Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المجري لاسلو كراسنهوركاي رائد الأدب القاتم يحوز نوبل

في السبعين من عمره ينتمي إلى الأدب الأوروبي المركزي الممتد من كافكا إلى توماس برنهارد

الكاتب المجري  لاسلو كراسنهوركاي وهو يقف لالتقاط صورة في سالزبورغ، بمناسبة تسليم جائزة الدولة النمساوية للأدب الأوروبي لعام 2021 (أ ف ب)

ملخص

منحت الأكاديمية السويدية جائزة نوبل في الأدب لعام 2025 للكاتب المجري لاسلو كراسنهوركاي "عن منجزه الأدبي الآسر والرؤيوي الذي يؤكد، في خضمّ رعبٍ ينذر بنهاية العالم، قوة الفن".

شكل فوز الروائي المجري لاسلو كراسنهوركاي (1954) بجائزة نوبل للأدب 2025 مفاجأة في الأوساط الأدبية العالمية، فاسمه كان يتردد بخفر في "بورصة" الأسماء العالمية التي باتت تتكرر كل عام ومن ضمنها هاروكي موراكامي وجيرالد مورنان وآن كارسون ومارغريت أتوود وكان تشو وسواهم. أما عربياً فأضيف هذا العام إلى لائحة المرشحين "الافتراضين" وهم أدونيس والطاهر بنجلون وسليم بركات اسم الروائي إبراهيم الكوني.

كان لاسلو كراسنهوركاي قد فاز عام 2015 بجائزة مان بوكر الدولية تكريماً لمسيرته الأدبية، وكذلك بجائزة الكتاب الوطني الأميركي للأدب المترجم عام 2019 عن رواية "عودة البارون فينكهايم". وبدا محتملاً أن جائزة مان بوكر باتت تمثل إحدى الطرق إلى نوبل. ففي العام الماضي كانت الروائية الكورية الجنوبية مان كانغ حصلت في 2016 على مان بوكر عن روايتها "النباتية" قبل أن تفوز بنوبل 2024. واللافت أن لاسلو كراسنهوركاي هو الثاني الذي يحوز نوبل بعد الروائي إميري كيرتش 2002 اليهودي الذي عاش تجربة الأسر في أوشفتز وكتب عنها ومن أبرز رواياته "لا مصير".

 

وورد في بيان الأكاديمية أن لاسلو فاز بالجائزة "عن عمله الآسر والرؤيوي الذي يؤكد من جديد، وسط الرعب الأبوكاليبسي، قوة الفن". وأضاف البيان أن كراسنهوركاي "كاتب ملحمي عظيم ينتمي إلى التقاليد الأدبية في أوروبا المركزية، الممتدة من كافكا إلى توماس برنهارد، وتتميز بالعبثية والمبالغة الغروتسكية". وأوضح البيان: "لكن كراسنهوركاي لديه أدوات فنية أوسع، فهو ينظر أيضاً نحو الشرق متبنّياً نبرة أكثر تأملاً ورهافة".

عالم روائي

لعل مبررات الفوز التي حملها بيان الأكاديمية السويدية يحمل مفاتيح مهمة لدخول عالم كراسنهوركاي، الذي يصفه النقّاد بأنه كاتب "اللاخلاص" و"النهاية المستمرة"، ويرون أن رواياته أقرب إلى الملاحم الحديثة منها إلى الروايات التقليدية.

 

وبحسب النقد المجري، تتميّز روايات كراسنهوركاي بأنها عوالم مغلقة، مشبعة بالتشاؤم الوجودي، وفيها يعيش البشر في عزلة فكرية وروحية، وداخلها تتحول المجتمعات الصغيرة إلى نماذج مكبَّرة عن الانهيار الإنساني والحضاري. فالروائي لا يقدّم حلولاً أو خلاصاً، بل يُلقي القارئ في متاهة فكرية تشبه أسلوبه السردي المتعرّج.

ولد كراسنوهوركاي في 5 يناير (كانون الثاني) 1954 في مدينة غيولا الواقعة جنوب شرقي المجر. أظهر منذ شبابه، ميولاً أدبية واضحة واهتماماً بالفكر الفلسفي، فجمع في دراساته بين القانون والأدب في جامعتي "سيغِد" و"إلته" في بودابست. في تلك الفترة، بدأ في كتابة قصص قصيرة ذات نبرة سوداوية وتأملية، ظهرت فيها باكراً البذور الأولى لعالمه السردي الكابوسي.

من أبرز روايات كراسنوهوركاي "تانغو الشيطان"، 1985، وهي الرواية التي بحسب النقد المجري، كرّسته واحداً من الكتّاب الأوروبيين الشرقيين البارزين. تدور أحداثها في قرية متهالكة وسط الطين والمطر، يعيش أهلها في فوضى ويأس، في انتظار عودة رجل يُشاع أنه سيخلّصهم. لكن هذا "المخلّص" ليس سوى مرآة جديدة للانخداع الجمعي. فتتحول الرواية إلى استعارة قوية عن انهيار الإيمان، وانخداع الناس بالأمل الزائف. وقد حوّلها المخرج المجري الشهير بِلا تار إلى فيلم أسطوري يمتدّ أكثر من سبع ساعات، اعتُبر من أهم الأعمال السينمائية الأوروبية.

ويقول ناقد عنها: "تمزج الرواية الواقعي بالأسطوري، والساخر بالعبثي، بأسلوب لغوي يشبه تيار الوعي. فالجمل الطويلة تعكس دوّامة الزمن والضياع الإنساني، حيث لا يُوجد بداية حقيقية ولا نهاية مؤكدة".

فوضى السيرك

روايته الثانية المهمة هي "كآبة المقاومة" (1989)، وهي تدور في مدينة مجرية صغيرة، تحل فيها فوضى غامضة بعد وصول سيرك يحمل حوتاً ميتاً. ويقول ناقد إن "المدينة تُصبح رمزاً لـ الانهيار الأخلاقي والسياسي، فالرواية تكشف عن هشاشة الحضارة أمام قوى الغريزة والخوف". ويضيف: "الحوت هنا رمز ثقيل للخراب، للسلطة الغامضة، ولصمت الإله أمام الفوضى. والرواية استعارة كبرى عن أوروبا الشرقية في مرحلة ما بعد الشيوعية، حين تفقد المجتمعات بوصلتها بين الحرية والفوضى".

 

 في رواية "أسير أورغا" (1992)، ينتقل كراسنهاوركاي إلى الشرق الأقصى، حيث يجد البطل نفسه في منفى داخلي وخارجي في آنٍ واحد. "يصبح السفر والتأمل في العالم وسيلة للتفكّر في الفراغ، والزوال، ومعنى الحقيقة. وهنا يبلغ الكاتب ذروة فلسفيته. إذ تتحوّل الرواية إلى نص تأمّلي عن علاقة الإنسان بالمقدّس، وعن البحث المستحيل عن الصفاء في عالم فقدَ كل معنى".

"عودة البارون فينكهايم" (2016) من أكثر أعماله نضجاً ونقداً للمجتمع المعاصر. "يعود البارون إلى بلدته المجرية بعد غياب طويل في الأرجنتين، لكن المدينة التي يعود إليها هي صورة ساخرة ومجنونة من العالم الحديث: الفوضى، الجهل، والانحدار الأخلاقي". هذه الرواية التي فازت بجائزة الأدب المترجم هي "رواية هجاء مرّ للحداثة الزائفة، وسخرية من المجتمع الذي يلهث وراء المال والسلطة من دون أي قيم. إنها عمل يجمع بين السخرية الكافكاوية والفلسفة الوجودية، ويُظهر نضج كراسنهوركاي ككاتب عالمي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يلاحظ الناقد المجري أن شخصيات كراسنهوركاي غالباً ما تبدو منبوذة، مشردة، أو مهووسة بالحقيقة، وهي أقرب إلى رموز فلسفية منها إلى أفراد واقعيين. أما رواياته عموماً فتدور حول قضايا وجودية مثل معنى الوجود والعدم، انهيار الإيمان في عالم علماني، الخلاص المستحيل والبحث عن النظام في فوضى الكون، العلاقة بين الإنسان والعزلة، بين الروح والعالم المادي.  ومعروف أن كراسنهوركاي تأثر بفلاسفة مثل نيتشه، كيركغورد، وهايدغر، وتأثر بالفن البوذي الصيني في نظرته إلى الزمن والعدم.

تُرجمت أعماله إلى أكثر من 20 لغة، ووُصِف في الصحافة الغربية بأنه "كافكا القرن الحادي والعشرين". أما عربياً فترجمت له روايتان هما "تانغو الخراب" و"كآبة المقاومة" عن دار التنوير في بيروت.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة