ملخص
أليستر بيرت، وزير بريطاني سابق لشؤون الشرق الأوسط، اعترف بأنه أخطأ حين وثق بإسرائيل ولم يُدن مقتل المسعفة الفلسطينية رزان النجار عام 2018، مؤكداً أنها استُهدفت وقُتلت عمداً، وأن تحقيقات تل أبيب كانت زائفة للتغطية على الجرائم. القضية أعادت تسليط الضوء على تراجع صورة إسرائيل دولياً بعد حرب غزة.
اتهم وزير بريطاني سابق من حكومة حزب المحافظين حكومة بنيامين نتنياهو بقتل ممرضة فلسطينية شابة تعرف بـ "ملاك الرحمة"، في تراجع استثنائي عن موقفه السابق حين رفض انتقاد إسرائيل على مقتلها، كما اتهم أليستر بيرت إسرائيل بإجراء تحقيقات زائفة في مقتلها ومقتل فلسطينيين آخرين على يد الجيش الإسرائيلي، بهدف "التغطية على جرائم القتل".
وقال بيرت الذي شغل منصب وزير شؤون الشرق الأوسط في حكومة تيريزا ماي المحافظة، إنه وحكومتها أخطآ بعدم إدانة إسرائيل على مقتل المسعفة رزان النجار (21 سنة) خلال احتجاجات فلسطينية على حدود غزة مع إسرائيل عام 2018.
وقُتلت النجار برصاصة أثناء محاولتها إسعاف متظاهر جريح مما أثار غضباً دولياً وجعل منها رمزاً بعد وفاتها، فيما خلص تحقيق للأمم المتحدة إلى وجود "أسباب معقولة" للاعتقاد بأنها قُتلت عمداً على يد الجيش الإسرائيلي، وعندما وقعت الحادثة كان بيرت يشغل منصب وزير الدولة في الخارجية البريطانية لشؤون الشرق الأوسط، ورفض آنذاك توجيه أي انتقاد لإسرائيل، مكتفياً بحثها على التحقيق في الأمر، بل إنه وجه اللوم إلى الفلسطينيين زاعماً أن "عناصر متطرفة استغلت الاحتجاجات لتحقيق أهدافها العنيفة".
إلا أن بيرت، وفي اعتراف علني لافت، قال اليوم إنه نادم على موقفه المؤلم ذاك، مؤكداً أنه بات مقتنعاً تماماً بأن رزان النجار كانت "مستهدفة بوضوح وقُتلت عمداً" على يد إسرائيل، مضيفاً أن تعهدات إسرائيل بالتحقيق في مقتلها وفي حوادث مشابهة، لم تكن سوى وعود زائفة، وأنه وحكومته في بريطانيا أخطآ حين وثقا في نفي إسرائيل مسؤوليتها.
وعندما سئل عن سبب امتناعه من إدانة تصرفات إسرائيل حين قتلت النجار، قال بيرت بأسى "أعرف تماماً ما فعلت، وأعرف لماذا فعلته، وكان ذلك مؤلماً فعلاً".
وتابع قائلاً "لقد فكرت كثيراً في هذا الأمر، وأقوى ذكرى لا تزال عالقة في ذهني وهي إطلاق النار على المسعفة الشابة رزان النجار، فقد جرى استهدافها عمداً وقتلها على يد الإسرائيليين".
وقال بيرت إنه وحكومة بلاده ارتكبا خطأً جسيماً حين أخذا بكلام حكومة نتنياهو التي زعمت أنها ستحقق وتعترف بالمسؤولية إذا ثبت أن "الجيش الإسرائيلي" هو من تسبب بمقتل النجار، مؤكداً أن تل أبيب لم تكن تنوي ذلك مطلقاً، وأن تلك التحقيقات الرسمية الموعودة وغيرها من التحقيقات المشابهة كانت جميعها "عديمة الجدوى"، بل وأسوأ من ذلك لم تكن سوى خدعة متعمدة لإخفاء الحقيقة.
وأضاف "اعتمدنا على الرد الإسرائيلي الذي زعم أنهم يعرفون تماماً مصدر كل رصاصة أطلقها الجيش الإسرائيلي، وكانت شكوكي آنذاك، التي تأكدت لاحقاً، أن تلك التحقيقات كانت عديمة الجدوى فعلياً واستخدمتها إسرائيل غطاء لعمليات القتل والتستر عليها مثل هذه الحادثة"، وزاد "كان ينبغي لي وللمملكة المتحدة أيضاً أن نتحلى بقدر أكبر من الجرأة في إدانة ذلك علناً".
وتأتي تصريحات بيرت في وقت تشهد إسرائيل جدلاً آخر حول مقطع فيديو مسرب يُزعم أنه يُظهر جنوداً من الجيش الإسرائيلي وهم يمارسون التعذيب في معسكر "سديه تيمان" المخصص لاحتجاز الفلسطينيين، ويُكشف تحول موقف بيرت في كتاب جديد للصحافي والمؤلف بيتر أوبورن بعنوان "متواطئون: دور بريطانيا في تدمير غزة"، يتناول دور المملكة المتحدة في الأحداث المحيطة بالصراع بين إسرائيل وغزة.
ويرى منتقدو إسرائيل أن تصريحات بيرت الصريحة، ولا سيما وصفه المؤلم لثقته الخاطئة بحكومة نتنياهو في مقتل رزان النجار وغيرها من الفلسطينيين، تمثل دليلاً إضافياً على تراجع مكانة إسرائيل الدولية في أعقاب حرب غزة.
وكانت مراجعة داخلية أجراها الجيش الإسرائيلي في شأن مقتل النجار عام 2018 قد خلصت إلى أنها لم تكن مستهدفة عمداً، واتُهم الجيش الإسرائيلي بشن حملة تشويه بعدما نشر شريط فيديو زعم أنه يُظهر النجار في مقابلة تلفزيونية وهي تعترف بأنها كانت "درعاً بشرياً"، وقال متحدث باسم الجيش الإسرائيلي إنها "ليست ملاك الرحمة كما تحاول دعاية 'حماس' تصويرها"، لكن تبين لاحقاً أن الفيديو خضع للتحريف، إذ قالت النجار في الحقيقة إنها كانت "درعاً بشرياً لإنقاذ الجرحى"، غير أن العبارة الأخيرة "إنقاذ الجرحى" حذفت من المقطع المنشور.
أما سفير إسرائيل لدى المملكة المتحدة في وقت الحادثة فقد شكك في كون النجار مسعفة حقيقية، معتبراً أن مقتلها دليل إضافي على وحشية حركة "حماس".
وقد أصبحت النجار أيقونة بين الفلسطينيين قبل مقتلها، إذ انتشرت صورها على وسائل التواصل الاجتماعي وهي ترتدي أوشحة ملونة وعلى وجهها ملامح عزم راسخ، وعند مقتلها كانت ترتدي سترة بيضاء وترفع يديها فوق رأسها، وهي إشارة يعرفها جميع أطراف الصراع بأنها تخص المسعفين الذين لا يجوز استهدافهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأجرت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان (UNCHR) تحقيقاً في مقتلها، وخلصت إلى أنها كانت موشحة بوضوح بزي المسعفين ولم تكن تشكل أي تهديد لحياة جنود جيش الاحتلال أو سلامتهم عندما أُطلقت النار عليها.
وأفادت المفوضية بأنها وجدت أسباباً معقولة للاعتقاد بأن القناصة الإسرائيليين أطلقوا النار عمداً على العاملين في المجال الصحي على رغم علمهم الواضح بأنهم يرتدون شارات طبية مميزة، وفي مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز" قبل شهر من مقتلها، تحدثت رزان النجار عن دورها كمسعفة متطوعة قائلة إن "العمل في الإسعاف ليس وظيفة للرجال وحدهم بل للنساء أيضاً، وهدفنا واحد وهو إنقاذ الأرواح وإجلاء المصابين وتوجيه رسالة إلى العالم مفادها أننا، من دون سلاح، نستطيع أن نفعل كل شيء".
وجاء مقتلها في يونيو (حزيران) 2018 قبل فترة وجيزة من إعلان خطوبتها على الشاب عزت شتات نهاية شهر رمضان، وقد شارك آلاف الغزيين في جنازتها ولُف جثمانها بالعلم الفلسطيني، بينما حمل والدها سترتها الطبية الملطخة بالدماء.
وأشار بيرت إلى حادثة أخرى منسوبة إلى الجيش الإسرائيلي حين أطلق جندي إسرائيلي قنبلة غاز مسيل للدموع مباشرة على وجه المتظاهر الفلسطيني مصطفى التميمي في الضفة الغربية المحتلة عام 2011، وقال بيرت "دعونا إلى فتح تحقيق وتلقيت وعداً بأننا سنحصل على رد، لكن لم يحدث شيء، ولا أذكر أننا تلقينا أية إجابة على الإطلاق"، وقد تواصلت "اندبندنت" مع الجيش الإسرائيلي للحصول على تعليق.
© The Independent