية، فيدرس وسائلها ومنها استخدام الاقنعة وتمرد الشخصية. ولا يفوته الالتفات الى امر نادرا ما التفت اليه النقاد، وهو خيبة المثقف، فيرد أسبابها الى لاواقعية اصحابها لا الى القضية التي يدافعون عنها. ويسلط الضوء على النتائح الاجتماعية الايجابية التي حققها المثقفون العرب منذ عصر النهضة، فيشير الى دور النخب الثقافية في التصدي للدعوات المتطرفة والمتخلفة التي كادت أن تدمر البلاد العربية في السنوات الأخيرة.

ويختم المؤلف كتابه بالقول إن الرواية حلّت اليوم بدرجة كبيرة محل الشعر والمقالة، فورثت كل الأدوار التي كانت موزعة على أنواع الأدب المكتوب، وورثت في الوقت نفسه كل المسؤوليات أيضا. وصار على الروائي أن يتسلح بالشجاعة ليقوم بدوره، وأن يتسلح بالمجانية كي لا تصيبه الخيبة، وأن يتعامل مع فنه بتهيّب لأنه السلاح الوحيد الباقي من أسلحة الأدب، وأن لا يستهين بالمسؤولية لأنها الصوت المجاني الوحيد الذي يرتفع دفاعا عن القيم الانسانية. لهذا دعا كتّاب الرواية الى الالتزام، لا بالقيم السياسية الحزبية، ولا بالقيم الدينية، ولا بالقيم القومية، فكلها فئوية، بل بالقيم

الانسانية التي تحمي البشرية من شريعة القوة. هذه القيم التي اطلقها عصر الأنوار والتي تتعرض اليوم، ويتعرض معها الانسان في كل مكان، لكل ألوان الامتهان.

المزيد من ثقافة