Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عطش وقصف… الغزيون يركضون بحثا عن ماء وهربا من الموت

يتبع الجيش الإسرائيلي سياسة ممنهجة لتقليص مصادر الشرب لدفع السكان نحو النزوح والتهجير

لا تزال المعاناة في غزة مستمرة من نقص مياه الشرب والتي تفاقم أزمات الحرب والنزوح والتهجير (أ ف ب)

ملخص

مع بدء احتلال مدينة غزة، قطعت إسرائيل المياه عن أكبر مجمع حضري في القطاع، وشنت حرباً مدروسة وممنهجة على مصادر المياه، لدرجة أن نقص مصادر الشرب كانت حرباً عنيفة جعلت الغزيين يركضون خلفها تارة ويركضون من الرصاص الذي يصيبهم عند وصولهم للصنابير تارة أخرى.

يعرف أمين أنه خلف ملعب "برشلونة" في حي تل الهوا غرب مدينة غزة يوجد خط مياه تابع للبلدية، صوت الانفجارات البركانية قريبة جداً من المكان، والطائرات المسيرة تحوم على ارتفاع منخفض والدبابات تتقدم ببطء نحو المنطقة، على رغم كل هذا الخطر تسلل بهدوء وخفية متوجهاً لتفقد خط المياه النابع.

لا يهوى أمين المغامرة، وهادئ بطبعه لا يحب المخاطرة، لكنه منذ أن بدأ الجيش الإسرائيلي احتلال مدينة غزة ضمن خطة اقترحها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وأطلق عليها اسم "عربات جدعون 2"، يعيش الأب وعائلته من دون قطرة ماء.

جثث عند مصادر الماء

حلقه ناشف وجسده يحتاج للماء وزوجته لديها الكثير من الملابس المتسخة بحاجة للغسيل وجسد أطفاله يحتاج للاغتسال، منذ أسبوع لم يصل أمين لأي بئر جوفي ولم يعيد تعبئة عبواته الفارغة بشريان الحياة، لذلك قرر التسلل إلى مكان خط مياه بلدية غزة على رغم أن القصف والقتال العسكري يقترب منه.

تسلل بخفة ونجح في الاقتراب من خط المياه، شاهد أمين ثلاث جثث عند خط المياه، حينها أيقن أن "الكواد كابتر" تطلق النار صوب كل من يقترب، لكنه لم يأبه لذلك وخاطر أكثر يقترب خطوة ويجمد حركته حتى وصل إلى مصدر الماء.

فتح أمين الصنبور نقاط معدودة انهمرت فقط "لا ماء في خط البلدية، حظي سيء جداً، كيف سأتصرف الآن"، يحدث الرجل نفسه بعدما خاطر بحياته للحصول على قطرة ماء لكن من دون نتيجة، وعندما هم للعودة لأدراجه أطلقت عليه طائرة مسيرة النار.

يفكر بالنزوح لأجل الماء

ركض أمين مسرعاً يهرب من الموت، يقول "كانت مغامرة حقاً، من أجل الماء تسللت نحو أخطر منطقة قتال في مدينة غزة، وركضت من ذات المكان من موت محقق، العطش الأمر الوحيد الذي دفعني لذلك".

لم ينجز أمين مهمته، ولذلك بدأ يفكر في النزوح نحو المنطقة الإنسانية التي خصصها الجيش الإسرائيلي في جنوب مدينة غزة، يعقب "نواجه حروباً أعنفها أزمة المياه، نقص الماء فيه عذاب أبشع في وجع من الإصابة برصاصة جندي إسرائيلي".

تمر على أمين أيام طويلة تصل إلى أسبوع من دون وجود مياه في إيوائه، وتكون تلك الأيام قاسية جداً، يضيف "الأطفال يحتاجون للاستحمام يطلبون المياه للتبريد على أجسادهم المنهكة، الأواني تحتاج لتنظيف والملابس كذلك، الأبشع أريد أن أروي جسدي".

2500 متر لتعبئة 25 ليتر ماء

مع بدء احتلال مدينة غزة، قطعت إسرائيل المياه عن أكبر مجمع حضري في القطاع، وشنت حرباً مدروسة وممنهجة على مصادر المياه، لدرجة أن نقص مصادر الشرب كانت حرباً عنيفة جعلت الغزيين يركضون خلفها تارة ويركضون من الرصاص الذي يصيبهم عند وصولهم للصنابير تارة أخرى.

سماء غزة الزرقاء تحولت إلى لهيب حارق، يركض الغزيون من الحمم القتالة التي تسقط عليهم، ولكن غادة تركض باتجاه مختلف حافية بين الركام، تحمل في يديها دلواً فارغاً تجوب شوارع مرت من المدرعات العسكرية تبحث عن أي مصدر للماء.

 

 

تقول غادة "مع بدء احتلال مدينة غزة تقلصت شاحنات توزيع مياه الشرب بسبب أوامر الإخلاء القسري الإسرائيلية، أصبحنا ننتظر قدوم أي من تلك الشاحنات لمدة تصل إلى أربعة أيام وفي النهاية لا تأتي"، لذلك اضطرت السيدة للذهاب بنفسها نحو ينبوع أو بئر أو محطة تحلية.

قطعت غادة 2500 متر لتحصل على القليل من مياه الاستخدام، وقامت بتعبئة عبوة سعتها 25 ليتراً، وفي طريق عودتها إلى إيوائها قابلت بائع مياه صالحة للشرب، اشترت منه عبوة 16 ليتراً بنحو ثلاثة دولارات.

في الإيواء خلطت غادة المياه المالحة بمياه الشرب، لعدم قدرتها على مجاراة شح المياه وارتفاع أسعارها، تضيف "لن أنزح سأواصل مطاردة المياه لتأمين أسرتي، العطش في مدينة غزة سلاح إضافي يفتك بما تبقى من الأهالي".

شاحنة الماء مستهدفة

تروي ريتال أن الجيش الإسرائيلي يطلق النار صوب مصادر المياه ويمنع الجنود وصول أي غزي نحو الصنابير، وبحسب منظمة "أطباء بلا حدود" فإن القوات الإسرائيلية أطلقت النار على شاحنة مياه تابعة لها وكانت وتحمل شعارها بوضوح.

كانت شاحنة "أطباء بلا حدود" توزع 10 آلاف ليتر من مياه الشرب، وبينما كان العطشى يحاولون إعادة تعبئة أنابيبهم الفارغة أطلق عليهم الجنود النار، أصابوا العروق التي لم تبتل بعد أن أعطبوا صهريج الماء.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تؤكد "أطباء بلا حدود" أنها أبلغت السلطات الإسرائيلية بشكل مسبق بمسار الشاحنة وجدول عملها، وعلى رغم ذلك تحولت الشاحنة لفخ لصيد العطشى ومنعهم من الحصول على حقهم في مياه نظيفة صالحة للشرب.

وبحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" فإن قطاع غزة يقترب من مرحلة الموت عطشاً بعد تعطل نحو 60 في المئة من منشآت إنتاج مياه الشرب وخروج غالبية محطات الصرف والتحلية عن الخدمة.

استهداف مقصود

لا تزال طواقم بلدية غزة تعمل داخل المدينة التي يقضم الجيش الإسرائيلي أراضيها ببطء، ولكن الفرق الميدانية عاجزة عن إيصال المياه للسكان غير النازحين، ويقول متحدث البلدية عاصم النبيه "تعيش مدينة غزة في شلل شبه كامل على صعيد البنية التحتية للمياه".

ويضيف متحدث البلدية "دمر الجيش غالبية محطات المعالجة والخزانات والأنابيب، كذلك انقطعت الكهرباء عن محطات التحلية وقصفت محطات تحلية أخرى واستهدف الجنود صهاريج المياه الصالحة للشرب، ومع استمرار منع دخول الوقود، لا تعمل سوى نسبة ضئيلة من المنشآت الحيوية".

ويوضح النبيه أن توغل الجيش الإسرائيلي في مدينة غزة جعل فرقنا غير قادرة على تقديم الحد الأدنى من الحاجات بخاصة المياه التي تعتبر شريان الحياة، الآن تنهار أنظمة المياه، كمية المياه المتوافرة حالياً تقل عن 25 في المئة من الحاجة اليومية للمدينة".

بحسب النبيه فإن القصف الإسرائيلي أصاب خطوط إمدادات المياه بأعطال كبيرة وتمنع القوات الطواقم الفنية من الوصول إلى أماكن الأضرار لمعاينة حجم الضرر وإصلاحه، مشيراً إلى أن كمية المياه المتوافرة حالياً وتصل عبر خط "ميكروت" الإسرائيلي تقدر بنحو 15 ألف ليتر يومياً، إضافة إلى 10 آلاف ليتر تنتج من آبار المياه المحلية.

لم تعلق إسرائيل على نقص المياه، ولكن هيئة البث الرسمية "كان" ذكرت أن الحكومة الإسرائيلية تدرس تقليص كميات المياه المخصصة لمدينة غزة لتهجير السكان ضمن خطة احتلال القطاع.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير