ملخص
"حماس" التي أرادت بهجومها فك الحصار عن قطاع غزة و"قلب الطاولة على الجميع"، أصبحت منبوذة من دول العالم الذي يصر على استبعادها من المعادلة السياسية الفلسطينية وإخراجها من الحكم ونزع سلاحها.
قال سويلم إن "حماس" كانت "تدرك عدم قدرتها على تغيير الموازين لمصلحتها، لكنها كانت تريد قلب الطاولة، وقد نجحت في خلط الأوراق بالفعل".
وفق بعضهم، شكل الهجوم "مفصلاً تاريخياً غير مسبوق في تاريخ الصراع العربي - الإسرائيلي، وأسس لآفاق جديدة لمصلحة الفلسطينيين بصرف النظر عن الخسائر الفلسطينية".
جاءت نتائج هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) قبل عامين عكس ما خططت له حركة "حماس". فما أرادته "تصحيحاً لمسيرة الشعب الفلسطيني ووضع حد للتمادي الإسرائيلي" أدى إلى حرب إبادة جماعية في قطاع غزة وإطلاق يد إسرائيل في المنطقة لتطاول إيران وكل وكلائها.
ومع أن الهجوم غير المسبوق في تاريخ إسرائيل كان يهدف إلى "وقف الاحتلال وتنكّره للقوانين والقرارات الدولية والقصف شبه اليومي في سوريا والعراق"، إلا أنه تحول إلى مبرر لاستباحة إسرائيل سبع دول عربية وتوجيه ضربة قاصمة لإيران ووكلائها.
عزلة دولية
في ذلك اليوم قبل عامين، اعتبر قائد الجناح العسكري لـ"كتائب عز الدين القسام" محمد الضيف (اغتالته إسرائيل لاحقاً) خلال إعلانه عن "طوفان الأقصى" أن الهجوم يشكل "استعادة شعبنا لثورته ويصحح مسيرته ويعود لمشروع التحرير والعودة وإقامة الدولة بالدم والشهادة".
ومع أن الهجوم تسبب في شن إسرائيل أطول وأشرس حرب في تاريخها قتل خلالها أكثر من 65 ألف فلسطيني، لكنها وضعت بسبب "الإبادة الجماعية" تل أبيب في عزلة دولية غير مسبوقة، أعقبتها موجة اعترافات بدولة فلسطين حتى من أقرب حلفائها التاريخيين.
لكن محللين يعتبرون أن تلك العزلة وموجة الاعترافات كان من الممكن الحصول عليهما من دون قيام "حماس" بذلك الهجوم، إذ فشلت بتحقيق أهدافه المعلنة منه، ذلك أن الحكومة الإسرائيلية الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل كانت تقود البلاد إلى عزلة دولية "بسبب سياساتها العنصرية ضد الفلسطينيين".
كما أن "حماس" التي أرادت بهجومها فك الحصار عن قطاع غزة و"قلب الطاولة على الجميع"، أصبحت منبوذة من دول العالم الذي يصر على استبعادها من المعادلة السياسية الفلسطينية وإخراجها من الحكم ونزع سلاحها.
وإثر ذلك تعرض الشعب الفلسطيني في قطاع غزة لنكبة اعتبرت أقسى من نكبة عام 1948، فنزح أكثر من مليونين منهم من منازلهم من أصل 2.2، ولمعاناة غير مسبوقة وصلت إلى حد المجاعة وتحولهم لـ"شعب خيام".
نتائج عكسية
ويرى الوزير الفلسطيني السابق نبيل عمرو أن الخسائر البشرية عند الفلسطينيين "كان من المفترض على حركة ’حماس‘ أن تأخذها في الحسبان حين خططت ونفذت هجوم السابع من أكتوبر، مما لم تقُم به".
وبحسب عمرو فإن "النتائج السياسية للهجوم جاءت كلها ضد ما كانت تنادي به ’حماس‘، إذ إن ما يجري الآن هو فتح مسار سياسي ينطلق من بقايا أوسلو، وحل سياسي من النوع الذي كانت ترفضه الحركة".
"البدايات قد ترسمها المؤشرات، لكن النهايات تقطع بالنتائج الحقيقية، وهي لم تكُن في مصلحة الفلسطينيين ولا حتى حركة ’حماس‘"، تابع عمرو.
وعن وضع محور إيران وحلفائها في المنطقة، أشار عمرو إلى أنه "خسر ليس فقط القادة والأفراد والمعدات، لكنه فقد ساحات بكاملها، كالساحة السورية التي كانت ضمانة لكل ساحاته من الناحية الاستراتيجية".
ويأتي ذلك "حتى مع محاولة طهران التبرؤ من الهجوم مع إبداء الاستعداد للتضامن مع حركة ’حماس‘، لكنها لم تشارك في الحرب إلا عندما قصفتها إسرائيل في يونيو (حزيران) الماضي"، بحسب عمرو.
وأوضح أن "’حزب الله‘ مع أنه انضم إلى معركة الإسناد لكنه لم ينضم فعلياً إلى الحرب كما كانت تسعى إليه حركة ’حماس‘، فهناك فرق بين الإسناد والشراكة".
ونفى عمرو القول إن الهجوم أوقف السلام بين إسرائيل والدول العربية، "فذلك كان متعطلاً قبل الهجوم بسبب ربط السعودية بين ذلك وإقامة دولة فلسطينية، مما رفضته إسرائيل حينها".
"حرب إبادة"
وعن عزلة إسرائيل الدولية، أشار عمرو إلى أن ذلك يأتي "بسبب إفراطها في استخدام القوة، وتحول الرد على الهجوم إلى حرب إبادة، ومحاولة إبادة شعب كامل وإنهاء القضية".
وأضاف أن رد الفعل الدولي "لم يأتِ تضامناً مع ’حماس‘ لأن الجميع من دول عربية وأوروبية يطالب حالياً باستبعاد ’حماس‘ من العمل الفلسطيني، أو التزامها برنامج ’منظمة التحرير‘، مما لم يعُد شرط الرئيس الفلسطيني محمود عباس وحده وإنما بات مطلباً عربياً ودولياً".
لكن الباحث في الدراسات الإقليمية في جامعة القدس عبدالمجيد سويلم يرى أن حركة "حماس" قامت بهجوم الـسابع من أكتوبر "لقلب الطاولة في الإقليم مع حكومة يمينية متطرفة قررت حسم الصراع وليس إدارته، حتى إنها كانت تخطط للقضاء على حركة ’حماس‘ و’حزب الله‘".
ووفق سويلم، فإن "حماس" كانت قبل الهجوم "سلطة محاصرة بشروط إسرائيلية قاسية في قطاع غزة، وقد تنتهي كحركة مقاومة، ولذلك فإنها قررت التخطيط للهجوم وتنفيذه".
وأشار إلى أن الهجوم "أقدمت عليه ’حماس‘ بوعي تخطيط وقدرة كبيرة على الخداع الاستراتيجي، وشكل زلزالاً في المنطقة، وكانت تعرف النتائج التي يفترض أن تحققها".
وبحسب سويلم، فإن الهجوم شكل "مفصلاً تاريخياً غير مسبوق في تاريخ الصراع العربي - الإسرائيلي، وأسس لآفاق جديدة لمصلحة الفلسطينيين بصرف النظر عن الخسائر الفلسطينية".
وقال إن "حماس" كانت "تدرك عدم قدرتها على تغيير الموازين لمصلحتها، لكنها كانت تريد قلب الطاولة، ونجحت في خلط الأوراق بالفعل".
ولم يأتِ قرار التخطيط ثم تنفيذ الهجوم كما يرى سويلم إلا بعد إبعاد زعيم حركة "حماس" يحيى السنوار كل المعارضين في الحركة وسيطرته عليها.
لكنه استدرك أن الحركة لم تتوقع أن "تخوض إسرائيل أطول حرب في تاريخها وهي صاحبة نظرية الحروب الخاطفة، ولم يكُن أحد يتوقع ذلك".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"نكبة ثانية"
ومع ذلك فإن سويلم أشار إلى أن الهجوم "ضرب المشروع الصهيوني بعمق، وقضى على فكرة إسرائيل الكبرى".
ونفى نجاح إسرائيل في حسم أي ملف لا في قطاع غزة أو لبنان أو حتى إيران، "هي تحاول أن تحسم باستخدام سلاح استخباراتها وطائراتها".
ويرى المحلل السياسي أكرم الله عطا الله أن حركة "حماس" أخفقت في تحقيق أي من الأهداف التي وضعتها لهجوم السابع من أكتوبر، فالمسجد الأقصى أصبح أكثر استباحة من المستوطنين والأسرى في السجون الإسرائيلية تضاعف عددهم وساء وضعهم، والاستيطان إلى توسع.
ومع أن حركة "حماس" تحاول تصوير أن الاعترافات الدولية من إنجازات الهجوم، إلا أن عطا الله اعتبر أن الحركة "لم تكُن مضطرة إلى التسبب في تدمير قطاع غزة بهذه الصورة مقابل الحصول على الاعترافات الدولية، فإسرائيل كانت في كل الظروف تسير عكس العالم، الأمر فقط كان مجرد وقت منذ انتخاب الحكومة الحالية".
وأضاف عطا الله أن الأمر كان "بحاجة إلى وقت قبل أن تتكشف حقيقتها العنصرية أمام العالم، وتصبح بالتالي إسرائيل معزولة".
"ليس من حق ’حماس‘ التباهي بالهجوم، فما حصل نكبة ثانية للشعب الفلسطيني، والمحور الإيراني جرى إضعافه بشدة وبدلاً من أن يهدد إسرائيل أصبح يشكو منها"، قال عطا الله.
ويعرب الباحث في الشؤون الإسرائيلية سليم بريك عن اعتقاده بأن الحركة "أخطأت في كل حساباتها عند تنفيذ هجوم الـسابع من أكتوبر، فهي لم تتوقع رد فعل إسرائيل، وكانت تعوّل على مشاركة إيران و’حزب الله‘ إلى جانبها".
وأوضح أن الحرب أدت إلى القضاء بصورة كبيرة على حركة "حماس"، والآن خطة ترمب تسعى إلى تدميرها نهائياً.