Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تتحضر إسرائيل لحرب برية على لبنان... من الجبهة السورية؟

تميل تل أبيب اليوم إلى خيار ناري - جوي مكثف مع توغلات محدودة على أمل فرض تسوية أمنية حدودية مشددة من دون الغرق في احتلال بري طويل

من فوق قمة جبل الشيخ أعلن نتنياهو أن القوات الإسرائيلية ستبقى في منطقة عازلة على الحدود السورية (أ ف ب)

ملخص

قد تتوغل إسرائيل بعمق تكتيكي متوسط عبر النقاط القابلة للعبور لرسم شريط أمني شرقي، والهدف منه قطع وصل لبنان بسوريا عبر محاور جبلية محددة، لاستهداف خطوط إمداد أو نقاط عبور. وربما سيكون عبر هجوم بري مدعوم جوياً باتجاه ممرات جبلية ووديان تربط بين بيت جن ومداخل الجنوب اللبناني الشرقية، مع إنشاء نقاط مراقبة موقتة أو نقاط تفتيش لتعطيل مرور معدات وذخائر.

تتحرك إسرائيل في الأسابيع الأخيرة على إيقاع واحد، تصعيد الغارات الجوية في العمق اللبناني، وتكثيف الاغتيالات النوعية ضد كوادر وأعضاء من "حزب الله"، بالتزامن مع تصاعد النبرة التهديدية في تصريحات قادتها العسكريين والسياسيين. هذا التوازي بين الميدان واللغة لا يوحي بمجرد "جولة ضغط"، بل ينذر بمرحلة جديدة تعيد رسم قواعد الاشتباك، وربما تفتح الباب أمام حرب ثانية على لبنان، حرب مختلفة في الشكل والمضمون عن المواجهات والغارات التي سادت خلال "حرب الإسناد"، لكنها تستند إلى المنطق ذاته، وكسر معادلة الردع، والقضاء على أية قوة يتمتع بها "حزب الله"، وبالتالي فرض وقائع أمنية جديدة على الحدود الشمالية، وربما الحدود الشرقية الشمالية للبنان.

وفي خلفية المشهد، يتصرف القرار الإسرائيلي وكأن الزمن الدبلوماسي انتهى مع الدولة اللبنانية. فكلما ارتفعت وتيرة الغارات والاغتيالات، اتسعت رقعة الخطاب الإسرائيلي الممهد للحسم العسكري، من "إعادة الشمال للحياة الطبيعية"، إلى "إزالة التهديد من جذوره". وبينما تبدو الجبهة الداخلية الإسرائيلية مهيأة نفسياً لتقبل ضربة واسعة، تتحرك المؤسسة العسكرية لتثبيت معادلة "الهجوم الوقائي"، مستفيدة من غطاء أميركي سياسي واضح ومن تعب إقليمي يقلص شهية أي طرف على التصعيد الدفاعي.

على الجانب المقابل، يقرأ "حزب الله" هذه المؤشرات كإشارات متعمدة لتهيئة الرأي العام لحرب مفتوحة، فيرفع بدوره مستوى الجهوزية الميدانية، فيما تدرك الدولة اللبنانية أن أي خطأ في الحسابات قد يحول الجنوب مجدداً إلى ساحة مواجهة كبرى تتجاوز الحدود الجغرافية إلى عمق الإقليم.

وكانت إسرائيل قد حذرت من تعاظم قدرات "حزب الله"، وقالت صحيفة "هآرتس"، إن مسؤولين كباراً في الجيش الإسرائيلي حذروا من أن الحزب يكثف جهوده لإعادة بناء قواته، وهو ما قد يدفع إسرائيل إلى توسيع عملياتها ضده. وأشار المسؤولون وفقاً للصحيفة، إلى أن هذه التطورات قد تؤدي إلى تصعيد أوسع، إلا أن الجيش يرى في الوقت الراهن أن نشاط الحزب يتركز شمال نهر الليطاني فقط، وليس بالقرب من الحدود الإسرائيلية. تلك المعلومات ترافقت مع تصريحات الموفد الأميركي إلى المنطقة توم براك، الذي أعرب عن قلقه من بطء عملية نزع سلاح الحزب، داعياً إلى حصر السلاح بيد الحكومة اللبنانية. وقال براك إن إسرائيل تواصل قصف جنوب لبنان، لأن "آلاف الصواريخ والقذائف" لا تزال هناك وتشكل تهديداً مباشراً. وذهب براك في تصريحاته بعيداً حين سأل "لماذا لا يرفع عون السماعة ويتحدث إلى نتنياهو للقول لننه هذا العبث"، وذلك تعليقاً على تصريحات رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، الذي أشار فيها إلى "أن خيار التفاوض الذي دعا إليه لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب وتداعياته هو خيار وطني لبناني جامع، لكن إسرائيل لم تحدد موقفها بعد وتستمر في اعتداءاتها". وعلق مسؤول دفاعي إسرائيلي على تصريحات براك بالقول إنها لم تأت من فراغ، وأكد أن لدى إسرائيل أدلة على أن الحزب ينتهك اتفاق وقف إطلاق النار، وأن "حزب الله" يركز حالياً على إعادة إنشاء طرق تهريب الأسلحة إلى لبنان.

كما دخلت إيران على الخط، إذ صرح أمين المجلس الأعلى للأمن القومي علي لاريجاني أن المبعوث الأميركي أدرك صعوبة نزع سلاح الحزب، مما دفعه إلى إطلاق تهديدات صريحة. وبالتوازي، أكدت مصادر استخبارية أجنبية أن الحزب نجح جزئياً في إعادة إنشاء شبكات إمداده، وتلقى شحنات أسلحة من إيران عبر العراق وسوريا، مشيرة إلى أن وتيرة إعادة التسلح لدى "حزب الله" تفوق جهود الجيش اللبناني لنزع سلاحه.

من هنا، يصبح السؤال المركزي هل دخلنا بالفعل مرحلة التمهيد العملي للحرب الثانية على لبنان، أم أن ما يجري لا يزال في حدود "التلويح المدروس" لكسر التوازن من دون الانفجار، والضغط على الدولة اللبنانية باتجاه العمل الجاد لنزع سلاح الحزب، وليس فقط جنوب الليطاني، بل على كامل الأراضي اللبنانية، وخصوصاً في البقاع على الحدود مع سوريا.

 

ما هو سقف الحرب اليوم؟

يحكم السقف الإسرائيلي السياسي والعسكري ثلاثة اعتبارات، أولاً إعادة كل سكان الشمال لبيوتهم، ثانياً تأمين شريط أمني فعال يمنع نيران "حزب الله" المباشرة على الجليل، وثالثاً خفض القدرات النوعية أو القضاء عليها، من الصواريخ الدقيقة والمسيرات أو أي دفاع جوي قد يكون بحوزة الحزب، إلى ما دون عتبة الردع الإسرائيلي، وإنجاز سريع نسبياً يجنب استنزاف الاحتياط والاقتصاد.

وأتت تصريحات القيادة الإسرائيلية في الأيام الأخيرة لتعكس استعداداً لـ"تشديد العمل" ضد الحزب، إذ يتعذر حل دبلوماسي حتى اللحظة، مع ربط ذلك بمحور إيران وتهديداته المتعددة الجبهات.

في المقابل، ومن وجهة نظر الحزب يحكم سقف الحرب لديه الإبقاء إلى حد ما على معادلة الردع قائمة، ومنع تغيير قواعد الاشتباك لمصلحة إسرائيل، لا سيما أن الحزب يسعى إلى تجنب أي وجود بري دائم، سواء للجيش اللبناني أم لأية قوة دولية، شمال الليطاني أو جنوبه، لما في ذلك من تقييد لحركته الميدانية ومراقبة لتحركاته.

 

هدنة طويلة مشروطة

أما على الصعيدين الدولي والإقليمي، يعيد مجلس الأمن معاينة مسار القرار 1701 وزمنه وآليات تنفيذه وتطويره، ويترافق ذلك مع ضغوط أميركية وأوروبية وعربية، لتثبيت ترتيبات حدودية أكثر صرامة من الصيغة القائمة منذ 2006، وأية حرب واسعة ستدفع هذا المسار نحو ترتيبات قسرية بعدية، أي قوة دولية - عربية موسعة، وآليات مراقبة حدودية عابرة للبر والبحر والجو، وربما مسارات ترسيم وإعادة ضبط جديدة، وربط اتفاق وهو ما تلمح إليه تقارير دورية وأجندات مطروحة أمام المجلس. ويرى بعض المراقبين، أن إسرائيل تسعى إلى مفاوضات بشروطها هي، لا إلى سلام بالمعنى الكلاسيكي، بل إلى هدنة طويلة الأمد مشروطة، على غرار ما يجري في غزة، أي آلية مراقبة دولية، بالترافق مع تفوق أمني إسرائيلي يتيح لها التدخل متى رأت ما يهدد أمنها. ولن تقدم على مواجهة مفتوحة مع لبنان، لأنها تتحرك اليوم بحرية داخل أراضيه وأجوائه، مستهدفة مواقع وقيادات حزبية من دون رادع فعلي.

تعطل المسار التفاوضي الحدودي - الأمني وعودة الرشقات الثقيلة والمركبة، من خلال صواريخ دقيقة قد يطلقها الحزب على الجليل، سيعيد الشعور الإسرائيلي بأن العيش الطبيعي في الشمال مستحيل من دون تغيير جذري، خصوصاً إذا ربطنا ذلك مع ما نقلته هيئة البث الإسرائيلية، إلى أن شعوراً بالإحباط يسود داخل "حزب الله"، بسبب تقصيره في الرد على الهجمات الإسرائيلية التي استمرت من دون عائق تقريباً في الآونة الأخيرة.

وقد يكون هذا الإحباط، الذي يسود صفوف التنظيم الميدانية، بمثابة فرصة لاتخاذ إجراءات ضد إسرائيل تتعارض مع النهج الذي رسمه الأمين العام للحزب نعيم قاسم، الذي يحمل الدولة اللبنانية مسؤولية كل ما يتعلق بالهجمات الإسرائيلية التي تلحق خسائر في صفوف الحزب. ونقلت تقارير إعلامية عن مصادر قولها إن "حزب الله" يلوح برد محتمل، وهو ملتزم باتفاق وقف إطلاق النار، الذي يشمل فقط برأيه المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني، مؤكدة في الوقت عينه أن الحزب قد يرد عسكرياً في حال قيام تل أبيب بعملية برية داخل الأراضي اللبنانية، وأنه لا يدرس حالياً أي تعديلات على اتفاق وقف إطلاق النار القائم، مشيرة إلى أن أي تحرك للجيش اللبناني شمال نهر الليطاني سيكون جزءاً من اتفاق سياسي مستقبلي وليس ضمن ترتيبات ميدانية راهنة.

من هنا، وإذا ترافق ذلك مع عملية نوعية قاتلة، أي اغتيال قيادي بارز وضربة عميقة مؤلمة لأي طرف، أو حادثة حدودية كبيرة، يستخدم كذريعة لـ"توسيع بنك الأهداف"، ستشعل سلسلة ردود متدحرجة، وسينهار معها وقف إطلاق النار.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

التفاف إسرائيلي من جهة الشرق

ولوحظ تصاعد العمليات والغارات الجوية العنيفة الإسرائيلية، التي تستهدف عدداً من المناطق في الجنوب والبقاع. وعادة ما يصرح المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي أن الضربات تنفذ بواسطة طائرات تابعة لسلاح الجو، وبإشراف وتوجيه من الاستخبارات العسكرية، ويكون هدفها إما معسكراً أو موقعاً لتصنيع الصواريخ الدقيقة التابعة لـ"حزب الله"، أو بنى تحتية ومراكز تتم فيها التدريبات العسكرية في منطقة البقاع.

وفي السياق، تحدثت معلومات أمنية أن إسرائيل قد تكون تخطط للتوغل إلى الداخل اللبناني، ولكن هذه المرة من مناطق في الجنوب السوري كانت توغلت فيها سابقاً، وهي كانت نفذت بالفعل منذ شهر يوليو (تموز) الماضي توغلات في الأراضي السورية، ونفذت عمليات استهداف وإنزال في مناطق عدة، وإنشاء حواجز تفتيش في مناطق من حوض اليرموك والقنيطرة، حتى إن التدخلات الإسرائيلية وصلت إلى منطقة يعفور القريبة من العاصمة دمشق، وبلدة رخلة القريبة من بلدة كفرقوق اللبنانية الواقعة على سفوح جبل الشيخ.

وقال بيان الجيش الإسرائيلي حينها إنه سحب من المنطقة صواريخ محمولة على الكتف / مضاد للطيران، وتم تفجير ما بقي من المستودعات التي كانت فيها أسلحة خفيفة، والمناطق الحدودية بين سوريا ولبنان كانت تعد مراكز قوة وتخزين سلاح لـ"حزب الله"، مما يعني أن إسرائيل تعمل وستستمر بهدف قطع طرق الإمداد ووصول أسلحة إلى الحزب، ذلك أن عمليات التهريب على الحدود مستمرة، في محاولة من الحزب لنقل ما أمكن من مخزون السلاح التابع له والموجود داخل الأراضي السورية.

محور بيت جن وجبل الشيخ "عين الدولة"

وفي شهر ديسمبر (كانون الأول) 2024، ومن فوق قمة جبل الشيخ أعلن رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو أن القوات الإسرائيلية ستبقى في منطقة عازلة على الحدود السورية، تحديداً على قمة الجبل "حتى يجري التوصل إلى ترتيب آخر يضمن أمن إسرائيل". وأضاف "كنت على هذه القمة قبل 53 عاماً كجندي، لكن أهميتها لأمن إسرائيل زادت، بخاصة في ضوء الأحداث الأخيرة، نحن هنا لدراسة الوضع لاتخاذ قرار حول الانتشار الإسرائيلي في هذا المكان المهم حتى يتم التوصل إلى ترتيب آخر يضمن أمننا. وأهمية هذا المكان لأمن إسرائيل اكتسبت زخماً، خصوصاً خلال الأسابيع الأخيرة مع الأحداث الدرامية التي تحدث هنا في سوريا، وسنحدد الترتيب الأفضل الذي سيضمن سلامتنا".

لذا يرى خبراء عسكريون أن إسرائيل قد تسعى إلى الالتفاف على لبنان من تلك المنطقة، إذ يكتسب محور بيت جن - جبل الشيخ أهمية مضاعفة بسبب موقعه الجغرافي، وتطلق عليه إسرائيل لقب "عين الدولة"، نظراً إلى أهميته في مراقبة لبنان وسوريا والأردن وشمال فلسطين، بما أنه يوفر موقعاً مثالياً لنصب أبراج الاتصالات، مما يمكنها من اعتراض الاتصالات في المنطقة، ويعد مركزاً حيوياً لعمليات الحرب الإلكترونية، إذ يمكن تعطيل شبكات الاتصالات المعادية أو اعتراضها.

 كما ويمنح سيطرة استخبارية ومراقبة عالية على ممرات التحرك بين سوريا ولبنان، مما يجعل منه بوابة لرصد وقطع خطوط الإمداد والتهريب. وكثيراً ما اعتبر الحزب أن تلك المنطقة استراتيجية بسبب قربها من العاصمة السورية، كما الجولان والحدود اللبنانية.

من هنا فإن السيطرة على هذه المنطقة تتيح لإسرائيل إنشاء "شريط أمني" شرقي يحد من قدرة "حزب الله" على التعزيز أو إعادة التموين عبر الحدود، وعملياً هذا المحور يوفر ضغطاً تكتيكياً واستراتيجياً في آن واحد، بحيث يقلص خيارات الحركة الميدانية ويمنح ورقة تفاوضية ضد دمشق وبيروت في حال تصاعد القتال، ووجود نقاط انطلاق هناك يسمح لإسرائيل برؤية ومتابعة خطوط الحركة على حدود لبنان – سوريا وقطع مسارات أي إمداد محتملة. ولهذا جدوى تكتيكية عالية النتائج، أي تدمير مستودعات، وقطع طرق الإمداد، قليلة الكلفة زمنياً إذا أحسنت إسرائيل التوقيت والمعلومة الاستخبارية. ولكن يبقى هناك احتمال ردود انتقامية محدودة من "حزب الله" على محاور داخلية، وخطر استغلال العملية سياسياً من دمشق أو فصائل سورية إذا رأت تهديداً لوجودها.

وتبعاً للمعطيات السابقة، لا بد من التوقف عند الزيارة التي سيقوم بها الرئيس السوري أحمد الشرع إلى واشنطن في الـ10 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، حيث سيلتقي الرئيس دونالد ترمب في البيت الأبيض، ومن المتوقع أن يوقع على الشرع اتفاق انضمام بلاده إلى التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش"، كما وستمهد هذه الزيارة لجولة خامسة من المفاوضات المباشرة بين سوريا وإسرائيل بوساطة أميركية، بهدف اتفاق أمني حدودي في نهاية العام. ولا بد ومع هذه التطورات أن يتوجس "حزب الله" من أي اتفاق أمني سوري - إسرائيلي، لأن ذلك يعني أن خطوط إمداده ستقفل نهائياً من جهة الشرق، ومع دخول سوريا في التحالف ضد الإرهاب، وبما أن الحزب مصنف منظمة إرهابية في الولايات المتحدة وعدد من الدول حول العالم، فقد يكون هو ضمن أهداف الحملة في المرحلة المقبلة.

 

كماشة إسرائيلية

وقد تتوغل إسرائيل بعمق تكتيكي متوسط عبر النقاط القابلة للعبور، لرسم شريط أمني شرقي، والهدف منه قطع وصل لبنان بسوريا عبر محاور جبلية محددة، لاستهداف خطوط إمداد أو نقاط عبور. وربما سيكون عبر هجوم بري مدعوم جوياً باتجاه ممرات جبلية ووديان تربط بين بيت جن ومداخل الجنوب اللبناني الشرقية، مع إنشاء نقاط مراقبة موقتة أو نقاط تفتيش لتعطيل مرور معدات وذخائر. هذا السيناريو ممكن ولكنه مكلف لوجستياً، بسبب التضاريس الجبلية الوعرة لصالح الدفاع من الحزب عبر الكمائن والأنفاق، مما سيجعل من التقدم بطيئاً ومكلفاً.

لماذا تسعى إسرائيل إلى حصار لبنان من الحد الشرقي؟

ترى تل أبيب ربما أن قطع خطوط التزويد والتهريب، أي المسار المباشر من سوريا إلى لبنان الذي يستخدم لتوريد ذخائر وقطع غيار ومقاتلين، والسيطرة على محاور "بيت جن" تمكنها من تعطيل هذه الشبكات. كما ويعطيها القدرة على التحكم بالاستخبارات والمراقبة، فالمرتفعات كجبل الشيخ تمنح قدرة رصد استخبارية على تحركات داخل لبنان، وهذا يخفض مفاجآت الاستجابة ويوسع القدرة على ضرب العمق. أضف إلى محاولتها شطر "جغرافيا الساحة"، بمعنى جعل الحدود مع سوريا مغلقة أو مراقبة، مما يقوض قدرة "حزب الله" على التحرك الحر، ويعزل المجموعات المحلية، ويسهل فرض "وقائع أمنية" جديدة جنوباً.

وهذا من شأنه الدفع باتجاه خلق خطوط تسوية لاحقة، ومن منظور إسرائيلي سيصبح من الأسهل فرض ترتيبات حدودية أو آليات دولية، إذا أمكن إبراز أن التهريب والتزويد عبر سوريا مصدر أساسي للخطر.

 

شريط ناري متحرك جنوباً

أيضاً يرى متابعون أن إسرائيل قد تتوغل برياً جنوب لبنان بعمق ثلاثة إلى 10 كيلو مترات، على محاور مختارة لتدمير عقد ميدانية وقرى حدودية، وعقد مضادات دروع ومخازن، ثم انسحاب تدريجي مع إبقاء قدرة قصف دائمة. ويعزز هذا المكسب صورة النصر الداخلي وإبعاد نيران قصيرة المدى. ولكن هذا التوغل قد يحول بعض القرى إلى ساحات استنزاف طويلة، ويزيد من احتمالية تورط إسرائيل في حرب برية وهذا ما تتحاشاه، لأنها تدرك أن هذه الجبهة ليست كغزة أو الضفة، فالتضاريس اللبنانية وعقيدة الحزب القتالية تجعل أي توغل بري معركة استنزاف طويلة ومكلفة. ناهيك بأن الحزب بنى خلال السنوات الماضية شبكة أنفاق ومواقع مضادة للدروع تمتد من الجنوب حتى عمق البقاع، مما يعني أن أي تقدم بري سيتحول سريعاً إلى كمائن في قرى ضيقة وجبال وعرة.

إضافة إلى ذلك، فإن الذاكرة الإسرائيلية ما زالت مثقلة بتجربة 2006، حين تحول "اليوم الثالث" الذي وعد فيه بالنصر إلى حرب استنزاف لـ33 يوماً. واليوم، ومع هشاشة الجبهة الداخلية الإسرائيلية وضغط الاقتصاد، تدرك تل أبيب أن حرباً برية في لبنان قد تفتح عليها جبهات متعددة وتضعها أمام كلفة بشرية وسياسية لا يمكن تبريرها أمام الرأي العام الداخلي ولا أمام حلفائها الغربيين. وقد تستعيض عن ذلك بمناورة برية أوسع شمالي الليطاني، لكن من دون احتلال مديد، مع تمشيط عميق ثم تسليم قطاع إلى آلية دولية - عربية معززة واشتراطات قاسية على التموضع جنوب النهر.

وهذا كله قد يترافق مع ضربات "قطع الرأس" مركزة في العمق، أي الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت وبعلبك في البقاع شرق البلاد، عبر حملة اغتيالات وضربات عالية الدقة ضد قيادات ومراكز سيطرة ومنظومات دفاع جوي ومسيرات، مقرونة برد مدروس على كل رشقة، وذلك لكسر منظومات القيادة والسيطرة وتشويش على إيقاع الحزب، لكن ذلك قد يقابله ردود نوعية مؤلمة على عمق أكبر، وتوسع رقعة الحرب خارج الجنوب. وبمعنى نقل الصراع إلى جبهات إقليمية متعددة، أي العراق واليمن وربما إيران، وهو احتمال أقل رغبة لدى إسرائيل، لكن التداخل بين الجبهات قائم، والتهديدات المتبادلة تربطها بمحور واحد، لكن اتساع رقعة المواجهة سيضغط على السقف الدولي للتسريع بتسوية قسرية. هنا سيكون من المفيد رصد مؤشرات الإنذار المبكر، كتلك التي حصلت مساء أمس الخميس في لبنان، إلى جانب تدريبات نارية كثيفة مرافقة، وهذا ما حصل بالفعل، إذ قام الجيش الإسرائيلي ومنذ أسبوعين تقريباً، بأوسع مناورة عسكرية له منذ هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وبمشاركة الفرقة 91 التابعة للقيادة الشمالية، على طول الحدود مع لبنان، لاختبار قدراته الهجومية والدفاعية في مواجهة أي تصعيد محتمل مع "حزب االله".

وأعلن أفيخاي أدرعي وعبر حسابه على منصة "إكس" انطلاق تمرين عسكري واسع في منطقة الجليل، على طول الحدود مع لبنان، وشمل البلدات الشمالية ومنطقة الساحل والجبهة الداخلية. وبحسب أدرعي، فإن التمرين يهدف إلى اختبار الجهوزية الميدانية وتعزيز التنسيق متعدد الأذرع بين القوات البرية والبحرية والجوية ووحدات الاستجابة الفورية.

في المحصلة، تميل إسرائيل اليوم إلى خيار ناري - جوي مكثف مع توغلات محدودة، على أمل فرض تسوية أمنية حدودية مشددة من دون الغرق في احتلال بري طويل، وأخطار الانزلاق إلى جبهات أوسع وعدم يقين من النتيجة، لأن أي احتلال أو تقدم بري قد يواجه كمائن وأنفاق وخسائر كبيرة، ويخاطر بفتح جبهات إقليمية أو تصعيد لا تضمن إسرائيل السيطرة عليه.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل