Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مشاهد الظل... أضواء أميركية على يوميات الملك عبدالعزيز في حكم السعودية

"اندبندنت عربية" ترصد أول حوار صحافي أجراه المؤسس مع مجلة "لايف" عام 1943 وتحدث فيه عن حياته وإدارة البلاد من بعده

اللقاء الأول للملك عبدالعزيز مع فريق مجلة "لايف عام 1943 (اندبندنت عربية)

ملخص

إيقاع اليوم في ديوان الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود كان يبدأ قبل الفجر، إذ يتلو القرآن حتى الآذان ثم يجلس إلى مجلسه، حيث يتناوب ثلاثة مترجمين على قراءة نشرات واردة من نيويورك ولندن وبرلين وروما في أوقات ثابتة خلال النهار مع تعليقات موجزة تلخص المستجدات العسكرية.

بين رمال الجزيرة العربية المتوهجة تحت شمس الظهيرة، حيث تتنفس الأرض تاريخاً عتيقاً، وتهمس الرياح بملاحم البطولة، وبينما تدور رحى الحرب العالمية الثانية، كان اللقاء الأول للملك الراحل مؤسس السعودية عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود مع فريق مجلة "لايف" الأميركية الذي شد رحاله إلى شبه الجزيرة العربية للقاء الملك في لحظة فارقة، إذ جاء فريق مجلة "لايف" الأميركية محملاً بأسئلة الغرب وفضوله، فعبرت إجابات "الملك البدوي" كما وصفته المجلة، عن رؤية ثاقبة لمستقبل المنطقة، ورغبة صادقة في بناء جسور التعاون مع العالم.

الفريق الصحافي الذي وصل إلى الرياض قادماً من القاهرة عبر الوصول إلى جدة، ومنها شق الصحراء إلى العاصمة، ضم الصحافي الأميركي نويل بوش، وهو المسؤول عن تحرير اللقاء، والمصور روبرت لاندري الذي التقط صوراً خاصة ليوميات الملك نشرتها المجلة.

كان اللقاء أكثر من حوار صحافي، بل نافذة أطل منها العالم على قلب رجل حمل مشروعاً وحدوياً استثنائياً، عبر كلماته، رسم ملامح دولة فتية قادرة على أن تكون شريكاً حضارياً، تحمل تراثاً عريقاً وطموحاً لا يعرف المستحيل، تلك المحادثة التاريخية لم تكن مجرد لقاء إعلامي، بل كانت لحظة تأسيس لصورة بلاده في الوعي العالمي، صورة تقوم على الحكمة والقوة والشراكة الإنسانية.

لم يكن اللقاء تقليدياً، بل نقل للعالم الغربي كيف يدير الملك دولته، وكيف تبدو عاصمة مملكته، إذ التقاه الفريق الصحافي في قصر الحكم (مقر الحكم قديماً في الرياض) وشاهد يومياته عن قرب وعاداته وهواياته، والتقرير الذي نشرته المجلة الأميركية في عددها الصادر في الـ31 من مايو (أيار) 1943، وصف السعودية بأنها "بلد يتغير ببطء، لكنه يتغير بثقة"، وأن الملك عبدالعزيز "رجل صنع مملكته بيده ويمسك بزمامها بعين لا تنام".

 

"اندبندنت عربية" حصلت على نسخة قديمة من مجلة "لايف"، التي نشرت الحوار على صفحات عددها الصادر في الـ31 من مايو 1943، إذ كانت المجلة الأشهر في أميركا آنذاك، وحظي الحوار باهتمام الإعلام الغربي وليس الأميركي فقط بعدما نقلت أول حوار لمؤسس السعودية مع الصحافة الأميركية.

تقديمة الملك والراعي

كتب محرر المجلة في مقدمة تقريره أن السعودية كانت أشبه بـ"الدولة المغلقة أمام العالم المسيحي"، إذ لم يسمح لأي صحافي غير مسلم بزيارة الرياض من قبل، لكن في شتاء ذلك العام، كسر الملك عبدالعزيز القاعدة ومنح مجلة "لايف" إذناً استثنائياً لدخول البلاد.

في الصفحة الثانية من التقرير، استهل المحرر عرضه بقصة عن "الملك البدوي"، مقدماً من خلالها ملامح شخصية الملك العربي وهيئته أمام القارئ الأميركي، ومتحدثاً عن المملكة وتاريخ توحيدها تحت رايته.

قدم الصحافي نويل بوش للقاء بسرد قصة لواقعة حدثت في خريف عام 1942، إذ يروي أن الملك عبدالعزيز كان في طريقه إلى مكة لأداء فريضة الحج على متن سيارته الـ"باكارد"، وتوقفت السيارة تحت ظل شجرة أثناء إصلاح الطريق، فاقترب راع يمتطي جملاً من المكان، وصعد التل من دون أن يعرف هوية الرجل الجالس أمامه، ودار بينهما حديث عابر، سأل فيه الملك الراعي من أين أتى، فأجاب بأنه من صحراء نجد، ثم سأله إن كان قد أدى الحج من قبل، فرد بالنفي، عندها سأله الراعي ممازحاً: هل سيسمحون لك بالدخول إلى مكة؟ فأجاب الملك مبتسماً: "بالطبع، فأنا من يصدر التصاريح".

استخدم المحرر هذه القصة ليصف من خلالها الطريقة التي كان ينظر بها إلى الملك في بلاده، قائلاً إنه يجمع في شخصه بين التدين العميق والحضور القوي للسلطة.

الملك بعيني المحرر الأميركي

وصف بوش الملك بأنه رجل طويل القامة، عريض المنكبين، يرتدي الزي العربي التقليدي، وأن ملامحه تجمع بين الجدية والحزم، يمتاز بعينين حادتين تتركان أثراً قوياً لدى من يلتقيه، وكتب أن حضوره كان بحد ذاته تأكيداً لمركزية شخصه في إدارة الدولة، إذ تصدر القرارات منه مباشرة، ويعرف الجميع أن السلطة في يده لا في مكاتبه أو حاشيته، وأنه كان يمارس الحكم بصورة مباشرة من دون طبقات بيروقراطية تفصله عن الناس.

 

هذا الوصف، كما رآه بوش، لم يكن مجرد ملاحظة شكلية، بل انعكاساً لطبيعة النظام الذي بناه الملك عبدالعزيز، نظام يستمد شرعيته من هيبة القائد وعدله وتقواه، إذ تتجسد الدولة في شخص مؤسسها أكثر مما تتجسد في مؤسساتها.

شرح بوش مسار توحيد البلاد حيث قال "وحد الملك نجد والحجاز والأحساء وعسير، وبسط سلطانه على مكة والمدينة، أقدس مدينتين في الإسلام، إذ لا يسمح لغير المسلمين بدخولهما، وبذلك تحولت المملكة إلى قلب العالم الإسلامي ومركز ثقله الروحي".

كتب بوش أن العالم الخارجي كان يجهل كثيراً عن مؤسس السعودية، على رغم أن موقع بلاده جعله محوراً استراتيجياً بين الشرق والغرب، وقال "بينما كانت القوى العظمى تراقب منابع النفط الناشئة، كان الملك السعودي يتعامل معها بذكاء وحذر، موازناً بين عقيدته الدينية ومصالح بلاده الاقتصادية".

السلطة السعودية

رأى المحرر في الملك عبدالعزيز حاكماً يعيش في عالمين، الأول تقليدي يستمد سلطته من الدين والعادات القبلية، والثاني حديث يتعامل فيه مع الولايات المتحدة وبريطانيا بمنطق الدولة الحديثة، وكانت سياسته الخارجية، كما وصفها بوش "مزيجاً من الإيمان والبترول، فهو زعيم مؤمن، لكنه يدرك تماماً وزن موقعه في معادلات القوى الدولية".

وحول بيروقراطية الحكم في السعودية آنذاك، قال الصحافي الأميركي إن الملك كان يدير شؤون مملكته بنفسه، إذ يجلس يومياً ليستقبل مئات المواطنين، يستمع إلى شكاواهم ويحكم في قضاياهم فوراً من دون حاجة إلى جهاز إداري معقد، وهذا النظام المباشر جعله قريباً من الناس، وأكسب حكمه قبولاً واسعاً.

وفي سياق قراءة شخصية الملك، كتب الصحافي عن واقعة لافتة تكشف كيف تعامل عبدالعزيز مع جدل العلماء حول القبول بوجود جهاز الراديو، إذ لم يسع إلى إسكاتهم، بل دعاهم إلى الاستماع إلى بث مباشر من القرآن الكريم، ليتبين لهم أن الجهاز ليس شراً في ذاته، بل وسيلة تقاس بنوايا مستخدميها.

وفي نظر بوش، لم يشهد العالم الإسلامي الحديث زعامة شبيهة بابن سعود منذ قرون، رجل يجمع بين ورع الأوائل ودهاء السياسيين المعاصرين، موضحاً أنه "لم يكن أكاديمياً أو خريج مدارس غربية، لكنه امتلك حكمة بدوية صافية وبعد نظر عملي جعلاه يتعامل مع القوى الكبرى ببراغماتية لا تنفي الثبات على المبادئ".

وختم بوش وصفه قائلاً إن الملك عبدالعزيز، يملك ملامح زعيم من العهد القديم وعيون محارب عربي ووجه مؤمن صارم، يجسد في شخصه دولة ومرحلة تقف على الحد الفاصل بين ماض روحي عميق وحاضر يتهيأ لدخول العصر الحديث.

استرسل بوش بعد ذلك موضحاً للجمهور الأميركي كيف تمكن الملك عبدالعزيز الشاب الطموح الذي عاش سنوات المنفى في الكويت، من تحقيق حلم استعادة حكم أجداده، وتوسيع نفوذه تدريجاً حتى أصبحت معظم مناطق الجزيرة العربية تحت سلطته.

بين البساطة وبداية الحداثة

وأشار الصحافي إلى أن أول الابتكارات الغربية التي أدخلها الملك عبدالعزيز كانت السيارة، إذ أدرك مبكراً أهميتها في شؤون الأمن والتنقل والحج، وروى مشهداً لافتاً عن الموكب الملكي السنوي لرحلة الحج، إذ كان الملك عبدالعزيز يتوجه كل عام إلى مكة رفقة أبنائه وزوجاته، وكانت الرحلة تتم عبر الصحراء في قافلة ضخمة تضم نحو 500 سيارة، تتقدمها سيارات الملك وأبنائه وزوجاته المحجبات داخل سيارات ذات ستائر، تليها الشاحنات التي تقل الخدم والطهاة والحراس والمؤن وقطع الغيار وحتى الماشية التي تستهلك أثناء الطريق.

لقاء الملك

في قصر المربع (مكان الحكم) القصر الجديد آنذاك، جلس الملك عبدالعزيز في مجلسه الواسع محاطاً بأبنائه وحرسه وبعض مستشاريه، قال عنه بوش إنه بدا كمن يعرف أن العالم يتجه نحوه، وأن عليه أن يشرح نفسه من دون أن يتنازل عن شيء، وكانت المقابلة تدار بالعربية ويترجمها أحد المرافقين إلى الإنجليزية، وكان الملك يصغي لكل سؤال قبل أن يجيب بجمل قصيرة دقيقة.

قدم الملك عبدالعزيز رؤية واضحة وشاملة للوضع العربي آنذاك، في مرحلة كانت تشهد اضطراباً سياسياً عالمياً مع اقتراب نهاية الحرب العالمية الثانية.

أوضح الملك أن قضية فلسطين هي جوهر الموقف العربي، مؤكداً أنها عربية منذ أقدم العصور وأن ادعاءات اليهود بحق تاريخي فيها لا تستند إلى منطق أو عدل، لأن الأمم تتوارث الأراضي وفق مسار التاريخ والحروب، ولا يمكن العودة للماضي لتبرير احتلال جديد.

وشدد الملك عبدالعزيز على أن مطالبة اليهود بإقامة دولة لهم في فلسطين تمثل ظلماً للعرب والمسلمين، وأنها لا تخدم مصالح الحلفاء، بل تهدد استقرار المنطقة وتثير الانقسامات، ودعا إلى البحث عن وطن بديل لليهود في أوروبا أو أميركا، لأن تحقيق العدالة لا يكون على حساب حقوق الآخرين.

 

وحول التعايش بين العرب واليهود في فلسطين، أكد الملك عبدالعزيز أن اليهود المقيمين في فلسطين يمكن أن يعيشوا فيها بسلام إذا احترموا القوانين ولم يسعوا إلى شراء الأراضي العربية أو إثارة الفتنة، مؤكداً أن العرب مستعدون لضمان أمنهم وحقوقهم ما داموا ملتزمين بالنظام العام والمصلحة المشتركة.

وفي ما يتعلق بالوحدة العربية، عبر الملك عبدالعزيز عن تفاؤله بمستقبل العرب، مؤكداً أنه لا يرى بينهم خلافات حقيقية، وأن التعاون مع الحلفاء بعد الحرب سيفتح الطريق نحو وحدة عربية أقوى وأكثر استقراراً.

جاءت أجوبة الملك عبدالعزيز متزنة ومباشرة، تجمع بين الفكر السياسي الواقعي والإيمان العميق بالعدالة والمبدأ، وقدم من خلالها صورة مختلفة عن الحاكم العربي في نظر القارئ الغربي آنذاك، إذ بدا رجل دولة يفكر بلغة القانون والحق، لا بالعاطفة أو الانفعال، واضعاً الأساس لسياسة سعودية ثابتة تجاه فلسطين والعالم العربي ستستمر لعقود لاحقة.

يوميات الملك المؤسس

المقابلة لم تتوقف عند السياسة، إذ تحدث الملك عن حياته اليومية، وقيامه قبل الفجر لقراءة القرآن، وعن مجلسه المفتوح لكل من له مظلمة، وعن اهتمامه بتعليم أبنائه العلوم الدينية والدنيوية معاً، وأشار إلى أن العدالة في بلاده تطبق بصرامة لكنها تقوم على مبدأ الإصلاح لا الانتقام، وأنه يؤمن بأن القوة لا تعني البطش، بل القدرة على حفظ النظام وحماية الضعيف.

ثم يبين كيف استبدل الملك عبدالعزيز التجارة والسلام الداخلي بالغزو بعدما قضى على الغارات القبلية، ولتعزيز الأمن أعاد تطبيق عقوبات شرعية على جرائم كالقتل والسرقة ونظم قوة شرطة فعالة تعتمد قراءة الآثار في الرمال، مع صرامة في صون الملكية الخاصة ومراجعة مباشرة من الملك.

ويبرز النص كرم الملك وحرصه على إهداء الضيوف وإعالة المحتاجين، إلى جانب سرد طقوس تنفيذ الأحكام العلنية كما كانت تمارس آنذاك بوصفها رسالة ردع في مجتمع قبلي آخذ بالتحول نحو دولة نظام وقانون.

إيقاع اليوم في ديوان الملك يبدأ قبل الفجر، يتلو القرآن حتى الآذان ثم يجلس إلى مجلسه، حيث يتناوب ثلاثة مترجمين على قراءة نشرات واردة من نيويورك ولندن وبرلين وروما في أوقات ثابتة خلال النهار، مع تعليقات موجزة تلخص المستجدات العسكرية.

وبعد الاغتسال يتعطر بدخان العود ثم بالعطر السائل ويجلس بلا بروتوكول زائد على كرسيه المعتاد، حيث تفتح الأبواب وتفرش البسط وتحضر أباريق الماء ويقف الوزراء وشيوخ القبائل والكتاب والحرس والخدم على مبعدة، فيما تقرأ العرائض والبرقيات أمامه، ويوقع الوثائق باسم عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل وأحياناً يضيف آل سعود، في ظل أن المجلس مفتوح على مدار اليوم وتتلى فيه آيات جهارية عند الحاجة.

الطعام يقدم على الأرض على الطريقة العربية، وبعد الغداء يخرج الملك ليوزع الصدقات على المنتظرين عند بوابة القصر، ثم يقوم بجولة قصيرة إلى البادية لتفقد الأحوال والرد على مطالب الناس ميدانياً.

عند عودته يطالع موجز أخبار العصر ويستقبل أفراد الأسرة والزائرين، ويختتم اليوم بعشاء يعقب الآذان الأخير (العشاء) مباشرة، ويمتد عادة حتى التاسعة مساء بالتوقيت الأوروبي، فيما يبقى المجلس قابلاً لاستقبال الشكاوى والطلبات حتى ساعة متأخرة وفق الحاجة.

الأبناء وخلافة الحكم

بهذه البساطة المنظمة يجمع الديوان بين المتابعة اليومية للسياسة والحرب، وبين خدمة الناس وضبط شؤون الحكم.

استطرد بوش بقلمه يوضح عن مستقبل البلاد، إذ كتب في مسألة خلافة الحكم في السعودية قائلاً "خفف الملك احتمالات التنافس بإقرار ابنه الأكبر سعود ولياً للعهد وحاكماً للرياض، بينما يشغل فيصل وزارة الخارجية ويتنقل مع القناصل في جدة، وزار الأميران سعود وفيصل لندن والقاهرة".

تلقى الأبناء تعليمهم في مدرسة خاصة في الرياض على القرآن والحساب، وخارجها يقضون وقتهم في ألعاب بدوية وكرة القدم وسباقات الخيل والصيد من سياراتهم، ومعظمهم يقود ويملك سيارتين أو ثلاثاً، وسلاحاً نارياً بحلول الـ12 من عمره، وعلى رغم سماحه لهم بالرياضة لا يدللهم، واستشهد المحرر مثلاً بأن خالف اثنان من أبناء الملك قواعد إغلاق أبواب القصر وقت الصلاة فاستدعاهما وعاقبهما بالعصا في قاعة الحكم.

هذه الفقرات الصغيرة في الحوار كانت كفيلة بأن تنقل إلى القارئ الأميركي صورة مختلفة عن الحاكم العربي النمطي، الذي اعتاد الإعلام الغربي رسمه آنذاك.

هوايات صحراوية

كان الملك، مثل أبنائه، مولعاً بالصيد، غير أن شح الإطارات زمن الحرب حد من رحلاته إلى البر، وعند مطاردة الغزلان أو الحبارى، وهما أشهر طرائد الجزيرة، كان يستخدم غالباً سيارة "فورد" مكشوفة، يجلس في مقدمتها إلى جوار السائق ممسكاً ببندقيته، بينما يتولى مساعدان في الخلف تذخير البنادق ويحمل ثالث الصقر، إذ تستخدم الصقور بدلاً من كلاب الصيد أو الضاربين التي لا تجدي في الفضاءات المفتوحة لتحديد موقع الطريدة، وفي عطلة واحدة قد يصيد عشرات من الغزلان تشوى في فرن الإبل وتقدم للفقراء على حصائر دائرية كبيرة في مطبخ الحساء بالرياض.

 

 وللملك هوى بالزراعة وتربية الإبل، كما كان يهتم بالخيول الأصيلة متخصصاً في العربية منها، التي لم يبق منها إلا عدد محدود جيد، ويؤثر الإقامة في العراء، فيغادر الرياض باكر الربيع ليستقر صيفاً في معسكر صحراوي قريب تصحبه حاشيته من جنود وأبناء ومقربين، وفي القصر يكتفي بسرير حديدي بسيط، أما في الصحراء فيفضل لف نفسه ببطانية أو عباءة والنوم على سجادة فوق الرمل الدافئ الجاف، على نحو ما اعتاده في سنوات حروبه الأولى.

بعد انتهاء المقابلة، التقط روبرت لاندري صوراً للملك داخل القصر وفي باحة المربع، ظهر في إحداها جالساً على كرسي خشبي بسيط وإلى جواره أبناؤه، وفي أخرى يقف أمام قصره محاطاً برجاله، كان المشهد بسيطاً، لكنه حمل رمزية كبيرة: حاكم يجلس على أرض رطبة من المطر، لا عرش من ذهب ولا مظاهر بهرجة، وإنما وقار الدولة الجديدة في أولى مراحلها.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات