Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا لو لم تكن مؤلفة "كوخ العم توم" مخلِصة كما نعتقد؟

فيلم تلفزيوني يفضح "خيانات" صاحبة أول كتاب فضح العبودية الأميركية

هيريت بيتشر ستو (1822 - 1896): أسئلة مشروعة (ويكيبيديا)

ملخص

الفيلم الوثائقي لا يأتي في هذا المضمار بجديد بالنظر إلى أنه هو نفسه، وخلال ساعة عرضه يقول لنا بصراحة إنه لم يفعل أكثر من تصوير وتجميع عناصر ومعلومات كانت "معروفة" في أميركا من قبل، ولكن نادراً ما اهتم أحد بتوليفها معاً ليطلع منها بنيان معرفي متكامل يأتي على شكل "وقائع" تنسف تلك الأسطورة الأميركية.

من المؤكد أن من بين آلاف الكتب والدراسات والأعمال الإبداعية والعلمية غير الابداعية التي تتناول قضية استرقاق السود الأفارقة في الولايات المتحدة الأميركية، ثمة كتاب مبكر يتفوق عليها كلها في شهرته وفاعليته، بل حتى في تبكيره في الظهور بحيث يبدو وكأنه الكتاب الأول الذي طرح هذه القضية. ولا شك في أن القارئ يتعرف هنا وبسرعة على هذا الكتاب ما أن يقرأ هذه السطور. فالمواصفات ولو مختزلة على هذا النحو، تحيل فوراً وربما بالنسبة إلى عشرات الملايين من الأميركيين ومن كل الأعمار والفئات الاجتماعية في تلك الأمة، إلى الكتاب - المرجع في هذا المجال، "كوخ العم توم" بالتالي، بالطبع، إلى مؤلفته هيريت بيتشر ستو، تلك السيدة التي يعد اسمها في حد ذاته، تعبيراً عن بدايات تعاطي الأميركيين مع تلك القضية التي لم تشغلهم وتشغل تاريخهم فحسب، بل تسببت في تلك الحرب الطاحنة التي كادت تمزق تلك الأمة ذات حقبة من الزمن لتسمى "حرب الانفصال" ويتطاحن فيها الجنوب والشمال، الأول مدافعاً عن بقاء الاسترقاق، والثاني منافحاً عن إلغائه. صحيح أن المسألة تلفعت دائماً برداء إنساني وابعاد أخلاقية سائدة بين المتقاتلين، لكنها في الحقيقة إنما ترتدي في جوهرها، طابعاً اقتصادياً عملياً، تغلبت فيها الحداثة على التقاليد والحقائق على المكابرة، وخرج منه الجنوب مهزوماً كما نعرف. ونعرف أيضاً أن الحرب انتهت وحسمت الأمور، لكن "القضية" واصلت حياتها عبر تقدم متواصل لتحرير "العبيد"، ولكن بأثمان باهظة، لا تزال الأمة الأميركية تدفع كلفها حتى اليوم. ونعرف طبعاً أن كتاب بيتشر ستو قد لعب دوراً كبيراً في الحكاية كلها، مما كلل الكاتبة بهالة من القداسة الأخلاقية والإنسانية جعلتها تعد أيقونة للحرية والإنسانية في التاريخ الأميركي. فهل كانت كذلك بالفعل؟

مشاكسة فرنسية

"على الإطلاق...!"، تخبرنا السينمائية بريتشيلا بيتزا ولكن في فيلم تلفزيوني أنجز في العام الماضي 2024، ليعرض مرات منذ ذلك الحين، آخرها قبل أسابيع قليلة على القناة الثقافية الفرنسية - الألمانية "آر تي" بعنوان يحمل القدر الأكبر من الاستفزاز منذ عنوانه "كوخ العم توم: من البطل إلى الخائن". وهو بالطبع عنوان يذكرنا أكثر من أي أمر آخر بتعامل الأرجنتيني الكبير خورخي لويس بورخيس مع مفهوم الخيانة والبطولة، ولكن في تطبيق تاريخي لا شك أنه يفترض به أن يذهل كثيرين ناسفاً جزءاً من أسطورية عاش عليها الأميركيون انطلاقاً من طفولتهم المدرسية التي علمتهم أن هيريت وكتابها من الأمور المقدسة في هذه الأمة، وذلك ضمن إطار البرامج التعليمية المدرسية. وبالتحديد في نشر متواصل لبداية ندر أن سمحت بنسف المشاعر التي اعتدنا على التعامل معها في كل حالات إعادات النظر على طريقة "هذا البطل ليس القديس الذي تعتقدون". والبطل المعني هنا مزدوج، من ناحية كتاب "كوخ العم توم"، ومن ناحية ثانية مؤلفته نفسها. ومن الواضح أن هذا الكشف الفرنسي يبدو في نهاية الأمر أكثر ضخامة وإثارة للشكوك على كل حال، مما يتحمله الأميركيون. ولسنا ندري حتى الآن وعلى أية حال، ما إذا كان أمره قد بلغهم، لكننا نعرف أنه في "بلد المنشأ" لم يثر ثائرة كثر من الناس، حتى الآن في الأقل. ففي النهاية نعرف أن المحطة التلفزيونية التي بثته محطة نخبوية، لا يتجاوز عدد متابعيها النقطتين أو الـ3 في المئة في أحسن الأحوال. وهم قوم لا تهمهم مفاجآت. ومن نوع "المؤمنين الذين لا جدوى من تبشيرهم"، كما يكرر القول المأثور.

أميركا كانت تعرف

لكن الأدهى من هذا أن الفيلم الوثائقي لا يأتي في هذا المضمار بجديد بالنظر إلى أنه هو نفسه، وخلال ساعة عرضه، يقول لنا بصراحة إنه لم يفعل أكثر من تصوير وتجميع عناصر ومعلومات كانت "معروفة" في أميركا من قبل، ولكن نادراً ما اهتم أحد بتوليفها معاً ليطلع منها بنيان معرفي متكامل يأتي على شكل "وقائع" تنسف تلك الأسطورة الأميركية. ومع ذلك نجازف هنا باستعادة ما يخبرنا به الفيلم، وليس فقط لطرافته كما سنرى، ولكن قبل ذلك لا بد من أن نتوقف بعض الشيء عند ما هو معروف تماماً من الناحية التاريخية، وفي مقدمه أن هيريت كانت ابنة قسيس مبشر وأخت لـ7 قساوسة عُرفوا بالتقوى والاستقامة، ما مكن هيريت نفسها من أن تعلن دائماً ورعها الديني هي الأخرى كدليل قاطع على حسن نياتها في معركتها الساعية منذ صباها المبكر إلى إلغاء الاسترقاق في أميركا، وعلى طيبة قلبها التي دفعتها يوماً إلى كتابة "كوخ العم توم". واليوم ها هو الفيلم التلفزيوني يخبرنا أن طيبة قلب هذا الكتاب ومؤلفته إنما هي "طبقة من اللمعان الخادع، والذي يكفي حكه لتبدو من خلاله طبقات أقل طيبة ومجداً"، وأن الحكاية إنما هي حكاية مشاعر طيبة تصلح للاستخدام غير البريء، وأن أسوأ ما في الأمر إنما يتعلق بما يسميه الفيلم "حقيقة الدوافع التي حركت الكاتبة لإصدار هذا النص"، وهي حقائق قد تكون لها مشروعيتها، لكن ثمة في الأمر "عناصر لا بد من الكشف عنها".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

حق المرأة في التصويت

فهيريت، ولكونها امرأة عرفت منذ وقت مبكر أنها، على عكس المواطنين الذكور، لم يكن لها الحق في أن تشارك بصوتها في الانتخابات الرئيسة في البلد. تكونت لها وضعيتها كروائية بيضاء انتظمت في النضال في سبيل حصول السود على حريتهم، ما أُملى عليها ذلك النوع من النضال الذي بأكثر مما هو نضال في سبيل الحرية، لم يكن أكثر من استخدام النضال ضد العنصرية لدعم قضية "شديدة الخصوصية" دعماً "لا يخلو من انتهازية" وجزءاً من نضالات أخرى عديدة متنوعة. ومن الناحية الأدبية الكتابية البحتة يخبرنا الفيلم أن بيتشر ستو وهي تنجز كتابها النضالي، طافت في أوساط أناس عايشوا بلحمهم الحي نضالات أكثر قسوة متطلعين لكي تخلصهم من أوضاعهم، لتجمع حكايات ومواقف لم يتجاوز جهدها فيها عملية النقل والربط. ولقد نتجت من ذلك عشرات الصفحات وآلاف السطور التي اكتفت بأن تسطو فيها على حياة العبد السابق جوزيا هينون، على سبيل المثال، موحية بأنها خلال العمل على "نقل" حكاية حياته وقد أطلقت عليه هنا اسم العم توم، ليضحي بطل روايتها كما نعرف، لم تفعل أكثر من أنها قرأت ما كتبه عن نفسه بنفسه جاعلة من صفحاته لب روايتها مكتفية بتنقيح تلك الصفحات، التي تشكل العمود الفقري لكتاب "كوخ العم توم"، مستخدمة إياها في نص أوحت بأنه إنما كان نتيجة تحقيقاتها الخاصة. وهي فعلت الشيء نفسه بالنسبة إلى "استلهامها" كما تقول، لكتابات مؤرخ القضية الأكبر والمبكر باب دنياي... وهو لم يكن في حقيقته استلهاماً بقدر ما كان نقلاً حرفياً!! ومن هنا يفترض الفيلم الفرنسي أن الوقت قد حان لإعادة الحق إلى نصابه والتساؤل الجدي عن "الجهود" التي بذلتها هيريت بيتشر ستو حقاً كي تستحق أن تضحي ومنذ قرنين من الزمن، أيقونة للحرية في ذلك العالم الجديد؟

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة