ملخص
تواجه بريطانيا أزمة في قطاع الصناعات الدوائية مع إعلان "أسترازينيكا" نيتها إدراج أسهمها في نيويورك، وسط تراجع الاستثمارات وتحديات تنظيمية، مما يستدعي تحركاً حكومياً عاجلاً للحفاظ على مكانة البلاد كمركز عالمي للعلوم الحيوية والابتكار.
لقد كانت شركات المنتجات الصيدلانية العملاقة في المملكة المتحدة بالفعل عرضة لاضطرابات قبل أن تعلن "أسترازينيكا" نيتها إدراج أسهمها في نيويورك، في ضربة موجعة للندن. في المقابل، تجد "غلاكسو سميث كلاين" – ثاني أكبر شركة بريطانية لتصنيع العقاقير بعد "أسترازينيكا" – نفسها مضطرة إلى البحث عن شخص جديد يتولى رئاستها التنفيذي بعدما فاجأت إيما ولمسلي القطاع بقرارها التنحي المبكر بعد ثمانية أعوام من توليها المنصب.
الإعلانان اللذان صدرا خلال اليوم نفسه أثارا ضجة واسعة في قلب لندن التجاري. ذلك أن الأمور قد تصبح مثيرة جداً – لكن ربما ليس بالمعنى الإيجابي للكلمة.
قبل اليوم، كانت مسألتان أساسيتان تواجهان القطاع الاقتصادي المرتبط بالصحة في المملكة المتحدة. الأولى: الخلاف المستمر حول ما تدفعه هيئة الخدمات الصحية الوطنية مقابل العقاقير. وترى الشركات أن آلية الخصم "الطوعي" المعتمدة حالياً تفرض عليها أعباء ثقيلة وكلفاً باهظة.
وفي الوقت نفسه، يواصل دونالد ترمب توجيه تهديداته إلى القطاع، مهدداً بفرض رسوم جمركية عقابية إذا لم تبدأ شركات العقاقير بتصنيع مزيد من منتجاتها داخل الولايات المتحدة. ويجب ألا ننسى أن السوق الأميركية هي الأكبر على الإطلاق لهذه الشركات. وهي أيضاً سوق يمكن لهذه الشركات أن تفرض فيها الأسعار التي تريدها إلى هذا الحد أو ذاك.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي ظل هذا المشهد، تتجه شركة الأدوية البيولوجية الرائدة في المملكة المتحدة إلى نيويورك. وجاء في بيانها (تحذير: ما يلي اقتباس من خطاب علاقات عامة منفر): "تسعى ’أسترازينيكا‘ إلى نقل إدراج أسهمها إلى بورصة واحدة عالمية، بهدف جذب المستثمرين الدوليين وتعزيز مكانتها كشركة عالمية موحدة".
اسمحوا لي أن أترجم الاقتباس: في الوضع الحالي، يستطيع المستثمرون الأميركيون الكبار المهتمون بـ"أسترازينيكا" شراء ما يعرف بـ"إيصالات الإيداع الأميركية"، وهي أدوات مالية ثانوية لا تحظى بشعبية لدى كبار مديري الأموال. أما الإدراج المباشر في نيويورك فسيكون أكثر جاذبية لهم بكثير.
وقال رئيس مجلس إدارة "أسترازينيكا" ميشيل ديمار: "إن تنفيذ الإدراج العالمي سيسمح لنا بالوصول إلى مجموعة أوسع من المستثمرين العالميين، وسيجعل الأمر أكثر جاذبية لجميع مساهمينا للحصول على فرصة المشاركة في المستقبل المثير لشركة ’أسترازينيكا‘".
وستحتفظ "أسترازينيكا" بإدراجها في بورصتي لندن والسويد، وكذلك مقرها الرئيس والضريبي في لندن. لكن إلى متى؟ كم من الوقت سيمر قبل أن تعلن الشركة متعددة الجنسيات في قطاع الأدوية والتكنولوجيا الحيوية، والتي تمتلك مختبرات في كامبريدج، عن خطط للانتقال إلى إدراج أساسي؟ فالخيار الأسهل والأرخص غالباً ما يكون جذاباً.
سبق أن حدث شيء مماثل. فشركة "يونيليفر"، العملاق في منتجات المستهلك، كانت مدرجة سابقاً في كل من لندن وأمستردام، وسعت في البداية للانتقال إلى أمستردام، قبل أن يثور المستثمرون ضد هذه الخطوة.
وأراهن بثقة على أن "أسترازينيكا" ستشهد أمراً مماثلاً – لكنه لن يكون هذه المرة قراراً لمصلحة البقاء في لندن. كذلك أراهن على أن الخطوط الساخنة في مقر الشركة ستضج باتصالات الوزراء وموظفيهم. لقد شهدنا بالفعل انتقالاً مستمراً لشركات بريطانية نحو الولايات المتحدة، مثل "فلاتر" (تضم "بيتفير" و"بادي باور" للمراهنات)، و"آشستيد" (لتأجير معدات البناء والتصنيع)، و"فيرغسون" (للسباكة) التي جميعها قامت بهذه الخطوة. وعندما قرر "سوفت بنك" إعادة إدراج شركة "آرم" لتصميم الرقائق التي تتخذ من كامبريدج مقراً، اختار نيويورك أيضاً – على غرار ما فعلته شركات بريطانية ناشئة طموحة.
ستكون مغادرة "أسترازينيكا" لندن ضربة قاصمة، خلال وقت يفقد فيه القطاع الاقتصادي البريطاني المرتبط بالعلوم الحيوية بريقه بسرعة تفوق سرعة "كوفيد" في إنتاج سلالات فيروسية جديدة تجهد مصنعي اللقاحات. لقد ألغيت استثمارات كبرى أخيراً من قبل "أسترازينيكا" ونظيرتها "إيلي ليلي"، وهما ليستا وحدهما.
تفيد جمعية تصنيع المنتجات الصيدلانية البريطانية بأن الاستثمارات الأجنبية المباشرة في العلوم الحيوية تراجعت بنسبة 58 في المئة بين عامي 2021 و2023، وبأن المملكة المتحدة تتراجع في التصنيفات الدولية على رغم مما تتمتع به من نقاط قوة (جامعات رائدة، وباحثين مهرة، وحماية قوية لبراءات الاختراع، ومنظومة غنية من شركات التكنولوجيا الحيوية... إلخ). والواقع أن حالها في عالم تصنيع المنتجات الصيدلانية أصبح مثل نادي مانشستر يونايتد لكرة القدم: كانت ذات يوم مؤسسة عملاقة عالمية حققت إنجازات – أنتجت أكثر من 3 مليارات جرعة من لقاح "كوفيد-19" – لكنها الآن تمر بظروف صعبة.
أفهم أن شركات المنتجات الصيدلانية الكبرى تثير غضب الناس، بالنظر إلى أرباحها الضخمة والمبالغ الخيالية التي تدفع إلى مسؤوليها التنفيذيين. لكن الشركات التجارية تنتقل إلى حيث تشعر أن الفرص أكثر توافراً، والعوائد أكبر حجماً، والظروف أكثر ملاءمة. المملكة المتحدة لم تعد كذلك.
صحيح أن الوقت الحالي ليس ملائماً لاقتراح دفع مزيد من المال في مقابل العقاقير، بالنظر إلى حال هيئة الخدمات الصحية الوطنية والمالية العامة. لكن، وكما هي الحال مع العقاقير، نادراً ما يكون مذاقها مستساغاً. نتناولها على أمل أن تعود بالنفع. على وزير الصحة ويس ستريتنغ ووزيرة المالية راشيل ريفز أن ينظرا إلى الأمر بوصفه استثماراً: ندفع مالاً أكثر في مقابل العقاقير، فنحصل على مزيد من الاستثمارات والوظائف والزخم الاقتصادي. وفي غضون ذلك، نحقق أيضاً وصولاً أفضل إلى العلاجات الجديدة للبريطانيين المرضى. ونحن نتراجع أيضاً في هذا المجال.
أما ما يجري في "غلاكسو سميث كلاين" فيحمل أيضاً دلالات مهمة. سيكون خليفة ولمسلي من مسؤولي الشركة التنفيذيين: مسؤولها التجاري الأول لوك ميلز. خمنوا من أين استقطبت الشركة هذا الأسترالي البالغ من العمر 50 سنة؟ نعم – من "أسترازينيكا".
© The Independent