ملخص
صعدت روسيا من حربها الهجينة داخل أوروبا عبر تفجيرات في بولندا، وضرب ناقلة غاز قرب رومانيا، واختراقات جوية متكررة، في حملة تخريبية اتُهمت فيها بتنفيذ ما لا يقل عن 70 هجوماً منذ مارس (آذار). ومع تزايد المخاطر وبلوغ العمليات حد الإرهاب، تتصاعد التحذيرات من أن المواجهة الأوروبية مع موسكو قد تقترب من التحول إلى صدام مباشر.
تواجه روسيا اتهامات بالضلوع في أعمال تخريب طاولت شبكة السكك الحديدية في بولندا، كما استهدف الكرملين ناقلة محملة بالغاز قرب الحدود الرومانية، مما اضطر السلطات إلى إخلاء عدد من القرى. وبالتوازي، كثفت موسكو في الأشهر الأخيرة إرسال مسيرات إلى الأجواء الأوروبية وتحليق طائرات نفاثة فوق إستونيا.
هذه الممارسات، إلى جانب موجات التخريب والهجمات السيبرانية وحملات التضليل عبر وسائل التواصل، تشكل أعمالاً عدائية تدخل في صلب الحرب الهجينة. وبفضل هذا المزيج العدائي، تمكن فلاديمير بوتين من ممارسة نفوذ يتجاوز حجمه الحقيقي بكثير.
موسكو الآن هي المشتبه به الرئيس في التفجير الذي استهدف، يوم الإثنين، خط السكة الحديد الرابط بين وارسو ومدينة لوبلين، وهو شريان أساس يربط بولندا بأوكرانيا.
وزارة الأمن البولندية أعلنت أن "جميع المؤشرات تشير بوضوح إلى عمل تخريبي روسي"، عقب التفجير واعتداء آخر قطعت فيه القضبان على المسار ذاته.
من جهته، وصف رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك الحادثة بأنه "عمل غير مسبوق"، موجهاً الاتهام إلى أوكرانيين يشتبه في تعاونهما مع روسيا، ويعتقد أنهما فرا إلى بيلاروسيا.
بدا توسك غاضباً، غير أن هذه الهجمات ليست جديدة تماماً. فهو يعرف أكثر من أي زعيم أوروبي آخر، ما الذي تفعله موسكو، خصوصاً بعد اختراق الأجواء البولندية بما لا يقل عن 23 طائرة روسية مسيرة خلال سبتمبر (أيلول) الماضي.
لم تكن تلك المسيرات مزودة بأسلحة، لكنها انطلقت في مسار أحادي الاتجاه. فهي ليست طائرات استطلاع تختبر قدرات الدفاع الجوي ثم تعود لقواعدها، بل هي في الواقع أشبه بصواريخ انتحارية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكما حدث في موجات الحرائق المتعمدة التي استهدفت طائرات ومستودعات - وحتى مؤامرة طاولت صاحب مطعم من أصل روسي في لندن - كان يمكن للعمليات التي ضربت بولندا أن تودي بحياة أبرياء. فهذه الأفعال، بكل المقاييس، ليست تخريباً فحسب، بل إرهاب واضح.
هذا الأسبوع، شنت روسيا هجوماً بطائرة مسيرة استهدف ناقلة غاز طبيعي مسال كانت ترفع العلم التركي، وذلك في المياه الإقليمية الأوكرانية. وهو هجوم خلف تداعيات خطرة على رومانيا. وانتشرت حول العالم مقاطع فيديو تظهر تصاعد ألسنة اللهب من السفينة.
مع ذلك، لا يزال حلف شمال الأطلسي (الناتو) يلتزم الصمت حيال كل ذلك.
في سياق آخر، صنفت بريطانيا حركة "العمل من أجل فلسطين" Palestine Action على أنها منظمة إرهابية. وتم اعتقال مئات الأشخاص احتجاجاً على هذا التصنيف الذي جاء بعد قيام الحركة بشن هجمات غير عنيفة، باستخدام الطلاء على ممتلكات وزارة الدفاع.
المفارقة أن عملاء بريطانيين يعملون لصالح روسيا لم توجه إليهم تهم مشابهة أو تنسب إليهم تهم إرهاب، على رغم أن التحقيقات الأخيرة كشفت عن مخططات تضمنت إحراق شركة يملكها أوكرانيون في بريطانيا، دين على أثره خمسة رجال، إضافة إلى مخطط لاختطاف صاحب مطعم "هايد" Hide في حي مايفير في لندن، وإشعال النار فيه.
واستناداً إلى تقرير صادر عن "مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية" Centre for International and Strategic Studies (المتخصص في القضايا السياسية والاقتصادية والأمنية في العالم)، فقد تم تسجيل ما لا يقل عن 70 عملاً تخريبياً في أنحاء مختلفة من أوروبا منذ شهر مارس (آذار) هذه السنة، نسبت جميعها إلى روسيا منذ بدء بوتين غزوه الشامل لأوكرانيا في عام 2022، مع الإشارة إلى أن مصادر أخرى ترجح أن العدد الفعلي أكبر بكثير.
وجاء في التقرير أن نحو 27 في المئة من تلك الهجمات كانت ضد أهداف في قطاع النقل (مثل القطارات والمركبات والطائرات)، بينما ركزت 27 في المئة أخرى على أهداف حكومية (القواعد العسكرية والمسؤولين)، واستهدفت 21 في المئة البنية التحتية الحيوية (مثل خطوط الأنابيب وكابلات الألياف الضوئية تحت البحر وشبكات الطاقة)، في حين كانت نسبة 21 في المئة المتبقية موجهة ضد القطاعات الصناعية (ومنها شركات الدفاع).
وأشار التقرير إلى أن "كثيراً من هذه الأهداف كانت لها صلة بالمساعدات الغربية لأوكرانيا"، أما التكتيكات الأكثر شيوعاً فشملت استخدام المتفجرات والمواد الحارقة، إلى جانب أعمال عنف أخرى وظفت الهراوات والسكاكين ومراسي السفن لتمزيق كابلات الألياف الضوئية، فضلاً عن استغلال مهاجرين غير شرعيين في تنفيذ بعض الهجمات.
وزير الدولة البريطاني السابق لشؤون الأمن توم توغندهات، وصف الهجوم على ناقلة الغاز على الحدود الرومانية بأنه بمثابة "ضربة روسية لـ ’حلف شمال الأطلسي‘"، وحذر من أن "بوتين يوسع نطاق حربه في أوكرانيا بهدف ثنينا عن الدفاع عن الحرية الأوروبية".
وقال توغندهات لـ"اندبندنت" إن "العنف الذي تمارسه روسيا في مختلف أنحاء أوروبا لا يقتصر على الحرب التقليدية فحسب، بل يشمل دعم التخريب والقتل، لقد أصبحت روسيا الآن دولة راعية للإرهاب".
في غضون ذلك، بدأت فرنسا محادثات مع أوكرانيا لتزويدها بـ100 طائرة مقاتلة من طراز "رافال"، لكن من غير المرجح التوصل إلى اتفاق بين الجانبين قبل العام المقبل.
يشار أخيراً إلى أن أوروبا والمملكة المتحدة قامتا بزيادة دعمهما العسكري لأوكرانيا، لتعويض النقص الناجم عن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب وقف جميع المساعدات لكييفه، إلا أن الهجمات الروسية الأخيرة داخل بولندا - الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي التي تعد أيضاً قوة صاعدة في منظمة "حلف شمال الأطلسي"، وهي كما رومانيا تقع جغرافياً على خط التماس مع الجبهة الروسية، تشكل مؤشراً إضافياً على أن الرد الأوروبي قد يحتاج إلى التحول إلى مواجهة فعلية.
© The Independent