Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رغم نوبل للسلام... لماذا خرجت مظاهرات ضد رئيس الوزراء الإثيوبي "الإصلاحي"؟

التضييق على المعارض البارز جوهر محمد ووسائل إعلام مستقلة يطلق الشرارة... ونظام "منليك" في مواجهة الفيدرالية

لم يمرّ سوى أيام على احتفاء الإثيوبيين وكثير من الأفارقة بفوز رئيس الوزراء الإثيوبي "الإصلاحي"، أبيي أحمد، بجائزة نوبل للسلام، حتى اشتعلت الاحتجاجات ضده، وتحديدا من قومية "الأورومو"، التي ينتمي إليها "أحمد"، ولطالما اعتُبر وصوله إلى هذا المنصب الرفيع ثمرة نضال هذه القومية التي تعرضت لظلم وتهميش طوال عقود. لكن التظاهرات الصاخبة التي أحرق فيها أبناء قوميته صوره وكتابه، الذي يحمل اسم "الاندماج الوطني"، كانت علامة فارقة على "خذلان" أبيي أحمد لـ"الأورومو"، الذين أتى نضالهم به إلى السلطة، بحسب مراقبين.

بدت التظاهرات في البداية كرد فعل على محاولة السلطات الإثيوبية التضييق على "شبكة إعلام الأورومو OMN"، ومديرها الناشط المُعارض، جوهر محمد، الذي عاد قبل عام تقريبا إلى إثيوبيا من منفاه الاختياري بالولايات المتحدة، كبادرة حسن نية من السلطات الإثيوبية الجديدة التي جاءت للحكم بعد نحو عامين من الاحتجاجات التي صنعها "جوهر"، الذي يحمل جواز سفر أميركي، لكن سرعان ما اتسعت الاحتجاجات لتنتشر في ولاية "أوروميا"، أكبر أقاليم البلاد، وعدد من البلدات القريبة من العاصمة الإثيوبية "أديس أبابا". وطالب المتظاهرون بـ"إسقاط أبيي أحمد"، وبخاصة بعد تعامل الشرطة بعنف مع بعض التظاهرات، ما أدى إلى سقوط 3 قتلى وإصابة آخرين، وفقا لوسائل إعلام محلية.

 

وثارت الاحتجاجات فور إعلان الناشط الإثيوبي المعارض، جوهر محمد، عبر حسابه الشخصي على الـ"فيسبوك"، أن الشرطة أرادت إزالة الحراسة الأمنية الخاصة بمنزله من أجل "إطلاق العنان للمهاجمين المدنيين، والسماح بهجوم الغوغاء"، ما أدى إلى تجمع المئات حول منزله منتصف ليل الثلاثاء الأربعاء، لتتسع المظاهرات في اليوم التالي وتخرج تجمعات أخرى تهتف ضده، وسط صمت حكومي وتجاهل من رئيس الوزراء الإثيوبي، الذي يشارك في قمة سوتشي "الروسية-الأفريقية" الأولى من نوعها، فيما يرى البعض أن "أبيي أحمد" تورط في التحريض ضد المعارضين، بعد أن هاجم وسائل الإعلام المستقلة وحذر من مشاركتها في "إحداث اضطرابات"، في آخر ظهور إعلامي له قبل سفره إلى روسيا.

الأورومو وأزمة الفيدرالية الإثيوبية

وكشف السياسي المعارض جمدا سوتي، رئيس مجلس إدارة شبكة مستقبل أوروميا للأخبار، في تصريحات لـ"اندبندنت عربية"، أن هناك أبعادا واسعة وراء الاحتجاجات الأخيرة التي كانت شراراتها رغبة الحكومة الإثيوبية في سحب الحراسة الخاصة بجوهر محمد، وهو ما رفضه الحراس، مشيرا إلى أن الأزمة ترتبط برؤيتين متعارضتين بين رئيس الوزراء والناشط المعارض، فيما يتعلق بـ"حقوق الشعوب الإثيوبية"، ومستقبل الحكم الفيدرالي في إثيوبيا.

وتابع سوتي "السبب أن أبيي أحمد يريد إعادة نظام منليك (الإمبراطور الإثيوبي منليك الثاني)، الذي يعتبره الأوروميون رجلا استعماريا قتل آلافا من شعب الأورومو في أوروميا سنة 1886- 1887 خلال القرن التاسع عشر. بينما يريد جوهر محمد تطبيق الفيدرالية للشعوب الإثيوبية، كل على حدة، لكن ضمن إثيوبيا. ويرفض أبيي أحمد ذلك، متعللا بأن الفيدرالية عدوة وحدة إثيوبيا، وتوافقه في رأيه قومية الأمهرا فقط، بينما القوميات الأخرى، ومن ضمنها الأورومو، ترفض هذا الطرح".

 

وظهرت مشاعر الغضب بعد خطاب أبيي أحمد في البرلمان الإثيوبي، الذي نُظر إليه على أنه موجه ضد الأورومو، وبخاصة بعد توجيه أحد البرلمانيين سؤالا حول "الإجراءات التي تخطط الحكومة لاتخاذها لترويض المؤسسات الإعلامية التي تغذي الصراع في البلاد"، حسبما ذكر موقع "أديس أستاندرد" الإثيوبي.

وتوعّد أبيي أحمد باتخاذ تدابير للسيطرة على وسائل الإعلام التي يملكها أشخاص غير إثيوبيين والتي تستغل الجماعات العرقية مثل الأورومو وتستغل الديمقراطية من أجل إخفاء تحركاتها ضد بلاده، بحسب رأيه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقال رئيس الوزراء في رده "إن وسائل الإعلام تريد أن تكون حرة، لكن الرغبة في أن تكون حراً أمر مختلف"، معتبرا أن "أصحاب المشاريع العرقية والدينية والسياسية هم المسؤولون". وأضاف أن "وسائل الإعلام، بدلاً من محاولة تسهيل السلام والديمقراطية في إثيوبيا، لجأت إلى جمع الأموال من الشعب والجماعات العرقية. وأصحاب وسائل الإعلام من الرعايا الأجانب، الذين ليس لديهم جواز سفر إثيوبي، والذين يمكنهم مغادرة البلاد عندما تسير الأمور إلى الأسوأ، يجب أن يعلموا أن الحكومة كانت تمارس الصبر لتوسيع هامش ومساحة الحرية".

وتابع أحمد "إذا أصبحت تهديداً للسلام، سواء كنت تتحدث اللغة الأمهرية أو أورومو أم لا، يجب أن تعلم أننا سنتخذ التدابير اللازمة"، مضيفاً "ليس لدينا دولة أخرى يمكننا الفرار إليها، أما أولئك الذين لديهم دولة (ثانية)، إذا كنت على استعداد لمساعدتنا في سلامنا وتطورنا وديمقراطيتنا فأنت مرحب بك". فيما اعتبره كثيرون اتهاماً موجهاً إلى المعارض البارز جوهر محمد، الذي يحمل جواز سفر أميركي، وهو ما دفع "جوهر" للرد عليه عبر حساباته بمواقع التوصل الاجتماعي التي يتابعها نحو مليوني شخص، مؤكدا أن ما يدعمه ليس جواز سفره الأميركي، ولكن "الله وشعب الأورومو".

وقال الناشط السياسي الإثيوبي المعارض، بدرو محمد، في تصريحات خاصة "ستقف أمة أورومو وبقية الأمم والشعوب المضطهدة إلى جانب جوهر محمد وقضيته. يجب أن تتحد أمة أورومو في الوقوف بجانبه. وتحتاج إثيوبيا إلى أن يجتمع جميع الإثيوبيين للمناقشة والاتفاق والتخطيط والعمل معا من أجل تحسين أحوال الجميع. لا توجد شعوب في إثيوبيا تسمح بانتهاك حقوقها ولا تسمح أبداً للقوى المتشددة بإبعادهم عن الإنسانية."

وتابع "إن محاولة سجن أو اغتيال شخص كرّس حياته سلميّاً من أجل القضية الوطنية لأمة أورومو وكل مجموعات البلاد المضطهدة ستكون محاولة عقيمة للنظام وموجهيه الوحدويين. ونحن نوصي برفع القيود وبدء الحوار الوطني العاجل. ندعو كذلك أولئك الذين يصرّون على الجحيم وتخريب المكاسب الحالية بهدف استعادة هيمنتهم المفقودة إلى وقف لعبتهم العقيمة دون قيد أو شرط. يجب أن يعلموا أن هؤلاء هم الذين يحفرون القبر لأنفسهم إذا استمروا بشكل غير متقن في مواقفهم ومعتقداتهم غير المتحضرة والمتخلفة والقاتمة".

ميلاد قائد جديد

وبعد سنوات اتخذت فيها الاحتجاجات الإثيوبية الطابع العرقيّ تارة، ورفض تدني الحالة المعيشية تارة أخرى، خرجت المظاهرات لتدافع عن أحد رموز المعارضة الإثيوبية، حتى وإن حملت في طياتها مطالب تتعلق بالقومية المُطالبة بحقوقها وإحباط الأورومو بعد آمال ووعود التغيير التي عززها انفتاح أبيي أحمد وتحركاته التصالحية، فقد رفع المشاركون في المظاهرات العفوية التي خرجت للتضامن مع الناشط الشهير عبارة "لمس جوهر يمسّ أعيننا".

 

وجاءت عودة "جوهر" إلى إثيوبيا بعد إعلان قانون العفو العام وإطلاق سراح المعتقلين وإسقاط اتهامات "الإرهاب" ضد عدد من التنظيمات السياسية والشخصيات المعارضة في الداخل الإثيوبي وفي المنفى، ضمن الإجراءات الإصلاحية التي تبناها أبيي أحمد بعد وصوله إلى السلطة خلفا لرئيس الوزراء المستقيل، هالي مريام ديسالين، الذي أجبرته احتجاجات استمرت بين عامي (2016- 2018) على الرحيل، حيث كان "جوهر" محركها السياسي والإعلامي من منفاه في الولايات المتحدة، ليعود في أغسطس (آب) 2018، ويعلن أنه "اختار العودة إلى الوطن لتحويل فكر الشباب من مرحلة المعارضة إلى مرحلة اجتثاث الاستبداد، وتحويل فكرهم وسلوكهم نحو بناء نظام ديمقراطي مستدام"، وعليه جرى افتتاح مكاتب شبكة "أورومو" الإعلامية في إثيوبيا.

وعلاوة على تظاهر الآلاف تضامنا معه، فقد شهدت البلاد أيضا احتجاجات أكثر اتساعا على شبكات التواصل الاجتماعي التي اكتست حساباتها بصور "جوهر"، وكلمات تشير إلى مكانة كبيرة يحظى بها لدى أبناء الأورومو خصوصا، وكذلك في عموم إثيوبيا.

وقال محمد عبد الله، أحد الشباب المشاركين في المظاهرات، في تصريحات خاصة "خرجنا لدعم بطلنا وقائدنا جوهر الذي فضّل العودة للبلاد لدعمنا، وهذا واجب علينا، لقد كان له دور أساسي في التغيير، واليوم الحكومة تريد معاقبته ومعاقبتنا جميعا، وتعرضه للخطر".

وعلى الرغم من تأكيد "جوهر" خلال مقابلات إعلامية عديدة على عدم اهتمامه بالمشاركة في السلطة، فقد تحدّثت صفحات إخبارية إثيوبية عن أن الناشط الأميركي- الإثيوبي بدأ إجراءات التنازل عن جنسيته الأميركية، وأنه "يفكر في الترشح للحصول على مقعد في الهيئة التشريعية الإقليمية أو الفيدرالية في الانتخابات المقبلة"، حسبما ذكر موقع "أديس أستاندرد".

لكن "جوهر" أكد أن "القصة وراء ترشحه مجرد تكهنات"، مُعلقا بروح الدعابة التي يتميز بها "أركز حاليا على الجري لخسارة الوزن"، حسبما غرّد على حسابه على موقع "تويتر"، فيما ذكرت مصادر مُقربة منه أنه يفكر فعليا في الترشح لمنصب رئاسة الوزراء.

اقرأ المزيد

المزيد من دوليات