ملخص
غداة إعلان قوات "الدعم السريع" سيطرتها على الفاشر، استمر القصف على المدينة وتواصلت حركة خروج المدنيين مع وصول عشرات الأطفال إلى معسكرات النزوح بطويلة وسط تحذيرات من اليونيسيف من المجاعة وتفشي الأمراض.
ندد مجلس الأمن الدولي اليوم الخميس بالهجوم الذي شنته قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر غرب السودان، مما استدعى تحذيرات من احتمال وقوع عمليات قتل جماعي وتطهير عرقي.
وقال المجلس في بيان إن "أعضاء مجلس الأمن نددوا بالهجوم الذي شنته قوات الدعم السريع على الفاشر وتأثيره المدمر في السكان المدنيين"، كما حذر مسؤولان في الأمم المتحدة اليوم من فظائع ترتكب أيضاً في منطقة كردفان السودانية المحاذية لدارفور، حيث سيطرت "الدعم السريع" للتو على مدينة الفاشر الرئيسة.
وقال مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية توم فليتشر لمجلس الأمن إن الفاشر، وهي آخر مدينة كبيرة في دارفور كانت خارج سيطرة "الدعم السريع"، "شهدت بالفعل مستويات كارثية من المعاناة الإنسانية، وقد انزلقت إلى جحيم أكثر قتامة مع تقارير موثوقة عن إعدامات جماعية" بعد دخول قوات الدعم السريع، مضيفاً "لا نستطيع سماع الصراخ، ولكن بينما نجلس هنا يستمر الرعب وتغتصب نساء وفتيات، ويشوه أشخاص ويقتلون في ظل إفلات تام من العقاب"، محذراً من أن "المقتلة لا تقتصر على دارفور"، ومعرباً عن قلقه إزاء الوضع في كردفان المجاورة، ومشيراً إلى أن "القتال العنيف في شمال كردفان يتسبب في موجات جديدة من النزوح ويهدد الاستجابة الإنسانية، بما في ذلك حول عاصمتها الأبيض".
بدورها لفتت مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون أفريقيا مارثا أما أكيا بوبي إلى تقارير تشير إلى "فظائع واسعة النطاق ارتكبتها قوات الدعم السريع في بارا شمال كردفان بعد سيطرتها على المدينة أخيراً"، موضحة أن "ذلك يشمل أعمالاً انتقامية ضد من تعتبرهم متعاونين، وكثيراً ما تكون بدوافع إثنية".
وأكدت بوبي "قتل ما لا يقل عن 50 مدنياً خلال الأيام الأخيرة في بارا نتيجة القتال والإعدامات الميدانية، ويشمل ذلك إعدام خمسة متطوعين في الهلال الأحمر"، محذرة من أن "كردفان هي على الأرجح المسرح المقبل للعمليات العسكرية للمتحاربين".
وأضافت المسؤولة الأممية أن "هجمات الطائرات المسيرة التي يشنها كلا الجانبين تضرب مناطق وأهدافاً جديدة، ويشمل ذلك النيل الأزرق والخرطوم وسنار وجنوب كردفان وغرب دارفور، مما يشير إلى اتساع نطاق النزاع على الأرض"، واصفة الوضع بالفوضوي في الفاشر حيث لا أحد في مأمن وأنه من الصعب تقدير عدد الضحايا في المدينة.
في وقت ما زالت أصداء صدمة الانتهاكات والتصفيات العرقية الانتقامية المروعة التي شهدتها مدينة الفاشر، عاصمة شمال دارفور، تتردد، وسط موجة الغضب التي أثارتها محلياً وعالمياً، تتزايد المخاوف في شأن مصير مئات الآلاف العالقين داخل المدينة في ظروف إنسانية كارثية، مع تواتر التقارير بتواصل الانتهاكات التي راح ضحيتها آلاف المدنيين خلال اليومين الماضيين. وتمتد المخاوف أيضاً إلى مدينة بارا بشمال كردفان التي ترزح في صمت تحت رحمة قوات "الدعم السريع" عقب استباحتها للمدينة في دوامة من القتل والترويع، وترتكب فيها مجازر بعيداً من الأضواء بسبب الانقطاع التام لجميع أنواع الاتصالات.
14 ألف ضحية
وكشفت "شبكة أطباء السودان" عن أن المجازر التي يشهدها العالم اليوم في الفاشر هي امتداد لما كان يحدث في المدينة على مدى أكثر من عام ونصف عام، إذ قتل بالقصف والتجويع والتصفيات أكثر من 14 ألف مدني بالحصار والتجويع واستهداف المرافق المدنية والأسواق ومعسكرات النزوح.
وأشار بيان للمتحدث باسم الشبكة تسنيم الأمين إلى أن قوات "الدعم السريع" قتلت خلال ثلاثة أيام فقط بالفاشر 1500 مدني تقريباً، جميعهم تمت تصفيتهم أثناء خروجهم من المدينة هرباً من الاشتباكات التي وصلت إلى ذروتها.
ووصف البيان ما يحدث بالفاشر بأنه يمثل إبادة حقيقية على أساس إثني تجري في ظل تجاهل دولي وإقليمي وبرد فعل دون حجم المجازر التي تتم في حق المدنيين، التي يتم بثها من القتلة في تحد واضح وتعمد في القتل والتصفية بصورة ممنهجة.
من جانبها أكدت مفوضة العون الإنساني بالإنابة منى نور الدائم أن "الميليشيات ما زالت مستمرة حتى الآن في عمليات القتل والتنكيل والتصفيات داخل الفاشر"، مشيرة إلى أن "عدد سكان المدينة قبل اجتياحها بواسطة الميليشيات الإرهابية كان 800 ألف نسمة، قتل منهم أكثر من 2000 مواطن أعزل في بداية الاجتياح، بينما كتبت النجاة لآخرين وما زال كثيرون مفقودون".
وأوضحت نور الدائم أن "الميليشيات دخلت إلى الفاشر بوحشية لا يستوعبها العقل، واستهدفت مباشرة المواطنين بالقتل والتصفية على أساس عرقي، وقامت بتصفية الجرحى داخل المستشفيات ومراكز العلاج، كما قتلت المتطوعين في المطابخ والتكايا الخيرية، منهم خمسة من متطوعي الهلال الأحمر السوداني". وقالت في لقاء تنويري لوزارة الثقافة والإعلام إن "الميليشيات منعت المواطنين من الهرب والنزوح، وقامت بتصفية عدد من النساء والأطفال والعجزة أثناء فرارهم من الفاشر". وأضافت أن "الفاشر تعرضت لمأساة كبيرة امتدت لعامين تقريباً، بينما ظل المجتمع الدولي يتفرج من دون أية خطوات جادة لوقف الإبادة الجماعية والتنكيل بالعزل وتعذيبهم قبل قتلهم".
أطفال بلا أسر
من جهة ثانية كشفت منظمات إغاثية عن وصول عشرات الأطفال الذين فقدوا أمهاتهم وانفصلوا عن عائلاتهم خلال فوضى الفرار من الفاشر، إلى مخيمات النازحين بمنطقة طويلة، بينهم أطفال رضع فقدوا أمهاتهم وأسرهم، إما بالموت داخل المدينة أو على الطريق نحو الأمان.
وكانت وزيرة الدولة بوزارة التنمية البشرية والرعاية الاجتماعية سليمى إسحق قد كشفت عن مقتل نحو 300 امرأة، إثر هجمات "الدعم السريع" على الملاجئ ومسارات النزوح بالفاشر.
وحذرت منظمة "اليونيسيف" من أن ما يقدر بنحو 130 ألف طفل في الفاشر معرضون لخطر الانتهاكات الجسيمة، في ظل تقارير عن الاختطاف والقتل والتشويه والعنف جنسي، مشددة على أنه لا يوجد طفل في مأمن في عاصمة شمال دارفور.
وأعربت المديرة التنفيذية للمنظمة كاثرين راسل، في بيان أمس الأربعاء، عن قلقها إزاء الصور والتقارير الواردة من المدينة، مشيرة إلى أن تصاعد العنف أدى إلى تفاقم معاناة آلاف الأطفال، المحاصرين بالفعل لأكثر من 500 يوم، وهم عالقون وسط القصف والاشتباكات الشديدة والنقص الحاد في الغذاء والمياه الصالحة للشرب والدواء. وجددت المنظمة دعوتها إلى وقف فوري لإطلاق النار، وضمان وصول إنساني آمن ومن دون عوائق، وحماية المدنيين، بخاصة الأطفال، وضرورة محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات.
مخاوف متصاعدة
وناشدت غرفة طوارئ منطقة طويلة، التي تشهد تدفقات متزايدة للنازحين الفارين من الفاشر، المنظمات الدولية والإقليمية والوطنية، والخيرين، بتقديم الدعم العاجل لإنقاذ حياة النازحين وتخفيف معاناتهم.
ومع استمرار الانتهاكات ضد المواطنين داخل المدينة الذين لم يحصلوا على فرصة للنجاة، تتصاعد المخاوف من انزلاق الفاشر إلى مرحلة جديدة من الإبادة الجماعية، وفق "تنسيقية لجان مقاومة الفاشر".
وكان الجيش خسر بانسحاب قوات الفرقة السادسة مشاة، أكبر الحاميات العسكرية بغرب السودان، من مدينة الفاشر يوم الأحد الـ26 من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، آخر معاقله في إقليم دارفور، بينما أكملت قوات "الدعم السريع" باستيلائها على المدينة سيطرتها على كل عواصم ولايات الإقليم الخمس (الفاشر في شمال دارفور، ونيالا في الجنوب، وزالنجي في الوسط، والجنينة في الغرب، والضعين عاصمة شرق الإقليم).
إقرار وتحقيق
إلى ذلك أقر قائد "الدعم السريع"، رئيس المجلس الرئاسي لتحالف "تأسيس"، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، بحدوث تجاوزات في الفاشر، مؤكداً أنه تم تشكيل لجاناً للتحقيق وصلت بالفعل وبدأت فوراً في عملها، وستعلن نتائجها بصورة فورية. وشدد "حميدتي" في خطاب مصور له أمس، على أن "أي جندي أو ضابط تجاوز حدوده في حق أي إنسان سيحاسب عبر محكمة ميدانية".
وأصدر "حميدتي" توجيهات على الهواء بعدم الاعتداء على المدنيين واعتبارهم "خطاً أحمر"، والسماح لهم مجدداً بحرية الحركة، والإفراج الفوري عن أي مدني جرى احتجازه بطريقة غير مشروعة إن وجد.
ودعا قائد "الدعم السريع" المنظمات الإنسانية لإغاثة مواطني الفاشر وما حولها، وكامل إقليم دارفور بصورة عاجلة.
قائد الدعم السريع: هناك تجاوزات في الفاشر… ومحاسبة أي ضابط أو جندي ارتكب جريمة في حق أي إنسان#نكمن_في_التفاصيل pic.twitter.com/bHRrMWxDpI
— Independent عربية (@IndyArabia) October 29, 2025
انتهاكات بارا
وبينما يركز العالم أنظاره على ما يجري في الفاشر، تعيش مدينة "بارا" بشمال كردفان، مأساة إنسانية لا تقل فظاعة عن الانتهاكات المروعة بالفاشر، إذ يتعرض سكان المدينة إلى عقاب انتقامي جماعي من قوات "الدعم السريع" التي اجتاحت المدينة قبل أسبوع، وذلك بسبب احتفالهم بدخول الجيش إلى المدينة في الـ12 من سبتمبر (أيلول) الماضي، بالقتل والتنكيل والإعدامات الجزافية في حق المدنيين في المدينة، بدافع الانتقام والتشفي.
وأحصت مصادر ومبادرات محلية، حتى الآن عشرات القتلى ما بين 48 إلى 55 قتيلاً، معظمهم من فئة الشباب، وما يناهز 100 جريح، فضلاً عن موجات نزوح متصاعدة يضطر خلالها الأهالي إلى قطع عشرات الكيلومترات سيراً على الأقدام في رحلة قاسية مات خلالها عدد من كبار السن من النساء والرجال، قاصدين مدينة الأبيض عاصمة الولاية، وعدداً من القرى المجاورة.
وأعربت اللجنة الدولية للصليب الأحمر عن حزنها العميق لمقتل خمسة من متطوعي جمعية الهلال الأحمر السوداني في المدينة المنكوبة، مشددة على ضرورة حماية العاملين الإنسانيين في مناطق النزاع.
وفي شهادات مروعة وصف ناجون وصلوا مدينة الأبيض سيراً على الأقدام الوضع في بارا بأنه خارج عن السيطرة، وسط عمليات قتل وتصفيات ممنهجة هي أفظع ما شهدته المدينة منذ اندلاع الحرب.
وقال شاهد "يطلقون النار على المشيعين ويمنعون دفن الموتى، مات فوراً اثنين من المشيعين، بينما لا تزال الجثث تملأ الشوارع وتتكدس داخل المنازل، في وقت يتعرض الفارون لإطلاق النار والنهب الممتلكات والإخفاء القسري ولا يعرف مصيرهم حتى الآن".
وقدرت المنظمة الدولية للهجرة، عبر برنامجها لتتبع النزوح، أن ما بين 24 و26 ألف شخص، نزحوا من مواقع مختلفة في محلية "أم دم حاج أحمد" بولاية شمال كردفان، نتيجة تدهور الأوضاع الأمنية عقب سيطرة "الدعم السريع".
ووفق آخر تحديث للمنظمة تأتي عمليات النزوح الجديدة بعد موجات نزوح سابقة خلال الأيام الأخيرة، من محليات الرهد وبارا وأم روابة، بينما يتوقع مزيد من الحراك السكاني نحو محليتي الدويم بالنيل الأبيض وأم درمان بولاية الخرطوم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تطويق الأبيض
ميدانياً أفادت مصادر عسكرية أن الجيش نجح في كبح تحركات "الدعم السريع" على محاور عدة بولاية شمال كردفان، بعد معارك شرسة حول مدن أم دم حاج أحمد والزريبة والرهد، واضطرت القوات المهاجمة إلى التراجع عن محاولتها تطويق وعزل مدينة الأبيض.
كما شنت مسيرات الجيش هجمات عدة على مواقع تمركز الميليشيات في تلك المناطق بغرض تأمينها، ودارت اشتباكات عنيفة في مناطق جبل الهشابة وأم شجيرة وأم عردة، جنوب غربي مدينة الأبيض، وفي الجبهة ذاتها تصدت قوات الجيش و"المشتركة"، لهجوم في أم بشار قرب مدينة الرهد، وأجبرت الميليشيات على التراجع غرباً، وفق المصادر.
ومنذ اندلاع الحرب منتصف أبريل (نيسان) 2023، أخفقت كل مساعي ومحاولات قوات "الدعم السريع" للسيطرة على مدينة الأبيض، الاستراتيجية في منتصف الطرق الرابطة بين وسط السودان وغربها، وظلت الفرقة الخامسة مشاة المعروفة بـ"الهجانة" تتصدى لكل محاولات اقتحام المدينة.
عجز أممي
من جهة أخرى، أقرت الأمم المتحدة بعدم تمكن منظماتها حتى الآن من الوصول إلى المدنيين العالقين في الفاشر. وأشارت مسؤولة مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالسودان إلى أن التقديرات تفيد بوجود نحو 260 ألف شخص مدني حالياً داخل الفاشر، بينما تمكن من الفرار نحو 26 ألف شخص خلال الأيام الأخيرة، على رغم احتمالات تعرضهم لانتهاكات جسيمة أثناء محاولتهم الوصول إلى بر الأمان.
على صعيد متصل أوضح بيان لبرنامج الغذاء العالمي، التابع للأمم المتحدة أمس الأربعاء، أن قرار السودان بطرد اثنين من كبار موظفيه، يأتي في وقت حرج، يواجه فيه أكثر من 24 مليون شخص انعداماً حاداً في الأمن الغذائي، ويحتاج فيه البرنامج وشركاؤه إلى توسيع نطاق عملياتهم، لكنه سيضطر الآن إلى إجراء تغييرات غير مخططة في القيادة، مما يعرض للخطر جهود الإغاثة التي يعتمد عليها ملايين السودانيين الضعفاء في مواجهة الجوع وسوء التغذية والمجاعة المحتملة.
وكانت وزارة الخارجية السودانية قد طلبت من مدير مكتب برنامج الغذاء العالمي في السودان في السودان ومنسق الطوارئ مغادرة البلاد خلال 72 ساعة كشخصين غير مرغوب فيهما، من دون تقديم أي تفسير للقرار.
وأوضح بيان للبرنامج أن مسؤوليه الكبار في الأمم المتحدة يتواصلون مع السلطات السودانية للاحتجاج على القرار وطلب توضيح أسبابه، داعياً جميع الأطراف إلى إعطاء الأولوية لحياة ملايين السودانيين الذين يعتمدون على المساعدات الغذائية للبقاء على قيد الحياة.