Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اقتباس هوليوودي لرواية ويلز "الرجل اللامرئي" لا يعجب البطل

المخرج وصل في الفيلم إلى الأيقونية فيما الممثل اختفى على خطى دوره الجديد

مشهد من فيلم "الرجل اللامرئي" (1933) (موقع الفيلم)

ملخص

الحقيقة أن النجاح الجماهيري لفيلم "الرجل اللامرئي" تجاوز الحيز الزمني الذي ظهر فيه ليشغل دائماً وحتى اليوم بالتأكيد، مكانة متقدمة في لائحة أكثر 100 فيلم أيقوني في تاريخ السينما، على رغم أن أفلاماً عديدة حققت لاحقاً عن الرواية نفسها، ولا تزال تحقق حتى اليوم وربما بأمانة أكثر تجاه الدلالات النضالية لرواية ويلز.

يصعب علينا اليوم أن نتصور علام راهن الممثل الشكسبيري الإنجليزي المسرحي الكبير كلود راينز حين استجاب لدعوة شركة "يونيفرسال" الهوليوودية كي يقوم تحت إدارة المخرج جيمس فال الذي سيشتهر لاحقاً بإبداعه آيات من سينما الرعب، بأداء دور البطولة في فيلم مقتبس من رواية "الرجل اللامرئي" للكاتب البريطاني إتش. دي. ويلز. كان ذلك عام 1933 عند بدايات السينما الناطقة. فهل ترى راينز راهن على صوته الذي كان مشهوراً على خشبات المسرح برخامته وروعته؟ أم إنه كان يراهن على أن السينما في أبعادها البصرية ستحدث تغييراً في منطق الحكاية كلها لتلتقط بورتريهات رائعة لوجهه الوسيم وملامحه المعبرة؟

 

في الحقيقة، ليس في وسعنا أن نفهمه تماماً، لكننا قادرون، في المقابل، على أن نفهم غضبه في نهاية المطاف حين "اكتشف" أن الفيلم قد ظلمه، ولكن ليس مهنياً بالطبع. فمع هذا الفيلم سيقيض له مسار مهني رائع سيحسده عليه كثر من مواطنيه من أهل المسرح. لقد ظلمه الفيلم تحديداً انطلاقاً من أنه لعب فيه الدور الذي أعار الفيلم عنوانه "الرجل اللامرئي"، أي الذي لا يراه أحد طوال الفيلم وحتى اللقطات الأخيرة القليلة التي سيظهر فيها ظهوراً شاعرياً وحسب، لا يسمن ولا يغني من جوع، ومن هنا فإن راينز، وحتى حين كان الفيلم يذكر أمامه سنوات وسنوات بعد عروضه الأولى ونجاحاته الكبيرة، كان ينظر إلى محدثيه بحسرة ويدمدم: قولوا لي بربكم هل رآني أحد منكم في أي من مشاهد الفيلم؟ غير أن راينز لم يكن الوحيد الذي تملكته تلك الحسرة، بل كان هناك أيضاً قراء ويلز ذوو النزعات الاشتراكية من الذين أخذوا على الاقتباس السينمائي كونه غالى في هوليووديته إلى درجة أنه نسف كل الأبعاد الاجتماعية والمعاني النضالية اليسارية التي عبر عنها كاتبهم المفضل.

ففي نهاية الأمر ألغى فال، ولأنه يعرف القواعد الهوليوودية والأميركية بصورة عامة، كل ما له علاقة بالأبعاد البروليتارية والاجتماعية والديمقراطية في الحكاية، وهي أبعاد كانت مستمدة كما نعرف من تحيز ويلز للاشتراكية الفابية المعارضة سياسات الإمبراطورية البريطانية. ويقيناً أنه لو لم يفعل هذا لكان أكثر أمانة لويلز ولكن أقل تحقيقاً للنجاح الجماهيري بكثير.

فيلم أيقوني بامتياز

الحقيقة أن النجاح الجماهيري لفيلم "الرجل اللامرئي" تجاوز الحيز الزمني الذي ظهر فيه ليشغل دائماً وحتى اليوم بالتأكيد، مكانة متقدمة في لائحة أكثر 100 فيلم أيقوني في تاريخ السينما، على رغم أن أفلاماً عديدة حققت لاحقاً عن الرواية نفسها، ولا تزال تحقق حتى اليوم وربما بأمانة أكثر تجاه الدلالات النضالية لرواية ويلز.

لكن الواقع هو الواقع والنجاح هو النجاح. وجيمس فال الذي ستنتهي حياته على أية حال، باكراً بجريمة مرعبة، أوصلته إلى نهايته في حوض السباحة داخل فيلته ولا تزال تعد حتى اليوم من أكثر الجرائم غير السينمائية قبحاً وغموضاً في تاريخ عاصمة السينما، كان من شأنه أن يفاخر بما لا يقل عن فيلمين أيقونيين مرعبين من تحقيقه ثانيهما هو "خطيبة فرانكشتاين" الذي حققه بعد سنوات قليلة من "الرجل اللامرئي" وقبل حين من مقتله.

المهم، كان هذا الفيلم الأخير إذا مدخله إلى الخلود على عكس ما كان بالنسبة إلى كلود راينز الذي سيجد عزاءه على أية حال في كونه فتح له، كما أشرنا، أبواب هوليوود مشرعة ليتعرف الجمهور لاحقاً على ملامحه وأدائه بعدما كان قد تعرف على صوته الرخيم أول الأمر، صوتاً ربما سيقال لاحقاً إن أورسون ويلز الكبير عاش جزءاً من مساره المهني على محاكاته، لكن هذه حكاية أخرى، حتى وإن كنا نعرف أن أورسون ويلز، حين كان يجد نفسه خالي الوفاض ومن دون عمل، يؤجر أداءه الصوتي لمن يحب، من دون أن ننسى أن ويلز السينمائي هذا يدين بشهرته ومكانته الفنية المبكرة لتقديمه الإذاعي أواسط عقد الثلاثينيات لتمثيلية مرعبة، هي الأخرى، مقتبسة من رواية "حرب العوالم" لسميه الإنجليزي نفسه الذي لا يمت إليه بأية صلة قرابة أو نسب على أية حال على رغم تشابه الأسماء. وهذا ما يعيدنا هنا إلى الفيلم الأيقوني الذي نحن في صدده "الرجل اللامرئي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

حكاية مستحيلة؟

يحدثنا الفيلم، كما الرواية إلى حد كبير على أية حال، عن الفتى العالم الفقير جاك غريفن الذي يعمل في مضمار التجارب الكيماوية مع الدكتور غرانلي والد خطيبته فلورا. لكن غريفن سيختفي، ذات يوم، من دون أن يترك وراءه أثراً ومن دون أن يعرف أحد، سوى المتفرجين لاحقاً بالطبع، ما الذي حدث له. وإذ يختفي العالم الشاب يحدث أن يصل إلى نزل في منطقة نائية بعض الشيء عن لندن، رجل غريب الأطوار لا يظهر من ملامحه أو جسده أي شيء، فهو مغطى من أعلى رأسه حتى أسفل قدميه بالملابس ولفافات الشرائط الطبية، وحتى عينيه نراهما معصوبتين بنظارات سوداء لا يمكن لأي شخص يحدق فيه أن يخمن أن ثمة عينين وراءهما.

وحين يصل أمر هذا الرجل إلى الشرطة تسارع إلى مداهمته لكنها حين تسعى إلى نزع الأقمشة عن جسمه يتخلى لهم عنها تماماً ويسارع بالهرب عارياً من دون أن يتمكن أحد من رؤيته. وها هو يختفي بالتالي من جديد فلا يبقى شك في أنه غريفن. فما الذي حدث له؟

تدريجاً سنفهم ما حدث، فغريفن أجرى على نفسه تجارب كيماوية جعلته غير مرئي إذ أعطت كل نسيج بشرته شفافية تخفيه تماماً لكنها، بالطبع، تستره تحت ملابسه التي ما إن يتعرى منها حتى يختفي. وهو نفسه إذ يدرك هذا الأمر، يستبد به نوع من جنون العظمة والغرور يدفعه إلى اتخاذ قرار بأن يستفيد من ذلك الوضع لا سيما للانتقام من كل الذين كانوا ساموه أنواع العذاب والاحتقان. بالنسبة إليه، آن الأوان إذاً، كي يختفي ذلك كله ويبدأ بفرض إرادته، وهو يشرع في ذلك من خلال لجوئه إلى دار الدكتور كيمب الذي يعرفه، وكان من خلصائه في الزمن السابق، بيد أن هذا بدلاً من أن يخفيه ويساعده ويحفظ سره يشي إلى الشرطة بوجوده بخاصة أنه يلاحظ كم أن عقدة العظمة وكل أنواع الرهاب باتت تسيطر على حواس غريفن، وبات من الواجب تخليص المجتمع منه.

ومن هنا تنتهي الحكاية، السينمائية في الأقل، بتأليب كيمب القرويين وأهل المجتمع جميعاً على الشاب غير المرئي، فيما هذا يواصل هربه وجبروته الذي أضحى شريراً، وقد بات من أهدافه الآن أن ينتقم من الجميع، لا سيما من كيمب والقرويين. لكن هؤلاء معاً يتمكنون منه في نهاية الأمر حتى يردوه قتيلاً "مخلصين العالم من شروره". ومن هنا يبدو أن التغيير الذي قد يكون جيمس فال "اضطر إليه" كي يتناسب الفيلم مع القواعد الرقابية، هو الذي أثار حفيظة قراء إتش. دي. ويلز من الذين كانوا قد أدركوا المعاني التقدمية لانتقام المظلوم البائس من ظالميه في لفتة من الكاتب تقف إلى جانب المظلوم ولو بدق جرس الإنذار أمام مجتمع أراد منه أن يقف مع المحرومين، وغريفن كان يمثلهم أول الأمر، أو في الرواية في الأقل، وقد أضحى اليوم ممارساً لشرور مجانية غير مبررة تستدعي تخلص المجتمع منه!

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة