Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عمليات الخطف موثقة... "الدعم السريع" تستثمر في الفدية

تعددت الحالات وشكلت ظاهرة في بداية الصراع المسلح ثم باتت جزءاً من ممارساتهم

"الدعم السريع" خسرت أي تعاطف بعد مجازر الفاشر وعلميات الخطف (أ ب)

ملخص

تقول كلتوم إسحاق التي غادرت الفاشر في اليوم الثاني لدخول "الدعم السريع" إن "عدداً كبيراً من السكان تحركوا سيراً على الأقدام، وفي منتصف الطريق فوجئنا بعناصر من هذه القوات تحاصرنا من كل الاتجاهات، قاموا باقتياد الرجال، وكان من بينهم ابني، وعلى رغم توسلاتي رفضوا الإفراج عنه"


دفع حال الفوضى والسيولة الأمنية التي رافقت حرب السودان إلى تفشٍّ واسع لظاهرة الخطف مقابل الفدية بصورة تشكل مهدداً أمنياً واجتماعياً واقتصادياً كبيراً ينذر بتحول الجريمة إلى تجارة مربحة لميليشيات مسلحة لا تعرف سوى لغة المال والسلاح، بخاصة في ظل غياب العدالة ومحاسبة الجناة.

وتحتجز قوات "الدعم السريع" آلاف المدنيين داخل مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور وتقايض حياتهم مقابل المال لإطلاق سراحهم، وتداولت مواقع التواصل الاجتماعي عشرات الفيديوهات التي توثق لعمليات اختطاف مقابل فدية، وتستهدف عناصر هذه القوات في الغالب أشخاصاً أصحاب نفوذ أو ثروة، مما يحول حياة الضحايا وأسرهم إلى معاناة قاسية يمتزج فيها الخوف والانتظار والألم، فخلف كل حادثة قصة إنسانية موجعة تبدأ بالترصد وتنتهي بمساومة على حياة إنسان، وكأن الأرواح باتت سلعة تقدر بثمن.

الاستجابة أو القتل

يقول المواطن السوداني محمد بركات إنه ظل يتابع مقاطع الفيديو المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي بعد خمسة أيام من سيطرة "الدعم السريع"، بحثاً عن أي أثر لوالده وشقيقه بعد وصول أفراد أسرته إلى منطقة طويلة من دونهم. وأضاف "بعد ثلاثة أيام شاهدت والدي في أحد الفيديوهات وهو جالس على الأرض بينما يستجوبه أحد عناصر الدعم السريع، ويشهر سلاحه في وجهه، ويفتح نيراناً كثيفة قرب آخرين، وفي ظل التصفيات الميدانية اليومية ظننت أنه قتل".

وتابع بركات "تلقيت اتصالاً من والدي بعد يومين من انتشار هذه المقاطع بعدما وفروا له هاتفاً للتواصل، تحدث معي وأخبرني بأنه لا يزال على قيد الحياة، لكنه محتجز لدى أفراد يتبعون لقوات 'الدعم السريع'، وطالبوه بسداد مبلغ 10 ملايين جنيه سوداني، نحو (3000 دولار أميركي)، مقابل إطلاق سراحه".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأردف "تحدثت إلى أحد عناصر الدعم السريع وأمهلني 48 ساعة فقط لإرسال المبلغ، وإلا سيكون الموت مصير والدي، وعلى وجه السرعة أجريت اتصالات عدة بأفراد العائلة المغتربين في الخارج، ونجحت في توفير الأموال وإرسالها في الوقت المحدد، وبعد التأكد من الدفع بالتحويل البنكي تم إطلاق سراحه، ومن هناك غادر إلى منطقة طويلة".

تهديد ووعيد

تقول كلتوم إسحاق التي غادرت الفاشر في اليوم الثاني لدخول "الدعم السريع" إن "عدداً كبيراً من السكان تحركوا سيراً على الأقدام، وفي منتصف الطريق فوجئنا بعناصر من هذه القوات تحاصرنا من كل الاتجاهات، قاموا باقتياد الرجال، وكان من بينهم ابني، وعلى رغم توسلاتي رفضوا الإفراج عنه". وأشارت إلى أنها "تلقت مكالمة فيديو من أحد أفراد 'الدعم السريع'، وظهر ابنها وهو مقيد اليدين في حال صعب نتيجة الضرب المبرح، عقب ذلك طلبوا فدية مالية 5 ملايين جنيه سوداني، نحو (1500 دولار أميركي) مقابل حياته، والتهديد والوعيد بالتصفية الفورية حال لم نستجب لشروطهم".

ولفتت إسحاق إلى أنها "تواصلت مع عدد من أفراد أسرتها ونجحت بعد جهود في توفير الأموال وإرسالها بالتحويل البنكي، وبعد ذلك تم الإفراج عنه ونقله إلى الطريق بين الفاشر وطويلة، ولم أصدق أنه نجا فعلاً".

عملية ممنهجة

في السياق رأي رئيس مجلس أمناء هيئة محامي دارفور الصادق علي حسن أن "هذه الحالات تعددت وشكلت ظاهرة في بداية الصراع المسلح بواسطة عناصر 'الدعم السريع' ثم باتت جزءاً من ممارساتهم التي تشير لعدم الانضباط والتقيد بمبادئ وقواعد الحرب الأخلاقية، وليس بالضرورة أن تكون هذه الانتهاكات صادرة عن قادة 'الدعم السريع'". وأشار إلى أن "واقع الحال يشير إلى فشل 'الدعم السريع' في اتخاذ تدابير جادة لوقف الجرائم والانتهاكات منذ اندلاع الحرب، إذ تعرض عدد كبير من السودانيين الموجودين في مناطق سيطرتها إلى انتهاكات واسعة بلا أدنى مراعاة لأبسط حقوق الإنسان، فضلاً عن الحملات الانتقامية لتلك القوات عند اجتياح مدن جديدةن خصوصاً عمليات التنكيل بالمدنيين".

 

ولفت حسن إلى أن "ظاهرة الخطف والمطالبة بالفدية أو القتل تفشت بصورة كبيرة، واضطرت أسر عدة إلى دفع الفدية في صمت تام من أجل إطلاق سراح المخطوفين من المصير المحتوم، ولم يقتصر الخطف على الفتيات ورجال الأعمال، بل شمل المدافعين الحقوقيين، إذ تم اختطاف أحمد محمد عبدالله اللورد وآدم عمر جاد الرب من منزليهما في أغسطس (آب) 2023، في مدينة نيالا بواسطة عناصر من الدعم السريع، وطالبوا بفدية 3 ملايين جنيه سوداني، نحو 1000 دولار أميركي)، وعقب انقضاء المهلة المحددة بـ24 ساعة تم قتلهما وإلقاء الجثث في قارعة الطريق، وظهرت عليهما آثار التعذيب بوحشية بالغة، لذا بات ذوي المخطوفين يأخذون هذه التهديدات محمل الجدية لأن الأمر قد لا يتحمل التأخير، لا سيما في حال الفتيات والنساء". وتابع "حياة الإنسان في ظل هذه الحرب لم تعد لها قيمة، فالأشخاص العاديون الذين لا يمتلكون الأموال ولا يوجد من يسأل عنهم فمصيرهم القتل الجزافي في الشوارع كأن لم يحدث شيء، لكن الذين لديهم أموال أو أسر يمكن أن تدفع يصبحون سلعة للمقايضة".

ابتزاز العائلات

على الصعيد نفسه أوضح الناشط في مجال الدعم القانوني بمعسكرات النازحين في شمال دارفور عمر الدومة لأن "ظاهرة خطف المدنيين وطلب الفدية المالية مقابل حياتهم تزايدت بصورة كبيرة بخاصة بعد المجازر والفظائع التي ارتكبتها قوات 'الدعم السريع' في الفاشر، إذ تلقت أكثر من 300 أسرة اتصالات من قبل هذه القوات تطالب من خلالها بدفع أموال كبيرة تزيد على 28 ألف دولار أميركي مقابل إطلاق سراح الضحايا والتهديد بقتلهم جميعاً حال لم تتم الاستجابة". ونوه بأن "هذه الجرائم لا يمكن تبريرها وتعد انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني، وتسبب معاناة نفسية شديدة للضحايا وأسرهم، لذا ندعو إلى محاسبة مرتكبيها وتقديمهم للعدالة".

وتوقع الدومة تزايد حالات الخطف مقابل الفدية خلال الفترة المقبلة خصوصاً في ظل استجابة الأسر لطلبات الابتزاز التي تقوم بها ميليشيات "الدعم السريع".

 

وحمل الناشط في مجال الدعم القانوني هذه الجماعة المسؤولية الكاملة حال حدوث انتهاكات ضد المخطوفين، بوصفها المسيطرة على الفاشر والمسؤولة حماية المدنيين، قائلاً إنه "لا جدوى من التحجج بمتفلتين أو مندسين".

عمل منظم

على صعيد متصل وصف المتخصص في القانون الدولي والشؤون الإنسانية بكري محمد خليفة، الأهداف الرئيسة لقوات "الدعم السريع" بأنها زرع الذعر والخوف في نفوس المواطنين من أجل تنفيذ عمليات النهب والسلب وجمع الأموال من طريق خطف المدنيين والمطالبة بفدية، وهي جرائم حرب ضد الإنسانية، وأسهمت أزمة التعليم والمعرفة لدى جنود كثر من هذه القوات، فضلاً عن فقدان القيادة والسيطرة في تزايد الانتهاكات بصورة غير مسبوقة".

ويعتقد خليفة أن "الدعم السريع" أضاعت الفرصة المناسبة ولن تتمكن من استعادتها مجدداً بخسارتها أي تعاطف أو ولاء شعبي، مما يشير إلى صعوبة الحديث عن مستقبل لها في حكم السودان أو أي جزء آخر منه".

واستبعد المتخصص في القانون الدولي، "حسم المتفلتين ووقف الانتهاكات لأن الخطوة تعني خروج مجموعات كبيرة من قوات 'الدعم السريع' لجهة أن هذه استراتيجية مهمة وعمل منظم يتقنه الجنود من أجل إذلال وترويع المواطنين في المناطق جميع وتحقيق مكاسب مالية من عمليات خطف المدنيين".

وعن كيفية العدالة والمحاسبة قال "بكل تأكيد، العدالة ستجري مجراها اليوم أو غداً، وبحسب نتائج النزاعات والحروب في القارة الأفريقية والآسيوية ستتم محاسبة كل من ارتكب جريمة مهما كان حجمها من خلال تطبيق القانون".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير