ملخص
إعلام المصريين التقليدي من صحف ومواقع وقنوات تلفزيونية وإذاعية يجد نفسه هو الآخر في خانة تتأرجح بين تقرير المصير، وتصحيح المسار، والاختيار بين نقيضين: إما العودة للأخذ بزمام أمور الإخبار والتحليل، وتبني قضايا الصالح العام، والضغط على المسؤولين، وتوعية المواطنين، أو الاستمرار في الانزواء بعيداً من ساحة تشكيل الرأي العام والاكتفاء بما تجود به الـ"سوشيال ميديا" من فائض في التريند وما يزيد على حاجتها في "شاهد قبل الحذف"
عبارات تدغدغ مشاعر المواطنين المصريين، وتصريحات تدق على أوتار رغباتهم المكبوتة. يخبرونهم أن "المعرفة حق أصيل"، وأن "المواطن سيد المشهد"، وأن "طلباتهم أوامر"، ويؤكدون لهم أن مهمة المسؤول تحقيق مطالبهم، ورفع مظالمهم، ومصارحتهم بالحقائق وإخبارهم بالتطورات، وأن دور الإعلام هو تجسير الطريق بين المسؤولين والمواطنين. هؤلاء يخبرون أولئك بما يجري، ويصارحونهم بحقيقة الأوضاع مهما كانت، وأولئك يتلقون المعرفة والأخبار، وحين يطلبون المزيد أو التوضيح أو التفنيد، يتاح لهم ما يطلبون، من دون قيد أو شرط.
يمتلئ الأثير المصري بكلام عن حق المواطن في المعرفة، وينص الدستور على هذا الحق. المادة 68 من الدستور تنص على أن "المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية ملك للشعب، والإفصاح عنها من مصادرها المختلفة، حق تكفله الدولة لكل مواطن، وتلتزم الدولة بتوفيرها وإتاحتها للمواطنين بشفافية". وتنظم القوانين ضوابط الحصول عليها وإتاحتها وسريتها، وقواعد إيداعها وحفظها، والتظلم من رفض إعطائها. كما يحدد عقوبة حجب المعلومات أو إعطاء معلومات مغلوطة عمداً.
حق الوصول إلى المعلومات إذاً مكفول دستورياً للمصريين وقانوناً للمصريين. ليس هذا فحسب، بل تلتزم الدولة بتمكين المواطنين من الحصول على المعلومات والوثائق وغيرها، طالما لا يؤثر ذلك في الأمن القومي. وبين كل ما سبق من حقوق منصوص عليها من جهة، وما يتوقعه المواطن من جهة ثانية، وتصور البعض عن كيفية التعامل مع هذه الحقوق أو ترويضها أو تخفيفها أو تأجيلها أو تجميلها من جهة ثالثة فجوات يبدو أنها عميقة.
عمق أثر ما قاله وزير السياحة والآثار المصري شريف فتحي قبل أيام في لقاء تلفزيوني تعليقاً على واقعة سرقة سوار ذهبي تاريخي يعود إلى عهد الملك أمنموؤوبي فرعون الأسرة الـ21 (1070 - 945 ق. م) من المتحف المصري في ميدان التحرير (وسط القاهرة) قبل أيام، ثم صدمة صهره في ورشة للمشغولات الذهبية للاستفادة من ثمنه ألقى ضوءاً على مسألة حق المواطنين في الوصول إلى المعلومات ومعرفة ما يجري من أحداث وحوادث.
حادث اختفاء السوار التاريخي من المتحف في وسط القاهرة بدأ بغموض، ومر بضبابية، وانتهى بصدمة. غموض الإعلان عن اختفائه بدأ أثناء تجهيز عدد من القطع التي كان من المقرر أن تشارك في معرض "كنوز الفراعنة" الذي يقام في إيطاليا في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، ويستمر نحو ستة أشهر، وكان السوار المختفي ضمن 130 قطعة نادرة يجري تجهيزها.
عرف الخبر طريقه إلى وسائل الإعلام من دون كثير من التفاصيل عمن اكتشف اختفاءه، أو الخطوات الرسمية التي جرى اتخاذها. بعدها، صدر بيان من وزارة الداخلية المصرية يفيد بأن اختصاصية ترميم في المتحف سرقت السوار، وأنها تواصلت مع صاحب محل مشغولات فضية في حي السيدة زينب (جنوب القاهرة)، الذي تواصل بدوره مع صاحب ورشة مشغولات ذهبية في حي الصاغة (غرب القاهرة) وبيع السوار التاريخي بمبلغ بخس، وهنا انتهى الجزء الخاص بتعقب السوار لإعادته، إذ لم يعد موجوداً، وتبقى الشق الجنائي لمعاقبة الجناة.
إهمال وحسرة وانتظار النسيان
وبين مشاعر شعبية عارمة من الغضب لهذا الإهمال، والحسرة من منطلق أن المرممة التي يفترض أنها أكثر من يدري بقيمة القطع الأثرية وأهميتها على هذا القدر من الجهل و"الخيانة" لصميم عملها، والغضب لضعف الإجراءات الأمنية، كان الحادث ينتظر مرور الوقت كالعادة لتهدأ نيران الغضب وتخفت مشاعر الحسرة، لولا مداخلة هاتفية لوزير السياحة شريف فتحي في برنامج تلفزيوني وقوله ضمن شرح ملابسات ما جرى، إنه بمجرد اكتشاف اختفاء القطعة، جرى تشكيل لجنة، وإبلاغ الشرطة، وإنه "طلب" منه "تأخير إصدار بيان رسمي لضمان حسن سير التحقيقات، لكن حدث التسريب. والحقيقة، من عمل التسريب الله يسامحه، أضر، ولم يُفد، لأنه خلق البلبلة الموجودة".
حجب بعض الأخبار أو الحوادث عن الإعلام في عديد من الدول، وفرض سياج من السرية حولها يحدث أحياناً. تطلب الشرطة السرية لعدم التأثير أو إلحاق الضرر بالتحقيقات، تلتزم (أو لا تلتزم بحسب القوانين) وسائل الإعلام، يثار نقاش ساخن بين حق الإعلام في الحصول على المعلومات وإتاحتها من ثم للجمهور، وحق الشرطة (أو جهات أخرى في الدولة في طلب السرية مراعاة لعوامل مثل الأمن القومي أو سلامة أطراف أو غيرها). وعادةً تتجادل الأطراف الثلاثة الواقفة على جبهتين: الأولى الدولة وأجهزتها سعياً وراء السرية، أو حجب أو تأجيل إعلان أو الإفصاح عن معلومة أو خبر لأسباب شتى، والثانية الإعلام والجمهور الباحثون دائماً وأبداً عن الإعلان والإفصاح عاجلاً لا آجلاً.
"منه لله"، وفي قول آخر "الله يسامحه" من سرب خبر اختفاء السوار الذهبي فتح باب "الحق في المعرفة" و"توقيت المعرفة"، و"مصدر المعرفة"، وهو باب ظن كثر في مصر إنه أغلق لأجل غير مسمى لأسباب شتى تراوح ما بين أثقال مشكلات حياتية يومية أبرزها الاقتصاد، وأولويات قضايا أمنية وسياسية أهمها ملف غزة، وسعة استيعابية لأدمغة مواطنين لم يعد فيها متسع للحقوق المعنوية والواجبات المعرفية.
ويبدو أن الحقوق المعنوية والواجبات المعرفية أثبتت أنها وثيقة الصلة في حق المواطن في المعرفة، ولو كان سواراً ذهبياً اختفى من متحف، أو زيادة جديدة تلوح في أفق شريحة كهرباء أو فاتورة غاز ووقود، أو سعر تذكرة باص وقطار، أو تحرك في ملف سياسات خارجية أو تغيير في ملمح إجراءات داخلية.
وحتى القواعد الشعبية من المصريين الذين يعتقدون أنهم في غنى عن معرفة مصير السوار بحكم أنه مسألة لا تعنيهم، أو أنهم لم يعودوا متشوقين لمعرفة توقيت زيادات الخدمات والفواتير، من منطلق أن وقوع البلاء أهون من انتظاره، يعودون تدريجاً هذه الأيام للسؤال عن: من سرق الأسورة؟ ومن صهرها؟ ومتى تزيد الأسعار؟ ولماذا تزيد؟ وما هو الوضع عند الحدود بين مصر وغزة؟ وكيف استعدت مصر لسيناريوهات عدة؟ وما وضع نصيب المصري من المياه في ضوء اكتمال بناء سد إثيوبيا وبدء التشغيل؟
السوشيال ميديا لم تعد مُشبعة
العودة الشعبية لطرح مثل هذه الأسئلة، فتح أبواب النقاش والجدل بحثاً عن الحق في المعرفة، يعني بصورة غير مباشرة أن السوشيال ميديا، على رغم وفرتها وتخمتها وفورتها وثورتها، تقف عاجزة أمام تقديم إجابات منطقية وردود واقعية وحقيقية لما يشغل بال المصريين. بمعنى آخر، لم يعد محتوى السوشيال ميديا مشبعاً حين يتعلق الأمر بحدث جلل أو قرار مصيري.
إعلام المصريين التقليدي من صحف ومواقع وقنوات تلفزيونية وإذاعية يجد نفسه هو الآخر في خانة تتأرجح بين تقرير المصير، وتصحيح المسار، والاختيار بين نقيضين: إما العودة للأخذ بزمام أمور الإخبار والتحليل، وتبني قضايا الصالح العام، والضغط على المسؤولين، وتوعية المواطنين، أو الاستمرار في الانزواء بعيداً من ساحة تشكيل الرأي العام والاكتفاء بما تجود به الـ"سوشيال ميديا" من فائض في التريند وما يزيد على حاجتها في "شاهد قبل الحذف".
الأعوام القليلة الماضية شهدت كثيراً من التغيرات والتحولات في المشهد الإعلامي، بين مراحل انتقالية سياسية محورية، وأوضاع أمنية خطرة، وتأثرات بتصدعات عالمية في معنى ومكانة وقيمة ودور الإعلام التقليدي، وتوغل وتغول الـ"سوشيال ميديا" لاعباً رئيساً في إخبار وإعلام وتشكيل وعي ورأي عام المواطن، إضافة إلى تجارب ومشروعات ومبادرات، صنفها البعض "ضرورية"، واعتبرها البعض الآخر غير موفقة أو غير صائبة أو غير واقعية، وحالياً محاولات لإعادة بناء، وعودة حياة، وترميم جسور ثقة تهدمت.
في ورشة تدريبية ضمت العاملين في مكاتب إعلامية حكومية، شكا المتدربون من أن البيانات التي يصدرونها بعد التوثيق الرسمي والتحقق الحكومي تقابل بتعليقات مشككة في صدقيتها، ومشاركات للبيانات على صفحات بعض المستخدمين واصفة إياها بـ"التمويه" أو "الكذب" أو "الإخفاء" أو غيرها من مفردات لا تعني إلا انعدام الثقة.
وزير السياحة اعتبر من "سرب خبر" سرقة السوار جدير بعبارة "منه لله". تقارير صحافية وتلفزيونية تتطرق بين الحين والآخر لزيادات في أسعار الوقود والكهرباء والغاز، مستخدمة كلمات مثل "ترقب" أو "توقع" أو "تكهن".
في الوقت نفسه يتابع المصريون أخبار لقاءات رسمية لـ"وضع خريطة طريق للإعلام"، واجتماعات على أعلى مستوى لوضع "خطة لتطوير ماسبيرو"، وندوات موسعة لشرح تصور الدولة للمشهد الإعلامي ودوره ومكانته.
وتزامناً مع هذا وذاك، وعلى رغم عدم تزحزح مكانة الـ"سوشيال ميديا" مصدراً رئيساً (وإن غير موثق) للأخبار، ومنصة قوية (لكن لا يعتد بنتائجها) لصناعة وتوجيه الرأي العام، تظهر أمارات وبشائر بحث شعبية عن الإعلام التقليدي، ودوره المفتقد، ومكانته التي تعرضت لأضرار بالغة، سواء لفقدان الثقة الشعبية فيه، أو لضبابية طبيعة دوره في نظر المسؤولين.
مأزق الإعلام
لخص الكاتب الصحافي علاء الغطريفي "مأزق الإعلام، وما يجب أن يكون" في مقال حمل هذا العنوان (في أغسطس 2025). قال إن "الإعلام المصري ظل سنوات أسيراً لرؤية أحادية ترتبط بتصور عن تثبيت الدولة، ثم الحفاظ على الاستقرار، على رغم أن الإعلام الحر المستنير المسؤول يلعب دوراً أساساً في تلك الأمور". معتقداً أن تلك السنوات أنتجت إعلاماً "يسير على قدم واحدة، فنضب معينه وتراجعت قدراته وتزعزعت علاقته بالناس"، واضعاً يده على فجوات معرفية حول الإعلام وفيه، واصفاً ذلك بـ"الأمية الإعلامية" لا المعرفية، مع وجود استثناءات تتمتع بمهارات وعلى علم واسع بمتطلبات العصر، سواء التقنية أو المعرفية.
وانتهى إلى أنه لم يتم رسم حدود فاصلة في البيئة الإعلامية بعد، وأن "غياب الفهم" وصل إلى أن الحكومة التي يجب أن يراقبها الإعلام هي التي تضع سياسة إعلامية جديدة. مضيفاً أن مهمة الحكومة ليس وضع خريطة طريق للإعلام، لأن الإعلام يفترض أن يكون عين الناس على أداء السلطات العامة، وأن على الحكومة الواعية أن تدرك معنى ذلك!
تعليقات وتصريحات البعض من المسؤولين التي تتضمن لوماً أو عتاباً على الإعلام، لأنه "انتقد" أو "أثار" أو "حذر" أو "عارض" سياسة هنا أو إجراءً هناك تعني أن دور الإعلام ليس واضحاً، وأن فكرة "الإعلام الصديق للحكومة" أو "المعادي لها" تحتاج إلى مراجعة.
اللافت أن مسؤولين أو وزراء حين يصبحون "سابقين" يطلون بحلول وآراء ومواقف أقل ما يمكن أن توصف به هو الشجاعة والجرأة والابتكار، ناهيك بإطلاق العنان للانتقاد الصحي للأوضاع والأحوال، وهي الأوضاع التي كانت موجودة في أثناء تقلدهم مناصبهم.
على سبيل المثال لا الحصر، في بودكاست "الحل إيه؟" (يناير 2025) - ضمن مشروع "حلول" البحثي في الجامعة الأميركية بالقاهرة، وتقدمه أستاذة العلوم السياسية رباب المهدي، تحدث وزير الإعلام السابق والكاتب الصحافي أسامة هيكل عن التغيرات اللحظية، التي لا تنتهج نموذجاً أو رؤية بعينها، لذا لا تكتب لها الاستدامة، وعن أسباب عدم تعبير الإعلام بصورة حقيقية عن جموع المصريين، ومدى تأثير وتأثر المشهد الإعلامي والحريات بالمناخ السياسي، وحاجة الوضع الراهن بأزماته الإقليمية الضخمة وسقوط عديد من دول المنطقة وتفتت جيوشها وتربص إسرائيل إلى تعامل سياسي وإعلامي مختلف. كما تحدث عن الحاجة إلى "تعلية سقف حرية الرأي" لأن "السقف الحالي واطي (منخفض) قوي (جداً) ومحتاجين نعلي (نرفع) السقف".
تعلية السقف أو خفضه تحايل عليها المصريون على مدار نحو عقد ونصف العقد عبر الارتماء في أحضان الـ"سوشيال ميديا" بكل ما تنضح به من صالح مختلط بالطالح، لكن لذة الانغماس لا تدوم، وشهوة الوفرة سرعان ما تنضب، ويحل محلها البحث عن خبر يؤكد أو ينفي زيادة في الأسعار، والسعي وراء حقائق عن سرقات أو إخفاقات أو توجهات تمس تفاصيل الحياة سلباً أو إيجاباً، وهو ما لا يتوافر إلا في الإعلام التقليدي، أو هكذا يفترض.
على رغم كل شيء
على رغم مصاعب الإعلام المصري التقليدي في مصر في السنوات الأخيرة، وعلى رغم الانصراف الجماعي صوب الـ"سوشيال ميديا"، وعلى رغم جهود الإصلاح ومحاولات التحديث ومبادرات التنشيط التي يسود شعور بأن النجاح جانبها، أو في الأقل جانب بعضها، إلا أن شوقاً شعبياً تجاهه يلوح في الأفق.
هذا الشوق يمثل فرصة ذهبية للإعلام ليستعيد رونقه، ويسترد مكانته، لكن الفرصة يراها البعض تتعرض مجدداً للإهدار. ويلفت أستاذ الإعلام في جامعة حلوان محمد فتحي إلى زاوية أخرى في المعضلة الإعلامية الحالية، إذ يصف ما يجري في المشهد الإعلامي الحالي بـ"العبث الذي يحتاج إلى شخص رشيد يفيق القائمين على الإعلام ممن يحاولون اللعب في (سوفت وير) المواطن المصري البسيط"، قاصداً التركيز على موضوعات ساخنة ومثيرة، ومعتبراً ما يقدمه عديد من برامج الـ"توك شو" مجرد بحث عن الإثارة، بدلاً من تقديم المعلومة وصناعة الوعي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار فتحي إلى أن الكثيرين من الموهوبين في المجال الإعلامي "في بيوتهم" (أي لا يعملون)، بينما يتم تخصيص برامج لـ"تيك توكرز". ضارباً أمثلة دالة على غياب دور الإعلام في الإخبار والتوعية والضغط على متخذي القرار تمثل في حادثة وفاة ابنة عاملة في مصنع بالإسكندرية، وهي رضيعة عمرها أربعة أشهر، وذلك بعد ما أصيبت بميكروب، وتطلبت حالتها رعاية الأم لها في البيت، لكن إدارة المصنع رفضت حصولها على إجازة، مما أدى إلى وفاة الصغيرة، معتبراً أن مثل هذه الحادثة المؤسفة كان يتطلب عملاً إعلامياً وصحافياً مكثفاً يلفت الانتباه إلى بيئة العمل الكارثية، وحقوق العمال، وما نجم عن الحادث من احتجاجات عمالية، وغيرها، "إلا أن الإعلام الرسمي وغير الرسمي تغاضى عن المسألة، ولم ينشر سوى الحادث، وبعده تفاصيل التسوية الودية وصرف تعويض للعاملة".
وعبر محمد فتحي عن تعجبه من أن تصدر وزارة العمل بياناً عن الواقعة، وينشره مجلس الوزراء، بينما يظل الإعلام بعيداً من دوره التوعوي والضاغط من أجل حقوق العمال وضمان عدم تكرار مثل هذا الأمر، داعياً دوائر صنع القرار للالتفات إلى الوضع الحالي الذي وصفه بـ"الخطر"، "فبدلاً من إعلام موثوق فيه يتحدث عنهم ولهم، يتم التلاعب بالعقول، وصياغة وعي زائف تتحكم فيه خوارزميات لا نعلم عنها شيئاً.
التحديات الإعلامية كثيرة، وتعامل المسؤولين مع الإعلام وتوقعاتهم منه عديدة، ومتطلبات المواطنين وأمنياتهم في الإعلام لا تُعد أو تُحصى، والجهود التي تبذلها هيئات أنشأتها الدولة لتنظيم أو تطوير أو تحديث الإعلام وفيرة، لكن تبقى مشكلة رئيسة ألا وهي أن كلاً في وادٍ. المواطن يهفو لمعرفة خبر يقيني، والمسؤول ينتابه شعور بين الحين والآخر أن الخبر سري، والإعلام يتعامل مع كليهما بـ"الشوكة والسكينة" (بحرص زائد حتى لا يفقد متابعة هذا أو يخسر ثقة ذاك). وتبقى المنطقة، التي يفترض أن يلتقي فيها الجميع، حيث الخبر اليقيني والتحليل الموثق والضغط على صانعي القرار من أجل الصالح العام وتوعية الرأي العام من أجل مجتمع مستنير، ضبابية.