Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رحيل "فيلسوف الإخراج المصري" داوود عبد السيد

رحيل المخرج المصري الذي قدم 3 أفلام ضمن قائمة أهم 100 فيلم

المخرج الراحل (مواقع التواصل)

ملخص

يعد داوود عبدالسيد من أبرز مخرجي السينما المصرية المعاصرة، إذ نجح في منح أعماله بعداً يتجاوز الترفيه البصري لتصبح تجارب فكرية غنية، تعكس عمقاً إنسانياً وواقعية نقدية. تبتعد أفلامه عن الصور النمطية والحلول المبسطة، لتضع المشاهد في مواجهة مباشرة مع أسئلة الوجود، الهوية، والمجتمع، مع تقديم شخصيات معقدة ومتعددة الأبعاد تحمل تناقضات تجعلها أقرب إلى الإنسان الحقيقي

رحل المخرج المصري داوود عبدالسيد عن 79 سنة  بعد صراع طويل مع المرض. ونعته نقابة المهن السينمائية في مصر وعدد من الفنانين والمثقفين وصناع السينما. وقال وزير الثقافة أحمد فؤاد هنو في بيان إن "السينما المصرية فقدت قامة فنية كبيرة استطاعت أن تحول الشاشة إلى مساحة للتفكير وطرح الأسئلة ‌الكبرى، وأن ‌تعبر بصدق عن ‌هموم ⁠الإنسان ​والمجتمع".

ويعد الراحل أحد أبرز المخرجين السينمائيين المصريين، حيث لقب بفيلسوف الإخراج السينمائي، نظراً إلى كون أفلامه تحمل فلسفة خاصة.

اختير ثلاثة من أفلامه "الكيت كات" 1991 و"أرض الخوف" 1999 و"رسائل البحر" 2010، ضمن قائمة أهم 100 فيلم عربي التي أصدرها مهرجان دبي السينمائي الدولي، مما يعكس نظرته إلى السينما المستقلة بخاصة.

البدايات

ولد في القاهرة عام 1946 وتخرج في المعهد العالي للسينما عام 1967 قبل أن يلتحق بمؤسسة السينما. بدأ مشواره مساعداً للإخراج في أفلام منها "أوهام الحب" مع ممدوح شكري و"الأرض" ⁠مع يوسف شاهين وأخرج عدداً من الأفلام التسجيلية ‌مثل "وصية رجل حكيم ‍في شؤون القرية والتعليم" و"العمل في الحقل".

 

 

قدم أول أفلامه الروائية الطويلة "الصعاليك" عام 1985 من بطولة نور الشريف ومحمود عبدالعزيز لتتوالى أعماله السينمائية التي تناولت حياة المهمشين ​والطبقات الاجتماعية الهشة مثل "البحث عن سيد مرزوق" و"سارق الفرح" و"⁠أرض الخوف" و"مواطن ومخبر وحرامي" و"قدرات غير عادية".

شكل فيلمه "الكيت كات" من بطولة محمود عبدالعزيز وشريف منير وأمينة رزق، والمأخوذ عن رواية "مالك الحزين" للكاتب إبراهيم أصلان، أيقونة أعماله السينمائية وحصد العديد من الجوائز.

ونال جائزة الدولة للتفوق في الفنون عام 2004 وجائزة الدولة التقديرية عام 2012 وجائزة ‌النيل في الفنون عام 2022.

أفلامه

يُعد داوود عبدالسيد من أبرز مخرجي السينما المصرية المعاصرة، إذ نجح في منح أعماله بعداً يتجاوز الترفيه البصري لتصبح تجارب فكرية غنية، تعكس عمقاً إنسانياً وواقعية نقدية. وتبتعد أفلامه عن الصور النمطية والحلول المبسطة، لتضع المشاهد في مواجهة مباشرة مع أسئلة الوجود، والهوية، والمجتمع، مع تقديم شخصيات معقدة ومتعددة الأبعاد تحمل تناقضات تجعلها أقرب إلى الإنسان الحقيقي، مما يفتح المجال للتأمل والتفاعل الذهني بدل قبول إجابات جاهزة. وفي الوقت نفسه يرفض عبدالسيد الإبهار التقني ليعتمد على الكاميرا والمونتاج بصورة مقتصدة تتيح الاشتباك مع النص والرسالة من دون تشتيت الانتباه بالمؤثرات.

 

 

خطه الإخراجي يتميز بالواقعية المعمّقة التي تركز على الحياة اليومية وتفاصيلها، مظهراً تأثيرات البنية الاقتصادية والسياسية في الأفراد والمجتمع إلى جانب السرد البطيء المركز الذي يمنح المشاهد مساحة للتفاعل مع الشخصيات والأحداث بعيداً من المرور السطحي. وتتسم أعماله بالتوتر بين الحلم والواقع، حيث يعكس الصراع بين ما يتمناه الإنسان وما يعيشه بالفعل ويطرح تساؤلات عميقة عن الحرية والذاكرة والمعنى. وبالإضافة إلى ذلك يوظف الرمزية الدقيقة ضمن سياق واقعي، بحيث يمكن قراءة أفلامه على مستويات متعددة، مما يعزز عمق التجربة السينمائية ويجعلها قابلة لتأويلات متنوعة. من خلال هذا الأسلوب المتفرد أكد داوود عبدالسيد أن السينما المصرية قادرة على تقديم أعمال تحمل قيمة فكرية واجتماعية تجمع بين العمق الإنساني والواقعية النقدية.

"الكيت كات"

يعد من أبرز الأعمال التي قدمها الراحل، وتدور أحداثه في حواري حي الكيت كات، حيث يعيش الشيخ حسني (محمود عبدالعزيز) مع أمه (أمينة رزق) وابنه يوسف (شريف منير)، وعلى رغم فقده بصره وعمله وزوجته، فإنه لم يفقد الأمل ولم يسلم بأنه أعمى، فهو يستغل دكاناً بالمنزل الذي تركه له والده ليدخن فيه الحشيش مع أصحابه ويغني لهم على العود بعدما فشل بفي دراسته الأزهرية وفشل أن يصبح منشداً، وباع البيت لتاجر المخدرات الهرم (نجاح الموجي) مقابل راتب يومي من الحشيش، إضافة إلى ابنه الذي لا يجد وظيفة عقب تخرجه في الجامعة، ويفشل في العثور على عقد عمل بالخارج ويحاول الهجرة إلى الخارج، ويدخل في علاقة مع جارته الشابة المكبوتة جنسيًا فاطمة، وتتداخل حكاياتهم مع الحكايات الخفية للحي.

فيلم "الكيت كات" حكاية بسيطة شعبية صاغها بعبقرية داوود عبدالسيد استناداً إلى رواية المبدع إبراهيم أصلان، وعلى رغم بساطتها، فإنها ككل أفلامه، تحمل نكهة فلسفية عميقة، فهو يتحدث عن العجز، والحلم، والحياة والموت، وإرادة التغيير، وإرادة الحياة، من خلال صورة سهلة يفهمها الجمهور.

 

 

يحمل الفيلم  مجموعة من الرسائل المهمة، ولكنها بسيطة فى الوقت ذاته، قد يراها البعض سياسية، وكثر رأوها اجتماعية بحتة تعبر عن حال المجتمع المصرى، آنذاك، ولكن مما لا شك فيه، هو رصد عبدالسيد حالة العبث الموجودة فى مجتمعنا التي قد تصل بنا إلى اللامعقول، تتجسد بوضوع فى مشاهد للشيخ حسني، ولكن أبرزها طريقة قيادة الشيخ لـ"الفسبة" الجديدة في المنطقة.

 حظي الفيلم باهتمام نقدي وجماهيري فاق كل تصور، حيث استمر عرضه أكثر من 20 أسبوعاً، إضافة إلى الاحتفاء والقدير النقدي في الصحافة والمهرجانات، إذ يقدم الفيلم رسالة حقيقية، ويشير إلى أن العمى ليس عمى البصر، ولكن عمى البصيرة، ويحتل  الفيلم المركز رقم 24 في قائمة أفضل 100 فيلم فى ذاكرة السينما المصرية بحسب استفتاء النقاد بمناسبة مرور 100 عام على أول عرض سينمائي بالإسكندرية من 1896 حتى 1996.

وكان عبدالسيد كشف فى لقاءات سابقة عن كواليس النجاح اللافت لفيلمه الشهير "الكيت كات"، مؤكداً أنه لم يكن يتوقع هذا الصدى الواسع عند عرضه، واصفاً سر نجاحه بأنه يعود إلى كونه فيلماً شعبياً مسلياً يصل بسهولة إلى الجمهور.

وأوضح المخرج الكبير خلال لقاء له مع الإعلامية لميس الحديدي فى برنامج "كلمة أخيرة" أن "الكيت كات" نجح لأنه جمع بين المتعة والبساطة، وضم شخصيات شعبية قريبة من الناس، تمتلك خفة دم وجانباً عاطفياً مؤثراً، إلى جانب تكامل العناصر الفنية من موسيقى وتصوير وديكور وأداء تمثيلي، مما أسهم فى خروج الفيلم بصورة ناضجة ومتكاملة حققت نجاحاً كبيراً.

وتطرق عبدالسيد إلى تعاونه مع الفنان الراحل محمود عبدالعزيز، مشيراً إلى أنه لمس فيه منذ البداية ملامح فنان حقيقي يتجاوز مجرد الوسامة، لكنه لم يتوقع حجم النجاح والانفجار الجماهيري الكبير الذي حققه لاحقاً.

وعن قلة عدد أفلامه أوضح داوود عبدالسيد أن لديه مشروعات وأفكاراً عديدة لم تُنفذ واستغرقت وقتاً طويلاً، مؤكداً أنه لا يتحمل مسؤولية تأخر إنتاج بعض الأعمال، إذ تتحمل الصناعة السينمائية جانباً كبيراً من هذه المسؤولية، لافتاً إلى أن رصيده المكون من تسعة أفلام يجعله سعيداً وغير نادم على ما قدمه.

وعن أسباب غيابه عن الإخراج فى السنوات الأخيرة، نفى داوود أن يكون السبب كسلاً، موضحاً أن طبيعة جمهور السينما وصالات العرض تغيرت بصورة جذرية، فبعدما كانت دور العرض ممتلئة فى التسعينيات بجميع درجاتها تقلصت سينمات الأحياء واندثرت واقتصرت الإيرادات على سينمات المولات.

اقرأ المزيد

المزيد من سينما