ملخص
تواجه دول أوروبا، وخصوصاً الشرقية منها استفزازات روسية متصاعدة في الجو والبحر والبر، تشمل اختراقات للطائرات المسيرة والمقاتلات والمناطيد ضمن حرب هجينة تهدف لاختبار جاهزية "الناتو" وجمع معلومات تمهيداً لاحتمال التصعيد ضد أحد أعضائه.
اهتزت ثقة حلفاء الناتو الأوروبيين في الأشهر الأخيرة جراء الاستفزازات الروسية المتصاعدة على الجبهة الشرقية للحلف، بعدما رصدت سلسلة من اختراقات الطائرات المسيرة للأجواء الأوروبية، واضطر بعض الدول إلى إرسال مقاتلاتها لاعتراض الطائرات الروسية التي كانت تحلق فوق بحر البلطيق.
تصاعدت المخاوف منذ سبتمبر (أيلول) الماضي، حين اخترقت نحو 20 طائرة مسيرة المجال الجوي البولندي، تزامناً مع هجوم روسي واسع النطاق بالمسيرات على أوكرانيا. وبعد أيام فحسب، انتهكت ثلاث طائرات مقاتلة روسية أجواء إستونيا لمدة 12 دقيقة.
وشهدت دول أوروبية أخرى أنشطة مشابهة قرب حدودها دفعتها إلى إغلاق مطارات ونقاط حدودية بصورة موقتة وإعادة تقييم جاهزيتها للتعامل مع أي اختراقات محتملة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يقول محللون إن روسيا تتعمد استفزاز دول "الناتو" لاختبار ردود فعلها وجمع معلومات قد تستفيد منها حين ترى أن الوقت مناسب للتحرك ضد أحد أعضاء الحلف.
اعتراضات فوق بحر البلطيق
في الـ30 من أكتوبر (تشرين الأول) أعلنت بولندا أن مقاتلاتها أقلعت لاعتراض طائرة استطلاع روسية فوق بحر البلطيق في ثاني حادثة من نوعه خلال أسبوع واحد.
وقبل ذلك بيومين اعترضت طائرات بولندية أخرى طائرة روسية كانت تحلق في الأجواء الدولية فوق البلطيق من دون خطة طيران مسجلة وبجهاز إرسال واستقبال مطفأ.
وفي السياق نفسه استأنف مطارا رادوم ولوبلين البولنديان عملياتهما بعد إغلاق موقت بسبب نشاط جوي عسكري في المنطقة، بينما دفعت الهجمات الروسية على منشآت في أوكرانيا المجاورة بولندا وحلفاءها إلى تفعيل حال التأهب الجوية.
مناطيد التهريب فوق ليتوانيا
قالت ليتوانيا في الـ29 من أكتوبر إنها ستمدد إغلاق معابرها الحدودية مع بيلاروس حتى نوفمبر (تشرين الثاني)، رداً على اضطرابات في مجالها الجوي تسببت فيها مناطيد يستخدمها المهربون لنقل السجائر.
أدت تلك المناطيد إلى إغلاق مطارات ليتوانية مرات عدة في أكتوبر. واعتبر الاتحاد الأوروبي أن المناطيد تلك "تأتي في سياق حملة مركزة هجينة أوسع نطاقاً".
بدوره وصف رئيس بيلاروس إغلاق الحدود بأنها "خطوة مجنونة"، واتهم الغرب بشن "حرب هجينة" على بلاده وروسيا معاً.
استفزازات بحرية قرب الدنمارك
اتهمت الدنمارك مطلع أكتوبر السفن الحربية الروسية بالإبحار مراراً في مسارات تصادمية مع سفنها الحربية وبمحاولات تعطيل أنظمة الملاحة في مضائقها التي تربط بحر البلطيق ببحر الشمال.
وقالت وزارة استخبارات الدفاع الدنماركية في الثالث من أكتوبر إن مثل هذه الحوادث تنطوي على خطر تصعيد غير مقصود، مشيرة إلى أن سفناً ومروحيات دنماركية تعرضت لتتبع راداري وتوجيه مباشر بالأسلحة من قبل القطع الروسية.
طائرات مسيرة مجهولة فوق الدنمارك
أعلنت القوات المسلحة الدنماركية أواخر سبتمبر رصد طائرات مسيرة مجهولة قرب منشآت عسكرية.
وفي الـ24 من سبتمبر أغلق مطارا ألبورغ وبيلوند موقتاً، تلاه إغلاق مطار كوبنهاغن في الـ22 من الشهر نفسه بسبب نشاط مشابه.
رئيسة الوزراء قالت إن تورط روسيا لا يمكن استبعاده، فيما وصف الكرملين تلك المزاعم بأنها "لا أساس لها".
وفي النرويج المجاورة أغلق مطار أوسلو أيضاً بعد رصد طائرة مسيرة محتملة في الأجواء.
خرق جوي في إستونيا
في الـ19 من سبتمبر انتهكت ثلاث طائرات مقاتلة روسية المجال الجوي لإستونيا، العضو في حلف "الناتو" لمدة 12 دقيقة في حادثة وصفته تالين بأنه "الأكثر جرأة من نوعه".
وقال وزير الخارجية ماركوس تساخنا إن هذه هي المرة الرابعة التي تسجل فيها خروقات روسية لأجواء بلاده منذ بداية 2025.
وأكدت وزارة الخارجية أن الخرق حصل عندما دخلت 3 طائرات من طراز "ميغ-31" أجواء خليج فنلندا، وأن القائم بالأعمال الروسي استدعي وسلمت إليه مذكرة احتجاج.
مناورات على حدود "الناتو"
أجرت روسيا وبيلاروس مناورات عسكرية مشتركة في الأراضي البيلاروسية بين الـ12 والـ16 من سبتمبر. وعلى رغم أن التدريبات كانت مقررة مسبقاً، فإنها تزامنت مع تزايد التوترات الناجمة عن حوادث الطائرات المسيرة.
ويذكر محللون أن موسكو استخدمت تدريبات مماثلة عام 2021 لحشد قواتها قبل غزو أوكرانيا بعد أشهر قليلة.
وقد شددت كل من بولندا وليتوانيا ولاتفيا إجراءاتها الأمنية خلال مناورات 2025 التي شملت "التخطيط لاستخدام أسلحة نووية".
حوادث في أوروبا الشرقية
في الـ13 من سبتمبر اخترقت طائرة مسيرة روسية المجال الجوي لرومانيا، مما دفع الجيش إلى إرسال مقاتلات لاعتراضها.
وقالت وزارة الدفاع إن الواقعة حدثت أثناء هجوم روسي استهدف البنية التحتية الأوكرانية قرب الحدود بين البلدين.
وبعد يومين أعلنت بولندا أن طائرة مسيرة حلقت فوق القصر الرئاسي في "استفزاز واضح"، واعتُقل إثر الحادثة شخصان من بيلاروس.
اختراق واسع في بولندا
في التاسع من سبتمبر، وبعد أشهر من التحذيرات في شأن "هجمات هجينة" روسية، أعلنت بولندا وقوع ما بين 19 و23 اختراقاً لمجالها الجوي.
ورد "الناتو" بنشر قوة جوية متعددة الجنسيات لإسقاط عدد من تلك الطائرات المسيرة.
رئيس الوزراء دونالد توسك حذر حينها من أن بلاده "أقرب إلى نزاع مسلح مما كانت عليه منذ الحرب العالمية الثانية".
وعلى رغم نفي موسكو استهداف بولندا وتأكيد بيلاروس أن المسيرات ضلت طريقها بسبب التشويش قال قادة أوروبيون إنهم متأكدون من أن الأمر كان استفزازاً متعمداً من بوتين.
وقبل يومين من ذلك سجلت إستونيا خرقاً لمجالها الجوي من مروحية روسية من طراز "مي-8" فوق بحر البلطيق.
هجمات روسية الهجينة
استهدفت روسيا الدول الأوروبية بوسائل أخرى وصفت بأنها جزء من "الحرب الهجينة"، وتشمل هذه الأساليب الهجمات الإلكترونية وعمليات التخريب وحملات التضليل الإعلامي.
وقالت ناتيا سيسكوريا الباحثة في معهد "روسي" RUSI للأبحاث "هذا يحدث باستمرار، وله تداعيات أعمق بكثير على الأمن الأوروبي. وهناك حالات عديدة تتدخل فيها روسيا بصورة مباشرة في الانتخابات. رأينا ذلك يحدث في مولدوفا العام الماضي، ويتكرر هذا العام قبيل الانتخابات البرلمانية هناك".
واتهمت موسكو بالتدخل في انتخابات دول أوروبية منذ سنوات.
وفي 2022 أكد المركز الوطني للأمن السيبراني في المملكة المتحدة أن روسيا كانت وراء هجوم إلكتروني واسع النطاق وقع قبل ساعة من غزو أوكرانيا.
وعلى رغم أن الجيش الأوكراني كان الهدف الرئيس للهجوم الذي استهدف خدمة الإنترنت السريع التابعة لشركة "فياسات" Viasat، فإن تأثيره طاول أيضاً مزارع الرياح في وسط أوروبا، إلى جانب مستخدمي الإنترنت من الأفراد والشركات على حد سواء.
كما ربطت حملات التضليل الإعلامي في الغرب بروسيا.
وأضافت سيسكوريا "هناك جهود متواصلة لترويج روايات مؤيدة لروسيا، تصور الغرب كالمعتدي، في حين يسعى الكرملين لانتهاك سيادة أوكرانيا ويخوض حربه هذه بدوافع إمبراطورية".
© The Independent