Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف استفادت الصين من تعريفات ترمب في تعزيز صادراتها؟

الاعتماد على استراتيجية من 3 محاور أهمها التوجه نحو الأسواق المتعطشة للسلع الرخيصة

تمكنت الصين من تحقيق فائض تجاري قياسي بلغ تريليون دولار في 11 شهراً (أ ف ب)

 

ملخص

تؤكد الأرقام التجارية للصين أن استبدال السوق الأميركية ليس عصياً في ظل توسع حروب التجارة مع أميركا.

قبل عام واحد فحسب سارع المصنعون الصينيون خوفاً من حرب تجارية جديدة إلى زيادة صادراتهم عقب فوز الرئيس الأميركي دونالد ترمب في الانتخابات، والذي كان تعهد فرض رسوم جمركية باهظة على الواردات الصينية رداً على اتساع العجز التجاري الأميركي. وبعد عام أوفى ترمب بوعده، لكن الصين غيرت استراتيجيتها وزادت صادراتها وفي استعراض لافت للمرونة حقق ثاني أكبر اقتصاد في العالم فائضاً تجارياً قياسياً بلغ تريليون دولار في الأشهر الـ11 الأولى من العام فحسب، وهو إنجاز لم تحققه أي دولة أخرى.

وعززت هذه النتيجة المذهلة التي تؤكد أن السوق الأميركية ليست عصية على الاستبدال تماماً ثقة الرئيس الصيني شي جينبينغ في اتباع نهج حازم مع ترمب طوال الحرب التجارية الممتدة هذا العام.

وبينما خفف البلدان من حدة التوتر وعادا إلى هدنة تجارية هشة بعد اجتماع ترمب وشي في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي لا يزال التوصل إلى اتفاق نهائي بعيد المنال.

استراتيجية جديدة تعتمد على 3 محاور

يكمن سر نجاح الصادرات الصينية في ظل ضغوط التعريفات الجمركية التي فرضها ترمب في أمر واضح، ولا يعود بالكامل إلى الإدارة العليا، فقد ضاعف المصدرون الصينيون جهودهم في استراتيجية بدأوا بتطبيقها خلال ولاية ترمب الأولى، تعتمد على تنويع مصادرهم بعيداً من الولايات المتحدة، وإعادة توجيه الشحنات، والتوجه بقوة نحو الأسواق المتعطشة للسلع الرخيصة.

خلال الأشهر الـ11 الأولى من العام ارتفعت صادرات الصين بنسبة 5.7 في المئة مقارنة بالعام السابق وفقاً لبيانات الجمارك، وأظهرت البيانات أن نمو الصادرات إلى أوروبا وجنوب شرقي آسيا وأفريقيا بنسب 8.9 في المئة و14.6 في المئة و27.2 في المئة على التوالي، عوض بصورة كبيرة الانخفاض الحاد في الشحنات إلى الولايات المتحدة بنسبة 18.3 في المئة خلال الفترة نفسها.

مع ذلك لا يمكن للفائض التجاري الصيني المتزايد أن يحجب مشكلاتها الاقتصادية الأساسية، ويعكس أداء صادراتها المتواضع جزئياً تحديات هيكلية أعمق، بما في ذلك ضعف الطلب المحلي وتراجع ثقة المستهلك.

وعززت براعة الصين التصنيعية مكانتها كمركز عالمي للصناعات، مما مهد الطريق لتحولها السريع نحو التصدير، إلا أن سنوات من الاستثمار المكثف في قطاع التصنيع أدت أيضاً إلى فائض كبير في الطاقة الإنتاجية في عديد من القطاعات، مما دفع الصناعات إلى البحث عن أسواق خارجية لتحقيق النمو، في حين فاقم المنافسة السعرية محلياً.

الصادرات تقفز بنسبة 45 في المئة في 5 سنوات

كيف حدث ذلك؟ كثيراً ما شكلت الصادرات ركيزة أساسية للنمو الاقتصادي في الصين، في إطار استراتيجية "صنع في الصين 2025" الصناعية التي أطلقها شي جينبينغ قبل عقد من الزمن، ضخت بكين مليارات الدولارات في قطاعات استراتيجية بهدف الهيمنة على سلاسل التوريد عالية التقنية، إضافة إلى الصناعات التقليدية.

وأسفرت نتائج هذا الطموح المتمثلة في التقدم الذي أحرزته الصين في قدراتها التصنيعية الهائلة أصلاً إلى جانب طفرة الطلب الناجمة عن الجائحة عن زيادة صادرات الصين بنحو 45 في المئة خلال السنوات الخمس الماضية، وفقاً لشركة "نومورا" للخدمات المالية.

وقد واجهت اقتصادات صناعية أخرى صعوبة في مواكبة الإنتاج الصيني الضخم منخفض الكلفة، وفي السنوات الأخيرة، ازداد اعتماد بعض الدول النامية على المنتجات والمكونات الصينية.

في تعليق نشرته وسائل الإعلام الحكومية قبل أيام أرجع نائب رئيس الإدارة العامة للجمارك وانغ جون نجاح الصين التجاري إلى سلسلة التوريد الصناعية المتكاملة في البلاد، والزخم الذي تولده قطاعات التكنولوجيا المتقدمة، وعزيمة المصدرين الذين يواصلون التقدم على رغم التحديات.

أما رئيس التحرير السابق لصحيفة "غلوبال تايمز" الحكومية والمعلق القومي البارز هو شيغين فقد عبر عن الأمر بوضوح أكبر، إذ كتب على وسائل التواصل الاجتماعي، "لا يمكن القضاء على القدرة التنافسية للمنتجات الصينية من خلال الحمائية التجارية، فجودتها وأسعارها المنخفضة تشكلان جاذبية لا تقاوم، وتؤكد قوى السوق أن سلسلة التوريد الصينية لا مثيل لها في عالم اليوم".

توقعات باتساع الفائض التجاري في 2026

لكن الاقتصاديين أشاروا إلى أن جزءاً من نمو الصادرات الصينية إلى مناطق أخرى قد يعكس ببساطة عمليات الشحن العابر (البضائع التي تمر عبر دول مثل دول جنوب شرقي آسيا، حيث تخضع لمزيد من المعالجة والتجميع قبل إعادة تصديرها إلى الولايات المتحدة).

لكن لا يزال من الصعب على المسؤولين الحكوميين والاقتصاديين تحديد الحجم الفعلي لهذه الشحنات العابرة، مما يعقد تطبيق الرسوم الجمركية الأميركية، على رغم أن ترمب قد فرض رسوماً إضافية على البضائع المعاد توجيهها وأبرم اتفاقات في شأن رسوم الشحن العابر مع دول مثل فيتنام.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وشكك الاقتصاديون أيضاً في استدامة هذا النمو السريع في الصادرات، ويتوقع كثر أن تحافظ الصادرات الصينية على قوتها في العام المقبل، على رغم أن وتيرة النمو من المرجح أن تتباطأ عن مستوى هذا العام.

في مذكرة بحثية حديثة تتوقع المتخصصة في الشأن الاقتصادي الصينية في مؤسسة "كابيتال إيكونوميكس" زيتشون هوانغ أن يتسع الفائض التجاري للبلاد أكثر في العام المقبل، إذ يعزز تحويل مسار التجارة الصادرات، بينما يتوقع انخفاض الواردات وسط ضعف الطلب المحلي.

سياسات حمائية إضافية تلوح في الأفق

لكن تلوح في الأفق سياسات حمائية إضافية، فحتى قبل هذا العام، أعربت حكومات من الاتحاد الأوروبي إلى الهند والبرازيل عن مخاوفها في شأن "إغراق" الصين لأسواقها بالسلع، ومن المرجح أن تفاقم الصادرات المتزايدة هذا العام هذه المخاوف.

وقد فرض الاتحاد الأوروبي بالفعل رسوماً جمركية وإجراءات أخرى لمكافحة الإغراق على السيارات الكهربائية الصينية وغيرها من الصادرات.

وخلال زيارة للصين الأسبوع الماضي سلط الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الضوء على الاختلالات التجارية "غير المحتملة" بين الدول الأوروبية والصين، محذراً في مقابلة مع صحيفة فرنسية لاحقة من إمكان فرض مزيد من الرسوم الجمركية.

العقارات في صدارة نقاط ضعف داخلية

على رغم أن النمو الملحوظ في الصادرات لا تزال التحديات الاقتصادية قائمة داخل الصين، ولا يزال قطاع العقارات الذي كان يعد ركيزة أساسية للنمو، يعاني تباطؤ مستمر ويدخل عامه الخامس، وبالنسبة إلى عديد من الصينيين الذين استثمروا مدخراتهم في العقارات، أدى انهيار السوق إلى إضعاف قدرتهم على الإنفاق، مما أدى إلى انخفاض الطلب الإجمالي.

كذلك استمرار ارتفاع معدلات بطالة الشباب إضافة إلى ضعف أنظمة الضمان الاجتماعي يلقي بظلاله على الاستهلاك، ولهذا السبب لم ترتفع الواردات التي تعد مؤشراً إلى الطلب المحلي إلا بنسبة 0.2 في المئة فحسب خلال الأشهر الـ11 الأولى من العام مقارنة بالعام الماضي.

ومما يزيد الطين بلة أن الانكماش الاقتصادي قد خيم على الاقتصاد طوال معظم العام مدفوعاً بفائض الإنتاج وحروب الأسعار الشرسة، لا سيما في قطاعات مثل السيارات الكهربائية والتجارة الإلكترونية ومواد البناء، وقد بلغت المنافسة على خفض الأسعار هذا العام حداً دفع بكين إلى التدخل لكبح جماح المصنعين، على رغم أن الاقتصاديين يعتقدون أن الضغوط الانكماشية من غير المرجح أن تخف قريباً، وسط هذه التحديات أصبحت الصادرات بمثابة شريان حياة اقتصادي وواحداً من المصادر القليلة الموثوقة للنمو في وقت لا تزال فيه بكين مترددة في إطلاق برنامج تحفيز كبير.

وأشار بيان رسمي حديث صادر عن المؤتمر الاقتصادي المركزي للحكومة الصينية إلى أن الاقتصاد الوطني لا يزال يواجه مزيجاً من "المشكلات القديمة والتحديات الجديدة"، مضيفاً "تأثير تغير البيئة الخارجية يتزايد، وهناك تناقض ملحوظ بين العرض القوي والطلب الضعيف محلياً، إلى جانب أخطار كبيرة في المجالات الرئيسة". وأشار إلى أن "سياسة مالية أكثر فاعلية" و"سياسة نقدية أكثر مرونة" ستستمران خلال العام المقبل، وتستعد بكين للكشف عن خطتها الاقتصادية الخمسية المقبلة، والتي ستوجه استراتيجية التنمية الصينية وأولوياتها خلال السنوات الخمس المقبلة، ولن تنشر التفاصيل الكاملة للخطة حتى مارس (آذار) 2026.

اقرأ المزيد