ملخص
يؤكد وزير العدل الأردني بسام التلهوني أن نظام العقوبات البديلة منح آلاف المحكومين فرصة الابتعاد من السجن، وتجاوز آثار العقوبات السالبة للحرية، بخاصة للحالات البسيطة التي لا تشكل خطراً على المجتمع، مما قلل العبء على خزينة الدولة، وقلل اكتظاظ السجون التي قد تُفاقم المشكلة الاجتماعية والاقتصادية للمحكوم وأسرته.
بين جدران السجون الأردنية، تتكدّس آلاف القصص لرجال ونساء انتهت بهم لحظة خطأ إلى أعوام من العزل الاجتماعي، بينما كان ممكناً أن تستبدل عقوبتهم بفرصة لإصلاح ما أفسدوا خارج القضبان لا داخلها.
وفي بلد يواجه ضغطاً متزايداً على مراكزه الإصلاحية، وتحدّيات اقتصادية تثقل كاهل الخزينة، لم تعد فكرة العقوبات البديلة ترفاً إصلاحياً، بل تحوّلت إلى خيار واقعي بسبب اكتظاظ في السجون وتفكك الأسر وسط تساؤلات حول تحول ذلك إلى مشروع إنقاذ اجتماعي واقتصادي شامل قادر على صنع فارق ليس في حياة المحكومين فقط، بل في مستقبل العدالة نفسها.
عقوبات بديلة
قانون العقوبات الأردني تم تعديله وتوسعته أخيراً ليشمل أحكاماً تصل إلى ثلاث أعوام بالعقوبات البديلة، وهي عقوبات تنحصر في الخدمة المجتمعية كالعمل غير المدفوع الأجر بواقع (50-200 ساعة)، أو المراقبة الإلكترونية عبر السوار الإلكتروني، بالإضافة إلى حظر ارتياد أماكن محددة والإقامة المنزلية، والبرامج التأهيلية والعلاجية.
واستثنى القانون الجنايات الواقعة على الأشخاص ما لم يتم إسقاط الحق الشخصي، وجنايات أمن الدولة والتزوير والاغتصاب وهتك العرض، وكذلك الجنايات المخلة بواجبات الوظيفة العامة.
وفقاً للإحصاءات تم تنفيذ أكثر من 450 حالة في الربع الأول من عام 2025 وحده من أصل 14 ألف محكوم يتوقع أن تشملهم فكرة العقوبات البديلة وتنقذهم من زنازين السجن.
ويؤكد وزير العدل الأردني بسام التلهوني أن نظام العقوبات البديلة منح آلاف المحكومين فرصة الابتعاد من السجن، وتجاوز آثار العقوبات السالبة للحرية، بخاصة للحالات البسيطة التي لا تشكل خطراً على المجتمع، مما قلل العبء على خزينة الدولة، وقلل اكتظاظ السجون التي قد تُفاقم المشكلة الاجتماعية والاقتصادية للمحكوم وأسرته.
سجون مكتظة
وفق مراقبين يُعيد الأردن تعريف مفهوم العقاب من كونه إجراءً رادعاً خالصاً إلى نهج إصلاحي مجتمعي، عبر توسيع تطبيق نظام العقوبات البديلة، إذ لم يقتصر تأثيره على التخفيف من الاكتظاظ الهائل في مراكز الإصلاح والتأهيل فحسب، بل غيّر مسار حياة آلاف الأردنيين الذين وجدوا فرصة ثانية للانخراط الإيجابي في المجتمع بدلاً من قضاء عقوبتهم خلف القضبان.
هذه القفزة النوعية، المدعومة بالتعديلات الأخيرة على قانون العقوبات، تهدف إلى تحقيق "عدالة إصلاحية" تنظر إلى مستقبل المحكوم عليه وعائلته، وتقدم حلولاً عملية للتحديات الأمنية والاجتماعية المتراكمة.
وتظهر البيانات الحديثة أن إجمال نزلاء السجون في الأردن يبلغ نحو 20 ألف سجين، لكن مع شروع الحكومة بتوسيع استخدام البدائل خلال الأعوام الأخيرة يتوقع ان يؤدي ذلك إلى تخفيف الضغط على السجون المكتظة.
وأظهرت دراسات محلية تحسناً في معدلات عدم العودة للجريمة إثر استخدام المراقبة الإلكترونية، وثمة نتائج إيجابية للخدمة في تحسين فرص إعادة الإدماج، فضلاً عن الآثار المتوقعة لتخفيف الاكتظاظ وتحسين ظروف الاحتجاز مما يؤدي لعواقب صحية ونفسية أقل داخل السجون.
تشير دراسة أجرتها جامعة مؤتة حول دور تطبيق العقوبات البديلة في الحد من العود للجريمة في المجتمع الأردني إلى أن الردع التقليدي يعد تحدياً كبيراً للنظام القانوني والاجتماعي، بخاصة أن الحبس لم يعد المكان الأمثل للردع والإصلاح، كونه يؤدي إلى آثار سلبية على مستقبل النزيل وأسرته، ويزيد من احتمال العود للجريمة، بل ويُعد كلفة مالية كبيرة وإرهاقاً لموازنة الدولة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
توصلت الدراسة إلى نتائج مهمة حول العوامل المؤثرة في العود للجريمة، أبرزها أن دور العوامل الاقتصادية التي لها آثار مباشرة على ظاهرة العودة للجريمة، إذ إن عدم قدرة الفرد على الإنفاق على نفسه ومن يعولهم يؤدي إلى التوتر والقلق، وهذا التدهور في الحال النفسية يدفعه للعودة لارتكاب الجريمة مرة أخرى.
قضايا إنسانية
بدأ الأردن تطبيق العقوبات البديلة عام 2018، وبحسب بيانات وزارة العدل، فقد ورد إلى الوزارة 11 ألف ملف من أصل 14 ألف ملف حكموا ببدائل عقوبات، تم تنفيذ نحو 9 آلاف منها حتى الآن، بينما لا يزال الباقي قيد الإجراء داخل منظومة التنفيذ.
ووفقا للوزارة ثمة قضايا إنسانية عدة نتيجة لهذا التوجه، من بينها قضية لطالب جامعي قررت المحكمة إلزامه بحفظ وتلاوة ما تيسر من القرآن كبديل للحبس، بعد ثبوت اعتدائه على شخص أسقط حقه الشخصي، فاعتبرت المحكمة أن العقوبة الإصلاحية كافية لردعه ولمنحه فرصة تصحيح مساره.
وخلف كل رقم قصة، وقصة أحمد (32 سنة) هي مثال حي على الأثر الإنساني العميق، إذ واجه أحمد حكماً بالحبس لستة أشهر بسبب قضية شيك مرتجع بقيمة صغيرة بعد تعثره في مشروعه الخاص، وكان مصير هذا الشاب الأب لثلاثة أطفال هو السجن لولا تدخل نظام العقوبات البديلة.
بموجب القرار القضائي استُبدل الحكم بعقوبة خدمة المجتمع لمدة 150 ساعة، قضاها أحمد في العمل مع إحدى الجمعيات الخيرية المتخصصة برعاية كبار السن في عمّان.
يقول أحمد "كانت خدمة المجتمع بمثابة صفعة أيقظتني، شعرت بالمسؤولية تجاه المكان الذي أعيش فيه، وبقيت بجوار أطفالي، السجن كان سيدمرني، لكن هذه الفرصة أنقذتني وأعادت لي احترامي لذاتي".
وفق التعديلات الجديدة لقانون العقوبات لعام 2025، أصبحت المحاكم قادرة على استبدال العقوبة السالبة للحرية ببديل مجتمعي في جميع الجنح وبعض الجنايات التي لا تزيد عقوبتها على ثلاث أعوام، حتى لو اكتسب الحكم الدرجة القطعية، شريطة عدم تكرار الجريمة ودراسة الحالة الاجتماعية لكل محكوم.
آثار اجتماعية واقتصادية
وكان وزير الداخلية الأردني مازن الفراية أعلن قبل أعوام اكتظاظ السجون التي لا تزيد طاقتها الاستيعابية عن 13 ألف نزيل وارتفاع نسبة الإشغال فيها إلى 144 في المئة، ومع وجود 20 سجناً موزعة على كامل المحافظات الأردنية تصل نفقات السجين الواحد شهرياً إلى ألف دولار.
وتشير دراسة أجراها القاضيان محمد بني طه وفادي مصلح إلى أن الخدمة المجتمعية حل عملي وفعال لعيوب الحبس قصير المدة، الذي حدده التشريع الأردني بعام فأقل، بخاصة أن العديد من الدراسات والفقه الجزائي ترى أن الحبس قصير المدة لا يكفي لتحقيق إصلاح المحكوم عليه، كما أنه يرهق ميزانية الدولة ويؤدي إلى تعطيل الإنتاج، ويترك آثاراً اجتماعية ونفسية مدمرة على المحكوم عليه وأسرته، ويسهم في انسلاخ السجين عن المجتمع وزيادة حالات العود للجريمة، ومن هنا، كانت الحاجة الملحّة للبحث عن نظام أقل تكلفة وأكثر ملاءمة لإصلاح مرتكبي الجرائم من المبتدئين.
المحامي عبد الله السخني يرى أنه على رغم الطابع الإصلاحي لهذا التوجه، فإن التجربة الأردنية في هذا المجال لا تزال تعاني إشكالات عدة مثل ضعف الأثر الردعي خاصة إذا طُبق في جرائم تمس الأمن المجتمعي أو النظام العام، وقصور آليات الرقابة لأن ذلك مرهون بوجود أجهزة متابعة قوية، في حين أن المنظومة العدلية لا تزال تعاني من ضعف في الإمكانات البشرية والفنية.
ويتحدث المحامي السخني عن انتقائية التطبيق وحصر العقوبات البديلة في المخالفات والجنح البسيطة، مما يقلل من قيمتها كأداة لإعادة التأهيل، فضلاً عن أن تفاوت تطبيق هذه العقوبات بين المحاكم قد يؤدي إلى الإخلال بمبدأ المساواة أمام القانون، في ظل غياب ثقافة مجتمعية داعمة لدى مجتمع لا يزال ينظر للعقوبة بمعناها التقليدي وهو السجن.
ويعبر السخني عن خشيته من أن تصبح العقوبات البديلة وسيلة لإفلات بعض الجناة من العقاب، ولا سيما عند وجود نفوذ اجتماعي أو اقتصادي.