ملخص
يتوقع كثيرون في واشنطن أن "حماس" ستحاول الحفاظ على دور سياسي مهم لها في غزة ما بعد الحرب، وستقاوم مقترحات نزع سلاحها بالكامل، لأن قبول الحركة وقف إطلاق النار وإعادة الرهائن يمثل براغماتية وليس اعتدالاً، فقد وافقت على وقف إطلاق النار وإعادة جميع الرهائن المتبقين تحت ضغط شديد من دول إقليمية مستعدة لإنهاء الحرب، كما أدركت الحركة أن النفوذ الذي اكتسبته من احتجاز الرهائن تراجع بصورة ملاحظة، وعلى رغم تكبد إسرائيل خسائر فادحة، إلا أنها حصلت على ضوء أخضر من الولايات المتحدة لمواصلة هجماتها على مواقع "حماس" في مدينة غزة إذا لم توافق الحركة على مبادلة الرهائن بمعتقلين فلسطينيين لدى إسرائيل.
بعد تبادل الرهائن والمعتقلين بين إسرائيل وحركة "حماس"، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب أن المهمة لم تنته بعد في غزة وأن المرحلة الثانية تبدأ الآن، لكن أسئلة تتطلب إجابات طرحت في واشنطن حول ما ينبغي أن تتضمنه المرحلة التالية، ومن قد يفسد جهود بناء السلام؟ وما هي الخطوات المتوقعة من الأطراف الفاعلة بما في ذلك إسرائيل و"حماس" والسلطة الفلسطينية وأميركا والدول العربية وتركيا وإيران والميليشيات التابعة لها في المنطقة؟
خلال المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار الذي توسط فيه البيت الأبيض، أطلقت "حماس" سراح جميع الرهائن الـ20 الأحياء الذين كانت لا تزال تحتجزهم عقب هجومها على إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، بينما أطلقت إسرائيل سراح ما يقرب من ألفي أسير فلسطيني، وأوقفت قصفها على قطاع غزة، لكن الإجابة عن الأسئلة الصعبة حول المراحل التالية من الاتفاق ظلت محور اهتمام واشنطن، وفي ما يأتي رؤية عدد من المسؤولين السابقين في الإدارات الأميركية المتعاقبة والباحثين والخبراء حول المراحل التالية من خطة ترمب للسلام ومدى قدرة الأطراف المختلفة على الوفاء بالتزاماتها منه:
هل ستعيد "حماس" الرهائن المتوفين لإسرائيل؟
تتعلق قدرة "حماس" على إعادة الرهائن المتوفين بمستقبل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، لأنه إذا لم تعد الحركة جميع الجثث، ولم يشعر الإسرائيليون بأنها تبذل قصارى جهدها لإعادتها، وتبنت الإدارة الأميركية موقف إسرائيل كما هو متوقع، فإن مستوى الثقة الهش أساساً بين الطرفين سيتضرر أكثر، وسيعقد ذلك القدرة على تنفيذ المراحل التالية من الاتفاق.
غير أن تفهم الإدارة الأميركية للصعوبات التي تواجهها "حماس" وإدراكها أنها ربما فقدت الاتصال بالمناطق التي جرى دفن الجثث بها بسبب الحملة العسكرية الإسرائيلية العدوانية التي شنتها على قطاع غزة، ربما يهدئ من مخاوف إسرائيل ويمنع محاولتها التذرع بفشل "حماس" لإفساد الاتفاق، ومع ذلك يظل السؤال المحوري كما يقول الخبير في معهد دراسات الأمن القومي داني سيترينوفيتش، ليس ما إذا كانت جميع الجثث ستعاد، بل استعداد "حماس" للمساعدة، وما إذا كانت ستبذل جهوداً كبيرة للعثور على جميع الجثث كوسيلة لبناء الثقة مع إسرائيل والوسطاء، بطريقة تظهر استعداداً عميقاً لإنهاء الحرب والالتزام بشروط الاتفاق.
هل ستخرج إسرائيل من غزة؟
هناك قدر كبير من الحذر والتخوف عندما يتعلق الأمر بمسألة ما إذا كان اتفاق وقف إطلاق النار الذي توسط فيه ترمب سيتطور من المرحلة الأولى إلى انسحاب كامل للقوات الإسرائيلية من غزة، فعلى رغم أن خطة الرئيس الأميركي تدعو إلى انسحاب تدريجي وموقت من غزة، إلا أن عناصر الخطة تتضمن شروطاً تشمل التحقق من نزع سلاح "حماس"، وإنشاء قوات أمن دولية، وهيكل حكم بديل لغزة، ولهذا تثار شكوك حول هذا الانسحاب في الأقل في الوقت الحالي وبعد تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الـ10 من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري بأنه في المرحلة الثانية من الاتفاق، سيتم نزع سلاح "حماس"، وسيتم تجريد قطاع غزة من السلاح، محذراً من أن ذلك سيحدث إما دبلوماسياً، وفقاً لخطة ترمب، أو عسكرياً من إسرائيل.
ويبدو أن متطلبات إسرائيل الأمنية ستتغلب على أي مخاوف سياسية تتعلق بعدم رضا الولايات المتحدة عن التزامها بأي جدول زمني للانسحاب، كما يشير الخبير في برامج الشرق الأوسط التابع للمجلس الأطلسي في واشنطن دانيال موتون استناداً إلى أن البندين الـ13 والـ16 من الخطة الشاملة، يشيران إلى أن إسرائيل تتمتع بحرية التصرف في الحفاظ على وجود جيشها في غزة لضمان القضاء على القدرة العسكرية لـ"حماس" ومنع إعادة تشكيلها وتجميعها.
وإضافة إلى متطلبات نزع السلاح، أصر مسؤولو الأمن الإسرائيليون مراراً على أهمية الحفاظ على السيطرة الجغرافية على المناطق الاستراتيجية داخل غزة، إذ تحدثوا مراراً عن أن إسرائيل لن تنسحب من ممر فيلادلفي، على رغم الشروط التي تشير إلى أن إسرائيل ستحتاج في النهاية إلى مغادرة المنطقة العازلة الأمنية التي تمتد لمسافة 14 كيلومتراً تقريباً على طول الحدود بين غزة ومصر، ولأن إسرائيل تريد إبقاء السيطرة عليها، من المرجح أن تظل عقبة أمام انسحابها من القطاع.
وبينما تنتظر الخطة ملء الفراغ السياسي في غزة بسلطة حاكمة كفؤة، تكرر إسرائيل أنها لا تثق بالسلطة الفلسطينية لإدارة هذه المهمة، وتزعم إنها لا تملك القدرة على حكم غزة وتأمينها والإشراف على إعادة إعمارها. وحتى لو استوفيت جميع الشروط المذكورة سابقاً، يظل ائتلاف نتنياهو السياسي عائقاً كبيراً، إذ يقود نتنياهو حكومة تعتمد على أحزاب اليمين المتطرف التي تعارض بشدة أي انسحاب، كما أكد مسؤولون إسرائيليون كبار، عبر الصحافة الإسرائيلية، أن وقف إطلاق النار لا يؤدي إلا إلى خفض مستوى إطلاق النار، وليس إلى وقف إطلاق نار كامل، وأن الجيش الإسرائيلي سيبقى في عمق غزة. وأشار مسؤول إسرائيلي إلى أن الاتفاق يسمح لإسرائيل باستعادة جميع الرهائن، والبقاء في غزة، ومواصلة التفاوض، مما يعني أن إسرائيل ترى بالفعل أن وقف إطلاق النار يشكل فائدة صافية لها، إذ يصبح إطلاق سراح الرهائن والحفاظ على وجود مستمر إنجازين رئيسين.
ولهذا فإن التوقع الأكثر واقعية للمرحلة الثانية هو إعادة انتشار إسرائيلية جزئية وتكتيكية داخل غزة تتضمن تقليص وجود القوات في بعض المناطق، مع الحفاظ على السيطرة على الممرات الاستراتيجية والمناطق العازلة والمناطق الحدودية، بدل الخروج الكامل الذي تنص عليه المرحلة الثانية رسمياً، ومع ذلك سيعتمد الانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية من غزة على قدرة الإدارة الأميركية على الإشراف على تنفيذ خطة ترمب.
هل ستتخلى "حماس" عن السلطة وتسلم سلاحها؟
يتوقع كثيرون في واشنطن أن "حماس" ستحاول الحفاظ على دور سياسي مهم لها في غزة ما بعد الحرب، وستقاوم مقترحات نزع سلاحها بالكامل، لأن قبول الحركة وقف إطلاق النار وإعادة الرهائن يمثل براغماتية وليس اعتدالاً، فقد وافقت على وقف إطلاق النار وإعادة جميع الرهائن المتبقين تحت ضغط شديد من دول إقليمية مستعدة لإنهاء الحرب، كما أدركت الحركة أن النفوذ الذي اكتسبته من احتجاز الرهائن تراجع بصورة ملاحظة. وعلى رغم تكبد إسرائيل خسائر فادحة، إلا أنها حصلت على ضوء أخضر من الولايات المتحدة لمواصلة هجماتها على مواقع "حماس" في مدينة غزة إذا لم توافق الحركة على مبادلة الرهائن بمعتقلين فلسطينيين لدى إسرائيل، كما طالب المدنيون الفلسطينيون في غزة بإنهاء الحرب بعد عامين من نزوحهم من ديارهم ومعاناتهم من ظروف إنسانية مزرية، مما عرض "حماس" لخطر تحميلها المسؤولية من سكان غزة لرفضها خطة ترمب للسلام.
لكن حتى مع توقيعها على وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى اللذين يمثلان المرحلة الأولى من خطة السلام الأميركية، لم تعلن الحركة قبولها لشروط رئيسة من المرحلة الثانية، وهي نزع سلاحها وإنهاء دورها في إدارة غزة، كما اعترضت الحركة على تشكيل قوة أمنية دولية لمراقبة تنفيذ الخطة في غزة، وطالبت بأن الأمن والحكم بعد الحرب يجب أن يتولاهما فلسطينيون، بل سارعت الحركة إلى دعم خطابها بالأفعال، إذ نشرت عناصر شرطتها بزيها الرسمي في الشوارع مع دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من أجزاء من غزة.
ويرى المسؤول السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط ومكافحة الإرهاب آلان بينو، أن "حماس" ربما تحاول درء الضغوط الرامية إلى نزع سلاحها بالكامل وإبعادها من إدارة غزة من خلال تقديم تدابير جزئية وتأمين دعم دول إقليمية رئيسة، ففي مفاوضات سابقة هذا العام أبدى قادة الحركة بعض المرونة في شأن هذه القضايا، قائلين إنهم سينظرون في التخلي عن الأسلحة الثقيلة التي تمتلكها الحركة، مثل الصواريخ والقذائف، وإنهم على استعداد لمغادرة بعض كبار مسؤولي "حماس" لقطاع غزة.
ومن المرجح أن تسعى "حماس" أيضاً إلى حشد الدعم من مصر، التي دعت إلى أن يكون للحركة صوت في حكم الفلسطينيين المستقبلي في غزة، إذ أعلنت القاهرة خططاً لعقد حوار وطني فلسطيني حول مستقبل غزة تشارك فيه "حماس"، مما يسمح للحركة بممارسة تأثير كبير في نقاش ما بعد الحرب، كما يرجح أن تحصل الحركة على دعم من تركيا أيضاً التي يصفها قادتها بأنها "حركة مقاومة شرعية" ويعارضون الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.
هل ستلبي إسرائيل احتياجات غزة الإنسانية؟
دمرت إسرائيل معظم أنحاء غزة، ولا تزال تحتل أكثر من نصف القطاع، بينما نزح غالبية السكان، لذلك يحتاج أهل غزة إلى كل شيء بدءاً من الطعام للسيطرة على المجاعة والوقود، ووصولاً إلى حاضنات الأطفال للمستشفيات وقطع الغيار لإصلاح خطوط المياه والصرف الصحي، ومع اقتراب فصل الشتاء، يحتاج السكان إلى الخيام وغيرها من لوازم الوقاية من البرد والأمطار.
وفي حين أن اتفاق وقف إطلاق النار الذي جرى التوصل إليه في وقت سابق من هذا العام سمح بدخول كميات كافية من الغذاء، إلا أنه لم يسمح بدخول لوازم المأوى، إذ يتطلب الأمر السماح بزيادة عمليات الإجلاء الطبي، وموافقة الدول المختلفة على استقبال الحالات الحرجة، كما هناك حاجة إلى معدات إزالة الأنقاض والطرق لفتح مزيد من الطرق لشاحنات المساعدات، فضلاً عن أن الشاحنات نفسها بحاجة إلى قطع غيار لإعادة تشغيل مزيد من المركبات، وهذا يعتمد إلى حد كبير على إسرائيل وإدارة ترمب في استمرارهما في الضغط، كما تقول رئيسة الشبكة الدولية للإغاثة والمساعدة أروى دامون، نظراً إلى أن إسرائيل تسيطر على عدد الشاحنات المسموح بدخولها إلى غزة والطرق التي يمكن للمجتمع الإنساني استخدامها للوصول إلى نقاط الاستلام، وخصوصاً الطريق الرئيس الذي يمر عبر رفح إلى معبر كرم أبو سالم، الذي يلقب بـ"ممر النهب"، بسبب التقارير التي أشارت إلى تكثيف عمليات النهب على هذه الطرق التي تنفذها عصابات سلحتها إسرائيل، لذا يبقى السؤال الكبير: هل ستجبر إسرائيل هذه العصابات على التراجع؟
هل سيجري تشكيل قوة أمنية دولية لغزة؟
تستند خطة ترمب الحالية إلى خطة وضعها "معهد توني بلير للتغيير العالمي"، التي تدعو إلى دعم سلطة غزة الانتقالية الدولية بقوة أمنية دولية تضم جنوداً من دول عربية وإسلامية ودول أخرى، إذ يتعين على سلطة غزة الانتقالية الدولية وقوة الأمن الدولية توفير الأمن وإعادة الإعمار تحت هيكل قيادة مشترك، ويبدو أن رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير سيقود هذا الهيكل من الناحية التنفيذية.
وإذا رفضت "حماس" إلقاء سلاحها بالكامل كما يتوقع توماس واريك، نائب مساعد وزير الأمن الداخلي الأميركي سابقاً لسياسة مكافحة الإرهاب، فسيتعين على سلطة غزة الانتقالية الدولية وقوة الأمن الدولية السيطرة على أجزاء من القطاع التي لا وجود للحركة فيها، لكن إذا حاولت "حماس" إخراج القوة الدولية، ستحتاج قوة الأمن الدولية إلى الصمود ومقاومة جهود "حماس"، لأن الأمن وإعادة الإعمار مرتبطان، وحيثما يغيب الأمن، لا إعادة إعمار للقطاع.
ومع ذلك، يظل السؤال المحوري هو من سيسهم بقوات في قوة الأمن الدولية؟ فعلى رغم أن بعض التقارير تحدثت عن استعداد دول مثل مصر وقطر والإمارات وتركيا للمشاركة في هذه القوة، إلا أن هذه الدول لا تريد وجودها بينما لا تزال إسرائيل تسيطر على أجزاء واسعة من القطاع، ولا تزال "حماس" تحتفظ بسلاحها، مما يمكن أن يشكل خطراً على هذه القوات إذا اشتعل القتال مجدداً في القطاع.
من سيشارك في إدارة غزة بعد الحرب؟
سيشرف على السلطة الانتقالية الدولية في غزة مجلس سلام يترأسه ترمب، وهو مجلس تحدث الرئيس الأميركي خلال قمة شرم الشيخ عن توسيعه ليشمل رؤساء دول أو شخصيات دولية رفيعة المستوى يرغبون في الانضمام إلى المجلس.
وسيضع هذا المجلس التوجيهات السياسية لسلطة غزة الانتقالية الدولية، ويلعب بلير دوراً قيادياً فيه، وحتى الآن من المتوقع مشاركة إسرائيل ومصر والأردن والسعودية والإمارات وإندونيسيا وفرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة وكندا ودول أخرى.
هل ستشارك السلطة الفلسطينية في غزة؟
"نعم ولكن في نهاية المطاف، فعلى رغم ما تعانيه السلطة الفلسطينية من عيوب"، بحسب ما تقول جينا أبركرومبي وينستانلي، مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط وأفريقيا سابقاً، "إلا أنها تتمتع بصدقية كهيئة حاكمة، وهي الأقدر على استقطاب دعم واسع من سكان غزة، ولن تتعزز الصدقية والدعم إلا إذا أخذ مسؤولو السلطة الفلسطينية والمجتمع الدولي على محمل الجد جهود إصلاح السلطة الفلسطينية التي تطالب بها خطة ترمب للسلام، إذ يجب تطبيق معايير الحكم الرشيد في السلطة الفلسطينية.
وعلى رغم أن انتخابات القيادة الفلسطينية لم تعقد منذ سنوات، إلا أن السلطة الفلسطينية ستكون الشريك الأقوى للمساعدة في تنظيمها، فالانتخابات ضرورية لبناء الثقة والحفاظ على الصدقية في العملية طويلة الأمد".
ما دور الدول العربية في غزة مستقبلاً؟
يعد تحديد دور الدول العربية في المراحل اللاحقة من خطة ترمب للسلام أمراً صعباً، نظراً إلى افتقار الخطة إلى إطار عمل شامل يتجاوز المرحلة الأولى، إذ من المتوقع أن تسهم الدول العربية، إضافة إلى تركيا، في قوة استقرار دولية تركز على مراقبة وقف إطلاق النار وضمان الأمن وتدريب قوة شرطة فلسطينية جديدة وإرساء القانون والنظام المحلي، وبينما أعربت هذه الدول عن دعمها لهذه القوة إلا أن معظمها لم يعلن تقديم قوات بعد، ومن المرجح أنها اختارت الدعم المالي والدبلوماسي كما يشير الباحث في مبادرة سكوكروفت لأمن الشرق الأوسط علي بكير.
وإضافة إلى الجهود الأمنية من المتوقع أن تلعب الدول العربية دوراً دبلوماسياً حاسماً في الإشراف على هيكل الحكم الجديد في غزة، وستكون مساهماتها الاقتصادية حيوية أيضاً، لكن من غير المرجح أن يقدم دعماً مالياً كبيراً من دون ضمانات تتعلق بإجراءات إسرائيل المستقبلية ومستوطناتها غير القانونية وإقامة الدولة الفلسطينية، لأن معالجة هذه القضايا ضرورية لحل الأسباب الجذرية للصراع.
وفي هذه المرحلة، هناك تفاؤل متواضع، لأن فعالية الدول العربية في هذه العملية، ومستوى مشاركتها وتأثيرها في تشكيل مستقبل غزة، سيعتمد إلى حد كبير على نتائج المفاوضات في المرحلة المقبلة، التي ستحدد بدورها مستوى مشاركتها وتأثيرها في تشكيل مستقبل غزة.
هل ستوافق إسرائيل على دولة فلسطينية؟
تحتوي خطة ترمب المكونة من 20 نقطة على نقطة ضعف سياسية لنتنياهو في بند واحد، وهي الدعوة إلى نقاشات حول مسار موثوق به نحو دولة فلسطينية، وهو بند لا شك في أن ترمب أجبر نتنياهو على تقبله، ومع ذلك من المرجح أن يجادل نتنياهو قبل الانتخابات الإسرائيلية العام المقبل بأن شروط إصلاحات السلطة الفلسطينية وإعادة إعمار غزة لم تتحقق، بحسب ما يشير سفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل دانيال شابيرو، كما من المرجح أيضاً أن يذهب رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى أبعد من ذلك، ويسأل الناخبين الإسرائيليين عمن يثقون به لمنع قيام دولة فلسطينية، هو بسجله الطويل في معارضة هذه النتيجة، أم منافسيه؟ وقد يكون لهذا الجدل تأثير قوي لدى بعض الناخبين الذين يحتاج إلى كسبهم، إذ إن عدداً من الإسرائيليين بعد السابع من أكتوبر 2023 ليسوا منفتحين على فكرة قيام دولة فلسطينية.
كما أن إثارة هذا الموضوع في الخطاب السياسي الإسرائيلي قد يضعف تشجيع الدول العربية للقيام بدورها في المرحلة التالية في غزة من تمويل إعادة الإعمار، إلى قوة الاستقرار، إلى دعم إصلاحات السلطة الفلسطينية وحكم غزة.
ماذا ينتظر الضفة الغربية؟
حولت أحداث السابع من أكتوبر 2023 والحرب التي تلتها انتباه الرأي العام بعيداً من الارتفاع الحاد في هجمات المستوطنين الإسرائيليين والجيش الإسرائيلي على الفلسطينيين وممتلكاتهم في السنوات الأخيرة، ومع وقف إطلاق النار الذي يسمح الآن بإعادة انتشار أوسع للقوات الإسرائيلية، من المرجح أن يستمر هذا التوجه، فخلال هذا العام وثقت الأمم المتحدة 180 حالة وفاة فلسطينية في الأقل مرتبطة بعنف المستوطنين والقوات العسكرية، ومع تعزيز الجيش الإسرائيلي وجوده في الضفة الغربية بصورة كبيرة في الأسابيع الأخيرة قبل الأعياد اليهودية، من المرجح أن ترتفع مستويات العنف مع ازدياد عدم استقرار الوضع الأمني هناك، بحسب جينيفر غافيتو نائبة مساعد وزير الخارجية الأميركي سابقاً.
ما دور تركيا في غزة؟
كثيراً ما كانت أنقرة داعماً رئيساً لمساعي ترمب الرامية إلى وقف إطلاق نار دائم في غزة، وكان رئيس المخابرات التركية إبراهيم كالين لاعباً محورياً في المفاوضات متعددة الأطراف، ومن المقرر أن ينضم أتراك إلى مراقبين من مصر وقطر والولايات المتحدة والإمارات في هيئة مراقبة وقف إطلاق النار، التي تعد مركز التنسيق المدني العسكري، لكن انعدام الثقة العميق بين الرئيس رجب طيب أردوغان ونتنياهو قد يحد من نطاق دور تركيا في المرحلة المقبلة، ولكن لكي ينجح الاستقرار في غزة، يجب أن تلعب الإمكانات التركية دوراً مهماً بما في ذلك قدرات البناء، وعلاقات العمل مع الفلسطينيين والدول العربية، والخبرة في عمليات الإغاثة والمساعدات.
ونظراً إلى أنه كانت هناك حالات سابقة تخلى فيها أردوغان ونتنياهو عن خلافاتهما المتبادلة سعياً وراء تسوية موقتة، فربما تتراجع المقاطعة التجارية والدبلوماسية الحالية بين تركيا وإسرائيل إذا تحرك الجانبان ببراغماتية، ووفقاً للمستشار السياسي في برنامج تركيا التابع للمجلس الأطلسي ريتش أوتزن، سيتطلب تحقيق هذا الهدف من ترمب الوفاء بعرضه في السابع من أبريل (نيسان) الماضي، بالمساعدة في حل المشكلة بين البلدين.
كيف تنظر إيران إلى غزة الآن؟
جاء الرد الرسمي على وقف إطلاق النار وخطة السلام في غزة من علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الأعلى الإيراني للشؤون الخارجية، الذي عد بدء وقف إطلاق النار في غزة بمثابة وقف إطلاق للنار في أماكن أخرى، مثل العراق واليمن ولبنان، كما أشار وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى وقف إطلاق النار كخطوة إيجابية، لكنه أوضح أن إيران لم تستطع قبول دعوة مصر إلى حضور قمة السلام التي يترأسها ترمب في شرم الشيخ، لأنه من غير الممكن لطهران التواصل مع الولايات المتحدة في ظل تهديدها بضرب إيران مجدداً.
ومع ذلك صور النظام الإيراني اتفاق السلام على أنه انتصار لـ"حماس" و"محور المقاومة" المكون من حلفاء إيران ووكلائها، لكن الآراء تباينت بين الإيرانيين، بما في ذلك دعوات من المعسكر الإصلاحي إلى التواصل مع الولايات المتحدة وقبول الدعوة المصرية، فيما أشار بعضهم إلى وجود فرصة لاستئناف المفاوضات مع واشنطن حول البرنامج النووي ورفع العقوبات، وهو ما يبدو أنه يدور أيضاً في ذهن ترمب الذي بدأ يتطلع إلى ما وراء وقف إطلاق النار الحالي، سعياً إلى تسوية إقليمية أوسع.
بيد أنه في هذه المرحلة، يتوقع سفير بريطانيا السابق لدى إيران نيكولاس هوبتون أن يركز النظام الإيراني على إعادة بناء منشآته التي دمرتها الهجمات الإسرائيلية وإعادة بناء أنظمة الدفاع الجوي، وقمع المعارضة الداخلية، والتحقيق مع ما تصفه إيران بالجواسيس الإسرائيليين، والبحث تدريجاً عن سبل لتعزيز حلفائها في لبنان واليمن وأماكن أخرى، وقد تدعو الأصوات الأكثر حكمة في طهران إلى إعادة إطلاق المفاوضات النووية مع الولايات المتحدة، والسعي إلى الاستفادة من اندماج إيران الجديد في المجتمع العربي والإسلامي الأوسع، الذي سهلته حملة إسرائيل على غزة، إضافة إلى هجمات تل أبيب على قطر ولبنان وسوريا وإيران.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كيف يتفاعل "حزب الله"؟
لم يعلق "حزب الله" صراحة على قرار "حماس" قبول شروط وقف إطلاق النار في غزة، ومع ذلك فإن تصريحات الحزب العامة حول انتهاء حرب غزة تبرر ضرورة استمرار خطاب المقاومة ضد إسرائيل، وهو ما يتماشى مع جهوده للاحتفاظ بأسلحته في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة اللبنانية إلى نزع سلاح "حزب الله" ووضع جميع أسلحته تحت سيطرة الدولة.
التزم "حزب الله" عموماً بوقف إطلاق النار الماضي في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، الذي أنهى 13 شهراً من الصراع في لبنان، على رغم أن إسرائيل لا تزال تشن غارات جوية شبه يومية، معظمها ضد أفراد "حزب الله" ومنشآته.
ويتوقع الخبير في برامج الشرق الأوسط بالمجلس الأطلسي نيكولاس بلانفورد أنه إذا صمد وقف إطلاق النار في غزة، فقد يسمح لإسرائيل بإيلاء مزيد من الاهتمام لجبهتها الشمالية في لبنان، مما قد يوسع ويصعد هجماتها ضد "حزب الله"، كما قد يعيد انتهاء الصراع في غزة تركيز الاهتمام الدولي على هدف نزع سلاح "حزب الله"، مما قد يزيد من الضغط على الحكومة اللبنانية ويفاقم التوترات في البلاد في الأسابيع والأشهر المقبلة.
كيف يتفاعل الحوثيون في اليمن؟
لا يعد الحوثيون الهدنة الحالية بين إسرائيل و"حماس" النتيجة المثلى، بل يرونها مجرد مناورة تكتيكية من جانب إسرائيل، وعلى مستوى أعمق تقوض الهدنة طموحاتهم الأوسع، وتضعف أهميتهم الإقليمية وزخمهم السياسي الذي اكتسبوه من خلال أعمالهم القتالية في البحر الأحمر وهجماتهم على إسرائيل. لكن من الناحية الأيديولوجية، من غير المرجح أن يمتنع الحوثيون عن حربهم ضد إسرائيل في المستقبل، وفقاً للباحث في مبادرة سكوكروفت لأمن الشرق الأوسط أسامة الروحاني، فقضيتهم متجذرة بعمق في عقيدة يجسدها شعارهم "الموت لإسرائيل"، كما أنها ضرورة سياسية، إذ تعد القضية الفلسطينية المدخل الرئيس للحوثيين في هذه المعركة كجزء من "محور المقاومة"، وبالتالي سيحاولون رصد واستغلال أية ثغرة في وقف إطلاق النار الحالي أو أي أحداث مستقبلية كمبرر لاستئناف الأعمال القتالية.
ومن وجهة نظر إسرائيل، لا يزال الحوثيون يشكلون تهديداً طويل الأمد يتجاوز صراع غزة، لذا، تريد إسرائيل القضاء على هذا التهديد، ومن المتوقع أن تستمر مواجهتهم في الأقل في المستقبل المنظور.
كيف تنظر الميليشيات العراقية إلى وقف إطلاق النار في غزة؟
أصدرت الميليشيات العراقية المتحالفة مع إيران، بيانات ترحب بوقف إطلاق النار وتدين إسرائيل، لكن هذه الجماعات كانت اتخذت بالفعل خطوات لفصل أفعالها عن القتال في غزة، إذ أوقفت إلى حد كبير الضربات ضد الولايات المتحدة وإسرائيل قبل وقت طويل من انتهاء صراع غزة بعدما كانت قد شنت ما يقرب من 200 غارة جوية ضد قواعد أميركية في العراق وسوريا، إضافة إلى محاولات متكررة من جانب هذه الميليشيات لضرب إسرائيل.
بالنسبة إلى عدد من هذه الميليشيات، مثلت حرب إسرائيل على غزة فرصة للضغط على الوجود العسكري الأميركي في العراق، لكن شن ضربات فعلية كان ضرورياً أيضاً لإظهار تضامنهم مع "محور المقاومة"، ومع ذلك لا تمتلك أي من هذه الجماعات، على عكس الحوثيين في اليمن، التزاماً أيديولوجياً قوياً بالقضية الفلسطينية، وبالتالي أدت الضربات الأميركية ضدهم، وتهديد إسرائيل بالرد، والضغط من الحكومة العراقية، والتوجيه الإيراني، إلى وقف ضربات الميليشيات فعلياً العام الماضي.
وفي حين لا تزال الميليشيات العراقية مرتبطة بطهران وتتلقى الدعم منها، فإن عدداً من هذه الجماعات تتحول إلى جهات فاعلة سياسية واقتصادية ذات مصالح محلية خاصة بها، وهذا يعني في الوقت الحالي التركيز على الانتخابات البرلمانية العراقية في الـ11 من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، بدلاً من التركيز على المرحلة التالية من اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حماس".
أما الحكومة العراقية فرحبت بوقف إطلاق النار، لأنه يزيل أحد مصادر عدم الاستقرار المحتملة وفقاً لمديرة مبادرة العراق في برامج الشرق الأوسط بالمجلس الأطلسي فيكتوريا تايلور، إذ أظهرت فترة ما بعد السابع من أكتوبر 2023 أن استقرار العراق معرض بشدة للتطورات الإقليمية، سواء نتيجة حرب غزة أم بسبب أي تصعيد بين إسرائيل وإيران.