ملخص
بينما تباهى رئيس مجلس النواب الجمهوري مايك جونسون بأن الإغلاق الحكومي كان "بلا معنى"، وأن زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر لم يحقق أي شيء من هذا سوى الاستعراض السياسي، دب الانقسام داخل صفوف الحزب الديمقراطي بصورة علنية وحادة، إذ أعرب أعضاء مجلس النواب المعتدلون، والتقدميون في مجلس الشيوخ، ومرشحو المؤسسة على حد سواء، عن معارضتهم الشديدة للاتفاق الذي أبرمه ثمانية من أعضاء الكتلة الديمقراطية.
بعد أسبوع واحد من تحقيقهم نتائج إيجابية في أكثر من محطة انتخابية، التي جعلتهم يشعرون وكأن الرياح أصبحت في صالحهم أخيراً، أدى انشقاق ثمانية ديمقراطيين في مجلس الشيوخ صوتوا إلى جانب الجمهوريين لإنهاء الإغلاق الحكومي من دون تمديد إعانات الرعاية الصحية التي كانت مطلب الديمقراطيين الرئيس، إلى جولة جديدة من الصراع الداخلي الحاد والعلني بين الديمقراطيين. وطالب بعضهم بإقالة السيناتور تشاك شومر، زعيم الأقلية الديمقراطية في المجلس، مما يهدد الحزب المعارض بانتكاسة كبيرة في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأميركي، فكيف تحول نصر الديمقراطيين إلى هزيمة؟ وما انعكاسات ذلك على تماسك الحزب وفرصه في انتخابات العام المقبل؟
نهاية مؤلمة
مع اقتراب أطول إغلاق حكومي في تاريخ الولايات المتحدة من نهايته، تظل القضية المركزية التي تسببت فيه قائمة، وهي الكلفة الباهظة لبرنامج الرعاية الصحية الميسرة لذوي الدخول المنخفضة والمتوسطة، ولأن هذه القضية لن تختفي قريباً، من المرجح أن يتحمل تبعاتها الديمقراطيون الذي فشلوا فشلاً ذريعاً في الحفاظ على تماسكهم وتحديهم للرئيس دونالد ترمب والجمهوريين الذين صمدوا على مدى 41 يوماً في مواجهة ضغوطهم المتزايدة، ونجحوا في استراتيجية النفس الطويل التي أدت في النهاية إلى انشقاق ثمانية من أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين (وجميعهم لن يخوضوا انتخابات العام المقبل)، ليصوتوا إلى جانب 52 جمهورياً لتمرير مشروع قانون تمويلي جديد للحكومة لا يقدم ضمانة واضحة على تمديد برنامج الرعاية الصحية الميسرة الذي تنتهي فعاليته مع نهاية العام الحالي.
ولأن الديمقراطيين طالبوا الجمهوريين بمعالجة هذه القضية كشرط لإعادة فتح الحكومة خلال الإغلاق التاريخي، فقد منيت استراتيجيتهم بانتكاسة كبيرة، جعلت الحزب الديمقراطي يخاطر الآن بإضاعة المزايا السياسية التي اكتسبها خلال الأسابيع الستة الماضية، وبعدما أظهرت استطلاعات الرأي باستمرار أن الديمقراطيين فازوا في معركة الرأي العام في شأن الإغلاق، وأن غالبية الشعب الأميركي تلوم الجمهوريين في الكونغرس أو ترمب نفسه أكثر من الديمقراطيين على ما حدث، وبعد انتصاراتهم في صندوق الانتخابات في فيرجينيا ونيوجيرسي وكاليفورنيا ومدينة نيويورك، أصبح من الصعب على الديمقراطيين إثبات أنهم حصلوا على أي شيء ملموس من الإغلاق الحكومي، بل تحولت معركتهم الخاسرة إلى استهزاء وسخرية من خصومهم وأنصارهم على حد سواء.
تجدد الانقسام الديمقراطي
وبينما تباهى رئيس مجلس النواب الجمهوري مايك جونسون بأن الإغلاق الحكومي كان "بلا معنى"، وأن زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر لم يحقق أي شيء من هذا سوى الاستعراض السياسي، دب الانقسام داخل صفوف الحزب الديمقراطي بصورة علنية وحادة، إذ أعرب أعضاء مجلس النواب المعتدلون، والتقدميون في مجلس الشيوخ، ومرشحو المؤسسة على حد سواء، عن معارضتهم الشديدة للاتفاق الذي أبرمه ثمانية من أعضاء الكتلة الديمقراطية، قائلين إنها لم تحقق أي شيء من المطلب الرئيس لحزبهم في معركة الإغلاق، وأن إنهاء الصراع من دون تأمين أي نوع من اتفاقات الرعاية الصحية كان كارثياً ومحبطاً في وقت يتطلع فيه الناخبون إليهم لفعل مزيد.
خارج الكابيتول هيل، نشر حاكم كاليفورنيا الديمقراطي غافين نيوسوم، الذي يعتقد أنه سيكون أبرز مرشح للحزب في الانتخابات الرئاسية لعام 2028، تعليقات على منصة "إكس"، وصف فيها صفقة التسوية التي أنهت الإغلاق بأنها "مثيرة للشفقة" و"بمثابة استسلام"، كما عدت نائبة حاكم ولاية إلينوي والمرشحة لمجلس الشيوخ الأميركي العام المقبل جوليانا ستراتون صفقة التسوية بأنها "خيانة كاملة للشعب الأميركي".
مع ذلك، قال الديمقراطيون الذين توصلوا إلى الاتفاق إن موقفهم كان خطوة براغماتية وإن كانت غير شعبية سياسياً، لأنها لم تقرب حزبهم من تحقيق هدفه، إذ اعتبر السيناتور ريتشارد دوربين، وهو ثاني أعلى مسؤول ديمقراطي في مجلس الشيوخ، أنه لا يستطيع قبول استراتيجية تخوض معركة سياسية على حساب راتب جاره أو طعام أطفاله، في إشارة إلى أن استمرار الإغلاق يثقل كاهل الفقراء والموظفين الفيدراليين بعدما رفض البيت الأبيض تمويل كامل مزايا برنامج قسائم الطعام التي يستفيد منها 42 مليون أميركي، واستمر الموظفون الفيدراليون في العمل من دون رواتب، بينما كانت تأخيرات السفر الجوي تسبب بفوضى عارمة في جميع أنحاء البلاد.
ويعتقد بعض الاستراتيجيين الديمقراطيين أن قادة الحزب وضعوا أنفسهم في موقف صعب للغاية منذ بداية هذه المعركة، لأنه كان بإمكان أي مراقب حصيف أن يتوقع ويدرك أن الديمقراطيين لم يكن لديهم سوى خيارات سيئة، بينما تمسك الجمهوريون بموقفهم، معتقدين أن عدداً كافياً من الديمقراطيين لن يتحملوا معاناة ملايين الأشخاص الذين سيفقدون مزايا برنامج المساعدة الغذائية التكميلية (سناب)، إضافة إلى إجازات وتسريح الموظفين الفيدراليين.
مسار غامض
كان هذا الخلاف أحدث دليل على أن الحزب الديمقراطي لا يزال منقسماً بشدة حول توجهه وكيفية مواجهة الرئيس ترمب والجمهوريين في الكونغرس الذين هاجموهم وتجاهلوهم في كل منعطف، ومنذ خسارة الرئاسة ومجلسي النواب والشيوخ العام الماضي، ظل الديمقراطيون يبحثون عن مسار سياسي للمضي قدماً، لكن الحزب عانى من أجل تحقيق أي تقدم وسط حملة ترمب السريعة لتقليص عدد وحجم الوكالات الفيدرالية، وفرض تعريفات جمركية على الواردات من جميع أنحاء العالم، وإرسال قوات إلى المدن الأميركية لتعزيز حملته لتطبيق قوانين الهجرة، وتوسيع حدود السلطات الرئاسية بصورة عامة.
واجهت القيادة الديمقراطية انتقادات متزايدة من الأعضاء اليساريين في الحزب بأنها بحاجة إلى بذل مزيد لمواجهة الرئيس الجمهوري، ثم جاء شهر أكتوبر (تشرين الأول) وبداية الإغلاق الحكومي، الذي بدا أنه ساعدهم في تحقيق نجاحات انتخابية مبكرة في أوائل الشهر الجاري، مما منحهم الأمل في إمكان تحول مزيد من مقاعد مجلس النواب لصالحهم في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس العام المقبل.
إلا أن بدء تأثير الإغلاق في حياة الناس العاديين في الولايات المتحدة أحدث الانقسام بين من يعتقدون أن استراتيجية الديمقراطيين لن تصل بهم إلى أية نتيجة، وستؤثر في قطاعات أوسع من الأميركيين بما يضر الحزب في انتخابات العام المقبل، وبين من يعتقدون أن الفشل في تحصيل تنازلات من الحزب الجمهوري في شأن تمديد إعانات قانون الرعاية الصحية الميسرة وقرب انتهاء صلاحية إعانات التأمين الصحي التي تكلف الحكومة 23 مليار دولار سنوياً، سترفع كلفة أقساط التأمين لملايين الأميركيين من مختلف الطيف السياسي، مما يرسخ فكرة ضعف الحزب وفشله في تحقيق إنجازات حقيقية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فشل القيادة
أغرقت الصفقة الأخيرة زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ تشاك شومر، في أعمق أزمة سياسية خلال فترة ولايته التي استمرت ثماني سنوات كزعيم للحزب على رغم أنه صوت ضد مشروع القانون وأوضح أنه لا يدعمه، ففي غضون ساعات من التصويت، طالب التقدميون باستقالته، متهمين إياه بالإشراف على انهيار الانضباط الحزبي والفشل في توجيه الطاقة التي غذت انتصارات الديمقراطيين الكاسحة في انتخابات الأسبوع الماضي.
وجاء النقد لاذعاً بصورة خاصة من الديمقراطيين في مجلس النواب، الذين جرى تهميشهم في مجلسهم وكانوا غاضبين عندما قاد شومر في مارس (آذار) الماضي كتلة من الديمقراطيين الذين قدموا الأصوات لمساعدة الجمهوريين في تمرير إجراء إنفاق موقت لتجنب إغلاق الحكومة، إذ عدت النائبة الديمقراطية ديليا راميريز "استسلام ثمانية ديمقراطيين لوعود فارغة هو فشل قيادي لا يغتفر"، وأنه يجب على شومر أن يستقيل، كما اعتبر النائب رو خانا أن شومر لم يعد فعالاً ويجب استبداله.
بالنسبة إلى عدد من الليبراليين، كانت المواجهة اختباراً للعزيمة، وفرصة لإثبات أن الديمقراطيين يمكنهم مجاراة رغبة الرئيس في المواجهة والصمود حتى يوافق الجمهوريون على تمديد الرعاية الصحية الميسرة، لكن بالنسبة إلى آخرين، أصبح الإغلاق مجرد ممارسة عبثية، إذ سارع بعض حلفاء شومر الديمقراطيين إلى الدفاع عنه، مشيرين إلى أنه حافظ على تماسك كتلته البرلمانية لما يقرب من ستة أسابيع وانتزع بعض التنازلات من الجمهوريين.
ومع ذلك، ليس من المعروف ما إذا كان تشاك شومر سيتمكن من تجاوز هذه الأزمة، إذ سيبلغ الـ75 من عمره في نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، وهو يواجه بالفعل استياء داخلياً في كتلته البرلمانية في شأن ضرورة التغيير بين الأجيال، خصوصاً بعد إعلان نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب الديمقراطية السابقة، اعتزالها الكونغرس الأسبوع الماضي.
وفي ولايته الأم نيويورك، حيث نجحت حركة تقدمية نشطة قبل أسبوع في إيصال زهران ممداني إلى منصب عمدة المدينة، يشجع بعض النشطاء علناً النائبة ألكسندريا أوكاسيو-كورتيز على منافسة شومر على مقعده في مجلس الشيوخ عندما يحين موعد الانتخابات في عام 2028.
حزب متغير
بقدر ما يقال عن مدى تغير الحزب الجمهوري منذ تولي ترمب منصبه الذي كان كبيراً وملاحظاً، فقد تغير الديمقراطيون أيضاً، وإذا كان شومر لا يمثل كيفية تغير الحزب الديمقراطي، وكذلك المعتدلون الذين وقعوا على هذا الاتفاق، ويمثلون الحرس القديم للحزب، فإن الديمقراطيين انتقلوا من البراغماتية إلى التشدد، وعلى سبيل المثال، وجد استطلاع أجرته شبكة "أن بي سي" في أبريل (نيسان) 2017، بعد وقت قصير من بدء ترمب ولايته الأولى، أن ستة من كل 10 ديمقراطيين يفضلون تقديم تنازلات لترمب للتوصل إلى توافق في الآراء حول التشريعات، لكن هذه الرغبة في الوفاق انقلبت تماماً هذا العام، ففي آخر مرة كان هناك تهديد بإغلاق الحكومة، قال ثلثا الديمقراطيين إنهم يعتقدون أنه يجب على أعضاء الكونغرس الديمقراطيين التمسك بمواقفهم، حتى لو كان ذلك يعني عدم إنجاز الأمور في واشنطن. ولا يرى جميع التقدميين الآن الصفقة مع الجمهوريين على أنها كارثة كاملة لليسار، إذ يرى البعض مثل جوش مارشال، وهو تقدمي براغماتي، جانباً إيجابياً، فعلى رغم وصفه الصفقة بأنها مخزية، إلا أنه رأى فيها تقدماً للتيار اليساري داخل الحزب.
هل يستفيد الديمقراطيون؟
وينظر مارشال إلى الصفقة على أنها يمكن أن تثمر في النهاية لصالح الديمقراطيين، فبينما تظهر الصفقة أن الديمقراطيين ما زالوا يفتقرون إلى التماسك اللازم لهذه المعركة التي ستستمر في الأقل حتى نهاية هذا العقد، إلا أن الإغلاق الحكومي حقق أيضاً كثيراً وقد يدفع الناخبين الديمقراطيين إلى المطالبة بمزيد ومواصلة الضغط، وإقصاء أعضاء مجلس الشيوخ الذين لا يواكبون الواقع الجديد من التكتل الديمقراطي في مجلس الشيوخ.
ويشير مارشال أيضاً إلى أنه إذا جرى إقرار هذه الصفقة، فسيكون هناك موعد نهائي آخر للتمويل في نهاية يناير (كانون الثاني) المقبل، وفي تلك المرحلة إذا لم يحصل الديمقراطيون على تمديد لبرنامج الرعاية الصحية الميسرة، فستكون هناك فرصة أخرى للمساومة.
في الوقت نفسه، يعول المسؤولون الديمقراطيون على أن تكون ذاكرة الناخبين قصيرة الأمد، وأن ينسب التقدميون لأنفسهم مع مرور الوقت الفضل في التقدم الذي أحرزوه في دفع الحزب نحو موقف أكثر حزماً، وأن يدفعهم المشهد السياسي الراهن إلى الفوز في العام المقبل، الذي قد يكون كفيلاً بحل كثير من الانقسامات داخل الحزب.
وحتى لو لم ينجح الديمقراطيون في تمديد إعانات برنامج الرعاية الصحية الميسرة في ديسمبر (كانون الأول) أو يناير (كانون الثاني) المقبلين على أقصى تقدير، فسيكون لديهم قضية تتعلق بالقدرة على تحمل الأميركيين التكاليف، مما يمكنهم من استخدامها لمهاجمة الجمهوريين في العام المقبل.
غير أن الأمر سيتوقف أيضاً على كيفية تعاطي الجمهوريين مع قضية الرعاية الصحية، وما إذا كانوا سيقدمون مقترحات جديدة مثل تلك التي أعلنها الرئيس ترمب خلال اليومين الماضيين بدفع أموال أقساط التأمين الصحي مباشرة في جيوب المستفيدين.