Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عين تطل على الخسارة... هاريس تلوم بايدن والزمن

ثقتها المطلقة في النصر لا تكاد تصدق ومشاهدة هذه الثقة مكتوبة تصيب المرء بارتباك إذ يبدو كتابها "107 أيام" أشبه بسير الرؤساء

تحاول هاريس تبرئة نفسها من خطأ السماح لبايدن بالاستمرار في الحكم والترشح لولاية ثانية رغم ضعفه (اندبندنت عربية)

ملخص

العنوان يشير إلى فترة حملة هاريس الانتخابية. ومعروف أن أي رئيس أميركي يوشك أن يخصص السنتين الأخيرتين من ولايته الأولى للترتيب للولاية الثانية، وإذن فقد كانت 107 أيام فترة قصيرة حقاً حرصت هاريس أن تبرزها باعتبارها سبب خسارتها الأساس.

يوصف بـ"البطة العرجاء" في السياسة الأميركية إذ يكون في آخر أيامه بالبيت الأبيض، بينما انتخب الشعب مرشحاً آخر لا يفصله عن المكتب البيضاوي غير أسابيع، فيكون للولايات المتحدة الرئيس المنتهية ولايته والرئيس المنتخب. غير أن مصطلح البطة العرجاء، أو الرئيس المنتهي الولاية، ربما انطبق على جو بايدن لفترة أطول من ذلك بكثير. فقد بدأ الرجل يترنح بثقل من عمره واعتلال حالته الصحية لفترة طويلة، تراجعت فيها نسب تأييده وحظوظه في الفوز بولاية أخرى، حتى انسحب في نهاية المطاف دافعاً بنائبته كامالا هاريس إلى سباق انتخابي منيت فيه بالفشل. وأخيراً حكت هاريس حكاية هذه الخسارة في كتاب صدر بعنوان "مئة وسبعة أيام".

والعنوان يشير إلى فترة حملة هاريس الانتخابية. ومعروف أن أي رئيس أميركي يوشك أن يخصص السنتين الأخيرتين من ولايته الأولى للترتيب للولاية الثانية، وإذن فقد كانت 107 أيام فترة قصيرة حقاً حرصت هاريس أن تبرزها باعتبارها سبب خسارتها الأساس.

بدأت حكاية هاريس مع حلم البيت الأبيض باتصال تلقته من بايدن أخبرها فيه بانسحابه من السباق الرئاسي قائلاً إنه سيعلن قراره بعد دقائق. كان ذلك، مثلما كتبت جينيفر سالاي في استعراضها للكتاب ["نيويورك تايمز" - 18 سبتمبر (أيلول) 2025] "في عصر يوم أحد في أواخر يوليو (تموز) ولم ينقض بعد شهر على أداء بايدن الضعيف في مناظرته مع ترمب. ظل بايدن يقاوم مطالباته بالانسحاب لأكثر من ثلاثة أسابيع، فتصورت هاريس أنه سيستمر في ذلك. لكنه أصيب بفيروس كورونا في النهاية فتلقت الاتصال".

"حارت هاريس في أول الأمر من تحول بايدن المفاجئ، ومن تصميمه على المسارعة بالإعلان ففكرت أن تقول له: أمهلني قليلاً من الوقت، إذ كانت ترتدي ثياباً رياضية، وقد قدمت للتو بعض الفطائر لحفيدات أختها. لكنها شعرت أيضاً أنها مستعدة، إذ كتبت: كنت أعرف أنني المرشحة ذات الحظ الأوفر في الفوز".

ثمة اتصال هاتفي آخر، ومعكوس، يحكي عنه بيتر باركر ["نيويورك تايمز" - 23 سبتمبر 2025] إذ اتصلت هاريس ببايدن لاطلاعه مسبقاً على أنها ستنشر في مجلة "ذي أتلنتيك" مقتطفاً من كتابها السيري تصف فيه بـ"الطيش" قرار الديمقراطيين السماح لبايدن بالترشح. ونشر المقتطف في الـ10 من سبتمبر الجاري فـ"أثار غضب أنصار جو بايدن".

بل لقد أثار غضب أنصار هيلاري كلينتون! إذ تعترف زوي ستريمبل في مستهل استعراضها للكتاب ["ديلي تلغراف" - 22 سبتمبر 2025] بأنها كانت من أشد المعجبين بهيلاري كلينتون، لكنها لم تندهش من خسارتها أمام دونالد ترمب فـ"لعقود عانى الديمقراطيون من مرض سياسي أعراضه ادعاء الفضيلة والقبلية والجمود والغطرسة وإنكار الواقع"، وهذه الأعراض جميعاً ظهرت في حملة هيلاري كلينتون، وفي بقاء بايدن في السلطة على رغم عدم صلاحيته، وحالت دون اختيار خليفة له في الترشح عبر عملية انتخاب طبيعية لا توصية أصبحت بموجبها كامالا هاريس هي المرشحة، ثم الخاسرة".

الثقة المطلقة في النصر

"ولنا في كتاب (107 أيام) إطلالة على قصة تلك الخسارة، وعلى غطرسة الديمقراطيين التي تسببت فيها، وهي قصة ترويها هاريس نفسها، فتكتب في نهاية الكتاب: لقد خططنا لكل شيء عدا النتيجة الفعلية. بل وتصف (الإحساس بأولى بوادر القلق والخوف) قبل ساعات فقط من إعلان انتصار ترمب".

"ثقة هاريس المطلقة في النصر لا تكاد تصدق. ومشاهدة هذه الثقة مكتوبة تصيب المرء بارتباك، إذ يبدو (107 أيام) أشبه بسيرة رئاسية، وقصة انتصار. تكتب هاريس مثلاً أن اختيارها لشريكها في الترشح (سيكون أساساً لنجاح إدارتي). وثمة كثير من جملة (حينما أصبح الرئيسة) التي تثير اشمئزازي سواء أقالها مرشح في اتحاد الطلبة أم مرشح رئاسي أميركي. وقد تساءلت قبل صفحات من نهاية الكتاب: ألا تدرك هذه السيدة، إلى الآن، أنها خسرت؟".

ترفض ستريمبل إيحاء عنوان الكتاب "بأن ضيق الوقت هو سبب خسارة هاريس، فقد كان لديها وقت كاف في السلطة، منه أربع سنوات شغلت فيها ثاني أهم منصب في البلد، وكان بوسعها أن تطرح في ذلك الوقت صورة واضحة لنفسها". ويكشف كتابها أنها كانت ذات خبرة في قضايا حقوق الإنجاب وشفافية النظام القضائي والبنية الأساسية والدعم الاقتصادي للمحتاجين، وكان بوسعها أيضاً استثمار هذه الخبرة "لكنها لم توحد هذه القضايا في قوة واضحة".

 

تكتب أروى مهداوي في استعراض الكتاب ["ذي غارديان" - 22 سبتمبر 2025] أن بعض الشبابيك في حيها لا تزال تحمل لافتات تأييد هاريس، وأن بعض أنصارها لا يزالون مصدومين من هزيمتها وعاجزين عن فهم الخطأ الذي حدث، "لكن لا صدمة تفوق صدمة كامالا نفسها، فقد كانت دائرتها المقربة على يقين في ليلة الانتخابات من تحقيق الفوز في الحملة العاصفة، إلى حد تجهيز الكعك المزين بعبارة (السيدة الرئيسة)، ووضع زجاجات الشمبانيا في الثلج".

تكتب هاريس في "107 أيام" عن "مدى الصدمة التي شعرنا بها (أنا وزوجي) مما جرى تلك الليلة، حتى إننا لم نناقشه قط إلى أن جلست لأكتب هذا الكتاب" الذي ترى مهداوي أن قراءته "مجهدة ومحبطة"، وأنه يجعل منتقدي هاريس "يمعنون في ابتعادهم منها، ولا يمنح أنصارها أملاً".

لا مهرب للكتاب، وإن يكن من تأليف هاريس، من أن يكون بايدن بطلاً فيه يبحث عنه القراء، ويتلمسون طبيعة علاقة هاريس به ومشاعرها تجاهه. وترجع ستريمبل في رصدها لهذه العلاقة إلى سعي هاريس عام 2019 إلى منافسة بايدن على ترشيح الحزب الديمقراطي، فانتقدت في ثنايا ذلك سجله العنصري، ثم انسحبت من المنافسة قبل أن تحدث كثيراً من الدوي. "وما كادا يتصالحان ويتقدمان للترشح معاً عام 2020، حتى ظهرت هاريس شخصية ضعيفة مظهرية واختياراً غريباً آخر من اختيارات الحزب الديمقراطي".

تقول مهداوي، إن "في الكتاب لمحات لشعور هاريس تجاه جو بايدن، وإحساسها بالمرارة من المصير المستحيل الذي أسلمها إليه. ويمكن أن يشعر القارئ بها وهي تكز على أسنانها إذ تحكي عن أخطاء بايدن العديدة التي كان على حملتها الانتخابية أن تواجه تبعاتها، ومن ذلك مثلاً الصورة التي التقطت للرئيس منتهي الولاية وهو يعتمر قبعة كتب عليها (ترمب 2024) في فعالية لإحياء ذكرى 11/9، أو حينما بدا أنه يصف أنصار ترمب بـ(القمامة)، ويشعر القارئ بغضبها الحقيقي عليه إذ لم يسمح لها أن تلمع بوصفها نائبة للرئيس". وتكتب هاريس عن المحيطين بالرئيس، "كانوا يظنون أن نائبة الرئيس إذا لمعت ينطفئ الرئيس. لم يفهم أحدهم أنها إذا أحسنت فقد أحسن".

تكتب سالاي أن علاقة هاريس المشحونة ببايدن تشكل التيار الساري في الكتاب، وتنقل عن هاريس قولها "كان قوام مشاعري تجاهه الدفء والولاء" وتعقدت العلاقة بمرور الزمن، فشعرت هاريس "أنها مهمشة ومأمونة الجانب ومكلفة مهام لا تلقى عليها شكراً من قبيل تصحيح وضع الهجرة غير الشرعية مع عدم قيام بايدن وفريقه بالدفاع عنها حينما تعرضت للهجوم"، وفي هذا تكتب في "107 أيام":

"عندما هاجمتني قناة (فوكس نيوز) في كل جانب، من ضحكتي، إلى نبرة صوتي، إلى من واعدته وأنا في العشرينيات، أو بزعمهم أن مؤهلاتي تكمن في عرقي، نادراً ما كان البيت الأبيض يرد بواقع سيرتي الذاتية، إذ انتخبت مرتين مدعية عامة فكنت الشرطية العليا في ثاني أضخم دائرة للعدل في الولايات المتحدة، وكنت عضوة في مجلس الشيوخ أمثل ثمن الأميركيين. كان لدى البيت الأبيض فريق إعلامي ضخم، وموجز إعلامي يومي للصحافة، ولكن قول شيء إيجابي عن عملي أو دفاعاً عني ضد الهجمات الظالمة كان شبه مستحيل. والأسوأ أنني علمت أن موظفي الرئيس كانوا يؤججون الروايات السلبية التي انتشرت حولي".

تلاحظ سالاي أن "أعنف ما يقال عن بايدن لا يأتي من هاريس نفسها"، ومن ذلك أن كامالا تحكي مرتين لا مرة أن مستشارها ديفيد بلف قال لها إن "الناس يكرهون جو بايدن"، داعياً إياها إلى عدم الدفاع عن مواقفه في خطبها. غير أن هاريس تكتب "أنا شخص وفي"، وأنها كلما سنحت الفرصة للانفصال والتميز عن بايدن في أيام الحملة منعها إحساسها بالولاء والشرف، فـ"أنا لم أومن قط بأن يرفع المرء نفسه على حساب شخص آخر".

وهذه في رأي جينيفر سالاي "طريقة مزدوجة غريبة للتعامل مع التناقض"، فهاريس تروي في الكتاب "مواقف تكشف ضعف بايدن وارتباكه أو اهتزازه، لكن من الواضح أن خيبة رجائها فيه كانت تمتزج دائماً بتعاطف معه".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من القضايا المهمة التي يتمهل عندها "107 أيام" مسألة ضعف بايدن وتقدمه في العمر بما لا يسمح له بالحكم، ناهيكم بالترشح لولاية ثانية. وتتناول في هذا الصدد ما ذهب إليه البعض من وجود مؤامرة في البيت الأبيض لإخفاء عجز الرئيس فتكتب:

"يود كثر أن ينسجوا رواية عن مؤامرة كبيرة في البيت الأبيض لإخفاء عجز جو بايدن. وإليكم الحقيقة مثلما عشتها. لقد كان جو بايدن رجلاً ذكياً ممتد الخبرة عميق الإيمان، قادراً على أداء واجبات الرئيس. وفي أسوأ أيامه كان أعمق معرفة وأقدر على ممارسة الحكم وأشد تعاطفاً من دونالد ترمب في أفضل أيامه. لكن جو، في الـ81 من العمر، كان منهكاً. وظهر عليه السن في عثرات جسدية ولفظية. وليس من المفاجئ في ظني أن جدل المناظرة الشهيرة قد وقع في أعقاب رحلتين متتاليتين إلى أوروبا ورحلة إلى الساحل الغربي لجمع التبرعات في هوليوود. لا أعتقد بوجود مؤامرة ولو اعتقدت بذلك لقلت. فعلى رغم ولائي للرئيس بايدن، فإن ولائي لبلدنا أكبر".

غير أن هاريس تحاول تبرئة نفسها من خطأ السماح لبايدن بالاستمرار في الحكم والترشح لولاية ثانية على رغم ضعفه، فتكتب:

"من بين جميع العاملين في البيت الأبيض، كنت في أسوأ موضع يمكن أن يدافع صاحبه عن وجوب انسحاب بايدن من السباق. كنت أعلم أن نصحي له بعدم الترشح سيبدو له سعياً إلى مصلحة شخصية. كان سيرى ذلك طموحاً سافراً، وعدم ولاء، حتى لو اقتصرت رسالتي على قولي: لا تجعل الرجل الآخر يفوز. وكنا جميعاً في البيت الأبيض نردد ترديد التسابيح أن (هذا قرار جو وزوجته جيل من دون غيرهما). فهل كان ذلك نبلاً أم طيشاً؟ أعتقد بأثر رجعي أنه طيش. فقد كانت الأخطار كبيرة. ولم يكن هذا بالقرار الذي يترك لفرد ونرجسيته، وطموحه. كان ينبغي أن يكون أكبر من محض قرار فردي".

حرية الكتابة عن الفشل

تقر أروى مهداوي لهاريس بأن قرارات بايدن وضعتها في منافسة صعبة حينما تقدمت للسباق الرئاسي، لكنها ترى أيضاً أن الكتاب "يكشف أنها لا تزال عاجزة عن رؤية بعض المواضع التي أخطأت هي فيها. ففي حين يشير استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "يوغوف" في يناير (كانون الثاني) إلى أن تأييد بايدن غير المشروط لإسرائيل قد أضر بإقبال الناخبين الديمقراطيين على التصويت، فإن هاريس تستخف بأمر غزة إلى حد كبير، وتكتب عن المتظاهرين الذين كانوا يتجمعون للاحتجاج في محطات حملتها الانتخابية: لماذا لم يكونوا يتظاهرون في مسيرات ترمب؟ فهل يعقل أنها لا تستوعب الأمر؟ والجواب هو أن ترمب لم يكن في السلطة آنذاك، بينما كانت هي في السلطة. ولأن الرئيس بايدن أوضح أنه لا يكن تعاطفاً حقيقياً تجاه الفلسطينيين. ويبدو أن هاريس مثله في هذا هي الأخرى".

 

تكتب جينيفر سالاي أن الساسة لا يبثون أرواحهم ومشاعرهم في كتبهم"، وبخاصة لو أنهم حريصون على الحفاظ على خياراتهم. وحينما ترددت أخبار بأن هاريس تستعين بالروائية جيرالدين بروكس الحاصلة على جائزة "بوليتزر" لتأليف هذا الكتاب، أثيرت تكهنات بأن يكون سيرة مختلفة. لكن حتى مواهب بروكس الثمينة لم تعوض رفض هاريس الواضح للتخلي عن حذرها حتى الآن. فتبدو هاريس، المدعية العامة السابقة، في أتم الارتياح وهي تسرد حقائق أو تبني قضية"، بل إنها في موضع ما من الكتاب تعترف بأنها تميل بطبعها إلى إنجاز المهام من دون أن تتيح لنفسها مجالاً كافياً للتأمل.

"هكذا يأتي صوت هاريس السردي في الجانب الأكبر عملياً غير مشغول بالثانوي من الأمور. وتؤثر المباشرة والإعلان المحدد للمعلومات. وتراعي بنية الكتاب نفورها من التأمل، فيتيح ترتيبه على هيئة يوميات المجال لتفصيل الأيام الـ107 المرهقة، والانتقال من حدث إلى حدث، وتوضيح ردود فعلها عليها".

"وعلى رغم ذلك تظهر لمحات شخصية، كأن تكتب هاريس عن علاقتها (الوردية في الغالب) بزوجها، ومن ذلك مدى حزنها حينما غفل في خضم الحملة الانتخابية عن إعداد أية ترتيبات لعيد ميلادها"، وفيه أيضاً بعض التخلي عن الحذر، ولكن بحساب دقيق. ومن ذلك حكايتها عن واقعة مع جي دي فانس الذي تصفه بـ(المراوغ المتلون). فقد حدث أن انتهك فانس قواعد الأمن المتبعة مع هاريس بوصفها نائبة للرئيس، واقترب من (طائرة القوات الجوية رقم2) المخصصة لها، ثم قوله بعد ذلك للصحافيين: لقد أردت فقط أن أعاين طائرتي المستقبلية".

في تعليقها على تلك الواقعة سمحت هاريس لنفسها بأن تقول إنها لو علمت ما كان يعتزمه فانس لتعاملت تعاملاً مختلفاً، "لكنت خرجت من سيارتي وقلت له الكلمة التي أحسن نطقها تماماً وتبدأ بحرف m وتنتهي بـah". يفترض أن تلك كلمة سباب فاحشة لم يدخر الأميركيون جهداً في إعلان تخمينهم لها، لكن ذلك أقصى ما سمحت به هاريس لنفسها من حرية وهي تحكي حكايتها مع الفشل.

العنوان: 107 Days

تأليف: Kamala Harris

الناشر: Simon & Schuster

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة