"ما تراه ليس كما يبدو"... زيف الواقع في مرآة الزمن الدرامي

"ما تراه ليس كما يبدو" عمل درامي مصري تعداده سبعة مسلسلات، يحوي كل مسلسل حلقات خمس مختلفة، من ناحية الأبطال والموضوع والسياق وكذلك المخرج والمؤلف، لكن بقدر الاختلاف ذاك تتفق المسلسلات السبعة على نقاط محددة، أهمها الاعتماد الكامل على الممثلين الشباب في البطولة المطلقة.

أما من ناحية القصص المطروحة، فحطّم المسلسل المصري المألوف، معتمداً على الخيال والفانتازيا والرعب واستخدام السفر عبر الزمن والحكايات التشويقية التي تجذب المشاهد منذ البداية وحتى النهاية، معتمداً تقنية اللغز الذي يقود المشاهد إلى خيط أكثر تعقيداً حتى نهاية الحلقة الخامسة التي تفك فيها شيفرة العمل، لكن في الوقت ذاته تضع المتلقي أمام منعطف جديد يخالف لكل توقعاته السابقة.

"فلاش باك"... جريمة مثيرة

بدأت الحكايات بمسلسل حمل عنوان "فلاش باك"، بطولة النجوم الشباب أحمد خالد صالح، ومريم الجندي، وخالد أنور، وتأليف محمد حجاب وإخراج جمال خزيم. تدور الأحداث حول زياد، مصور صحافي وجنائي، تزوج فتاة شابة بعد قصة حب كبيرة، وبعد عام من الحب والزواج تتعرض زوجته مريم للقتل في حادثة سير، ولا يمكن الوصول إلى مرتكب الحادثة في حينه.

يدخل زياد في حال من الحزن الشديد عاماً، وفجأة يكتشف أن زوجته الراحلة متاحة (أون لاين) عبر مواقع التواصل الاجتماعي ما يمكنه التحدث معها، متخيلاً أنها على قيد الحياة، وحادثة القتل وهمية تدعي فيها وفاتها لتهرب منه وتخونه، لكنه يكتشف أنها ماتت فعلاً عام 2025، لكن الزمن يعود به للوراء لعام 2018، ليراها قبل أن يعرفها ويتزوجها، ويكتشف كثيراً من أسرارها الغامضة التي تجعله يغيّر صورتها في ذهنه، ويراها مجرمة لا ضحية.

واعتمد العمل على فكرة العوالم الموازية بصورة درامية غير مسبوقة، إذ يذهب إلى الماضي إلى عام 2018 قبل معرفة زياد وزوجته، ثم يرجع إلى الحاضر عام 2025، وكأنّ العالمين يسيران في الوقت نفسه، لكن كلاً منهما في خط متوازٍ لا يتقابل مع الآخر.

واستخدمت هذه التقنية الزمنية في بعض الأعمال الأجنبية العالمية، لكنها ظهرت على استحياء في الدراما المصرية، وهنا تتجلى بصورة تشويقية مثيرة، وقبل اكتشاف استخدام ما يسمى "العالم الموازي" وضع المسلسل المشاهد أمام احتمالات عدة، منها أن البطل مصاب بحال هذيان أو مرض نفسي، أو أن الزوجة ليست متوفية، لكنها تخدع زوجها وتدعي أنها لا تتذكره وتتحدث معه على أنه شخص غريب لهدف غير مفهوم. وتنتهي الحكاية باكتشاف ما يسمى "العوالم الموازية"، إذ كل منهما يتحدث مع الآخر، لكن من عوالم وأزمنة مختلفة.

كانت النهاية مثار جدل واعترض، باعتبار أنها غامضة وغير مفهومة، والعالم الموازي ليس من الأفكار المقبولة في الدراما العربية، بينما لاقت ترحيباً لدى البعض إذ جذبت الجميع منذ الوهلة الأولى ولو على حساب المنطق والمقاييس الدرامية المفهومة للغالبية.

"بتوقيت 2028"... عبور الزمن

في الحكاية الثانية لم يتخلَّ صناع المسلسل عن مبدأ التشويق بأفكار خارج الصندوق، فجاءت حكاية "بتوقيت 2028" لتكون أكثر إثارة للجدل من الحكاية الأولى، التي قامت ببطولتها هنادي مهنا وأحمد جمال سعيد ويوسف عثمان ونانسي هلال، ومن تأليف نسمة سمير وإخراج خالد سعيد.

تدور الأحداث حول زينة، مذيعة ناجحة ومتزوجة بمازن مخرج برنامجها التلفزيوني، وتربطهما علاقة حب قوية، ولها صديقة تعتبرها أكثر من شقيقتها، وتثق بها بصورة مطلقة، وكذلك تربطها علاقة قوية بصديق طفولتها شريف الذي يعمل معها أيضاً في البرنامج نفسه.

وتنقلب الأمور عندما تقود سيارتها لتتجه إلى عملها فتأخذها عاصفة هوائية لتعبر الزمن، وتجد نفسها في عام 2028، ولا تدرك أن النقلة الزمنية ستكشف لها عن كثير من المعلومات التي ستحدث في المستقبل التي بمجرد معرفتها تُدمر حياتها تماماً.

سافرت هنادي مهنا عبر الزمن لكنها عادت محملة بحياة أخرى موازية (مواقع التواصل)​​​​​​​

أبرز المعلومات التي اكتشفتها البطلة هي أن زوجها مازن سيتزوج صديقتها المقربة ياسمين، وتراهما زينة في المستقبل في بيتهما كزوج وزوجة وتواجههما فيتهمانها بالجنون، فتنهار زينة لدرجة كبيرة وتتركهما لتركب سيارتها فتمر بعاصفة هوائية مرة أخرى، وبعدها تجد نفسها تعود لتعيش حياتها العادية عام 2025، وتتفاجأ أن زوجها محب كما هو وحياتهما العائلية مستقرة. وعندما تبوح لوالدتها تنصحها بالراحة، لأن ما تعانيه ربما يكون تحت تأثير إجهاد أو توتر نفسي، لكن زينة تكتشف أنها سافرت عبر الزمن وشاهدت المستقبل، وما سيحدث خلاله من كارثة تخص زوجها وصديقتها.

تنتقل زينة عبر الزمن مرة ثانية، لكن هذه المرة لعام 2026، فتجد أنها تتعرض للانهيار، وتنفصل عن زوجها بعدما فشلت في التعامل مع فكرة زواجه بصديقتها التي رأتها عام 2028. وبعد انفصال مازن عن زينة تعاني أزمة نفسية شديدة، بسبب الطلاق فيقف معها في محنتها صديق طفولتها شريف الذي تشعر بحبه الحقيقي لها ويتقدم لخطبتها ويساعدها في النهوض من جديد وبدء حياة أفضل.

وبعدما تستقر زينة وتتعافى من آثار الطلاق وتمضي في حياتها قدماً في عام 2026 وتعود بالزمن مرة ثالثة لحياتها الحالية عام 2025 من دون أي تغيير، فهي زوجة مازن وصديقة لياسمين وشريف الذين لا يعلمون أي شيء عن المستقبل ولا يفهمون تصرفاتها العنيفة وأسبابها.

تنتهي الأحداث عندما تجد زينة نفسها مثقلة بالمعلومات التي علمت بوقوعها في المستقبل فتنظر إلى زوجها التي عرفت أنه سيتزوج صديقتها، وترى صديقها شريف بعدما كشفت حبه لها ورغبته في الزواج، وتشعر بالحزن لأن معرفة المستقبل دمرت علاقتها بكل المحيطين بها، فلا تستطيع التعامل مع زوج سيقرر الارتباط بصديقتها بعد عامين، ولا التصرف مع صديق طفولتها التي علمت بحبه الدفين لها.

"أنت وحدك"... الخلط بين الحقيقة والخيال

أما الحكاية الثالثة فتصاعد فيها الغموض والتشويق ليثيرا مزيداً من الجدل، الذي انتهى بصورة خالفت كل توقعات المشاهدين وأحدثت نقاشات بين الجمهور وصناع العمل. العمل حمل عنوان "أنت وحدك"، وقامت خلال الأحداث الممثلة تارا عماد بدور سارة الصحافية الشابة الثرية الجميلة التي تعمل في جريدة مهمة وتربطها صداقة بزميلتها نهى التي جسدت دورها بسمة داوود.

تعاني سارة مشكلات عدة أهمها حب سليم زميلها لها، (الممثل عمرو جمال)، وتقاوم سارة مشاعر سليم التي تعتبرها أقرب للمطاردة وتفاجئه دائماً بوابل من الهجوم والكلمات القاسية رغم معاملته الرقيقة لها. وتكشفت الحلقات عن الألم النفسي الذي تعانيه سارة بسبب وفاة والدها، وما ترتب عليها من تداعيات نفسية وآلام مبرحة عانتها.

تتصاعد الأحداث في إطار من الرعب والتشويق عندما تصل إلى سارة رسائل مجهولة من رقمها الشخصي نفسه من دون أن تفهم كيف يحدث ذلك، وتتنوع الرسائل بين التهديد والرعب والتحذير في بعض الأوقات. وتحاول بصحبة والدتها ونهى صديقتها الكشف عن اللغز وشخصية المرسل، لكن تحدث لها أشياء أكثر إثارة عندما تختفي صديقتها، وتتعرض للخطر في كل المناطق التي تذهب إليها.

تنتهي الحلقة قبل الأخيرة باكتشاف أن سليم ونهى وشخصاً آخر يدعى عامر يتآمرون عليها لابتزازها مادياً، وقبل أن تصدق ما ترى تفاجئك الحلقة الأخيرة بما هو غير متوقع، فتتغير صورة سارة في المرآة لامرأة عجوز، وتكشف الأحداث أنها ليست شابة بل امرأة طاعن في السن تعاني مرضاً نفسياً يخلط بين الحقيقة والخيال، ويصوّر الأشخاص المحيطين بها أنهم أعداء أو متآمرون، فمثلاً سليم هو ابنها الذي يحاول علاجها ويقف إلى جانبها، بينما هي تظن نفسها شابة وهو يريد حبها ويطاردها. ونهى معالجة نفسية في المصحة حيث تتلقى سارة علاجها، بينما يصورها عقل سارة أنها صديقتها التي تبحث معها عن حقيقة الشخص الذي يبعث لها بالرسائل المجهولة.

تنتهي الأحداث بعد الكشف عن كل هذه الأمور بوصول رسالة جديدة لسارة على هاتفها المحمول يحذرها فيها شخص ألا تصدق ما يقوله لها المحيطون بها، ويصفهم بأنهم كاذبون، لتتخيل من جديد أن هناك مؤامرة وتبتسم في نهاية الحلقة. ولا تزال هناك حلقات ستذاع تباعاً، من بينها مسلسلان آخران أحدهما يحمل اسم "ديجافو" بطولة شيري عادل، والثاني بعنوان "هند" لليلى زاهر وعدد من النجوم الشباب.

وأخيراً، ما يبدو جلياً أن مسلسل "ما تراه ليس كما يبدو" استخدم دلالة عنوانه بأقصى قدر ممكن، ففي كل حلقة تضعك الأحداث أمام حكاية درامية، لكن تتابع الحلقات يجعلك تقتنع ألا تصدق عينيك، لأن ما تراه ليس حقيقياً، ولا يعبر عما يبدو في خيالك. وأجمل ما في التجربة أن العمل يعتمد على تقديم كل حكاية بإيقاع درامي متكامل وفريق عمل مختلف، مما يجعله تجربة متنوعة تجمع بين التشويق والإثارة والعناصر النفسية.

وربما اتجاه المسلسل نحو الدفع بنجوم جدد في أدوار كبيرة وبطولات مطلقة يغير معايير السوق الفنية، بخاصة في الدراما، ويكسر الركود الذي يسيطر على معظم الأعمال ويتسبب في ملل الجمهور. وعلى رغم عدم منطقية بعض الأحداث في بعض الأحيان، فإن الجنوح للخيال والفانتازيا والخروج عن السياق العقلي المعروف أمر وارد ومقبول في الفن والإبداع. خصوصاً أن الفن أرض خصبة معينها الخيال والمبالغة، في إطار من المتعة والتشويق، ما قد يغير كثيراً من المعايير والقوالب خلال الفترة المقبلة بعد الإقبال الجماهيري والنجاح غير المتوقع لتلك التجربة المباغتة للدراما المصرية.