Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

دمشق تمضي نحو تجديد العملة فما المتوقع لإنعاش الاقتصاد السوري؟

تتضمن حذف صفرين من القديمة وإزالة كل ما يرتبط بالنظام السابق

بحسب التصريحات الرسمية، ستكون العملة الجديدة بتصميم "مجرد" من دون صور أو رموز (مواقع التواصل)

ملخص

يتزامن إطلاقها مع سلسلة إصلاحات اقتصادية تخفف العبء على كاهل المواطنين، لكن العملة الجديدة تواجه تحديات أبرزها مدى قدرة الحكومة على ضبط التضخم، ومنع التلاعب والغش، وتسهيل عملية الاستبدال

أول ما يفكر به زائر سوريا بمجرد أن تطأ قدماه أرض البلاد هو تصريف عملاته الأجنبية بعملة محلية يمكنه استخدامها، فإذا أخرج من محفظته الصغيرة ورقة بقيمة 100 دولار أميركي سيضطر عند تصريفها إلى وضع مقابلها من العملة المحلية في حقيبة ظهر، فالـ100 دولار تساوي أكثر من مليون ليرة سورية. هكذا تجد الناس في شوارع دمشق يحملون الحقائب، لا للأغراض الشخصية فحسب، بل ولحمل المال كذلك، كميات كبيرة، ولكن صغيرة القيمة، وفوق هذا وذاك تظهر صور عائلة الأسد ورموز حزب البعث على العملة التي يضطر السوريون إلى استخدامها. لذلك، كان المخرج الوحيد هو طباعة عملة جديدة بأهداف متعددة، أولها حذف صفرين من العملة لتسهيل الاستخدام، وأبرزها إزالة كل ما يرتبط بالنظام الذي اجتثه السوريون.

تأخر في الطباعة

تضاربت الأنباء حول صورة وقيمة وفئات العملة الجديدة، لذلك أجرت "اندبندنت عربية" حواراً خاصاً مع المستشار الأول في وزارة الاقتصاد السورية أسامة القاضي الذي أوضح تفاصيل العملة الجديدة، مؤكداً أنه "لا يوجد تاريخ محدد لإصدارها، وأن العمل جارٍ حالياً بجدية من أجل الانتهاء من طباعة العملة قبل نهاية العام الحالي، لكن قد يتأخر الأمر شهراً تقريباً أو أكثر بقليل، بمعنى آخر لا يوجد تاريخ محدد بعينه لإطلاق العملة، ولكنها بحدود نهاية العام الحالي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويوضح القاضي أنه "سيتم إصدار ست فئات جديدة من العملة، هي فئة الـ10 ليرات، والـ20 ليرة، والـ50 ليرة، والـ100 ليرة، والـ500 ليرة، و1000 ليرة، لكن رسمياً إلى الآن لم يتم تحديد الفئات، أو في الأقل الإعلان عنها، ونحن ننصح بأن يتم رفع عدد الفئات التي يتم إصدارها من 6 إلى 8 فئات". ويضيف المسؤول السوري أن "هدف عملية إطلاق العملة الجديدة هو إصلاح للقيم التضخمية للعملة، لكن هذا لن ينعكس على القيمة الشرائية، فطباعة عملة جديدة إجراء فني فحسب، لذلك لا توجد مخاوف من عملية إزالة صفرين من العملة"، مؤكداً أنه "تم تقديم عروض عدة من دول مختلفة لطباعة العملة، بما في ذلك عرض من شركة أميركية، وآخر من شركة ألمانية، وستتضمن الطباعة علامات نافرة لمساعدة المكفوفين في التعرف على قيمة العملة، وهذه ميزة جديدة لا تتوفر في غالب عملات دول العالم، مما يمنح العملة السورية منظراً حضارياً". ويختم المسؤول حديثه بالقول إنه "يجب أن تكون عملية استبدال العملة الجديدة بالقديمة سريعة، منعاً للتلاعب أو الغش، ولمنع عمليات غسل الأموال، ومن المستبعد أن يكون هناك غش نقدي لأن تزوير العملة الجديدة أمر صعب للغاية".

تعدد الأخطار

بحسب التصريحات الرسمية لحاكم سوريا المركزي عبدالقادر حصرية، فإن فئات العملة الست الجديدة سيتم فيها حذف صفرين من العملة القديمة، بحيث تصبح الـ1000 ليرة 10 ليرات، والمئة تصبح ليرة واحدة، وستكون العملة بتصميم "مجرد" من دون صور أو رموز، ومن ناحية أخرى يرى متخصصون اقتصاديون أن حذف الأصفار فعلياً يخفف العبء العملي للتعاملات النقدية، ولهذا تأثير تقني فني فوري، لكن من الناحية الاقتصادية لن يغير القوة الشرائية أو العرض النقدي.

الباحث الاقتصادي السوري محمد الأحمد يرى أن طباعة العملة الجديدة مع حذف صفرين ستكون له أخطار متعددة. يقول لـ"اندبندنت عربية"، "إذا حصل تطبيق خاطئ أو عدم تنسيق منتظم مع البنوك خلال عملة استبدال العملة، فإن ذلك قد يؤدي لارتباك عند تحويل الحسابات، وأخطاء في الفواتير، وارتفاع أخطار الاحتيال، ومن جانب آخر فإنه إذا كان هناك عجز مالي وفقدان احتياطات أجنبية، فإن حذف الأصفار سيكون موقتاً من الناحية النفسية ولن يوقف التضخم، وهذا حصل سابقاً في تجربتي فنزويلا وزيمبابوي، بخلاف التجربة التي نجحت في تركيا عندما حذفت ستة أصفار من عملتها". ويحذر الأحمد أيضاً من "أخطار التلاعب بالأسعار خلال عملية استبدال العملة، إذ إن بعض التجارب شهدت رفع التجار لأسعارهم خلال فترة الانتقال بحجج تحويل الأسعار أو خطأ في الحسابات، لذلك تحتاج الحكومة إلى حماية المستهلك ورقابة أسعار صارمة خلال الأشهر الأولى".

تجارب سابقة

يرى الباحث الاقتصادي أن "مقارنة التجربة السورية بالتجربة التركية قد لا تكون دقيقة بالكامل، فتركيا عام 2005 حذفت ستة أصفار، وتوقيت الحذف في تركيا جاء بعد استقرار التضخم إلى مستوى أحادي الرقم نتيجة سياسات نقدية ومالية صارمة قبل ذلك، لهذا نجحت نسبياً إذ رافقتها سياسات مالية قوية وثبات نقدي قبل التنفيذ، بمعنى آخر فإن النجاح يتطلب حرباً على التضخم قبل حذف الأصفار أو تزامناً مع عملية الحذف". ويتابع أن "فنزويلا في عامي 2018 و2021 نفذت سلاسل متكررة لحذف أصفار أثناء تضخم مفرط، وهذه التجربة أظهرت أن حذف الأصفار وحده غير كافٍ ما لم تعالج أسباب التضخم، وأدت هذه العمليات المتكررة إلى فقدان ثقة وارتفاع معاملات الدولار الأسود، والخلاصة هي أن حذف الأصفار مفيد تقنياً فقط إذا رافقه ضبط مالي واضح، وسياسة نقدية موثوقة واستقلالية فعلية للبنك المركزي، وكذلك تغطية احتياطية لتعزيز سعر الصرف، وأيضاً خطة اتصالية قوية ووقائية ضد الغش والالتباس".

إذاً، إصدار عملة جديدة وحذف صفرين خطوة عملية مفيدة من الناحية التقنية لتيسير التعاملات اليومية، بحسب الأحمد، ولكنها ليست علاجاً اقتصادياً قائماً بذاته، ولتحقيق فائدة حقيقية يجب أن ترفق هذه الخطوة بإجراءات مالية ونقدية هيكلية واضحة لإعادة الثقة وتعزيز سعر الصرف والحد من التضخم. وبالمقارنة مع التجارب السابقة في كل من تركيا وفنزويلا وزيمبابوي والبرازيل، يوضح الباحث أن نجاح إعادة التسمية يتوقف على السياسة الاقتصادية الكلية المرافقة، لا على تصميم الورقة أو عدد الأصفار فقط.

اقرأ المزيد