Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الأولويات الإسرائيلية المتناقضة

في غزة ترفض تل أبيب تسوية ببعد سياسي وفي لبنان وسوريا تتمسك بأولوية الاتفاق الدائم

لم تعد إسرائيل تكتفي بمجرد ترتيبات أمنية مع لبنان أو مع سوريا عند حدودهما الدولية المعترف بها (أ ف ب)

ملخص

على الجبهات الثلاث، غزة ولبنان وسوريا، تختلف الأولويات الإسرائيلية، بين ترتيبات تفضلها ذات طابع أمني في القطاع وأخرى سياسية- أمنية مع لبنان وسوريا.

صحيفة "معاريف" كتبت أن الاتفاق الأمني (البحت) مع سوريا سيكون "خطأً تاريخياً"، فالوضع الحالي يسمح لها بحرية الحركة في الجنوب السوري أكثر مما يمكن أن يقدمه اتفاق لا يأخذ في الاعتبار طموحاتها الإقليمية التي باتت تتخطى ضم الجولان بكثير.

لا تستعجل إسرائيل التفاوض مع لبنان أو مع سوريا لأنها لم تعُد تكتفي بمقولة إقرار الأمن من دون أفق سياسي، وهي إذ تنحو هذا المنحى في علاقتها مع البلدين، تفعل النقيض في تعاملها مع غزة بعد إقرار خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب حول وقف الحرب. ففي القطاع تتمسك إسرائيل بالبحث عن صيغة أمنية تلائمها وتستبعد أية موجبات سياسية لاحقة، خصوصاً ربط السلام في غزة بمسار قد يؤدي إلى قيام دولة فلسطينية.

في المبدأ تكتنف الدعوة اللبنانية التي أطلقها رئيس الجمهورية جوزاف عون إلى إجراء مفاوضات مع إسرائيل تسفر عن انسحابها من الأراضي المحتلة في الجنوب وتثبيت الحدود، ملابسات تجعل تل أبيب تزداد تشككاً وعدوانية. فالمبادرة التي أطلقها عون للانتهاء من الوضع القائم لم تستند إلى موقف داخلي موحد وداعم، وهذه أول نقاط ضعفها. والحكومة اللبنانية لم تبحثها، ورئيس المجلس النيابي نبيه بري أفرغها من مضمونها باشتراطه أن يجري التفاوض عبر اللجنة المشرفة على تنفيذ اتفاق الـ27 من نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2024 بين إسرائيل و"حزب الله" الذي تولت إقراره حكومة لبنان السابقة، ثم إن الطرف المحلي الأساسي في المعادلة، "حزب الله"، يرفض مبادرة الدولة إلى التفاوض، ويمضي في تصعيده بوجهها رافضاً قراراتها حول حصرية السلاح في يد السلطات الشرعية، معلناً مع ذلك توفيره الضمانات لأمن الشمال الإسرائيلي.

ويؤجج تعامل المعنيين في لبنان مع "دعوة التفاوض" مشكلة لبنانية داخلية سترحب بها إسرائيل لأنها تتيح لها الإبقاء على الوضع الراهن في انتظار تنفيذ خطتها المعلنة للقضاء على أي تهديد من الشمال. وهي لم تتوقف، في انتظار "الحل النهائي"، عن اصطياد عناصر "حزب الله" وقياداته العسكرية، وعن ضرب ما تراه مخازن أسلحة في مختلف مناطق وجود هذا الحزب. وتستعد في الوقت نفسه لعمليات كبيرة تتحدث عنها الصحافة الإسرائيلية، تشمل هجمات بالطيران الحربي على مناطق في العاصمة والبقاع والجنوب.

و"الحل النهائي" الذي تطمح إليه إسرائيل لم يعُد سراً، إنه اتفاق سياسي يضمن سلاماً دائماً على الحدود ويلغي أية تهديدات مستقبلية ويفتح الأبواب أمام علاقات كتلك التي أرستها الاتفاقات بين الأردن وإسرائيل ومصر وإسرائيل، وتطمح أكثر من ذلك إلى تعميم فكرة "السلام الإبراهيمي" التي يراها ترمب ذروة أفكاره الخلاقة في شأن مستقبل الشرق الأوسط والتي يجب أن تتسع لإيران نفسها في يوم من الأيام.

وترتاح إسرائيل إلى الصيغة الراهنة في علاقتها مع الوضع اللبناني أكثر من شغفها في اتفاق يبقي على الوقائع القائمة في لبنان وعلى حدوده. الأمر نفسه تفضله، على ما يبدو، في العلاقة مع سوريا. فحتى الآن تبدو إسرائيل متشككة في حجم الرعاية التي توليها إدارة ترمب للرئيس السوري أحمد الشرع وحكومته، وتتردد في الذهاب إلى "اتفاقات أمنية" معهما.

صحيفة "معاريف" كتبت أن الاتفاق الأمني (البحت) مع سوريا سيكون "خطأ تاريخياً"، فالوضع الحالي يسمح لها بحرية الحركة في الجنوب السوري أكثر مما يمكن أن يقدمه اتفاق لا يأخذ في الاعتبار طموحاتها الإقليمية التي باتت تتخطى ضم الجولان بكثير.

وكما في النظرة الإسرائيلية التاريخية إلى لبنان، بوصفه دولة ممزقة بين طوائف وتيارات، أو "فاشلة" كما قال المبعوث الرئاسي الأميركي توم براك، ترى إسرائيل في سوريا أيضاً "فسيفساء خطرة".

وإنها تتعامل مع هذا البلد ليس بوصفه كياناً موحداً (في لفتة حنين إلى اتفاق 1974 مع حافظ الأسد)، وإنما كإطارات دينية وعرقية مختلفة ونظام جديد "يخضع مباشرة لوصاية تركيا" على ما تقول الصحيفة الإسرائيلية المذكورة آنفاً.

في لبنان كذلك في سوريا، تفاضل إسرائيل بين الحال السائدة واحتمالات اتفاق أمني من دون موجبات سياسية، فتختار الوضع القائم الذي يتيح لها "حرية عمل عسكري كاملة في سوريا (وفي لبنان)"، بينما يضطر نظام الشرع إلى "المشي على البيض" سعياً وراء شرعية دولية تزداد اتساعاً وموثوقية، أما "الاتفاق الأمني وحده فسيقيد إسرائيل من دون أن يمنحها شيئاً في المقابل"، بحسب "معاريف".

لم تعُد إسرائيل تكتفي بمجرد ترتيبات أمنية مع لبنان أو مع سوريا عند حدودهما الدولية المعترف بها، فهي تطمح إلى صفقات مفروضة تعيد رسم ملامح بلاد الشام، وتتضمن إقامة علاقات وانضماماً إلى "اتفاقات أبراهام" وسلاماً وتسويات سياسية تطيح "بنتائج اتفاقات سايكس- بيكو القديمة" وفقاً لمحللين إسرائيليين، يستعيدون طروحات توم براك موفد ترمب إلى سوريا ولبنان، ويعطونها مغزى أبعد من وصفها باجتهاد شخصي أو زلّة لسان.

وعلى خطورة هذه الرؤى في ما يخص مستقبل الأراضي المحتلة في كل من سوريا ولبنان، إلا أن ما نراه هنا يبقى أقل سوءاً مما تضمره إسرائيل لمستقبل غزة والأراضي الفلسطينية. فالرغبة في أولوية الاتفاق السياسي مع لبنان وسوريا، بدلاً من التسويات الأمنية الموقتة، تتراجع لمصلحة أولوية الحسم الأمني في فلسطين على حساب التسوية السياسية التي يمكن أن تتيح سلاماً مفترضاً بين دولتين إسرائيلية وفلسطينية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبينما يناقش مجلس الأمن الدولي مشروع قرار أميركي يوطد تنفيذ المرحلة الثانية من خطة ترمب (ينتظر أن يتخذ المجلس قراره اليوم)، تشكك إسرائيل في إمكان قيام القوة الدولية المفترض تشكيلها بنزع سلاح حركة "حماس"، وتستعد لصياغة خطة عسكرية تنفذها بالتزامن مع احتمال تجدد القتال.

وترفض إسرائيل، في سياق مواكبتها نقاشات مجلس الأمن، تضمين مشروع القرار الأميركي المطروح مساراً يقود إلى "تقرير المصير الفلسطيني" وتثبيت دور الأمم المتحدة في الإشراف على توزيع المساعدات وتوسيع صلاحيات هيئة الحكم الانتقالي المولجة مهمة إدارة القطاع.

وتبدي إسرائيل انزعاجها، خصوصاً من تضمين المسودة الثالثة للمشروع الأميركي إشارة واضحة إلى إمكان قيام الدولة في المستقبل وقولها في النص إنه مع تنفيذ إصلاحات السلطة وتقدم إعادة الإعمار في غزة "قد تصبح الظروف مناسبة لمسار موثوق نحو تقرير المصير وإقامة دولة فلسطينية".

على الجبهات الثلاث، غزة ولبنان وسوريا، تختلف الأولويات الإسرائيلية، بين ترتيبات تفضلها ذات طابع أمني في القطاع قوامها إنهاء وجود التنظيمات المسلحة والإبقاء على مساحات احتلال وسيطرة، وأخرى سياسية أمنية مع لبنان وسوريا تقوم على إدراج البلدين ضمن اتفاقات سلام ناجزة مع الاحتفاظ بعوامل القدرة العسكرية، ستكون لرؤية ترمب الكلمة الفصل، من دون أن يعني ذلك إغفال الاستعداد الذي يجب أن تبديه السلطات في كل من بيروت ودمشق، وفي رام الله أيضاً، من أجل التوصل إلى صيغ ملائمة تحفظ الحقوق الأساسية. ومسار غزة وتطوراته يمكن أن يكونا دليلاً للمهتمين والمسؤولين في كلا البلدين، وإذا كانت الإدارة السورية ماضية في تحصين موقعها والتزاماتها التي جرى التعبير عنها، خصوصاً أثناء زيارة الشرع الأخيرة إلى واشنطن، فإن التحدي الماثل أمام لبنان هو في إنهاء الجدل حول حصرية قرار الحرب والسلم في يد الدولة، مما يستدعي إعادة نظر جذرية في السياسات التي يعتمدها "حزب الله" باتجاه الالتزام الكامل بدعم مبادرة التفاوض التي يقودها رئيسا الجمهورية والحكومة.

ومن دون حصول تقدم في هذا المجال ستبقى الأخطار في ازدياد، ولن يكفي انتظار ما سيقرره ترمب وما إذا كان سيدفع إسرائيل إلى التفاوض مع لبنان وسوريا، فالأجدى أن يكون لبنان مستعداً ويعرف ما يريد، وألا يغيب عن باله وبال أحد حجم المتغيرات الهائلة منذ أن ضرب "الطوفان" المنطقة بأكملها.

المزيد من آراء