Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عندما كسر الواسطي قيود المجتمع ورسم مشهد الولادة

رسم مشهد المخاض بجرأة نادرة متحدياً تقاليد عصره ومخلداً توقيعه في تاريخ التصوير العربي

ملخص

كانت رسومات الواسطي أول عمل في تاريخ التصوير العربي يعرف اسم صاحبه.

في القرن الـ13، وتحديداً في مدينة بغداد، عندما كان الفن الإسلامي غالباً يقتصر على الزخارف الهندسية والخط العربي، لم يتردد يحيى الواسطي في رسم امرأة في حال المخاض، في حين كان تصوير الولادة موضوعاً نادراً عبر العصور، وفي وقت كان فيه الفنانون يخشون من توقيع أسمائهم على الأعمال الفنية، نرى الواسطي يدون اسمه بالمداد الأسود، من دون خوف أو تردد، متجاهلاً قيود المجتمع.

تفاصيل اللوحة

اختار الواسطي أن يصور لحظات تعسر ولادة زوجة الوالي، فبدت في لوحته وهي تستند إلى وصيفتها في محاولة للتخفيف من ألمها، بينما تقف القابلة إلى جانبها بانتظار المولود، وعلى أطراف اللوحة تظهر خادمتان تحمل إحداهما مبخرة يتصاعد منها الدخان. أما في الجزء الأعلى من اللوحة فيجلس الوالي ومن خلفه خادمان، وقد رسم الواسطي حول رأسي الوالي وزوجته أنصاف دوائر تشبه ما يُرى في الفن المسيحي حول رؤوس القديسين، في إشارة واضحة إلى رغبته في تمييز الطبقة الحاكمة عن بقية الشخصيات في المشهد.

وفي الجهة اليمنى نرى الحارث بن همام وهو ينظر إلى السماء ويحمل أسطرلاباً بيده، في إشارة إلى تضرعه إلى الله لتيسير ولادة زوجة الوالي، بينما يظهر في الجهة اليسرى أبو زيد السروجي وهو يخط تميمة لمساعدة الجنين على الخروج من بطن أمه، وهاتان الشخصيتان هما الرئيستان في قصص مقامات الحريري التي استلهم منها الواسطي مشاهد لوحاته ورواياته المصورة.

مقامات الحريري أدب يتحول إلى لوحات

تعد مقامات الحريري من أروع النماذج الأدبية في التراث العربي، إذ تضم سلسلة من القصص والحكايات الشعبية التي تدور حول شخصية خيالية ابتكرها الحريري تدعى أبا زيد السروجي، وهو رجل فصيح اللسان واسع الحيلة، يستخدم بلاغته وبيانه في خداع الناس بمهارة طريفة ليكسب المال منهم، ويشاركه في المقامات الراوي الحارث بن همام، وهو بدوره شخصية من نسج خيال المؤلف، يتولى سرد الأحداث ونقل مغامرات أبي زيد إلى القارئ في أسلوب قصصي مشوق.

ومن خلال هذه المقامات تناول الحريري موضوعات متعددة تمزج بين الأدب والشعر والوعظ والحكمة وتكشف جوانب من الحياة الاجتماعية والثقافية في البلاد العربية خلال العصور الوسطى، وقد صاغها بلغة نثرية وأدرج فيها أبياتاً شعرية وأمثالاً مأثورة وحكما بليغة، مما جعلها نموذجاً راقياً لفن السرد العربي القديم.

براعة التكوين ودقة التفاصيل

وعلى رغم صغر حجم الرسمة نجح يحيى الواسطي في تجسيد المشهد بواقعية وإتقان مقدماً تفاصيل دقيقة للغاية تعكس براعته في التصوير فقد تمكن بريشته من تحويل مساحة محدودة إلى مشهد واضح ومتكامل يجمع بين التكوين المتوازن والإحساس الإنساني في توازن نادر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

عبقري يوقع أعماله ويصنع ألوانه

في ختام كتاب مقامات الحريري الذي رسم فيه ما يقارب 100 منمنمة آسرة استخدم فيها ألواناً صنعها بنفسه من المداد الأسود وزيت الخردل والياف الكافور، دوَّن الواسطي اسمه بقوله "فرغ من نسخها العبد الفقير إلى رحمة ربه وغفرانه وعفوه يحيى بن محمد الواسطي بخطه، وصوره آخر نهار السبت في السادس من شهر رمضان سنة 634".

وبذلك كانت رسومات الواسطي أول عمل في تاريخ التصوير العربي يعرف اسم صاحبه لتبقى محفوظة حتى اليوم في المكتبة الوطنية في باريس شاهدة على عبقرية فنان فذ من رسامي العصر العباسي كسر بتفرده قيود زمنه وحدود فنه.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات