ملخص
"اتحاد الحقوقيين العرب" يكشف عن تأسيس فريق عمل قانوني عربي متخصص لملاحقة مرتكبي جرائم الحرب على قطاع غزة في المحاكم الدولية، يرتكز في عمله على جمع ما أمكن من الأدلة والوثائق والشهادات لإدانة المسؤولين الإسرائيليين.
تزامناً مع تصاعد الجهود الدولية في الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية في ديسمبر (كانون الأول) عام 2023، بتهمة ارتكاب "جرائم إبادة جماعية" بحق المدنيين الفلسطينيين في غزة، بادر "اتحاد الحقوقيين العرب" باتخاذ موقف مماثل، يؤكد أن الجرائم المرتكبة ضد الفلسطينيين ليست انتهاكات عابرة وتستدعي الملاحقة، وكشف عن تأسيس فريق عمل قانوني عربي متخصص لملاحقة مرتكبي جرائم الحرب على قطاع غزة في المحاكم الدولية، يرتكز في عمله على جمع ما أمكن من الأدلة والوثائق والشهادات لإدانة المسؤولين الإسرائيليين، ليس فقط في المحكمة الجنائية الدولية بل في الدول العربية كذلك. ورفضت المحكمة الجنائية الدولية في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي للمرة الثانية استئنافاً تقدمت به إسرائيل ضد مذكرتي الاعتقال الصادرتين بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي السابق يواف غالانت، لارتكابهما جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة، بعد رفض أول في يوليو (تموز) الماضي. وفيما قالت وزارة الخارجية الأميركية في السادس من يونيو (حزيران) الماضي إنه جرى فرض عقوبات على أربعة قضاة من المحكمة الجنائية الدولية بزعم "انتهاكهم سيادة الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل"، أعلنت الإدارة الأميركية في الـ20 من أغسطس (آب) الماضي، إدراج عدد من قضاة ومساعدي المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في قائمة العقوبات بسبب "مواقفهم ضد إسرائيل"، مما دانته الأمم المتحدة وعدّته خطوة "انتقامية" ضد المؤسسات الدولية وموظفيها.
ووفقاً للمركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية، تعد الجمعية العامة للأمم المتحدة (UNGA) ومجلس حقوق الإنسان (HRC) منذ عام 2000 المنصتين الأساسيتين لاستهداف إسرائيل بقرارات وإدانات متكررة، إذ أصدرت الجمعية العامة بين 2015 و2023 نحو 154 قراراً ضد إسرائيل مقابل 68 فقط ضد بقية دول العالم مجتمعة، أي بمعدل يراوح ما بين 14 و17 قراراً سنوياً. وأصدر مجلس حقوق الإنسان منذ تأسيسه عام 2006 حتى 2023، نحو 100 قرار ضد إسرائيل، مدفوعة ببند دائم خاص بفلسطين والجولان. إلا أن اعتماد واشنطن المتواصل لحق النقض (فيتو) في مجلس الأمن، وتحالفات إسرائيل المتينة مع قوى دولية كبرى، مكّناها من الإفلات من أية تبعات فعلية لمبادرات المقاطعة أو العقوبات.
جهود عربية
الفريق العربي الذي أطلق على نفسه اسم "مجموعة العمل القانونية العربية لملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيلية" وانطلق من المغرب، لا يضم شخصيات قانونية وحقوقية من المغرب وحسب، بل ضم محامين ومنظمات من دول عربية عدة. فالمجموعة بحسب إعلانها تسعى إلى توسيع عضويتها لتشمل خارج المنطقة العربية من أجل توحيد الجهود القانونية من محامين وحقوقيين ومنظمات حقوق إنسان في مختلف دول العالم، وهي خطوة مشابهة لما قامت به "اللجنة الدولية للمحامين" عام 2023، حين تقدم أكثر من 500 محامٍ وخبير قانوني بشكوى إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي حول جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي التي ارتكبتها إسرائيل بحق سكان قطاع غزة، وأبدوا التزامهم محاسبة وملاحقة المسؤولين عن جرائم الحرب.
وأكد عضو الاتحاد المحامي السعودي الدولي كاتب الشمري أن الفريق القانوني العربي تحرى الجهود وجند الكفاءات القانونية من مختلف الدول العربية لنصرة الشعب الفلسطيني، قائلاً "قانونياً وأخلاقياً ملتزمون بذلك ليس فقط لأنه واجب قومي وإنساني".
ويرى مراقبون أن تصاعد لجوء الحكومات والأفراد إلى محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية بكل ما قد يتصل بالقضية الفلسطينية يقطع الطريق على إسرائيل لناحية الاستمرار في سياسة الإفلات من العقاب، ودفع تزايد التحركات الاستراتيجية من أجل الفلسطينيين شخصيات عسكرية وسياسية في إسرائيل إلى النظر إليها على أنها "حرب قانونية" على إسرائيل وبمثابة "سلاح حرب".
ورأى "معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي" ضمن تقرير أن جهود المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني تسعى إلى "نزع الشرعية عن إسرائيل"، خصوصاً بعدما منحت الجمعية العامة للأمم المتحدة فلسطين صفة دولة مراقب غير عضو عام 2012، ومكنت السلطة الفلسطينية من الانضمام إلى المعاهدات والمؤسسات القانونية الدولية. وعلى رغم أن الفريق الحقوقي العربي الجديد لم يرسم بعد تفاصيل الحرب القانونية التي ينوي شنها على إسرائيل، فإن مؤسسات أخرى مماثلة تمكنت من إرهاق المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، ونشر أسماء عسكريين إسرائيليين متورطين في قتل فلسطينيين. وفي نهاية أكتوبر الماضي، قدمت مؤسسة هند رجب(HRF) التي تعد الذراع القانونية لحركة "30 مارس" وتأسست عام 2024 ومقرها بروكسل، ملفاً مكوناً من 120 صفحة إلى الجنائية الدولية في لاهاي، يحدد مسؤولية 24 جندياً وقائداً إسرائيلياً في مقتل الطفلة الفلسطينية هند رجب وستة من عائلتها والمسعفين اللذين هرعا لإنقاذها في حي تل الهوا جنوب غربي مدينة غزة مطلع عام 2024، فضلاً عن تقديمها مئات الدعاوى القضائية لملاحقة مسؤولين وعسكريين إسرائيليين عبر أنحاء العالم.
وعلى رغم أن إسرائيل جادلت مرات عدة في شأن الاختصاص القضائي للمحكمة وادعت فشلها في إتاحة الفرصة لها لممارسة حقها في التحقيق بنفسها في الادعاءات التي صاغتها، فإن ذلك لم يمنع 93 دولة هي أطراف في نظام روما في يونيو عام 2024 من إصدار بيان يدعم المحكمة الجنائية الدولية، وقدم عدد منها مذكرات فردية ومشتركة لدعم اختصاص المحكمة، في حين دعمت منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية وجمعيات حقوق الإنسان وغيرها من المنظمات اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، بما في ذلك لجنة الحقوقيين الدولية والمقررون الخاصون للأمم المتحدة المكلفون بولايات الإجراءات الخاصة لدى مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.
تحركات عالمية
ومع تفاقم الحرب القانونية ضد إسرائيل وما تظهره مؤسسات الأمم المتحدة وأرفع المحاكم الدولية من تعامل متزايد معها كدولة خارجة عن القانون الدولي، يتهم خصوم نتنياهو السياسيون داخل إسرائيل بأنه يقودها لدولة منبوذة على الساحة الدولية. وإضافة إلى الدعوة التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، ومذكرات الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت والرأي الاستشاري الذي أصدرته المحكمة في الـ19 من يوليو عام 2024، وعُدّ تاريخياً، أن استمرار الوجود الإسرائيلي في الأرض الفلسطينية المحتلة غير قانوني، أدرجت إسرائيل للمرة الأولى العام الماضي مع روسيا والسودان وتنظيم "داعش" في "قائمة العار" الصادرة عن الأمم المتحدة لمرتكبي الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال خلال النزاعات المسلحة، في خطوة أحدثت صدمة دبلوماسية كبيرة في إسرائيل وضعتها رسمياً في مصافي دول وكيانات منبوذة دولياً.
ومنذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وخلال الأعوام الأخيرة، ظهرت تحركات عالمية تطالب بملاحقة إسرائيل ومحاسبتها، كالمنظمة الأميركية "صوت يهودي من أجل السلام" التي تدعو إلى إنهاء الدعم الأميركي لإسرائيل، وتحالف "يهود أوروبا من أجل فلسطين" الذي يضم مجموعات من 10 دول ويركز على حقوق الفلسطينيين، فضلاً عن مناداة حركة "نامود" البريطانية لإنهاء دعم المجتمع اليهودي البريطاني لإسرائيل. أما منظمة "يهود من أجل العدالة للفلسطينيين" فتدعو إلى حقوق الإنسان والحرية للفلسطينيين، وتدعم المنظمة اليهودية- الفرنسية "زيد" ومنظمة "جوداين" الأوروبية حقوق الإنسان والعدالة للفلسطينيين، في حين ترفض شبكة "يهود عالميون من أجل فلسطين" التي تضم أكثر من 30 مجموعة يهودية الممارسات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين. في المقابل، أكدت مؤسسة المؤتمر اليهودي المناهض للصهيونية في فيينا ومؤسسة الكونغرس الدولي لليهود المناهضين للصهيونية الناشطة داليا ساريك أن "كثيراً من الأشخاص الذين بدأوا تأسيس تلك الحركات اليهودية تراجعوا بسبب الضغوط، انطلاقاً من التهديد بخسارة الجنسية، وحتى وظائفهم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
خطة تصدي
ووفقاً لمجلة +972 الإسرائيلية، فإن وزارة العدل الإسرائيلية تعتمد منذ أعوام على شبكة من المنظمات المحلية والدولية لتنفيذ سياساتها في صد الأنشطة المناهضة لإسرائيل على الساحة الدولية. وبحسب ما جاء في موقع "ماكور ريشيون" الإسرائيلي، فإن وزارة الخارجية الإسرائيلية قادت حملة لإقناع الدول الرئيسة التي تمول المحكمة الجنائية الدولية بخفض مساهماتها. في المقابل أعلنت إسبانيا أخيراً زيادة تمويل المحكمة الجنائية الدولية بمقدار 1.6 مليون يورو (1.8 مليون دولار) بينما أعلنت بلجيكا في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2023 أنها ستقدم 5 ملايين يورو (5.7 مليون دولار) لتعزيز جهود المحكمة الجنائية الدولية في التحقيق في ما يتصل بحرب غزة. وبحسب تقرير لـ"معهد الديمقراطية الإسرائيلي"، فإنه يتعين على إسرائيل تجنيد الدول الحليفة لمعركة إسرائيل القانونية وإعادة تحديد أهدافها وإقناع الدول الأخرى بالانسحاب من المحكمة الجنائية الدولية، والعمل في الوقت نفسه على نزع الشرعية عن كل من محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، وثني الدول عن التعاون معهما. وأوصى المعهد بأن على إسرائيل التحالف مع دول مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا لصوغ تفسير قانوني بديل يجعل اتخاذ المحاكم الدولية موقفاً ضد إسرائيل أمراً أكثر صعوبة.
من جهته دعا "معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي" تل أبيب إلى التعاون بالطرق شتى مع هيئات التحقيق التابعة للأمم المتحدة، وأن تستخدم أيضاً الأدوات القانونية الواردة في نظام روما لوقف التحقيقات ضدها. أما "معهد مسغاف لبحوث الأمن القومي والاستراتيجية الصهيونية"، فأكد على اعتبار التهديد القانوني الدولي الرامي إلى تقييد وتقليص حق إسرائيل في الدفاع عن النفس تهديداً دبلوماسياً أمنياً وليس قانونياً. وكشفت صحيفة "ذا غارديان" في مايو عام 2024 عن أن إسرائيل نظمت حرباً سرية استمرت نحو عقد من الزمن ضد المحكمة الجنائية الدولية. وخلص التحقيق الذي أجرته الصحيفة مع المجلتين الإسرائيليتين +972 و"لوكال كول"Local Call إلى أن العملية شملت وكالات استخباراتية تولت مراقبة كبار موظفي المحكمة الجنائية الدولية واختراق حساباتهم والضغط عليهم وتشويه سمعتهم وتهديدهم، مما دفع المحكمة الجنائية الدولية بحسب "ذا غارديان" إلى تعزيز تدابيرها الأمنية ضد العمليات السيبرانية، بما في ذلك إجراء عمليات تفتيش منتظمة لمكاتب المدعي العام، والتحقق الأمني من الأجهزة والمناطق الخالية من الهواتف، وتقييم التهديدات بوتيرة أسبوعية.