ملخص
يدور في الكونغرس الأميركي جدل محتدم حول مصير "قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين" الصادر عام 2019، إذ يسعى بعض المشرعين إلى إلغائه أو تعديله، فيما يتمسك آخرون بالإبقاء عليه كأداة ضغط، وعلى رغم رغبة ترمب في رفع العقوبات فإن موقفه يبقى غامضاً، والمؤيدون يرون أن القانون يضمن محاسبة النظام الحالي على الانتهاكات، بينما يعتبر معارضوه أنه بات متقادماً ويعوق فرص الاستثمار والاستقرار.
يرفض الصقور في الكونغرس الأميركي إلغاء "قانون حماية المدنيين السوريين" أو ما يُعرف باسم "قانون قيصر" الذي جرى إقراره عام 2019 وينطوي على توقيع عقوبات على الحكومة السورية، فثمة مقترحات متنافسة في الـ "كابيتول" حول إلغائه أو إبقائه مع وضع شروط لإلغائه تدريجياً.
والأسبوع الجاري قدّم السيناتور الجمهوري الرفيع ليندسي غراهام والديمقراطي كريس فان هولين تعديلاً على مشروع قانون تفويض الدفاع لعام 2026 الذي يشمل تعليق العقوبات الأميركية على سوريا بموجب "قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين"، وذلك بشرط التزام دمشق الصارم بمجموعة من المعايير.
ستة شروط
وينص التعديل على أن يقوم الرئيس الأميركي كل 120 يوماً بتقديم شهادة إلى الكونغرس، تؤكد ما إذا كانت الحكومة السورية تلتزم بمجموعة من ستة شروط تشمل الالتزام بمكافحة تنظيم "داعش" والانضمام رسمياً إلى التحالف الدولي لهزيمة "داعش"، وحماية وإدماج الأقليات الدينية والإثنية سياسياً، وإقامة علاقات سلمية مع الجيران، بما في ذلك إسرائيل، واتخاذ إجراءات ضد الجماعات المهددة لأمن المنطقة، والتوقف عن تمويل أو مساعدة أو إيواء التنظيمات الإرهابية، مع الالتزام بإبعاد الجهاديين الأجانب من مؤسسات الدولة والأجهزة الأمنية.
كما شمل نص تعديل القانون المنشور على الموقع الإلكتروني للكونغرس التحقيق في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتكبتها مجموعات تابعة للحكومة السورية الموقتة منذ الثامن من ديسمبر (كانون الأول) 2024، وملاحقة المسؤولين عنها، بما في ذلك "المجازر ضد الأقليات الدينية"، وفي حال أخفقت الإدارة الأميركية في تقديم شهادة الالتزام لفترتين متتاليتين فإن الكونغرس يقوم بإعادة العقوبات فوراً حتى تلتزم سوريا بالشروط.
ووفق المراقبين في واشنطن فإن هذا التعديل الذي يقوده مشروعون بارزون داخل الكونغرس الأميركي يعكس الجدل المتصاعد حول كيفية الموازنة بين الضغط على دمشق وتقديم حوافز للإصلاح، في ظل استمرار المخاوف الإنسانية والأمنية، وفي حين يسير مجلسي الشيوخ والنواب في مسار تصادمي حول ما إذا كان ينبغي إلغاء العقوبات الشاملة المفروضة على سوريا منذ نظام الرئيس السابق بشار الأسد، وهي واحدة من القضايا النادرة التي توجد فيها تحالفات حزبية من كلا الجانبين.
محاولات للتوفيق
وتتركز المناقشات حول ما إذا كان ينبغي إلغاء "قانون قيصر" بصورة كاملة، وهو آلية عقوبات صارمة منعت تقريباً كل أشكال التعاون أو الدخول الأميركي والدولي مع نظام الأسد، وفي حين جرى إدراج إلغاء "قانون قيصر" في نسخة مجلس الشيوخ من "قانون تفويض الدفاع الوطني (NDAA) لعام 2026"، لكن مقترحاً قدمه النائب جو ويلسون الذي زار سوريا الشهر الماضي لتعديل نسخة مجلس النواب من القانون لتشمل إلغاء "قيصر"، رُفض الأسبوع الماضي.
وسيقضي المشرعون في المجلسين أسابيع في محاولة التوفيق بين النسختين، إذ يعتبر هذا القانون من التشريعات التي لا بد من تمريرها، وليس واضحاً بعد ما إذا كان بند "قيصر" سيبقى ضمن الصيغة النهائية، لكن المشرعين يسعون إلى الخروج بصيغة تحظى بغالبية الأصوات وتوحّد صفوف الجمهوريين.
غموض ترمب
ووفق صحف أميركية فإنه على رغم أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب قال إنه يريد رفع جميع العقوبات الأميركية عن سوريا لكنه لم يصدر أوامر مباشرة للكونغرس بإلغاء "قيصر" بصورة كاملة، ولم يوضح إن كان مستعداً لاستخدام صلاحياته الحالية التي تسمح له بتعليق العقوبات مدة ستة أشهر.
ويرى معارضو إلغاء العقوبات أن الحكومة السورية الموقتة برئاسة أحمد الشرع، الذي كان مصنفاً على قوائم الإرهاب الأميركية، لم يثبت بعد التزامها بالحكم الشامل وحماية الأقليات وضمان الحرية الدينية والعدالة، ووفق مقتطفات نقلها موقع "ذا هيل" من رسالة بعثها النائب الجمهوري مايك لولر إلى "جمعية العلويين في الولايات المتحدة"، قال "بصفتي رئيس اللجنة الفرعية للشؤون الخارجية الخاصة بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمجلس النواب، قدمت أخيراً قانون محاسبة العقوبات على سوريا، وهو تشريع يهدف إلى تحديث سياسة العقوبات الأميركية لمرحلة ما بعد الأسد، وهذا القانون يربط أي تخفيف محتمل للعقوبات بخطوات يمكن التحقق منها من قبل الحكومة السورية لحماية الأقليات الدينية، وهو أمر غير متضمن حالياً في 'قانون العقوبات قيصر' ويجب أن تكون سياساتنا واضحة بأن احترام الحرية الدينية ليس خياراً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولولر هو من اقترح مشروع القانون الذي صادقت عليه لجنة الخدمات المالية في مجلس النواب الأميركي في يوليو (تموز) الماضي، والذي يسمح للرئيس ترمب برفع تدرجي للعقوبات الأميركية على مدى عامين، وفقاً لمجموعة من الشروط والالتزامات التي تحتاج السلطات الانتقالية السورية إلى الالتزام بها.
وحدد القانون إطاراً زمنياً لرفع العقوبات المفروضة على سوريا بحلول الـ 31 من ديسمبر (كانون الأول) 2029، شرط التزام السلطات السورية بسلسلة من المعايير الإنسانية والسياسية، ووضع آلية لمراقبة تحقيق هذه الشروط من خلال تقارير منتظمة تقدمها وزارتا الخارجية والخزانة الأميركيتين إلى الكونغرس.
محاسبة الشرع
ويرى مؤيدو بقاء "قانون قيصر" أنه وسيلة لمحاسبة الحكومة السورية، خصوصاً بعد تفجير إرهابي استهدف كنيسة مار إلياس الأرثوذكسية في دمشق في يونيو (حزيران) الماضي، وأحداث العنف التي استهدفت مدينة السويداء في يوليو الماضي، والتي قُتل فيها نحو 2000 شخص معظمهم من الدروز بينهم نساء وأطفال، إضافة إلى مواطن أميركي، فضلاً عن العنف الذي استهدف الأقلية العلوية في الساحل السوري في مارس (آذار) الماضي.
وقال النائب الديمقراطي براد شيرمان خلال جلسة استماع "لا نتوقع الكمال ولا ديمقراطية على النموذج الجيفرسوني (نسبة إلى الرئيس الأميركي جيفرسون) في سوريا، لكن نتوقع من الحكومة أن تفعل ما بوسعها لمنع إعدام سبعة دروز، بينهم مواطن أميركي".
وضم مبني الـ "كابيتول" الأسبوع الماضي فعالية جمعت ممثلين عن الأقليات السورية، طالبوا بمزيد من الضغط على السلطات السورية الموقتة لحماية الأقليات ودعم الفيدرالية في سوريا، ونقل موقع "ذا هيل" الأميركي عن المتخصص في الشؤون الكردية سيروان كجو قوله إن "الدعوة إلى تجميد تخفيف العقوبات يمكن أن تكون ورقة ضغط"، مضيفاً أن "العقوبات في الأساس أداة لتغيير سلوك الأنظمة، ويجب ضمان أن النظام الحالي لا يستغل الانفتاح الأميركي لارتكاب فظائع بحق مكونات بما فيها السنّة".
تأييد وشكوك حول الشرع
وبينما يحظى تأييد إلغاء "قيصر" بدعم قوي من شخصيات بارزة مثل رئيس وأعضاء لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، السيناتور الجمهوري جيم ريش والديمقراطية جين شاهين والجمهوريين جوني إرنست وراند بول، فإن بعض المؤيدين لإلغاء "قيصر" لا يزالون متشككين في قدرة الشرع على الالتزام بوعوده، وخلال فعالية استضافتها اللجنة اليهودية - الأميركية الأسبوع الماضي، قالت إرنست التي سافرت في أغسطس (آب) الماضي مع وفد من الحزبين إلى دمشق للقاء الشرع، إن الأولوية القصوى لأميركا هي البقاء داخل سوريا لمنع نفوذ إيران وروسيا والصين أو هيمنة تركيا، مضيفة "هل أنا متشككة؟ نعم، هل أنا متفائلة؟ نعم أيضاً، سنمنحهم الفرصة طالما أنهم يكسبونها، لكن إذا بدأت الأمور تسوء فسنتوقف عن الدعم، وقد أوضحنا ذلك للرئيس خلال الزيارة".
فيما قالت شاهين بعد زيارتها دمشق "تحدثنا عن أهمية رفع عقوبات 'قيصر' لأنها تمنع الاستثمار والازدهار والفرص التي يتطلع إليها الناس في المستقبل، وكل من التقيناهم أقروا بأن هذه بداية لجهد طويل وصعب لضمان الأمن والازدهار".