Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

وزير الطوارئ السوري: الألغام أكبر تحد تواجهه العودة إلى الديار

رائد الصالح لـ"اندبندنت عربية": تواجه الوزارة تحيات غياب أسطول الإطفاء الجوي وضرورة تحديث أسطول الإطفاء الأرضي

وزير الطوارئ السوري رائد الصالح (اندبندنت عربية)

ملخص

يتوقع من العراب السابق للخوذ البيضاء، الذي ينحدر من محافظة إدلب أن يلعب دوراً مهماً في المرحلة المقبلة بعدما أبلت منظمته بلاء حسناً في الاستجابات المتواصلة لأكثر البقع السورية سخونة في إدلب وريفها، التي لا تزال مناطق منكوبة.

على عكس الصورة المعتادة عن مظهر أي "وزير" أو "مسؤول حكومي" وحرصه على إطلالته بمظهر أنيق، وإحاطته بكوكبة مرافقيه أطل وزير الطوارئ السوري رائد الصالح مرتدياً بنطالاً من (الجينز) يشرف بنفسه لأيام طويلة على عمل رجال الإطفاء وقوى الدفاع المدني بما استطاع على إطفاء حرائق غابات الساحل، غرب سوريا إثر اندلاعها بكثافة في ريف اللاذقية هذا الصيف مما ترك أثراً طيباً في نفوس السوريين.

وإلى دمشق حيث مقر الوزارة تبدو غرفة الاجتماع التي يتوسطها وزير الطوارئ، رائد الصالح (1983) أشبه بغرفة عمليات موسعة مرتدياً زيه الرسمية، وترتسم على وجهه لحية خفيفة بينما أحاط طاقم الوزارة به، طاولة الاجتماعات تغص إلى جانب قوارير الماء المعدنية والعصائر ملفات شائكة ومعقدة لبلد تناوبت عليه الكوارث في عقد من زمن الحرب والحصار، وبدا أول وزير لوزارة الطوارئ هادئاً وحازماً في قراراته بعد نقاشات لا تخفي الثقة نفسها من (كاريزما) الشخصية التي يتمتع بها، كيف لا وقد اختارته مجلة "التايم" ضمن قائمة أكثر 100 شخصية تأثيراً في العالم.

 ويُلقى على عاتق الصالح مهام جسيمة في بلد لا يزال يكنس غبار أعوام طويلة من الحرب المتراكمة، ويتفق عاملون وقادة بالقطاع الإغاثي والإنساني أن تعيين الصالح، وزيراً للطوارئ يكاد يكون خياراً صحيحاً في 29 من مارس (آذار) الماضي ليقود الوزارة المحدثة، وقبلها ترأس منظمة الخوذ البيضاء بين الفترة (2023 - 2025)، وألقى قبل تحرير البلاد كلمة في الثالث من ديسمبر (كانون الأول) عام 2024 في جلسة لمجلس الأمن الدولي خصصت لمناقشة الوضع السوري.

بداية المشوار

ويتوقع من العراب السابق للخوذ البيضاء، الذي ينحدر من محافظة إدلب أن يلعب دوراً مهماً في المرحلة المقبلة بعدما أبلت منظمته بلاء حسناً في الاستجابات المتواصلة لأكثر البقع السورية سخونة في إدلب وريفها، التي لا تزال مناطق منكوبة، وسألت "اندبندنت عربية" الوزير الأول لوزارة الطوارئ عن إمكانات وقدرات وزارته في ما إذا كانت كافية في التعامل مع الأزمات، والحاجات التي تحد من عملها؟

أجاب الوزير بأن (وزارة الطوارئ وإدارة الكوارث) كجهة وطنية مركزية تعمل على توحيد وتنسيق الجهود الحكومية في مواجهة الكوارث والأزمات، وذلك استجابة لضرورة الحالة السورية بعد 14 عاماً من الحرب، وهي اليوم في مرحلة بناء القدرات المؤسسية والتقنية والفنية اللازمة والإدارات الفرعية، وتعمل الوزارة على تشغيل غرفة عمليات وطنية تربط الوزارات والجهات الشريكة بغرف المحافظات، وتتابع عبرها مجريات الاستجابات الميدانية بالتنسيق مع الدفاع المدني وأفواج الإطفاء.

يضيف الصالح، "من أولوياتنا خلال المرحلة الحالية استكمال الهيكل التنظيمي، وإعداد الموازنة العامة، وإطلاق مركز الإنذار المبكر والمركز الوطني للألغام والمركز الوطني للزلازل، وتعزيز برامج التدريب بالتعاون مع شركائنا الدوليين، لا سيما دولة قطر من خلال اتفاقية التعاون مع مجموعة البحث والإنقاذ القطرية لخويا".

تواجه الوزارة حديثة العهد جملة من التحديات تتمثل بحسب وصف الوزير، في تحديث منظومات الاتصالات والبيانات والمراقبة، وغياب أسطول الإطفاء الجوي، وضرورة تحديث أسطول الإطفاء والطوارئ الأرضي، إضافة إلى الحاجة إلى توحيد بروتوكولات التشغيل بين مختلف الوزارات لضمان سرعة الاستجابة ورفع الكفاءة.

 

 

لقد شغل الصالح سابقاً رئيساً لمنظمة "الخوذ البيضاء" منذ فترة تأسيسها عام 2013 مع اندلاع الصراع المسلح بين قوى الثورة التي تحولت للعمل المسلح والقوات النظامية التابعة للأسد، وتركز عملها بالعمل الإغاثي والإنساني، واكتسبت ثقة السوريين في الشمال السوري لسرعة تدخلها في الحروب والمعارك، وإسعاف المصابين جراء القصف الجوي، فضلاً عن عمليات الإنقاذ للمصابين جراء زلزال عام 2023 في شمال البلاد.

وليس من دواعي الاستغراب إذا ما عرفنا أن الخوذ البيضاء (تحولت إلى العمل ضمن منظومة الدفاع المدني الحكومية بعد التحرير) ترشحت لجائزة نوبل لأكثر من مرة، وحصدت أكثر من 30 جائزة دولية من بينها "رايت ليفيلهوود"، وفي عام 2017 فاز فيلم وثائقي بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم وثائقي قصير.

تدريب الكوادر

ومع كل هذا تملك كوادرها الخبرة الكافية في التعامل مع الأزمات، سألنا وزير الطوارئ الذي ترأس الخوذ البيضاء قبل التحرير حول ما تشهده البلاد من انتشار واسع لمخلفات الحرب، وبات تحدي العودة إلى الديار من أبناء الوطن غاية بالصعوبة في ظل خطر الألغام، وهو بالتأكيد تحد للفرق التطوعية والعاملة في هذا المجال، هل توجد خطة زمنية للتخلص من هذا العبء؟

يجيب الوزير عن ذلك "يعمل في هذا المجال مئات الكوادر الوطنية والمتطوعين، موزعين على فرق المسح الفني وغير الفني، وفرق الإزالة، والتوعية المجتمعية، ويتم بشكل مستمر تأهيل وتدريب كوادر جديدة بالتعاون مع الشركاء المحليين والدوليين، أما بالنسبة إلى الخطة الزمنية، فقد تم اعتماد خطة وطنية شاملة مؤلفة من مرحلتين: الأولى تشمل المسح الشامل وتحديد الأولويات في المناطق الأكثر تلوثاً والأكثر عودة للسكان".

وتابع المتحدث، "تتضمن المرحلة الثانية تنفيذ عمليات الإزالة والتطهير ضمن برامج زمنية محددة، ترتبط بحجم التلوث والإمكانات المتاحة، نحن ملتزمون بالعمل المتواصل والمنهجي حتى التخلص الكامل من هذا العبء الإنساني، مع تأكيد أن نجاح الجهود الوطنية في هذا المجال يتطلب استمرار الدعم وتعزيز التعاون مع جميع الشركاء المحليين والدوليين".

حرائق الغابات

ومنذ بداية عام 2025 وحتى نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي، استجابت فرق الإطفاء لأكثر من 9,600 حريق في مختلف المحافظات، شكلت حرائق الغابات والحقول الزراعية أكثر من 2,100 حريق مما يعكس حجم التحديات البيئية، والمناخية التي تواجهها البلاد خلال موسم الصيف، كما تعاملت الفرق مع نحو 2000 حريق في منازل المدنيين، إضافة إلى مئات منها في المحال التجارية ومكبات النفايات والحدائق والمباني العامة.

ووفق إحصاءات سجل يونيو (حزيران) الماضي أعلى معدل للاستجابات بـأكثر من 1,670 عملية إطفاء، تلاه يوليو (تموز) بـ1,299، ثم أغسطس (آب) بـ1,295، وهو ما يعكس ارتفاع الأخطار خلال ذروة الصيف وضرورة رفع جاهزية الاستجابة والوعي الوقائي في المجتمع.

"حرائق الغابات التي اندلعت أخيراً واحدة من أكثر الحوادث تعقيداً التي واجهتها فرق الإطفاء" هكذا يصف الوزير الصالح حرائق غابات الساحل نظراً إلى طبيعة التضاريس الصعبة وانتشار الذخائر غير المنفجرة بكثافة داخل المناطق المتضررة، وهو ما جعل عمليات التدخل محفوفة بالأخطار، بحسب قوله.

وأضاف المتحدث، "افتقرت الغابات إلى خطوط نار أو طرق عزل داخلية، مما صعب وصول الآليات والمعدات الثقيلة إلى بؤر الاشتعال، وعلى رغم هذه الظروف واجهت وزارة الطوارئ وإدارة الكوارث تلك الكارثة عبر مضاعفة الجهود الميدانية وتعزيز انتشار فرق الإطفاء في مختلف القطاعات".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

سألته "اندبندنت عربية" لماذا لا تمتلك فرق الإطفاء معدات متطورة، وتستقدم مزيداً من الطائرات الخاصة بإطفاء الحرائق، وما هي درجة تفعيل المراقبة في هذه الغابات؟ ليجيب بأن السبب عدم توفر المعدات الحديثة أو الطيران المخصص بالعدد الكافي، تم الاعتماد على حلول ميدانية بديلة، إذ تعاملت الفرق مع بؤر نيران معقدة من خلال مد خراطيم مياه لمسافات طويلة تجاوزت في بعض النقاط 1300 متر، فيما تراوحت المسافات الوسيطة في معظم القطاعات بين 200 و300 متر، وهو جهد ميداني بالغ الصعوبة يتطلب تنسيقاً متواصلاً بين الفرق العاملة.

وأردف الصالح، "واجهت الفرق تحدياً إضافياً يتعلق بضعف كثافة الطلعات الجوية، إذ إن عمليات الإخماد الجوي تتطلب عدداً كافياً من المروحيات التي تنفذ طلعات متتالية وبفوارق زمنية قصيرة لضمان فعالية الإخماد والتبريد، ففي حال عدم توفر هذه الكثافة الجوية، يصبح تأثير الطيران محدوداً، إذ إن أي بؤرة لم تبرد بشكل كاف قد تعود للاشتعال خلال دقائق معدودة".

ولا يخفى أن محدودية الإمكانات الحالية ناجمة عن كونها وزارة حديثة التأسيس لم يمض على إنشائها سوى بضعة أشهر، حيث تعمل حالياً على إعادة بناء منظومة متكاملة للمعدات والاتصال والطيران بعدما كانت المنظومات السابقة متهالكة وغير مجهزة بمروحيات أو تجهيزات متخصصة لعمليات الإطفاء.

وكشف وزير الطوارئ عن خطة وطنية شاملة لتأهيل منظومة الإطفاء والإنذار المبكر، وتشمل هذه الخطة دراسة الحاجات اللوجيستية والتقنية على مستوى البلاد، والسعي لتأمينها عبر مشاريع مشتركة مع الجهات الحكومية والمانحة، واعتماد موازنة تشغيلية سنوية تتيح تلبية متطلبات العمل الميداني بما يعزز قدرة الدولة على مواجهة حرائق الغابات والكوارث الطبيعية بكفاءة أعلى.

وقال الوزير، "في الوقت الحالي تقتصر عملية مراقبة الغابات على نشر فرق ميدانية تعمل كنقاط متقدمة مسؤولة عن المراقبة، وتنفيذ دوريات منتظمة داخل الغابات لتفقد الوضع العام ورصد أي مؤشرات لاندلاع حرائق مستقبلاً، حتى في الحالات التي لا توجد فيها نيران فعلية، حيث يتم الحفاظ على وجود نقاط ثابتة مخصصة للانتشار والمراقبة الدائمة".

الإنذار المبكر

في غضون ذلك رد الوزير على سؤالنا عن "الإنذار المبكر" للتنبيه حول الكوارث الطبيعية وغير الطبيعية وضرورة وجوده والاهتمام به، بالقول "نسعى إلى تجهيز ودعم قسم الإنذار المبكر في الوزارة والاعتماد عليه، إذ يزود الفرق الميدانية بتحديثات دورية تتعلق بدرجات الحرارة وسرعة واتجاه الرياح، مما يتيح مؤشرات دقيقة تساعد فرق الإطفاء على تحديد مستويات الخطورة ضمن مناطق الغابات وتعزيز الجاهزية للتعامل مع أي طارئ محتمل".

 

 

ويعد الصالح (الإنذار المبكر) أحد المحاور الاستراتيجية الرئيسة لعمل وزارة الطوارئ وإدارة الكوارث، "نحن نعمل على تطوير منظومة وطنية متعددة الأخطار للإنذار المبكر تغطي الكوارث الطبيعية كالفيضانات والزلازل والحرائق، وكذلك الأخطار غير الطبيعية مثل التلوث الصناعي أو ومناطق التلوث بمخلفات الحرب والحوادث الكبرى".

ولفت الانتباه إلى العمل إلى ربط محطات الرصد المناخي والزلزالي والبيئي ضمن شبكة وطنية موحدة، تتكامل مع غرفة عمليات مركزية، مع اعتماد بروتوكول موحد للرسائل التحذيرية (CAP) يضمن وصول الإنذار إلى المواطن في الوقت المناسب عبر مختلف القنوات (الهواتف، الإعلام، الإذاعات، الصفارات، والتطبيقات الإلكترونية)، ويترافق ذلك مع تدريب الكوادر الوطنية وتحديث البنية التحتية للاتصالات والطاقة لضمان استمرارية عمل هذه الأنظمة أثناء الطوارئ.

الجفاف وتحدي الطبيعة

وبكل الأحوال لا يمكن أن نشيح النظر في حوارنا هذا عن التغير المناخي والجفاف الذي يحدق بالبلاد يتسع عاماً بعد عام، وفي السؤال عن استراتيجية الوزارة حيال هذا الملف، أكد أن التغير المناخي من أخطر التحديات التي نواجهها اليوم، وقد أصبح واقعاً ملموساً في سوريا من خلال تكرار موجات الجفاف، ارتفاع درجات الحرارة، وتراجع الموارد المائية.

ونوه الصالح إلى اعتماد وزارته على استراتيجية تعمل على محورين متكاملين الأول (الاستباق والتأهب) عبر تعزيز أنظمة الرصد المناخي وإنشاء محطات جديدة في المحافظات الأكثر تأثراً، وربطها مع منظومة الإنذار المبكر لتوفير بيانات آنية ودقيقة، وتتبع مؤشرات الجفاف حال تطورها، والثانية (التكيف والمرونة) من خلال برامج مثل مشاريع الحد من الفيضانات في مناطق مثل (أطمـة وخربة الجوز)، وإنشاء المشتل الزراعي في سهل الروج لإنتاج أشجار مقاومة للجفاف تعزز الغطاء النباتي والمرونة البيئية "كما نعمل على دمج مفاهيم التغير المناخي ضمن خطط إدارة الطوارئ والكوارث بالتنسيق مع وزارات الزراعة والموارد المائية والبيئة، وبما يتوافق مع اتفاق باريس للمناخ وإطار سنداي للحد من أخطار الكوارث، هدفنا النهائي هو بناء نظام وطني متكامل للإنذار المبكر والتأقلم المناخي يحمي حياة المواطنين، ويضمن التنمية المستدامة للأجيال القادمة".

اقرأ المزيد

المزيد من حوارات