Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

موجة إنفلونزا تكشف انقساما صحيا في بريطانيا

هناك فكرة بسيطة: لنعِد إحياء شعارات كوفيد "ابقَ في المنزل واحمِ هيئة الصحة الوطنية"

لم يكترث سوى عدد ضئيل جداً منا، ممن لا ينتمون إلى الفئات الأكثر عرضة للخطر، باتخاذ الاحتياطات الضرورية، ما أدى إلى إغلاق المدارس، وتناقص الحضور في أماكن العمل، وإلغاء لمّ شمل العائلات في عيد الميلاد (غيتي)

ملخص

يؤدي التراخي في أخذ لقاحات الإنفلونزا وكورونا وتجاهل الاحتياطات الأساسية إلى تفاقم الإصابات هذا الشتاء، مع إغلاقات مدرسية وضغط متزايد على الخدمات الصحية وخسائر اقتصادية واجتماعية. ويظلّ الوضوح في الإرشادات الصحية، والبقاء في المنزل عند المرض، والالتزام بثقافة الوقاية واللقاح السبيل الأكثر حكمة ورحمة لتفادي تكرار أخطاء عام 2020.

لا أود أن أبدو متفاخراً أكثر من المعتاد، ولكني أخذت اللقاح المضاد للإنفلونزا منذ أسابيع عدة، تماماً كما تلقيت الجرعة المعززة من لقاحات "كورونا". باختصار، أنا كابوس حي لمناهضي اللقاحات.

بينما نفكر في إلغاء لقاءات لم الشمل في عيد الميلاد، وحفلات المكاتب مع زملائنا، وعروض الميلاد المدرسية... وذلك كله بسبب كائن مجهري واحد، نجد أنفسنا هذا الشتاء منقسمين إلى فئتين: "فئة تلقت اللقاح المضاد وتحصنت به" و"فئة أعرضت عنه". وعندما يُطرح السؤال المزعج "هل أخذت اللقاح؟"، ظاهرياً على سبيل الدردشة الجانبية العابرة وفعلياً كوسيلة ناعمة لتصنيف اجتماعي ضمني، يسعدني أن أجيب: "نعم، وفي أول يوم أصبح فيه متاحاً".

كما قلت، لا يخلو الأمر من بعض الغرور، حتى لو اعتقد منظرو المؤامرة أنني أستسلم لـ"غسيل دماغ حكومي" أو ما شابه. وسواء كنت من "القطيع" الأعمى أم لا، فإن امتثالي لتوصيات الصحة العامة يجعلني أشعر بأنني محمي نسبياً ونحن على أعتاب موسم إنفلونزا يبدو أكثر اضطراباً من المعتاد. فإلى جانب "كوفيد"، الذي، للأسف، لن يختفي، وفيروس القيء "نوروفيروس"، نتعرض هذا العام لهجمة غير مسبوقة من الإنفلونزا، تحديداً سلالة "أتش 3 أن 2" H3N2، أو "النسخة الشريرة"، كما يحلو لنا نحن "العلماء" أن نسميها.

بطبيعة الحال، كنا نتوقع وصول الإنفلونزا، كما يحدث كل عام، وإن لم نتوقع شدة الضراوة التي تتمتع بها السلالة المنتشرة حالياً. إلا أن قلة قليلة من خارج الفئات السكانية الأكثر عرضة للخطر حرصت على اتخاذ الاحتياطات اللازمة (وتحملت تكلفتها المادية)، فكانت النتيجة إغلاق المدارس أبوابها، وتراجع أعداد الموظفين في أماكن العمل، وإلغاء تجمعات عيد الميلاد العائلية. هكذا، يتلقى الأداء المتردي أصلاً للناتج المحلي الإجمالي ضربة إضافية بسبب تغيب العمال عن وظائفهم وتراجع الحركة والنشاط الاجتماعيين.

ويزيد الطين بلة أنه بعد فترة قصيرة نسبياً من جائحة "كورونا"، يبدو أننا نسينا تماماً البروتوكولات الأساسية لمواجهة أي تفش لفيروس تنفسي ينتقل عبر الهواء، كما الحال مع الإنفلونزا. وشأن "كورونا"، تؤدي الإنفلونزا أحياناً إلى دخول المستشفى، وإذا كان المصاب ضعيف المناعة أو ذا حال صحية هشة، ليس مستبعداً أن تهدد حياته أو تنهيها تماماً. هل تتذكرون حين اعتقدنا (وقد أصابت توقعاتنا) أن لقاح "كوفيد" سيحمينا ويعيد حياتنا إلى طبيعتها وسابق عهدها؟ معظم الناس، بمن فيهم بعض من "يعتنقون" اليوم "عقيدة" مناهضة اللقاحات [ضاربين عرض الحائط رأي العلم]، كانوا يتسابقون إلى أقرب مركز مجتمعي لتلقي الحقنة.

أما اليوم، فقد بلغ بنا التراخي حد أن كثراً لا يهتمون حتى بأخذ الجرعات المعززة من لقاحات "كوفيد" (الباهظة الثمن بلا شك)، مفضلين أن يخدعوا أنفسهم بالقول إن "كوفيد قد ولى"، والغلو في وهم أن الإنفلونزا ليست سوى رشح وسعال. ثم نصل، كعادتنا نحن البريطانيين، إلى حال ذعر متأخرة حين يكون الأوان قد فات، تماماً كما حصل مع استجابتنا المتأخرة لجائحة "كورونا" عام 2020. إنه الجانب الأسوأ والأكثر خطورة في "روح دونكيرك" (Dunkirk spirit التكاتف والصمود البريطانيين وقت الأزمات): أن نصور الفشل الذريع الذي جلبناه على أنفسنا على أنه ملحمة بطولية.

يتجلى ذلك مجدداً في مستشفياتنا. خصصت "هيئة الإذاعة البريطانية" BBC تقريراً مصوراً من مستشفى "ليستر الملكي"، الذي يضم أقسام الطوارئ الأكثر ازدحاماً في إنجلترا. هناك، رأينا طواقم "هيئة الخدمات الصحية الوطنية" ("أن أتش أس" NHS) تؤدي عملها بكفاءة وهدوء، فيما راحت تفرز الحالات وتتعامل مع موجة هائلة من المرضى على طريقتها المعتادة. غير أن المشهد، من زاوية أخرى، أعاد إلى الأذهان لقطات الأيام الأولى من تفشي "كوفيد" في شمال إيطاليا: أجنحة مكتظة، وأطباء وممرضون لا يرتدون معدات الوقاية الشخصية الكاملة (اختصاراً PPE، مثل الكمامات والأثواب الواقية والقفازات). من المفترض أننا لا نواجه اليوم نقصاً في إمدادات الكمامات والأثواب الواقية والقفازات الطبية، خلافاً لما حصل عند اندلاع جائحة "كورونا"، فلماذا إذاً لا يستخدمها الأطباء والممرضون وفرق الإسعاف؟ هل نسينا كيف بلغ الإنهاك بـ"هيئة الخدمات الصحية الوطنية" ("أن أتش أس" NHS) ذروته عندما عجز العاملون فيها عن الحضور إلى العمل لأنهم هم أنفسهم مرضى ومعديون؟

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لدي اقتراح بسيط: لماذا لا نعيد إحياء إرشادات الصحة العامة الواضحة والفاعلة التي اعتمدناها عام 2020؟ ابقَ في المنزل. احمِ "هيئة الخدمات الصحية الوطنية". أنقذ الأرواح". كان ذلك شعاراً ممتازاً وبالغ الوضوح، ويعبر تماماً عما ينبغي أن يلتزم به اليوم كل من يُصاب بالإنفلونزا، أو "كوفيد"، أو "فيروس القيء"، وما شابه ذلك. فليعد كبير المسؤولين الطبيين البرفيسور كريس ويتي إلى عقد المؤتمرات الصحافية. ففي الوقت الراهن، تسود رسائل مربِكة بشأن الخطوات المطلوبة عند المرض، وكما تبين خلال جائحة "كورونا"، لا يستجيب البريطانيون جيداً للإرشادات الضبابية المليئة بالتفاصيل الدقيقة والتفسيرات المتشعّبة. ببساطة، نحن بحاجة إلى الوضوح.

ولكن بدلاً من اتخاذ موقف حاسم، تكتفي الحكومة بالقول إن ارتداء الكمامة للحد من انتشار الأمراض التنفسية "خيار يمكن للناس التفكير فيه"، داعياً إلى توخي "التصرف السليم" [وفق تقدير كل شخص من دون إرشادات واضحة أو ملزمة]. والأسوأ من ذلك أن زعيمة حزب المحافظين، كيمي بادينوك، تصرح، على نحو يثير الاستغراب، بأنها "ما زالت تعاني صدمة نفسية" من ارتداء الكمامات خلال جائحة "كورونا"، وترى فيها "حاجزاً أمام التفاعل الاجتماعي". ربما يكون ذلك صحيحاً، ولكنه يظل أقل قسوة بما لا يقاس من أن تعطس في وجه قريب مسن فتتسبب بدخوله العناية المركزة. وإذا كانت الجدة ممن يرفضون عمداً أخذ اللقاحات، وأنت مصاب بالإنفلونزا، فلا توجه إليها دعوة إلى عشاء عيد الميلاد. إنه، ببساطة، الخيار الأكثر حكمة ورحمة.

ختاماً، أتمنى لكم عيد ميلاد سعيداً، وصحة أفضل للجميع. وأدعوكم إلى أخذ اللقاح الآن، دونما أي تأجيل.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من صحة