ملخص
فشل بوريس جونسون في الاستجابة المبكرة والحاسمة لجائحة كورونا أدى إلى وفاة 23 ألف شخص كان يمكن إنقاذهم، وسط فوضى حكومية وقرار متأخر بالإغلاق تُحمّله لجنة التحقيق كامل المسؤولية. التقرير يكشف انهيار القيادة، ثقافة سامة داخل الحكومة، وتقصيراً جعل بريطانيا تدفع ثمناً باهظاً من الأرواح والاستقرار.
الآن بتنا نعرف الحقيقة. كنا نعرفها منذ البداية بالطبع، لكن الأمر أصبح الآن مؤكداً. بوريس جونسون لم يكُن مؤهلاً لقيادة البلاد. وما كان ينبغي له أن يتولى رئاسة الحكومة أصلاً.
إلا أنه حتى اليوم، لا يزال هناك "محافظون" يتوقون إلى عودة ذلك "الأشقر العجيب". فقد حقق فوزاً انتخابياً كاسحاً؛ وربما يستطيع فعلها من جديد. أفضل من كيمي أو روبرت، في نظرهم. وسيتمكن من إزاحة نايجل فاراج عن المشهد - لا شك في ذلك لديهم؟
هناك من يعتقد بأن جونسون نفسه لا يزال يراوده حلم بعودة "مدوية ومجيدة" للسلطة، تشبه تلك التي حققها بطله العظيم ونستون تشرشل. في غضون ذلك، يقوم بجمع ثروة طائلة من خلال إلقاء محاضرات حول العالم وإبداء آرائه في وسائل الإعلام. لكن الرد الوحيد الذي يجب أن يتردد صداه عالياً وبحروف كبيرة في وجه كل ذلك هو: 23 ألفاً.
هذا هو عدد الأرواح التي كان يمكن إنقاذها لولا تقصيره، ولو أن الحكومة التي كان يقودها سارعت إلى فرض الإغلاق في وقت مبكر من تفشي جائحة كورونا. جونسون سيبدأ بالمراوغة والتلعثم واستخدام لغة معقدة كما يفعل دائماً عندما يجد نفسه محاصراً - لكن في التقرير الدامغ لهيذر هاليت رئيسة لجنة التحقيق البريطانية في طريقة تعامل الحكومة مع "كوفيد -19"، كانت حاسمة ومباشرة، ولا تقبل جدلاً، ولا تترك له منفذاً واحداً للمراوغة.
ويشير التقرير إلى أن استجابة حكومة بوريس جونسون للوباء كانت "ضعيفة للغاية ومتأخرة بصورة كارثية". فقد كان يفترض به أن يدرك مبكراً أن الأزمة استثنائية وتتطلب قيادة مباشرة منه لفرض الإيقاع العاجل على الاستجابة. ويكشف التحقيق عن أن "ثقافة سامة وفوضوية" داخل الحكومة قوّضت عملية اتخاذ القرار، وأن جونسون لم يعجز عن معالجة هذا الانهيار وحسب، بل شجعه أحياناً. أما الفشل في استخلاص العبر خلال موجات التفشي اللاحقة، فوُصف بأنه "لا يغتفر"، لتستمر سلسلة من الإخفاقات التي طبعت تلك المرحلة بالرعب والعار.
كنا ندرك منذ البداية أن هناك خطأ فادحاً يحدث. ففي حين كانت دول أخرى تلزم مواطنيها وضع الكمامات، وتجري لهم فحوصاً للكشف عن الفيروس، وتقيس درجة حرارة الأفراد في المطارات، لم تكُن بريطانيا تفعل شيئاً من ذلك. وكانت القصص تتوالى عن مسافرين غادروا دولاً خاضعة لإجراءات صارمة، ليعودوا لديارهم حيث الحياة تسير بصورة طبيعية. ففي المملكة المتحدة، كانت ملاعب كرة القدم والحفلات الموسيقية تعج بالناس، بينما في أماكن أخرى من العالم كان الإغلاق سيد الموقف والظلام يخيم على الأجواء.
وتؤكد هاليت ضمن تقريرها أنه لو فُرض الإغلاق في المملكة المتحدة قبل أسبوع واحد فقط، لكان بالإمكان خفض عدد الوفيات خلال الموجة الأولى من الجائحة بنسبة 48 في المئة، أي ما يقارب 23 ألف حالة وفاة كان يمكن تفاديها.
وأمام هذه الحقيقة لا يملك المرء إلا أن يشعر بالرغبة في البكاء، حزناً على معاناة لم يكُن لها داعٍ، وحيوات قطعت مبكراً، وأسر تحطمت. وكل ذلك بسبب ماذا؟ بسبب القصور والادعاء الفارغ (كلمة تعرفها جيداً يا بوريس) من رجل لا يُعنى بالتفاصيل، وقاد منظومة أثبت سلوك بعض أعضائها أنها لم تفهم، ولم تكترث.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
السمكة تتعفن من الرأس، ومن بوريس المهرج، وملك الاستعراض، استمدت الحكومة أسلوبها. ليس في إنجلترا فقط، بل في بقية الأقاليم الثلاثة أيضاً. وعندما جاء قرار الإغلاق الإلزامي، جرى "تنفيذه في اعتقاد صادق ومبرر بأنه ضروري". لكن التقرير يضيف: "لم يكُن أمامهم خيار في تلك المرحلة. لكنهم هم من أوصلوا أنفسهم إلى تلك النقطة، عبر أفعالهم وإهمالهم".
ثم زاد بوريس جونسون الوضع سوءاً أكثر مما كان عليه في البداية. وعندما فُرض الإغلاق، طال أكثر مما كان ينبغي، تاركاً وراءه ندوباً نفسية عميقة. لماذا؟ لأن من كانوا في موقع المسؤولية لم يتخذوا "إجراءات حاسمة وفي الوقت المناسب".
إنه أنت يا بوريس. نعم، أنت: الرئيس المباشر لذلك المستشار [دومينيك كامينغ] الذي خرق القواعد وقاد سيارته عبر البلاد وهو مصاب فيما كان يفترض به أن يبقى في منزله، وأنت أيضاً من كانت تحيط به في "داونينغ ستريت" مجموعة أقامت الحفلات بينما كان الجميع محاصرين في بيوتهم. القادة يحتذى بهم، وهذا هو النموذج الذي قدمته.
وبينما كانت العقول الأكثر خبرة تنهمك في تطوير لقاح – وقد نجحت المملكة المتحدة في ذلك فعلاً – إلا أنه لا ينبغي التمسك بهذه النقطة كثيراً. فالمؤشرات الأهم كانت أن العلاج استغرق وقتاً ليصبح فاعلاً داخل بريطانيا، فيما كان متحور جديد ينتشر. أما الفشل المتكرر في اتخاذ إجراء سريع وحاسم، فأدى إلى إغلاق مدمر آخر للمدارس.
ما جاء في التقرير هو قراءة مؤلمة ومفجعة إلى أبعد حد، ودامغة تماماً. إلا أننا كنا نعلم ذلك، بالطبع كنا نعلم.
© The Independent