ملخص
انعدام قنوات التواصل العسكري بين الولايات المتحدة والصين يفاقم خطر اندلاع مواجهة غير مقصودة، مشدداً على أن انعدام الثقة المتجذر في بكين يجعل إعادة بناء الدبلوماسية العسكرية أمراً معقداً لكنه ضروري لتجنب أزمة كبرى بين القوتين.
خلال الـ24 من أكتوبر (تشربن الأول) 2023، كانت قاذفة قنابل من طراز "بي-52" B-52 تابعة لسلاح الجو الأميركي تقوم بمهمة ليلية وتحلق في الأجواء الدولية فوق بحر الصين الجنوبي، عندما اعترضتها طائرة مقاتلة صينية. وفي سلسلة من المناورات الخطرة العالية السرعة، حلق طيار المقاتلة الصينية على بعد أقل من أربعة أمتار من القاذفة الأميركية، مما عرض الطائرتين وطاقميهما للخطر. وجاء ذلك في أعقاب حادثة وقعت خلال يونيو (حزيران) 2023 عندما كانت المدمرة الأميركية "يو أس أس تشانغ-هون" Chung-Hoon تبحر عبر مضيق تايوان، وتجاوزتها سفينة حربية صينية من الجهة اليسرى بسرعة عالية. ثم انعطفت السفينة الصينية فجأة ومرت أمام مقدمة المدمرة الأميركية على بعد 137 متراً فحسب، مما أجبر المدمرة "تشونغ-هون" على إبطاء سرعتها بسرعة لتفادي الاصطدام. وتجاهلت السفينة الحربية الصينية محاولات متكررة للتواصل المباشر بين السفينتين، وانتهكت إجراءات التشغيل الموحدة المتبعة خلال المواجهات القريبة في أعالي البحار.
تمثل هاتان الواقعتان مجرد حادثتين من بين عدة حوادث كادت تقع خلال الاعوام الأخيرة بين الجيش الأميركي وجيش التحرير الشعبي الصيني. وعلى رغم أن المخططين والاستراتيجيين العسكريين الأميركيين يركزون بصورة متزايدة على الاستعداد لأي تحرك عسكري صيني متعمد في غرب المحيط الهادئ، وبخاصة في ما يتعلق بتايوان، فإن هذه الحوادث الخطرة أثارت قلقاً بالغاً لدى المحللين الأميركيين من أن أية حادثة أو سوء تواصل بين الجيش الأميركي وجيش التحرير الشعبي قد يجر البلدين إلى صراع لا يرغب أي منهما فيه.
هذه المخاوف ليست بجديدة. فعلى مدى عقود، حاولت الولايات المتحدة وضع ضوابط وآليات أمان لعلاقتها العسكرية مع الصين، مستعينة أحياناً بالنهج الذي استخدمته للحفاظ على استقرار العلاقات الأميركية السوفياتية خلال الحرب الباردة. فخلال تسعينيات القرن الماضي، عندما كانت واشنطن لا تزال تتمتع بتفوق عسكري ساحق على بكين، ركز الاستراتيجيون الأميركيون على سياسات الطمأنة من خلال حوارات عسكرية وبروتوكولات اتصال. أما اليوم، ومع ازدياد الوجود العسكري الصيني في مضيق تايوان وبحر الصين الجنوبي، وتصاعد التوترات بين البلدين في مجالات التجارة والتكنولوجيا، فقد أصبح المسؤولون الأميركيون يركزون أكثر على إجراءات بناء الثقة الهادفة إلى تعزيز الوضوح والقدرة على التنبؤ في سير العمليات العسكرية، إضافة إلى قنوات الاتصال في حالات الأزمات لضمان ألا يتفاقم أية حادثة صغيرة إلى حرب شاملة. وصرح النائب الأميركي آدم سميث أثناء زيارته لبكين الشهر الماضي: "الصين هي القوة العسكرية والنووية الأسرع نمواً في العالم، بينما تمتلك الولايات المتحدة أكبر جيش في العالم"، مضيفاً "إن غياب الاتصالات المنتظمة بيننا في شأن قدراتنا ونياتنا أمر خطر للغاية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولكن على رغم المحاولات المتكررة من جانب المسؤولين الأميركيين لتحسين التواصل العسكري بين الجيشين، فإن الجانب الصيني قاوم إنشاء وتقنين حتى أبسط قواعد التعامل. وعلى رغم أن أسباب تردد بكين تطورت بمرور الوقت، فإن ما ظل ثابتاً هو التشكك العميق في أن المبادرات التي تقودها الولايات المتحدة من الممكن أن تخدم مصالح الصين. ولن يكون من السهل على واشنطن التغلب على هذه الشكوك المتجذرة. لكن الآن، بعدما أصبح ينظر إلى القدرات العسكرية الأميركية والصينية على أنها متقاربة، ومع ازدياد أخطار التصعيد المحتمل، يتعين على المسؤولين الأميركيين الساعين إلى إحياء الدبلوماسية العسكرية بين البلدين أن يفهموا هذا الانعدام العميق للثقة، وأن يبذلوا قصارى جهدهم لتخطيه بصورة عقلانية.
كتاب الخطط السوفياتي
كثيراً ما كانت الدبلوماسية العسكرية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي خلال الحرب الباردة نموذجاً يحتذى في بناء علاقات ناجحة بين قوات مسلحة متنافسة. فعلى رغم كونهما خصمين نوويين وجوديين، طور البلدان اتصالات عسكرية مباشرة مهمة خلال المرحلة اللاحقة من الحرب الباردة. فعلى سبيل المثال، سعى اتفاق منع الحوادث في البحار لعام 1972 إلى منع تصادم السفن وتقليل خطر التصعيد العرضي في البحر. وسعى اتفاق منع الحوادث العسكرية الخطرة لعام 1989 إلى تقييد استخدام بعض أنواع الأسلحة، مثل أشعة الليزر التي يمكن أن تسبب العمى عند تصويبها بتهور. لم تكن هذه الاتفاقات حلاً سحرياً، إذ شهدت القوات الأميركية والسوفياتية عدداً من المواجهات الخطرة والمروعة، لكنها أدت دوراً مهماً في منع التصعيد.
في بداية العلاقات الدبلوماسية بين الصين والولايات المتحدة في أوائل الثمانينيات من القرن الـ20، حاول الاستراتيجيون الأميركيون تطبيق هذه النماذج العامة على العلاقات مع القوات المسلحة الصينية. خلال ذلك الوقت، كانت هناك اتصالات وتبادلات عسكرية محدودة، مثل اجتماعات حول العقيدة العسكرية والتدريب العام غير أن هذه الجهود توقفت فجأة عام 1989، عندما علقتها واشنطن رداً على القمع العسكري الذي مارسته بكين ضد المتظاهرين في ميدان تيانانمن. وتعافت العلاقات قليلاً في أوائل التسعينيات، لكنها لم ترتقِ إلى مستوى كافٍ لمعالجة التوترات المتصاعدة، إذ بدأت القوات الأميركية والصينية تعمل قرب بعضها بعضاً بصورة متزايدة، مما أدى إلى سلسلة من الحوادث التي كادت تتحول إلى صدامات، بما في ذلك حادثة البحر الأصفر خلال أكتوبر 1994، عندما قامت غواصة وطائرات مقاتلة صينية بدوريات على مسافة خطرة قرب وحدات من الأسطول السابع الأميركي، من ضمنها حاملة الطائرات "يو أس أس كيتي هوك" USS Kitty Hawk. وخلال تلك الفترة تقريباً، اشتكى كبار المسؤولين المدنيين والعسكريين الصينيين مراراً وتكراراً لنظرائهم في واشنطن، من أن طائرات الاستطلاع الأميركية كانت تحلق على مسافة قريبة وخطرة من المجال الجوي الصيني. وزعموا أن هذه الطلعات الجوية كانت تهدف إلى كشف أنظمة الدفاع الجوي الصينية المختلفة والبروتوكولات التشغيلية، ولم يكونوا مخطئين في ذلك.
وأدت أزمة مضيق تايوان الثالثة، التي استمرت من عام 1995 إلى عام 1996، إلى تفاقم هذه القضايا وبلوغها ذروتها. فبعدما أطلقت الصين قذائف مدفعية على المياه المحيطة بتايوان، ردت الولايات المتحدة بنشر حاملتي طائرات في غرب المحيط الهادئ، في استعراض للقوة يهدف إلى ردع أي تصرف عسكري استفزازي إضافي من جانب جيش التحرير الشعبي الصيني. غير أن الصينيين فسروا هذه الإجراءات على أنها مهينة للغاية وتصعيدية، مما ولد مستوى كبيراً من انعدام الثقة بين الجيشين.
وفي واشنطن، أدت التوترات المتصاعدة خلال أزمة مضيق تايوان الثالثة إلى إجماع من الحزبين الديمقراطي والجمهوري على ضرورة إنشاء بروتوكولات اتصال عسكرية مع بكين، غير أن القادة المدنيين والعسكريين الأميركيين في البنتاغون كانت لديهم أسباب إضافية للسعي نحو علاقات أفضل مع نظرائهم الصينيين. فجيش التحرير الشعبي كثيراً ما لعب دوراً بيروقراطياً مهماً في السياسة الصينية الداخلية، ومع اقتراب القرن الـ21، أصبح يتمتع بـنفوذ عالمي متزايد. لذلك، فإن بناء علاقات مع قادة الجيش الصيني لم يكن وسيلة لتفادي كارثة فحسب، بل أيضاً طريقة للتأثير في تفكير بكين وسلوكها العالمي.
لن يكون من السهل على واشنطن التغلب على الشكوك العميقة المتجذرة لدى بكين
بلغت الجهود الأميركية لإقامة قنوات اتصال مع الصين ذروتها بين عامي 1996 و1999. وعلى نحو متتابع وسريع، أطلق الجانبان اتفاق عام 1998 في شأن الأنشطة البحرية العسكرية [الاتفاق الاستشارية البحرية العسكرية (MMCA)]، الذي هدف إلى منع الحوادث البحرية الخطرة، إضافة إلى إنشاء قناة اتصال خاصة بين القادة، ما يسمى الخط الساخن بين واشنطن وبكين. واحتُفي بكلتا المبادرتين خلال قمة عام 1998 التي جمعت الرئيس الصيني جيانغ زيمين والرئيس الأميركي بيل كلينتون. وبدأ كبار المسؤولين العسكريين من مكتب وزير الدفاع الأميركي وهيئة الأركان المشتركة عقد محادثات مع نظرائهم الصينيين لمقارنة العقائد العسكرية، في محاولة لتجنب إساءة تفسير التحركات أو التدريبات العسكرية الروتينية على أنها استعدادات لعمليات عدائية وشيكة. بل كانت هناك أيضاً تبادلات عابرة حول المسائل المتعلقة بالأسلحة النووية، بما في ذلك سلامة الرؤوس الحربية النووية وبروتوكولات القيادة والإطلاق.
ومع ذلك، لم تتخط جهود التعاون هذه الحدود، إذ كان بين الجانبين اختلاف جوهري في فهم الغايات والقيمة الحقيقية لآليات التواصل تلك. وكانت الصين متحفظة خصوصاً في إظهار تفاصيل كثيرة عن جيشها نظراً إلى التفاوت الواضح في القوة العسكرية. فبعد الحرب الباردة، كانت الغواصات وطلعات الاستطلاع الأميركية تنفذ مهامها قرب البر الرئيس الصيني، بما في ذلك داخل بحر الصين الجنوبي، بصورة متكررة ومن دون عواقب فعلية. ولذلك، ركزت الصين بصورة كبيرة على سد هذه الفجوة في القدرات وأنماط الانتشار، ورأى الاستراتيجيون العسكريون الصينيون أن جهود الولايات المتحدة لبناء الثقة غير صادقة، وصممها خبراء عسكريون أميركيون ليس بهدف منع التصعيد أو الصراع غير المقصود، بل بهدف تقييد الصين أو مراقبتها. ومن هذا المنظور، فإن آليات بناء الثقة الرسمية يمكن أن تستخدم لمصلحة واشنطن، ليس في الأزمات المباشرة فحسب، بل أيضاً على المدى الطويل، من خلال منح الولايات المتحدة قنوات للتحكم في توسع جيش التحرير الشعبي الطموح.
ومع ذلك، حافظ المسؤولون الصينيون على بعض العلاقات مع الجيش الأميركي، واستخدموها لخدمة مصالحهم الخاصة، مثل الحد من انتشار القوات الأميركية وجهود الاستطلاع في المناطق المجاورة بصورة مباشرة للبر الرئيس الصيني. لكن بكين كانت شديدة الحرص على أن تبقى هذه التبادلات والالتزامات العسكرية غامضة، ومخططة بعناية، وشكلية إلى حد كبير. وبدلاً من غرس الثقة، أدت هذه المقاربة إلى إثارة القلق والارتباك لدى الأفراد الذين يديرون العمليات العسكرية الأميركية. وتجلى ذلك بوضوح عام 2001، عندما اصطدمت مقاتلة صينية بطائرة استطلاع أميركية من طراز "إي بي-3" EP-3 فوق بحر الصين الجنوبي. وأجبرت الطائرة الأميركية، التي كان على متنها 24 فرداً من عناصر الخدمة العسكرية، على الهبوط في جزيرة هاينان، التي تضم قاعدة عسكرية صينية، وحاول المسؤولون الأميركيون استخدام بروتوكولات الاتصال الرفيعة المستوى، لكنهم قوبلوا بالصمت والمماطلة من نظرائهم في بكين. التزمت الصين الصمت بينما احتُجز الأميركيون لمدة 48 ساعة وخضعوا للاستجوابات في منشأة عسكرية (احتجزوا لاحقاً لمدة 11 يوماً قبل الإفراج عنهم).
تفضيل الغموض
وخلال العقود التي أعقبت ذلك، ازداد قلق الولايات المتحدة إزاء تحديث الصين العسكري وأنشطتها، لكن بكين أصبحت أقل انفتاحاً من أي وقت مضى. حاولت الولايات المتحدة مراراً إنشاء آليات لمنع الحوادث أو إدارتها أو الحد منها في مختلف المجالات العسكرية، من الفضاء السيبراني إلى الفضاء الخارجي. لكن هذه الجهود قوبلت دائماً بالتضليل أو الرفض الصريح من الجانب الصيني. وعندما أطلقت حوارات أميركية - صينية متعلقة بالأمن، فشلت في تلبية حتى التوقعات المحدودة، مثلما حدث عندما فشل الحوار حول الأمن الإلكتروني، الذي بدأته إدارة أوباما، في الحد من القرصنة الصينية. والأسوأ من ذلك، أن هذه التفاعلات غالباً ما أثارت مزيداً من الشكوك وانعدام الثقة بدلاً من بناء الثقة. فعلى سبيل المثال، عندما اصطحب مضيفون من الجيش الأميركي نظراءهم الصينيين لمشاهدة تدريبات المدرعات في قاعدة فورت هود بتكساس، فإن الضابط الصيني المستضاف وصف لاحقاً الإحاطة والعروض بأنها تهديدية ومصممة لبث الخوف.
في الواقع، ينبع تحفظ الصين من شكوكها العميقة. لكن هذا الشعور يتجلى بطرق عدة. فبكين، على سبيل المثال، تخشى باستمرار أن تؤدي الاتفاقات الثنائية مع واشنطن إلى ترسيخ ضعفها العسكري بصورة دائمة. ومن هذا المنظور، فإن مدونة أميركية صينية لقواعد السلوك في التعاملات العسكرية تمنح الولايات المتحدة مخرجاً آمناً من دون عواقب، مما يسمح لها بمواصلة عمليات حرية الملاحة في المنطقة مع إمكانية إدارة الأخطار والتملص من الأزمات. والاعتقاد الراسخ بأن تدابير بناء الثقة مفيدة بصورة غير متكافئة، أي إن الشفافية تفيد واشنطن أكثر مما تفيد بكين، يتغلغل في صفوف القوات المسلحة الصينية.
تاريخياً، كانت الصين مترددة أيضاً في المشاركة في عمليات بناء الثقة تحديداً لأنها صممت استناداً إلى التجربة الأميركية السوفياتية. ولم يكن هذا مرتبطاً بمدى فعالية هذه الآليات على المستوى العملي بقدر ما كان مرتبطاً بكيفية نظر الآخرين إليها: فقد سعى الاستراتيجيون الصينيون ببراعة إلى تجنب إعطاء الانطباع بأن الولايات المتحدة يجب أن تنظر إلى الصين كخصم عسكري شبيه بالاتحاد السوفياتي، وهذا يتماشى مع الرسائل الصينية الأوسع خلال أوائل العقد الأول من القرن الـ21، التي سعت إلى التقليل من أهمية الحديث عن "صعود" الصين والتركيز بدلاً من ذلك على "التنمية" الوطنية الصينية.
يجب على القوتين العظميين في القرن الـ21 إنشاء قنوات اتصال في حالات الأزمات
إلى حد ما، تغير هذا الوضع: فبكين الآن ترغب في أن ينظر إليها كقوة عظمى. ولكن خلافاً للاتحاد السوفياتي من قبلها، لا يبدو أن الصين قلقة في شأن أخطار التصعيد الناجمة عن ضعف العلاقات مع القوات المسلحة الأميركية. بل على العكس، يبدو أن بكين ترى في ذلك فائدة. ففي حين تسعى واشنطن عادة إلى إظهار قدراتها العسكرية، على أمل أن تثني قوتها خصومها عن المجازفة، تختار بكين إلى حد كبير خلق حال من الغموض في شأن انتشار قواتها ودبلوماسيتها وعقيدتها، على أمل أن يزيد ذلك من قلق القوات الأميركية عند العمل قربها. وتعد هذه الاستراتيجية سياسية إلى حد كبير. وعلى رغم أن بعض المحللين الصينيين، وحتى بعض ضباط جيش التحرير الشعبي الصيني، دعوا إلى مزيد من الشفافية بين القوات الأميركية والصينية، فإن قادة الحزب الشيوعي الصيني يفضلون الغموض في شأن قدرات جيش التحرير الشعبي الحالية وبروتوكولاته للتعامل مع الأزمات. ويعتقدون في نهاية المطاف أن الغموض يزيد من مرونتهم في الأزمات ويعزز قدرتهم على الردع.
وما يقوله الحزب الشيوعي الصيني ينفذ: فجيش التحرير الشعبي هو الجناح العسكري للحزب، وليس مجرد قوات مسلحة وطنية. والهيكل العسكري الذي يهيمن عليه الحزب الشيوعي الصيني يحرص بشدة على احتكار سلطة اتخاذ القرار أثناء الأزمات، ويرى في خطط بناء الثقة تهديداً محتملاً لسيطرة الحزب ونفوذه. وبحكم طبيعة النظام، تتعارض الدبلوماسية العسكرية مع سيطرة الحزب الشيوعي الصيني في أي سيناريو عسكري، تحديداً عندما تكون السيطرة في غاية الأهمية بالنسبة إلى قادة الصين.
من المحتمل أن كبار القادة الصينيين يقللون من خطر نشوب حرب عرضية أو حتى يتجاهلونه تماماً. ففي النهاية، لم تشهد الولايات المتحدة والصين توترات عسكرية جدية منذ الأعوام الأخيرة من الحرب الكورية. وقد يستلزم الأمر توترات من هذا النوع لكي يغير القادة الصينيون موقفهم، تماماً مثلما دفعت أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962 موسكو وواشنطن إلى إنشاء روابط عسكرية واضحة بين الجيشين.
ولكن يجب على الولايات المتحدة الاستمرار في الضغط من أجل إنشاء قنوات اتصال فعالة في حالات الأزمات قبل حدوث أي طارئ. وقد تفشل جهودها في النهاية. ولكن، مع امتلاك كل طرف قوة عسكرية هائلة، قد تحشد في مواجهة بعضهما بعضاً، يجب على القوتين العظميين خلال القرن الـ21 التحلي بالبصيرة اللازمة لإنشاء مثل هذه القنوات، من دون أن يضطر العالم أولاً إلى المرور بأزمة شبيهة بأزمة الصواريخ الكوبية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
كورت كامبل هو رئيس مجلس الإدارة والمؤسس المشارك لمجموعة آسيا. شغل منصب نائب وزير الخارجية ومنسق منطقة المحيطين الهندي والهادئ في مجلس الأمن القومي خلال إدارة بايدن.
مترجم عن "فورين أفيرز"، 6 أكتوبر (تشرين الأول) 2025