Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أسواق المال الخليجية على أعتاب مرحلة جديدة: عمق أكبر وجاذبية أقوى

تجاوز قيمة القطاع حاجز 700 مليار دولار

قيمة التداولات في النصف الأول من العام في الأسواق الخليجية بلغت نحو 314.5 مليار دولار (اندبندنت عربية)

ملخص

أوضح الصندوق أن هذه النتائج تبرز الحاجة إلى تطوير وتعميق مختلف قطاعات السوق المالي في كل دولة خليجية، عبر تعديلات تنظيمية دقيقة وتحديث بنية السوق التحتية وتوسيع قاعدة المستثمرين في أسواق الأسهم والسندات.

قطعت دول مجلس التعاون الخليجي خطوات كبيرة خلال السنوات الأخيرة في جهودها لجذب الاستثمار الأجنبي إلى أسواقها المالية، مدفوعة بطموحات لتسريع النمو الاقتصادي وتنويع مصادر الدخل بعيداً من النفط.

وفي هذا الإطار، تعمل الحكومات بصورة مكثفة على تهيئة بيئات استثمارية أكثر ملاءمة وتعزيز بنية أسواق المال.

وفي تقرير حديث، أشار صندوق النقد الدولي إلى وجود فرص متاحة لتعميق الأسواق المالية في دول الخليج عبر حزمة إجراءات مستهدفة، مؤكداً أن مؤشرات عمق السوق (مثل نمو الائتمان الخاص، وقيمة الأسهم المدرجة، وحجم سوق السندات المحلية) لا تزال أقل من إمكاناتها، خصوصاً في ما يتعلق بسوق السندات بالعملة المحلية.

وأوضح الصندوق أن هذه النتائج تبرز الحاجة إلى تطوير وتعميق مختلف قطاعات السوق المالي في كل دولة خليجية، عبر تعديلات تنظيمية دقيقة وتحديث بنية السوق التحتية وتوسيع قاعدة المستثمرين في أسواق الأسهم والسندات. وشدد على أن تعميق الأسواق المالية يسهم في تعبئة رأس المال طويل الأجل، وهو ما يعزز مرونة خطط التنويع في ظل حالة عدم اليقين المرتفعة.

ولفت التقرير إلى وجود مجال واسع لزيادة الائتمان الموجه للقطاع الخاص (خصوصاً للشركات الصغيرة والمتوسطة)، وتعزيز سوق السندات بالعملة المحلية، مشيراً إلى أن تطوير أسواق الائتمان يتطلب سياسات مالية حذرة، واستراتيجيات فعالة لإدارة الدين، وزيادة المنافسة، وتحسين جودة وتغطية نظم المعلومات الائتمانية، وتبسيط إجراءات الإفلاس، ورفع الثقافة المالية، مضيفاً أن دعم سوق السندات المحلية يتطلب إزالة عوائق هيكلية مثل انخفاض المدخرات الخاصة والسيولة، إضافة إلى سد فجوات البنية التحتية للسوق وتعزيز استراتيجيات الإصدار.

وتوجهت "اندبندنت عربية" إلى عدد من المحللين الماليين وطرحت عليهم مجموعة من التساؤلات الرئيسة، من بينها، هل تحتاج دول الخليج بالفعل إلى تطوير وتعميق جميع قطاعات السوق المالية؟ وهل هناك ضرورة لتوسيع قاعدة المستثمرين في أسواق الأسهم والسندات الخليجية؟ وهل تفتقر الأسواق الخليجية إلى العمق والسيولة الكافية لاستيعاب تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية الكبيرة، خصوصاً في ظل حاجة المستثمرين الدوليين إلى ضمانات وخروج ودخول سلسين للأسواق؟ وما أبرز التحديات التي قد تواجه أسواق المال الخليجية خلال 2026؟

"انعدام الضرائب على الاستثمار الأجنبي في الأسهم في الخليج عامل جذب كبير"

وقال عضو المجلس الاستشاري الوطني في معهد "تشارترد" للأوراق المالية والاستثمار في الإمارات وضاح الطه، إن "الأسواق الخليجية شهدت خلال السنوات الـ20 الماضية تطوراً ملاحظاً على صعيد التشريعات والبنى التحتية والثقافة الاستثمارية والجاذبية أمام الاستثمارات الأجنبية"، مضيفاً أن "أداء الأسواق الخليجية كان جيداً ومتطوراً بصورة عامة، وأن السنوات الثلاث الماضية شهدت إدراجات مهمة، خصوصاً في السعودية والإمارات". وأشار الطه إلى حدوث تحول جوهري في هيكلية الاستثمار، إذ دخلت الصناديق السيادية إلى الأسواق المحلية، بعدما كان تركيزها منصباً على الأسواق الخارجية، معتبراً ذلك تطوراً إيجابياً، موضحاً أن الصناديق السيادية الخليجية تتمتع بحوكمة ومهنية عاليتين وسمعة جيدة، مما يمنح ثقة إضافية للمستثمرين المحليين والأجانب عند دخولها في أسهم معينة.

ولفت الطه إلى أن قيمة التداولات في النصف الأول من العام في الأسواق الخليجية بلغت نحو 314.5 مليار دولار، إذ استحوذت السوق السعودية على 58 في المئة منها، بينما شكل سوقا أبوظبي ودبي 22.8 في المئة، بواقع 15.5 في المئة لأبوظبي و7.2 في المئة لدبي، وقفزت التداولات في الإمارات من 49 مليار دولار إلى 71 مليار دولار، وارتفعت التداولات في البورصة الكويتية بصورة لافتة من 21.6 مليار دولار إلى 41.1 مليار دولار في عام 2025، مشيراً إلى زيادة واضحة في عدد حسابات التداول. وأضاف الطه أن من المؤشرات المهمة في تقييم نشاط الأسواق نسبة القيمة السوقية إلى الناتج المحلي الإجمالي، متابعاً "ووفق الإحصاءات الدولية لعام 2022، كلما ارتفعت هذه النسبة كان ذلك مؤشراً أفضل، ويبلغ متوسط النسبة في 75 دولة نحو 47.8 في المئة، وفي السعودية وصلت القيمة السوقية إلى الناتج المحلي الإجمالي عام 2022 إلى 213 في المئة، أي أكثر من ضعفي الناتج، وهو مؤشر إيجابي، وسجلت الإمارات نسبة مرتفعة بلغت 137.7 في المئة، متجاوزة المتوسطات الدولية بصورة كبيرة".

وأوضح الطه أن القيمة السوقية الإجمالية للشركات المدرجة في السعودية تجاوزت تريليوني دولار (منها 1.6 تريليون قيمة أرامكو)، بينما بلغت القيمة السوقية في الإمارات أكثر من 837 مليار دولار، وفي الكويت نحو 152 مليار دولار في عام 2022، مؤكداً أن الأسواق الخليجية واعدة وتبشر بمزيد من النمو. وأشار إلى وجود تنوع بارز في القطاعات بالسوقين السعودي والإماراتي، مع الحاجة إلى إدراج قطاعات إضافية تعزز العمق، مثل التكنولوجيا والخدمات النفطية والغاز، إضافة إلى القطاع السياحي الذي لا يزال غير ممثل بصورة كافية في أسواق المال الخليجية، وتحدث عن فرص واعدة في منتجات مثل السندات وصناديق الاستثمار العقاري التي انتشرت في السعودية (REIT)، مما يوفر بدائل أوسع للمستثمرين، خصوصاً الأجانب.

وشدد الطه على أن الأسواق الخليجية أسواق حرة لا تفرض قيوداً أو ضرائب على الاستثمار الأجنبي في الأسهم، وهو ما يشكل عامل جذب مهماً، موضحاً أن الاستثمارات الأجنبية آخذة في الارتفاع، إذ تصدرت الإمارات عام 2024 دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في جذب الاستثمارات الأجنبية، التي تتوجه إلى قطاعات متنوعة وتدعم بصورة غير مباشرة الاستثمار في سوق الأسهم، وتشهد السعودية زخماً كبيراً في الاستثمارات الأجنبية. وختم بالقول إن الأسواق الخليجية تتمتع ببيئة آمنة وواعدة، وإن الهيئات الرقابية المعنية بأسواق المال تتسم بالصرامة والموضوعية ولا تجامل أحداً، مما يعزز الشفافية والجاذبية الاستثمارية في المنطقة.

"دول الخليج ومقومات راسخة لاستيعاب رؤوس أموال أجنبية ضخمة"

من جانبه، قال الرئيس التنفيذي لشركة "أف إتش كابيتال" طارق قاقيس، إنه من غير المنصف الادعاء بأنه لا يوجد سيولة كافية ولا يوجد عمق بأسواق المال الخليجية، ففي غضون أقل من عقد، تحولت دول الخليج إلى أحد أنشط مراكز الاكتتابات وجذب رؤوس الأموال على مستوى العالم بناء على معلومات المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومؤشرات "MSCI" و"FTSE". وأكد قاقيش أن أسواق السعودية والإمارات أثبتت قدرتها على قيادة نهضة حقيقية، إذ سجلت الرياض طروحات بمليارات الدولارات سنوياً وفق بيانات "تداول السعودية"، لتصبح ضمن أكبر خمس أسواق في العالم من حيث قيمة وعدد الاكتتابات، وفي الإمارات شهدت أسواق دبي وأبوظبي طفرات مماثلة، كان أبرزها إدراج "ديوا" الذي جمع أكثر من 6 مليارات دولار، في أكبر طرح تشهده الإمارة وفق بيانات سوق دبي المالي.

وترافق هذا الزخم مع قفزات لافتة في أحجام التداول، إذ تجاوز متوسط السيولة اليومية في السوق السعودية ما بين 5 و7 مليارات دولار، وفي الإمارات ما بين 1.5 و2.5 مليار دولار، بما يعكس توسع قاعدة المستثمرين المؤسسيين وارتفاع حصة الاستثمار الأجنبي عقب الانضمام إلى المؤشرات العالمية.

وأشار قاقيش إلى أن تقديرات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي تظهر أن دول مجلس التعاون تستحوذ اليوم على أكثر من 40 في المئة من سوق الصكوك عالمياً، مع تجاوز إجمال سوق السندات والصكوك 700 مليار دولار واتجاهه نحو تريليون دولار قريباً، وشهدت السنوات الأخيرة توسعاً ملاحظاً في الإصدارات السيادية وإصدارات الشركات، مما أسهم في تعميق قنوات التمويل وتقليل الاعتماد على التمويل المصرفي التقليدي، انسجاماً مع أفضل الممارسات الدولية. وأضاف أن تنويع الأدوات المالية لم يعد خياراً نظرياً، بل أصبح واقعاً ملموساً، إذ أدخلت أدوات متقدمة مثل المشتقات المالية وصناديق المؤشرات المتداولة، إلى جانب تطوير بنية تقنية متقدمة تشمل غرف مقاصة مركزية، ومنصات حوكمة، ورقمنة كاملة لأنظمة التداول والإفصاح، ورفع ذلك مستويات الشفافية، وسرعة تنفيذ الصفقات، وقلل أخطار التسوية، مما عزز ثقة المستثمرين العالميين. واشار قاقيش إلى أن التحديات المرتبطة بطبيعة الأسواق النامية باتت اليوم محفزاً لمزيد من التطوير، وليس عائقاً أمامه، ويؤكد أن المرحلة المقبلة تستدعي مواصلة توسيع قاعدة المستثمرين، وزيادة الإدراجات في قطاعات اقتصادية مستقبلية مثل التكنولوجيا والخدمات اللوجستية والاقتصاد الأخضر، إضافة إلى تعزيز تكامل الأسواق الخليجية لخلق منصة مالية إقليمية أكثر عمقاً. وشدد على أهمية دعم مشاركة المستثمر المحلي طويل الأجل عبر صناديق التقاعد والتأمين وبرامج الادخار والاستثمار، بما ينسجم مع مستهدفات "رؤية السعودية 2030" ورؤية "الإمارات 2050" الهادفتين إلى تنويع مصادر النمو وبناء اقتصاد استثماري متقدم. وختم قاقيش بالقول، "برأيي، دول الخليج لم تعد في مرحلة البدايات كما يظن بعضهم، بل باتت في مرحلة تسارع النمو، بل تمتلك اليوم مقومات راسخة لاستيعاب رؤوس أموال أجنبية ضخمة، مما تحقق خلال سنوات قليلة في هذه الأسواق يعادل مما استغرق تحقيقه عقوداً في تجارب مالية أخرى حول العالم، وهو ما يعكس حجم التحول الاستراتيجي العميق الذي تشهده المنطقة".

"توجه خليجي لإعادة تنشيط سوق السندات"

من جانبه رأى المحلل الاقتصادي الكويتي محمد رمضان أن هناك مشكلة بنيوية في سوق السندات بدول مجلس التعاون الخليجي. ويوضح أنه في الكويت، على سبيل المثال، كان هناك سوق سندات قبل سنوات طويلة، لكن البنوك (التي سعت إلى الحفاظ على هيمنتها على التمويل) دفعت نحو إلغاء هذه السوق، مما أدى إلى اختفائه تماماً. وأضاف رمضان أن البنوك لا تزال اليوم اللاعب المهيمن، بينما تظل سوق السندات ضعيفة، على رغم وجود توجه في معظم الدول الخليجية لإعادة تنشيطه، وهي خطوة يصفها بأنها بالغة الأهمية. ولفت كذلك إلى أن هناك حدوداً للاستثمار وتملك الأجانب ينبغي إزالتها لتعزيز التدفقات الاستثمارية الأجنبية، إلى جانب الحاجة إلى جذب تكنولوجيات جديدة بالتعاون مع الشركات العالمية لتسهيل عمليات التداول، فضلاً عن تشجيع صناديق التأمينات وصناديق التقاعد على الاستثمار في السوق المحلية، بما يسهم في رفع مستوى السيولة. وتابع "هناك مقولة معروفة مفادها أن السيولة تجذب مزيداً من السيولة"، موضحاً أن الأسواق ذات المستويات المرتفعة من السيولة تستقطب مستثمرين أكثر، لأن أخطار الدخول والخروج تكون أقل، مما يجعلها أكثر تفضيلاً للمستثمرين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأشار رمضان إلى أن المستثمرين الأجانب بحاجة إلى التوسع في الاستثمار داخل منطقة الخليج التي تعد آمنة وتتمتع بآفاق نمو واعدة، إضافة إلى مستويات إنفاق حكومي عالية لا تضاهيها حتى بعض الدول المتقدمة، مما يعزز جاذبية المنطقة. لكنه لفت إلى أن دول الخليج تخشى مما يعرف بـ"الأموال الساخنة" التي يمكن أن تغادر الأسواق بسرعة، مؤكداً أن هذا القلق يجعل من الضروري تنظيم دخول وخروج الأموال الأجنبية عبر إنشاء صناديق متداولة في البورصة، بما يسمح باستثمارات أجنبية منظمة وأكثر فعالية، ويمنح المستثمرين إمكان الاستثمار في مجموعات من الأسهم بصورة سريعة وسهلة.

وفي ما يتعلق بالهواجس الاقتصادية، أوضح رمضان أن دول الخليج لا تزال تعتمد بصورة كبيرة على النفط، مما يجعلها عرضة لتقلبات الأسعار، فإذا تراجعت أسعار النفط بصورة كبيرة لفترة طويلة، فقد يتأثر الإنفاق الحكومي الذي يشكل رافعة النمو الرئيسة، مما قد يفضي إلى أخطار اقتصادية أو حتى جيوسياسية. ويختتم بالقول إن المنطقة واعدة بالفعل، لكنها تظل مرتبطة بصورة مباشرة بأسعار النفط والإنفاق الحكومي الناتج عنه، مما يعني أن أي انخفاض كبير وطويل الأمد في أسعار النفط قد يعرقل تحقيق النمو المتوقع.

"تنويع الاستثمار في السوق الخليجية أصبح ضرورة مطلقة"

من جهته، قال المحلل المالي حسن الريس إن دول مجلس التعاون الخليجي كانت دائماً نشطة في التنويع الاقتصادي واستثمار الأموال داخلياً وخارجياً، إلا أن وتيرة هذا التنويع لم ترتق بعد إلى مستوى الأسواق الدولية، مضيفاً أن الدخول في سوق متنوعة يتطلب تعديل بعض القوانين واللوائح لجعلها أكثر جذباً للاستثمارات الأجنبية والمحلية. وأوضح الريس أن هذا يشمل سوق الدين، مثل السندات والصناديق طويلة الأجل، التي تسمح للشركات (بما في ذلك بعض الجهات الحكومية) بجمع الأموال عبر الطرح العام الأولي أو أدوات أخرى لدعم النمو. وأكد الريس أن تنويع الاستثمار في سوق الخليج لم يعد مجرد رفاهية أو مطلباً شكلياً، بل أصبح ضرورة مطلقة، مع تقييم العالم للاستثمارات والاقتصادات بصورة متزايدة، أصبح التنويع هو المفتاح. وأشار إلى أن بعض خطوات التنويع تتطلب تعديل اللوائح، لافتاً إلى إعلان السعودية الأخير بدء نظام التملك الحر ابتداء من يناير (كانون الثاني) 2026، مدعوماً بخطط الإقامة طويلة الأجل.

ولزيادة سيولة السوق وجذب الاستثمارات، تابع الريس أن هناك حاجة إلى تعديلات تنظيمية إضافية، ويشير إلى أن بعض الأسواق لا تزال تقيد ملكية الأسهم في شركات أو مؤسسات مالية للمقيمين فحسب أو تحصرها جزئياً، على رغم أن غالبية المستهلكين من المقيمين والأجانب، وهذا لا يخدم مصالح الشركات، خصوصاً الجمعيات التعاونية التي تتعامل مع السلع الاستهلاكية. ودعا الريس إلى ضرورة التركيز على تنويع الأسواق، قائلاً "هناك إطار زمني واضح لتنويع الاستثمارات، إما اللحاق بالقطار أو الانتظار للفرصة التالية، أو حتى التخلف عن الركب، والتقنية الحديثة تتيح اليوم شراء أسهم شركات كبيرة، مثل شركات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة، عبر تطبيقات من المنزل".

اقرأ المزيد