Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الساحل الأفريقي أخطر مستودع أسلحة مفتوح

20 في المئة استولت عليها جماعات إرهابية من مخزونات الجيوش الحكومية و65 في المئة تعود لستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن الماضي

تعرف ترسانة الأسلحة للجماعات الإرهابية والانفصالية في الساحل تنوعاً بين قديمة ومتطورة بين شرقية وغربية (رويترز)

ملخص

تعرف ترسانة الأسلحة التي تستخدمها الجماعات الإرهابية والانفصالية في منطقة الساحل تنوعاً بين القديمة والمتطورة بين الشرقية والغربية من الروسية والأميركية والصينية إلى الأوكرانية والفرنسية والتركية.

يوماً بعد يوم تتزايد مخاوف المجموعة الدولية من أوضاع منطقة الساحل الأفريقي، خصوصاً دول الجوار، في ظل تصاعد العنف على جميع المستويات بصورة تهدد المنطقة بالانفجار في أية لحظة.

ومع تداول المجموعات الانفصالية والتنظيمات الإرهابية فضلاً عن شبكات الجريمة المنظمة، أسلحة متطورة وحديثة وبأعداد لافتة، يزداد الانشغال بمصدر هذه القطع العسكرية التي قد تدفع إلى الفوضى.

وتعرف ترسانة الأسلحة التي تستخدمها الجماعات الإرهابية والانفصالية في منطقة الساحل تنوعاً بين القديمة والمتطورة بين الشرقية والغربية من الروسية والأميركية والصينية إلى الأوكرانية والفرنسية والتركية. وفي حين تعود الغالبية العظمى لعقود من الزمن، بعد اختلاس جزء كبير منها من مخزونات جيوش دول المنطقة، ولا سيما الليبية مع سقوط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي، إلا أن ما يستخدم خلال الأعوام الأخيرة من قطع حربية بتكنولوجيا عالية يكشف عن اتجاه نحو تحول قد يغير موازين القوة في المنطقة.

وتصنف منطقة الساحل ضمن أخطر الأماكن في العالم، بعد تصاعد أعمال العنف واشتداد الاشتباكات بين جماعات مسلحة غير حكومية والقوات الأمنية والعسكرية الحكومية المحلية، مما تسبب في سقوط عدد كبير من القتلى ونزوح جماعي للسكان. وأوضح تقرير مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2025، أن منطقة الساحل سجلت أكثر من 51 في المئة من الوفيات المرتبطة بالإرهاب خلال عام 2024.

مخزونات الجيوش الحكومية

تحدثت تقارير دولية عن أن ارتفاع مؤشر عنف الجماعات في الساحل الأفريقي يرجع بدرجة كبيرة إلى الأسلحة التي باتت في أيادي المجموعات الإرهابية والانفصالية، وشبكات الجريمة المنظمة على نحو أقل، إذ أبرز تحليل أجرته مؤسسة أبحاث تسليح الصراعات، وهي منظمة بريطانية مستقلة، بعد دراسة 726 قطعة سلاح جرى ضبطها بين عامي 2014 و2023 في منطقتي "الحدود الثلاثة" المتشكلة من بوركينا فاسو ومالي والنيجر، وحوض بحيرة تشاد المكونة من النيجر وتشاد ونيجيريا، أن نحو 20 في المئة من أسلحة التنظيمات الناشطة في الساحل جاءت مباشرة من مخزونات الجيوش الحكومية في المنطقة، وسط ترجيحات أن تكون النسبة الفعلية أعلى.

وأوضح رئيس عمليات مركز الأبحاث في غرب أفريقيا كلاوديو غراميزي أن الحصول على السلاح في هذه المناطق كان ميسراً منذ عقود بسبب تراكم مخزونات الصراعات السابقة، بما في ذلك الحرب الليبية التي حولتها إلى مستودع أسلحة مفتوح، على رغم أن القطع الحربية الوافدة من ليبيا تمثل سبعة في المئة فقط من الترسانة الموجودة في المنطقة، غير أنه لفت إلى تحول جديد مع استخدام طائرات مسيّرة بعد تعديلها لإلقاء شحنات متفجرة على مواقع القوات الحكومية.

مصادر أوروبية أقل

وأفاد تقرير مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2025 بأن مصدر معظم بنادق الهجوم المستخدمة من طرف هذه المجموعات "الخطرة" هو الصين وروسيا، وبدرجة أقل دول أوروبا الشرقية كبولندا ورومانيا وبلغاريا، فيما يعود تصنيع غالبية هذه القطع العسكرية لعقود، إذ جرى إنتاج نحو 65 في المئة منها خلال ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن الـ20، بينما لم تنتج سوى 34 قطعة من أصل 726 التي خضعت للتحليل بعد عام 2011، أي أقل من خمسة في المئة من إجمال الترسانة.

 

وأثبتت النتائج أن جزءاً كبيراً من مخزونات الأسلحة التي سلمت إلى جيوش حكومات دول المنطقة استحوذت عليها الجماعات الإرهابية، إذ إن ربع الأسلحة التي جرى ضبطها مصدرها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، وقال غراميزي إنه غالباً ما تفقد هذه الأسلحة أو يجري التخلي عنها أثناء الهجمات على القوات المسلحة الحكومية.

أسواق غير مشروعة

وتعتمد الجماعات الإرهابية والتنظيمات الانفصالية على الأسواق الإقليمية غير المشروعة التي تعرف تداول قطع عسكرية وأسلحة من مختلف الأصناف والأنواع، إذ يذكر أصحاب التقرير أن هذه المجموعات تقوم في بعض الأحيان ببيع الأسلحة لتمويل شراء معدات جديدة أو لدفع رواتب مجنديها.

وهنا يوضح غراميزي أن الحصول على الأسلحة في هذه المناطق سهل لأنها تتوافر بكثرة ومنذ عقود، غير أن هناك توجهاً مقلقاً نحو زيادة نسبة الذخائر الحديثة جداً في مخزونات الجماعات الإرهابية والانفصالية، مما يعكس تنامي قوة الجيوش الإقليمية في سباق تسلح يهدد المنطقة بالفوضى.

وبحكم ضعف الأنظمة العسكرية الحاكمة التي جاءت عن طريق الانقلابات على شاكلة مالي وبوركينا فاسو والنيجر، وكذلك النزاعات العرقية وعوامل الجغرافيا وصراع القوى الأجنبية على الثروات، أصبحت منطقة الساحل ملعباً لكثير من الجماعات والتنظيمات التي حملت السلاح لتحقيق أغراضها السياسية والفكرية والانفصالية والقبلية والجهوية والإجرامية، ومن أجل ذلك بات الحصول على معدات عسكرية متطورة وقطع أسلحة حديثة هدفاً سهل الوصول إليه في ظل التنافس الدولي على أفريقيا، مما جعل الوضع الأمني في المنطقة شديد الاضطراب.

وتتواصل الاشتباكات العنيفة في النيجر وبوركينا فاسو ومالي بين القوات الحكومية والانفصاليين والإرهابيين، وانتقلت إلى المدن بعدما كانت تنحصر على مستوى القرى والبادية والصحارى، مما دفع حكومات دول تحالف الساحل إلى توريد الأسلحة والمعدات العسكرية والاستعانة بمتخصصين روس وأتراك، وكذلك مدربين عسكريين، فضلاً عن دمج وحدات "الفيلق الأفريقي" الروسي في عمليات مشتركة، مما يضع الجماعات الإرهابية والتنظيمات الانفصالية أمام فرصة الحصول على قطع حربية متطورة عند كل انتصار في اشتباكات أو هجمات على الجيوش النظامية.

بين الغنائم وبيع المواشي

ما بين هذا وذاك، يرى رئيس منتدى "أزواد" السياسي محفوظ أغ عدنان في حديث إلى "اندبندنت عربية" أن مصدر الأسلحة الموجودة في أيادي تنظيمي "القاعدة" و"داعش" الناشطين في منطقة الساحل هو الغنائم التي حصلا عليها بعد كل هجوم على القواعد العسكرية للجيوش الوطنية، بالتالي هذه التنظيمات باتت تنشط بقطع الأسلحة نفسها التي تمتلكها الأنظمة الانقلابية.

ولفت الانتباه إلى أن "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" الذي كان ينشط لوحده في المنطقة بين عامي 2000 و2010، اعتمد سياسة اختطاف الرعايا الأجانب لتمويل شراء الأسلحة عبر أموال الفدية المتأتية من تحرير الرهائن، لكن هذه الطريقة تراجعت.

 

وأما الجبهات الأزوادية المصنفة كجماعات انفصالية لدى بعضهم، فإن المصدر محلي وهو أغنامهم وإبلهم وأبقارهم التي يبيعونها من أجل الحصول على أسلحة، وفق أغ عدنان الذي أوضح أن قطع الأسلحة الموجودة في حوزة عناصر جبهة تحرير أزواد حالياً تحصلوا عليها من السوق السوداء.

وقال إن "العالم كله رأى عام 2023 وبعد وصول مرتزقة ’فاغنر‘ ومعهم الجنود الماليين إلى منطقة أزواد، إنه لم تكن لدى الأزواديين أية مسيّرات، مما كان في مصلحة الانقلابيين ومعهم القوات الروسية، ومن هنا أيقن الأزواد أنه لا بد من الحصول على هذه التكنولوجيا الحديثة لمواصلة المعركة، وبعد البحث وجدوا من يبيعها لهم، حتى تركيا نفسها التي زودت الجيش المالي بدأت تبيع مسيّراتها إلى كل من يرغب في ذلك، كما أن هناك قنوات تركية تبيع لكل من هب ودب، بالتالي تمكنت عناصر أزواد من الحصول على طائرات مسيّرة من السوق السوداء التي اشترتها بدورها من أنقرة التي لا يهمها إلا الأموال".

ماذا عن أوكرانيا؟

يؤكد أغ عدنان أنه لا توجد دولة في العالم تساند الأزواد حتى الآن، و"كنا ننتظر تغيراً في السياسة الجزائرية كما السياسة الأوروبية والغربية بصورة عامة، لكن الجميع خذلنا وتركنا وحدنا، كنا نراهن على دعم الجزائر بحكم الروابط التاريخية والمجتمعية، ولا سيما في المحافل الدولية".

وقال "نقدر تصريحات وزير الخارجية الجزائري وتنديده بقتل المدنيين الأزواديين، ونحن ننتظر أكثر منها، والأمر نفسه مع الغرب الذي انتظرنا دعمه"، مشدداً على أن الأزواد تحصلوا على معداتهم العسكرية من الجيش المالي بالتحديد، إذ إن أكثر من نصف ما يملكون من الأسلحة مصدره القوات الحكومية المالية ومرتزقة "فاغنر" و"الفيلق الأفريقي"، ولكن "نحن كأزواديين أكدنا للعالم أننا نمد أيدينا لكل من يريد التعاون معنا".

وبخصوص العلاقة بين أزواد وكييف، أكد أن "أوكرانيا بكل تأكيد فرحت بالانتصارات المتعددة والمتتالية ضد المرتزقة الروس، وهذا من باب عدو عدوك صديقك"، غير أن أزواد لا تحتاج إلى أوكرانيا من أجل معلومات حول تحركات "فاغنر" أو "الفيلق الأفريقي" أو "الجيش المالي"، نظراً إلى أنهم يعرفون أرضهم وأرض أجدادهم أكثر من أي طرف، مما أكدته قيادات أزواد مرات وتكراراً. وقال إن "علاقتنا بأوكرانيا جيدة لأن لدينا عدواً مشتركاً، هذا كل ما في الأمر، وهناك اتصالات بيننا وبينهم، ونرجو من الجميع التعاون على أعلى المستويات والاعتراف بأزواد".

مسارات تقنية وتجارية وعسكرية

من جانبه ذكر الباحث في الشؤون الأمنية أحمد ميزاب خلال تصريح خاص أن الأسلحة النوعية والمتقدمة التي ظهرت لدى جماعات مسلحة في الساحل لا تأتي من مصدر واحد، بل هي نتيجة تداخل مسارات تقنية وتجارية وعسكرية.

وقال إن مسارات الحصول على التسليح النوعي هي مخزونات ومعدات متسربة من صراعات سابقة، أما الأنظمة الموجهة ومنصات الدفاع الجوي الخفيفة وأجزاء منظومات الطائرات فجاءت ضمن شحنات تسربت بعد انهيارات أو سرقات، كما أن الشحنات المكونة من أنظمة توجيه وأجهزة اتصالات مشفرة ومستشعرات، وصلت إلى هذه الجماعات المسلحة عبر قنوات تجارية أو شبه رسمية، أو سوق سوداء متخصصة في الأجزاء والتقنيات، أما القطع الإلكترونية الحساسة والمحركات الكهربائية للطائرات من دون طيار ومكونات التوجيه، فإنها تباع عبر سلاسل دولية.

 

وتابع ميزاب أن عناصر التنظيمات الإرهابية والجماعات الانفصالية باتوا يتمتعون بخبرة تقنية واسعة اكتسبوها عبر مقاتلين ومرتزقة وعائدين من مناطق ساخنة، إذ يقدم متخصصون خدمات تركيب وبرمجة وصيانة لأنظمة متقدمة، كما أن النقل والدعم التقني يأتيان عبر وسطاء ودول طرفية، مشدداً على أن الأسلحة النوعية والتقنيات المتقدمة التي ظهرت لدى جماعات مسلحة في الساحل تصل عبر مسارات متعددة ومترابطة، لا يمكن نسبها إلى جهة واحدة، وختم أن هناك دولاً كبرى ترعى وتغذي وتدفع بالفوضى لأن أجندتها مبنية على ذلك.

قوات الدفاع الذاتي

لم يعد الوضع في منطقة الساحل يبعث على الارتياح، ولا سيما بعد تغير الاستراتيجيات الحكومية منذ تولي المجالس العسكرية الانقلابية التي لجأت إلى إنشاء ميليشيات موالية لها في صورة قوات الدفاع الذاتي لتعويض محدودية موارد الجيوش النظامية، وكذلك المشاركة في مواجهة التهديدات المحلية، مما يمنح التنظيمات المسلحة على اختلافها بما في ذلك شبكات الجريمة العابرة للحدود، فرصاً كبيرة للحصول على قطع ومعدات عسكرية جديدة تدعم بها ترسانتها الحربية، بخاصة مع تراجع سلطة الحكومات المركزية، سواء من خلال الاستيلاء بعد المواجهات أو الانضمام عدة وعدداً فراراً من "تهميش" السطات المركزية.

كما رأى أن انتقال الأسلحة من أماكن نزاع إلى أخرى ظاهرة متكررة في تجارة السلاح، فعندما تنتهي الحرب في منطقة معينة أو تهدأ الأوضاع فيها، تصبح كميات كبيرة من الأسلحة زائدة على الحاجة، فتنقل إلى مناطق جديدة تشهد اضطرابات، في حين أشارت تقارير دولية إلى أن بعض الموانئ في غرب أفريقيا تعد نقاط عبور للاتجار غير المشروع بالأسلحة.

الأسلحة المتطورة توجع الجيوش

ويقول المتخصص في الشؤون العسكرية أكرم خريف إن غالبية أسلحة الجماعات الإرهابية غنمتها من الجيوش التي واجهتها، بداية مما تركه جيش القذافي إلى ما استوردته القوات الحكومية لدول الساحل، لكن خلال الأشهر الأخيرة ظهرت بعض المسيّرات وأصلها من أوكرانيا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ونبه خريف إلى أن هذه الأسلحة المتطورة لا تهدد دول المنطقة، لكن استعمالها يوجع الجيوش الحكومية، مبرزاً أن استمرار التزود بمثل هذه الأسلحة إضافة إلى التدريبات العسكرية المتطورة من شأنها أن تحدث اختلالاً في موازين القوة لمصلحة الجماعات الإرهابية والانفصالية بما يهدد الأنظمة الانقلابية، وأضاف أن سياسة قطع الطرقات وعزل العاصمة باماكو قد يدفعان إلى سقوطها، مشيراً إلى أنه لا يمكن تحديد كمية الأسلحة المتداولة في المنطقة بطريقة غير شرعية.

أسلحة جنود للبيع

في المقابل، رأى رئيس ما يعرف بـ"برلمان حكومة مالي بالمنفى" في جنيف محمد أغ أحميدو أن هناك فساداً كبيراً بخصوص مسألة التسلح في دول منطقة الساحل، حيث إن كثيراً من العسكريين الحكوميين يبيعون أسلحتهم إلى شبكات الجريمة المنظمة التي بدورها تعرضها بأسعار مرتفعة على التنظيمات الإرهابية.

وتابع أن "هذا البزنس موجود في مالي وأنا اكتشفته منذ مارس (آذار) عام 2008"، مضيفاً أن هجمات الإرهابيين على الجيش النظامي والقواعد العسكرية سمحت بالحصول على الأسلحة الموجودة في المخازن ولدى القوات الحكومية، وهي قطع حديثة ومتطورة، مما جعلهم يسيطرون على مساحات واسعة.

وأكد أغ أحميدو أن عناصر الجيش المالي يبيعون أسلحتهم لسببين، الأول أن أجورهم ضعيفة مقابل كلف معيشية مرتفعة، فالضابط المالي لا يتجاوز راتبه 400 دولار، والثاني أن معظمهم يتعاطون الكحول مما يتطلب مصاريف إضافية ويدفعهم إلى بيع أسلحتهم.

وأوضح أن ضعف الجنود الحكوميين يجعلهم يفرون أمام هجمات الإرهابيين، تاركين وراءهم أسلحتهم. أما بخصوص الأسلحة الأوكرانية فقال "لا أملك معلومات حول بيعهم أسلحة إلى الانفصاليين أو الإرهابيين"، وختم أن الساحل أصبح في قبضة التنظيمات الإرهابية وشبكات الجريمة المنظمة، مما يضع شعوب المنطقة أمام مستقبل صعب ومقلق.

المزيد من تقارير