ملخص
الهزة العنيفة التي تنضح من جوانب مختلفة في المجتمع المصري هذه الأيام، ومنذ انطلاق دينا وأكاديميتها تقول الكثير، لا عن دينا فقط، أو عن فكرة تعلّم الرقص الشرقي فقط، لكن عما جرى في المجتمع الذي كان حتى عقود قليلة مضت يعتبر راقصات مثل سامية جمال وتحية كاريوكا وسهير زكي ونجوى فؤاد وغيرهن فنانات جميلات، قدمن عروضاً فنية شيقة لمن يحب الرقص الشرقي، وأسهمن في مخزون مصر من القوى الناعمة عبر مئات الأفلام والأعمال الدرامية التي تعرض اليوم تحت مسمى "الزمن الجميل" أو "الفن الأصيل".
انتفضت أوصال، وارتعدت فرائص، وتدفقت دماء الغضب في العروق، وتفجّرت ينابيع السخط والمقط والحنق في الأوردة والشرايين. تشكلت لجان، وتكوّنت هيئات، ودُشِنت صفحات، وجُيشت أصوات، واحتشدت جهود. الجميع، إلا قليل، على أهبة الاستعداد للهجوم والمداهمة والذود عن القيم والفضيلة بكل ما أوتوا من حناجر وما تيسّر من حجج منابر.
"دينا الرقاصة فتحت مدرسة"، "ضاع ديننا، وتبددت أخلاقنا"، "يا ويلنا رقاصة تربي أولادنا" وسيل جرار من الندب والبكاء تارة، والغضب والامتعاض تارة أخرى، والمطالبة بالتحرك الفوري لمنع الكارثة، ووقف الفاجعة، ووضع حد للنائبة، التي إن تركت اليوم، فلا يلوم المصريون إلا أنفسهم على ضياع أخلاقهم وفسوق أبنائهم وانحلال بناتهم.
الموجة الهادرة من الغضب التي تكاد تراها في كل ركن وتشعر بصداها في كل صفحة وتتابع هزاتها الارتدادية في كل حدب وصوب بدأت بخبر صغير في الصحف والمواقع، جرى تسليط الضوء عليه بنبرة خبث باحثة عن القراءة وحرفية علم ببواطن أمور "الترند"، والبقاء ضمن "الأعلى قراءة"، و"الأعتى تفاعلاً"، و"الأكثر مشاهدة".
الراقصة المصرية دينا تفتتح مدرسة لتعليم الرقص الشرقي. افتتاح "أكاديمية دينا" للرقص الشرقي. دينا تعلن إطلاق أول أكاديمية متكاملة لتعليم الرقص الشرقي. توالت العناوين المعتمدة على ثلاث كلمات ضامنة للترند ومحققة للإثارة: دينا، رقص، مدرسة أو أكاديمية.
قاعدة عريضة معترضة
بينما كان مصطفى (34 سنة) يدقّ على أزرار هاتفه المحمول مدشناً مجموعة على "معاً من أجل وقف المهزلة" على "واتساب"، وذلك لتنظيم جهود هادفة إلى إغلاق "المدرسة" ومقاضاة "دينا" والتوقف عن استخدام وصف الرقص بأنه فن، كانت والدته السبعينية الحاجة سعاد تتراقص بانسجام شديد وهي جالسة تحتسي الشاي أمام شاشة إحدى المحطات المختصة بنشر كل ما هو فنون قديمة. وبين التمايل والآخر تحدث نفسها تارة، وتوجه كلامها إلى مصطفى تارة أخرى حول "روعة سامية جمال"، و"عظمة تناسقها الجسدي وحركاتها مع موسيقى فريد (الأطرش)"، و"بهجة الحركات"، مؤكدة لمصطفى أنها كانت تنافس سامية جمال في رشاقتها وسهير زكي في حلاوتها ونجوى فؤاد في ابتسامتها أيام الشباب، مذيلة كل ادعاء بـ"حتى اسأل عمتك فلانة" أو "حتى اتصل بخالتك علانة"، لكن مصطفى كان مشغولاً بضم عشرات الأصدقاء الغيورين على الأخلاق، الممتعضين من المدرسة، المنتفضين ضد الرقص، المطالبين بالإغلاق والانغلاق وكل ما من شأنه أن يغلق باب هذا الرقص "اللعين" للأبد.
مصطفى ليس حالة استثنائية، لكنه يمثل قاعدة شعبية عريضة وجدت في خبر وصور وفيديوهات افتتاح الراقصة دينا أكاديمية لتعليم الرقص الشرقي تهديداً مروعاً، ونذيراً مفزعاً، يعرض الأمة للخطر ويضعها في خانة ضياع الأخلاق وتبدد القيم وضياع الدين وإفساد المتدينين.
الهزة العنيفة التي تنضح من جوانب مختلفة في المجتمع المصري هذه الأيام، ومنذ انطلاق دينا وأكاديميتها تقول الكثير، لا عن دينا فقط، أو عن فكرة تعلّم الرقص الشرقي فقط، لكن عما جرى في المجتمع الذي كان حتى عقود قليلة مضت يعتبر راقصات مثل سامية جمال وتحية كاريوكا وسهير زكي ونجوى فؤاد وغيرهن فنانات جميلات، قدمن عروضاً فنية شيقة لمن يحب الرقص الشرقي، وأسهمن في مخزون مصر من القوى الناعمة عبر مئات الأفلام والأعمال الدرامية التي تعرض اليوم تحت مسمى "الزمن الجميل" أو "الفن الأصيل".
يوم الـ 17 من سبتمبر (أيلول) الماضي، استيقظ جانب من المصريين على أصوات هبد ورزع على منصات السوشيال ميديا. ترند "الرقاصة دينا" (حيث الرقاصة فيها تلميح بالإهانة أكثر من راقصة) وهاشتاغ "دينا معلمة الأجيال" وآلاف التدوينات والتغريدات، وسيل فياض من التعليقات جميعها مفعم بالغضب، ومتخم بالغيرة على الأخلاق، ومحذر من أن نهاية العالم اقتربت، تفجرت في وجوه جانب من المصريين ذلك الصباح.
الجانب الآخر من المصريين كان قد سهر الليل وضحى بساعات النوم والراحة، وغامر بساعات عمل اليوم التالي من أجل الغاية الكبرى والهدف الأسمى، ألا وهو نزع فتيل قنبلة الأكاديمية قبل انفجار "هزاتها" في وجه الأمة.
الخبر وتفاصيله هو أن الراقصة دينا أعلنت إطلاق أكاديمية فنية لتعليم أنواع الرقص المختلفة مثل الشرقي واللاتيني والأفريقي، إضافة إلى دورات وورش للتمثيل وكتابة السيناريو والعزف والغناء، وذلك على أيدي نخبة من المتخصصين وأساتذة الفنون المختلفة. وقالت دينا إن الأكاديمية تهدف إلى صقل المواهب الشابة، وتوفير ساحة تعليمية لتخريج جيل جديد من الفنانين المحترفين القادرين على المنافسة عربياً وعالمياً.
ولولا أن صاحبة الأكاديمية هي دينا، ولأنها راقصة، ولأن عبارة "الرقص الشرقي" جرى التركيز عليها بشكل واضح وصريح، لمر خبر افتتاح أكاديمية لتعلم الفنون ومن بينها الرقص الشرقي مرور الكرام. لكن ما حدث أن المرور كان أبعد ما يكون عن "الكرام".
مرور خبر الأكاديمية تفجر وتضخم وتعقد وأخذت كرة الثلج المكونة من جزيئات الرقص والفضيلة، ودينا والرذيلة، والدين ومعاول الهدم، والمتدينين والفاسقين تتدحرج، وتكتسب زخماً زاعقاً. وأضيفت إلى حمولتها جوانب سياسية لا تخلو من شبهات انتخابية، وأخرى اقتصادية وثالثة فنية ورابعة مجتمعية وخامسة جدلية، ولم تتوقف أو يحسم أمرها بعد.
رقص موثق وكذلك تدين
ما هو محسوم بالفعل هو توثيق الرقص على جدران معابد المصريين القدماء. مارس المصريون والمصريات القدماء الرقص للترفيه، ولأسباب دينية، وأخرى جنائزية، وكوسيلة علاجية للسيطرة على الغضب، وكشكل من أشكال الفنون والتمثيل وغيرها. وقتها لم يصدر كبير الكهنة قراراً بإعدام الراقصات، أو شعر المسؤولون بضرر داهم يتعرض له المجتمع، أو تغضب فئة المهنيين والحرفيين لأن قيم المجتمع في خطر، ولم ينتفض العمال والفلاحون خوفاً على بناتهم من الخطر الداهم.
وما هو محسوم أيضاً أن ضمن قوى مصر الناعمة في عصر فنونها الذهبي في أربعينيات وخمسينيات وستينيات وجزء من سبعينيات القرن الماضي كان الرقص الشرقي. وفي هذه العقود أيضاً، كانت الغالبية من المصريين تعتبره فناً وتستمتع بمشاهدته، وتصف الراقصات بـ"الفنانات".
وما هو محسوم كذلك أن المجتمع المنتفض اليوم بسبب "أكاديمية دينا" تغيّرت مفاهيمه، وتبدّلت أفكاره، وتحوّرت موازينه منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي. وصف ما جرى بدءاً من السبعينيات، وتوصيف آثاره الممتدة حتى اليوم كتب عنه الكثير. يقول الكاتب الصحافي محمود خليل في مقال عنوانه "الأخلاق وتدين السبعينيات" (2021)، إن "التدين الذي انطلق فوق أرض المحروسة في السبعينيات كان تديناً على مستوى المظهر أكثر من الجوهر. تدين السبعينيات كان لحية وجلباباً وسواكاً ومصحفاً صغيراً يوضع في الجيب. كان يصح أن تجد من بين أفراد هذا التيار من يتمثل الأخلاق في سلوكياته وتعاملاته، فالتعميم ظلم، لكن يبقى أن أغلب هؤلاء كانوا يبالغون في تبيان خلقهم القويم كنوع من الدعوة وكأداة لتجنيد المزيد من الأتباع داخل التيار".
ويعرض خليل وجهة نظره في الفرق بين التدين المنطلق من فهم حقيقي لجوهر الدين، وهو الذي ينعكس في تصرفات وأخلاق ومعاملات، وبين التدين المنطلق من مظاهر وجمود وتشدد وانغلاق من دون منطق أو وعي. ويخلص إلى أن "التدين الظاهري الذي انطلق في المجتمع المصري منذ السبعينيات وتواصل حتى الآن، بما صحبه من أخلاقيات مدفوعة بالغرض، كان من ضمن العوامل المفسرة لما أصاب قطاعاً من المصريين على هذا المستوى".
مستوى التدين على مقياس "ريختر" الشعبي المصري يجد علاقة طردية بين التدين، وبين الصلاة العلنية وترديد كلمات وعبارات مثل "جزاك الله خيراً" بدلاً من "شكراً"، و"الشكر لله" بدلاً من "عفواً" و"السلام عليكم" بدلاً من "صباح الخير" أو "آلو" "بالله عليك" بدلاً من "من فضلك"، إضافة بالطبع إلى "علامة الصلاة" أو "الزبيبة" (تلك البقعة الداكنة على جبهة الرجال دليل السجود الشديد ومن ثم الإيمان العميق) ومعها اللحية، والحجاب والنقاب للنساء، وحمل السبحة في كل مكان، ولصق صور الشيخ محمد متولي الشعراوي على المركبات، تحميل تطبيق الأذان على الهواتف المحمولة، والتبرع من أجل شراء مزيد من مكبرات الصوت لتزويد المساجد بها.
هذه العلاقة تكتمل وتنتعش لدى البعض عبر تقنية تقسيم دخول الجنة والالتحاق بالنار، كل بناء على فهمه ووعيه، وهي العلاقة التي تطورت من إطلاق الأحكام الشعبوية إلى تطبيق العقوبات الشعبوية أيضاً على "غير المتدينين" وذلك عبر محاكم السوشيال ميديا ومقاصلها المنصوبة 24/7. ويلاحظ في هذا السياق أن توجيه السباب والشتائم واللعنات لمن يتم الحكم عليه عنكبوتياً باعتباره "قليل" أو "منعدم التدين" لا يعد مناقضاً لأخلاق المتدينين، أو متصادماً مع صحيح الدين.
وربما يفسّر ذلك هذا الكم المذهل من الشتائم التي أثقلت بها تدوينات وتغريدات من أشخاص غيورين على الدين، وثائرين غضباً خوفاً على المجتمع من ضياع الأخلاق وتبدد القيم بسبب "أكاديمية دينا".
اللافت أن هذه الهبات القوية والفورات العنيفة التي تتفجر خوفاً على قيم المجتمع لا يسمع عنها أحد لدى وقوع حوادث إهمال قاتلة، أو فساد مميتة، أو نصب واحتيال مدمرة، أو تعرض فتيات ونساء للتحرش، أو حتى حوادث سير نتيجة ضرب عرض الحائط بالقوانين وحسابات المنطق للسلامة على الطريق.
حالة الغضب العارم التي تجتاح قاعدة عريضة من المصريين هذه الأيام بسبب "أكاديمية دينا" لم تحول دون وصول عدد مشاهدات فيديو الأكاديمية وحصصها الأولى إلى أرقام مليونية. صحيح أن المشاهدة كثيراً ما تعقبها وصلات الشتم والسب والمطالبة بالإغلاق، لكن المؤكد أن الغالبية تقوم بعملية المشاهدة حتى نهاية المقطع، وأحياناً تعيد وتزيد من مشاهدته، ربما بغرض التحقق والتيقن من المعلومات قبل كتابة التدوينات.
وعلى رغم أن تعليم الرقص الشرقي، وتخصيص أوقات لممارسته ضمن برامج "الأيروبيكس" في الكثير من النوادي والمراكز الرياضية، موجودان على نطاق واسع في مصر على مدار عقود، وعلى رغم أنه قلما يخلو حفل خطوبة أو زفاف مصري من عمليات رقص شرقي مكثفة من قبل العروسين وذويهما وأقاربهما وأصدقائهما، وبينهم المحجبات، فإن "أكاديمية دينا" أيقظت ما لم يوقظه كل ما سبق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
البرلمان ينتفض
ويكفي أن "أكاديمية دينا" وأثرها الذي يضرب يميناً ويساراً وصل إلى البرلمان الذي جرى الإعلان عن "تحركات فيه لمواجهة الكارثة". عضو مجلس النواب مي أسامة رشدي أعلنت قبل أيام إنها ستسارع بتقديم طلب إحاطة رسمي في دورة الانعقاد الجديدة هذا الشهر، وستوجهه إلى رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، وذلك للمطالبة بإغلاق الأكاديمية حفاظاً وحماية للأمن الأخلاقي.
الأمن الأخلاقي المعرض للخطر بسبب مدرسة الرقص، بحسب النائبة، ركيزة أساسية لاستقرار المجتمع وتماسكه. وهي ترى في خطوات اتخذتها دول عربية للتصدي بحزم لما وصفته بـ"محاولات استهداف قيمها الأصلية حفاظاً على وحدة نسيجها الاجتماعي" نموذجاً يحتذى، مشيرة إلى أن الجهود "العظيمة" التي بذلت في مصر في السنوات القليلة الماضية لترسيخ القيم الأخلاقية، عبر تكاتف المؤسسات التعليمية والتربوية والدينية، يجب الحفاظ عليها والبناء عليها، لا العكس.
ورأت نائبة الشعب في الإعلان عن إنشاء أكاديمية لتعليم الرقص الشرقي "في هذا التوقيت الحساس" محاولة تستهدف القيم المجتمعية، وتؤثر سلباً في النشء والشباب الذين يُعَدّون أمهات وآباء المستقبل.
ورأت النائبة في مدرسة تعليم الرقص ما من شأنه أن يعرض "وحدة القيم الأخلاقية التي تشكل ضمانة لاستقرار المجتمع للخطر"، معتبرة أن تباين القيم أو اختلالها الذي قد ينجم عن الأكاديمية ومثل هذه الأنشطة تؤدي إلى ضعف البنيان الاجتماعي وتفككه. وأسهبت في الحديث عن أهمية إعداد جيل واعٍ ومتمسك بالهوية الوطنية، وضرورة محاربة ما سمته بـ"مظاهر الإسفاف والانحدار الأخلاقي".
بعض الخبثاء تساءلوا عن عدم انتفاض النائبة غضباً وطلباً للاستجواب عقب مقتل 19 طفلة وفتاة على الطريق في موسم جني العنب في يونيو (حزيران) الماضي، وإذا ما كانت عمالة الأطفال، وتحميلهم في سيارات مخصصة لنقل البضائع، وتركهم في قبضة سائقين يضربون عرض الحائط بقوانين السير تعد أيضاً ضمن "مظاهر الإسفاف والانحدار الأخلاقي"، أو إذا ما كان تحرش مجموعة من الشباب بفتيات على طريق الواحات في أغسطس (آب) الماضي ما تسبب بحادث وإصابتهن يعد "سلوكيات دخيلة وثقافات وافدة تهدد الأولوية الوطنية" أيضاً، وهو ما طرح سؤالاً بلا إجابة معايير الأمن الأخلاقي.
من جهة أخرى، وعلى غير عادة ردود الفعل الشعبية التي جنحت على مدار العقد الماضي بعيداً من البرلمان، وأنشطته، واستجواباته، وقراراته، وكأنه لا يتحدث باسم الشعب أو يمثله، جاءت التعليقات مؤيدة ومثمنة للنائبة.
أما القلة القليلة من المندهشين من هذه الهبة الشعبية والغضبة البرلمانية تجاه "أكاديمية دينا"، تساءلت عبر تعليقات ساخرة على السوشيال ميديا عن رأي النائبة في تراث تحية كاريوكا وسامية جمال ونعيمة عاكف وغيرهن، وإن كان "الأمن الأخلاقي" يستوجب إحراق هذا التراث، أم أنه يمكن التغاضي عنه على سبيل الاستثناء.
من جهته، وصف الناقد الفني طارق الشناوي في تصريحات تلفزيونية أن مطالب إغلاق "أكاديمية دينا" نابعة مما وصفه بـ"نظرة رجعية وعنيفة ضد الفن بشكل عام، لكن يستحوذ الرقص على النصيب الأكبر من الاستهجان". مشيراً إلى أن المجتمع المصري بات ينظر إلى الإبداع والفن رؤية عنيفة متشددة.
وعلى رغم أن الشناوي يقول إن هذه الرؤية العنيفة والمتشددة ليست متمددة في المجتمع المصري كله، وإنها جزء من الصوت العالي في مواقع السوشيال ميديا"، إلا أن حديث الشارع يعكس رفضاً، ونبض البيوت ينضح بالغضب، إلا قليلاً.
المشكلة في البدل
الغريب أن الفنانة مديحة حمدي، وهي من أوائل الفنانات المصريات اللاتي ارتدين الحجاب (1992) والتزمن به واشتهرت بتقديم الأعمال الدينية، قالت تعليقاً على "أكاديمية دينا" أن الرقص فن موجود في مصر منذ عصور المصريين القدماء، وموثق على جدران المعابد. واعتبرت أن المشكلة تكمن في "بدل الرقص" لا الرقص نفسه. مضيفة أن "بدل الرقص" لم تكن مشكلة "أيام مدام تحية كاريوكا أو مدام سامية جمال"، معتبرة أن البدل الحديثة أكثر كشفاً للجسد.
وبعيداً من أن بدل "مدام سامية جمال" و"مدام تحية كاريوكا" لا تختلف كثيراً عن البدل الحالية، (ربما الاختلاف الوحيد يكمن في شيوع عمليات التجميل من تكبير ونحت وغيرهما)، إلا أن ما قالته حمدي دفاعاً عن فكرة أكاديمية لتعليم الرقص، فتح عليها أبواب جهنم.
وبدلاً من أن تركز جيوش الفضيلة جهدها ووقتها لصب الغضب على "أكاديمية دينا"، وجهوا سهامهم وصوبوا اتهاماتهم على "مدام حمدية" كذلك، مطالبين إياها بالتراجع عما قالت، واحترام الحجاب الذي ترتديه.
في تلك الأثناء، كانت بقية المصريين تمضي قدماً في تصفح السوشيال ميديا كعادتها، حيث فيديوهات الرقص في الأفراح، ومقاطع الرقص في حفلات عيد الميلاد، وصور الرقص في حفلات التخرج تفرض نفسها فرضاً بين تدوينة وتغريدة وأخرى، تعقبها مقاطع لدعاة وأخرى لأشخاص نصبوا أنفسهم واعظين وناصحين يصبون الغضب على الراقصين والراقصات، مطالبين المتابعين والمتابعات بمقاطعتهم والمشاركة في صب اللعنات عليهم. الغريب أن كلا المحتويين يحظى بمشاهدات مليونية ومتابعات تضمن طول البقاء.