مرة جديدة، تشعل الميزانية العسكرية في إسرائيل خلافات بين المؤسسة العسكرية ووزارة المالية في حكومة بنيامين نتنياهو، بعدما خرج عسكريون بتقارير تقيّم العام 2020 كأكثر الأعوام سلباً بالنسبة إلى إسرائيل، في ظل نوعية التهديدات المحدقة بها من مختلف الجبهات.
ووقف نتنياهو إلى جانب جبهة المؤسسة العسكرية، ضد المعارضين لزيادة الميزانية العسكرية، كوزارة المالية وجهات سياسية وأمنية، تعتبر أنّ مطلب زيادة الميزانية بمليارات الشواكل يندرج ضمن سياسة التخويف والترهيب التي ينتهجها نتنياهو وغيره من القياديين في المؤسسة العسكرية، وهو موقف رفضه مسؤولون عسكريون، موضحين أنّ الميزانية التي يطالب بها الجيش تكاد تكفي لتجهيز قواته وتعزيز القدرات الدفاعية والصاروخية.
المطالبة بالميزانية الجديدة، أتت بعد إعلان رئيس أركان الجيش افيف كوخافي أن "الوضع في الجبهتين الشمالية والجنوبية متوتر وهش وقد يتدهور إلى مواجهة"، فيما أشار رئيس شعبة العمليات في الجيش اهرون حاليفا إلى تقارير تتحدث عن قفزة في تطور التهديدات، مدافعاً عن مطلب الجيش ونتنياهو في زيادة الميزانية.
تنقص الجيش نجاعة لا ميزانية
في المعركة التي تخوضها وزارة المالية لمنع زيادة الميزانية العسكرية، عرضت تقارير تفيد بأن الجيش يتطلب الكثير من التغييرات الداخلية التي لا تحتاج إلى ميزانيات، وفي مقدمتها تقليص ميزانية تمويل حاجاته والنجاعة في نشاطه وعمله.
واقترحت الوزارة على الجيش، إلغاء منحة رئيس الأركان للضباط الخارجين إلى التقاعد، وإلغاء إعفاء الضباط من دفع الضريبة مقابل استخدام سيارات مستأجرة، واختزال التقاعد للضباط، الذين يخرجون إلى العمل في القطاع العام. وتوفّر هذه التقليصات 1.5 مليار شيكل، علماً أنّ الجيش يطالب بزيادة أربعة مليارات شيكل كل سنة.
تعاظم التهديدات
وفي محاولة للإقناع بموقف الجيش ونتنياهو، عملت جهات عدّة على نشر تقارير مختلفة تشير إلى مدى تعاظم التهديدات تجاه إسرائيل من مختلف الجبهات، ومن إيران بشكل خاص.
وورد في تقرير أنّ هناك تهديدات على أكثر من جبهة، لكن يمكن الاعتراف بأنّ كل واحد من التهديدات المتطورة بحد ذاته، ليس جديداً، غير أنّها مجتمعة وبتوجيه من إيران، تجعل السيناريو الأكثر توقعاً هو اندلاع معركة جديدة.
وأضاف التقرير "ليس من الصعب تخيّل سيناريو حرب متعدد الجبهات، من الشمال ومن الجنوب، من الدائرة القريبة ومن البعيدة، ومقابل هذا، نرى ضعفاً غير مسبوق للهيمنة الأميركية في الشرق الأوسط، سينعكس بشكل كبير على توقيت اندلاع المعركة الجديدة ونوعيتها. فالحروب يمكنها أن تنشب بسرعة أكبر، ومن دون قوة تأثير تؤدي إلى إنهائها في الزمن المرغوب فيه".
ووفق الخبير العسكري غرشون هكوهين، أن قيادة الجيش اعتبرت المنظمات الفاعلة التي تهدد أمن إسرائيل "جيوش إرهابية" منظمة كجيش: في كتائب، في ألوية، في منظومات نارية واسعة النطاق، مدعومة بمنظومات البحث والتطوير، المشتريات والتسلح وتتحكم بها منظومة قيادة متطورة. بتوجيه إيراني، بين أيديهم أيضاً أسلحة متطورة مثل الطائرات المسيّرة والصواريخ ذات قدرة الدقة المحسّنة".
من جهتها، نشرت مجلة "قسم العمليات" في الجيش الإسرائيلي تقريراً تطرق إلى عناصر التحديد الجديدة، معتبراً أنها تغييرات وتحدّيات غير محددة وبالغة الخطورة من مختلف الجهات.
وشدّد الخبير هكوهين على أنه في ضوء التحدي، فإن الجيش الإسرائيلي مُطالب بمفهوم جديد وانتظام متجدد وتسلّح مناسب. وفوق كل شيء، على الإسرائيليين الاستعداد للتصدي لأوضاع طوارئ في وجه تهديدات جديدة غير مسبوقة.
نهاية سياسة الحرب بين الحروب
في ظل التقارير التي تناقشها الأجهزة الأمنية والعسكرية والسياسية، يعيد الإسرائيليون حساباتهم في تعاملهم مع ما سمّوه "الحرب بين الحروب"، واعترف قادة الجيش أن الحرب بين الحروب، التي كانت تتّبعها إسرائيل ولا تنتظر رداً من الجهة الأخرى، إلاّ في أوقات متباعدة، قد انتهت وأن الرد سيكون إثر كل ضربة. وبالتالي، على إسرائيل أن تحدّد على وجه السرعة استراتيجية جديدة، وفق ما طالب البعض.
من جهته، قال الخبير العسكري الون بن دافيد أن "استراتيجية نتنياهو ضد إيران، التي استندت كلها إلى من تبيّن لاحقاً أنه لا يُعوّل عليه (ترمب)، انهارت. وغاب عنها التطلع الإسرائيلي بالتأثير في الواقع من حولنا وتصميمه. والضعف الأميركي جعل إسرائيل تنطوي على نفسها وتبقي المبادرة بأيدي الطرف الآخر".
وأشار بن دافيد إلى أن "إسرائيل تظهر ضعفاً وتساوم على ما اعتُبر في الماضي خطوطاً حمراء"، إثر إطلاق حزب الله، الأسبوع الماضي، صاروخاً باتجاه طائرة مسيّرة إسرائيلية كانت تحلّق في أجواء جنوب لبنان، من دون إصابتها.