ملخص
يثير الاتفاق الثلاثي المبرم بين أميركا والأردن وسوريا بشأن السويداء أسئلة كثيرة بشأن واقعيته وإمكانية تطبيقه في ظل جملة ظروف داخلية وخارجية تحيط به، وبخاصة بعدما رفضت اللجنة القانونية العليا في المحافظة الجنوبية الاتفاق الذي أطلق عليه اسم "خريطة الطريق" للمصالحة بين السويداء ودمشق.
رحبت أطراف داخلية وخارجية عدة بالاتفاق الثلاثي السوري- الأردني- الأميركي لإنهاء أزمة محافظة السويداء، لكن إشارات الاستفهام بشأنه صعدت فور الإعلان عنه إثر تباين النسخة المعلنة عنه عبر وزير الخارجية أسعد الشيباني، وتلك التي نشرتها وزارة الخارجية الأردنية عبر منصاتها على وسائل التواصل الاجتماعي.
اللجنة القانونية العليا في السويداء رفضت الاتفاق من خلال تفنيد بعض النقاط فيه، لكن عمان تقول إنها مع واشنطن سوف ترعى مفاوضات بين ممثلي المجتمع المحلي في المحافظة مع الحكومة من أجل إنجاز ما سمي بـ"خريطة الطريق" لتحقيق المصالحة بين دمشق والسويداء، على أمل أن يبدد الحوار مواطن الخلاف بين الطرفين.
النسخة الرسمية لـ "اتفاق السويداء" كما أعلنها الشيباني تضمنت 7 نقاط وهي محاسبة من اعتدى على المدنيين وممتلكاتهم بالتنسيق مع المنظومة الأممية للتحقيق والتقصي، ضمان تدفق المساعدات الإنسانية والطبية للمحافظة، تعويض المتضررين وترميم القرى والبلدات وتسهيل عودة النازحين، إعادة الخدمات الأساسية وتهيئة الظروف لعودة الحياة الطبيعية إلى المحافظة، نشر قوات محلية من وزارة الداخلية لحماية الطرق وتأمين حركة الناس والتجارة، كشف مصير المفقودين وإعادة كل المحتجزين والمخطوفين من كل الأطراف، إطلاق مسار للمصالحة الداخلية يشارك فيه أبناء السويداء بجميع مكوناتهم.
البيان الذي نشرته الخارجية الأردنية أوضح ما أعلنه الشيباني عبر الإفصاح عن جملة نقاط أخرى تضمنها الاتفاق، على رأسها دعوة دمشق للجنة تقصي الحقائق الأممية في سوريا إلى زيارة السويداء والبحث وراء حقيقة ما جرى في المحافظة خلال يوليو (تموز) الماضي، لتصدر تقريراً تقوم على ضوئه الحكومة السورية بمحاسبة مرتكبي الجرائم بحق الأطراف المذنبة أياً كانت خلفيتهم أو انتماءهم السياسي والاجتماعي.
من نقاط الاتفاق أيضاً مشاركة الأردن وأميركا في ضمان توصيل المساعدات الإنسانية إلى السويداء، وهذا بحد ذاته يخلق تساؤلاً جوهرياً يتردد منذ بداية الأزمة بشأن إمكانية فتح معبر إنساني من أراضي الأردن إلى المحافظة السورية، وبرأي الباحث في الشؤون الاستراتيجية عامر سبايلة فإن الاتفاق يمنح الأردن المبرر القانوني لفتح ذلك المعبر، ولكن التنفيذ العملي يحتاج لتوضيح نقاط عدة مثل من سيكون مسؤولاً عن حماية ذلك الممر الإنساني ومع من ستتعامل عمان فيه على الضفة السورية إذا ما أقدمت على هذه الخطوة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مساعدة أميركا والأردن بتأمين التمويل اللازم لإعادة إعمار المناطق والمنشآت المتضررة في المحافظة أيضاً يحتاج إلى توضيح، فالمبعوث الأميركي الخاص توم براك قال إن بلاده تدعم سوريا في استثمار مواردها الخاصة في هذا الشأن، أما عمان فلم توضح كيف سوف تساعد بتوفير الدعم المالي اللازم لإعادة الإعمار في السويداء.
الدور الأمني للحكومة السورية في حماية المحافظة وفق النسخة الأردنية يقتصر على حماية الحدود الإدارية للمحافظة وضمان أمن الطريق الذي يصلها مع دمشق، أما في الداخل فسيتم تشكيل قوة شرطية محلية من مكونات السويداء بقيادة شخصية تعينها وزارة الداخلية، وهذه خطوة يتم التوافق عليها عبر مشاورات واجتماعات ترعاها الأردن والولايات المتحدة وتجمع الحكومة السورية مع المجتمعات في المحافظة الجنوبية.
ليس فقط القوة الشرطية التي ستتمخض عن الاجتماعات والحوارات وإنما أيضاً إعادة تفعيل المؤسسات المدنية والإدارية في المحافظة بالتنسيق بين المجتمع المحلي ومؤسسات الدولة، والسؤال الأبرز هو من سيفاوض عن السويداء في كل هذا؟
في حديثه مع "اندبندنت عربية" من العاصمة الأردنية عمان، يقول سبايلة إن غياب أعضاء اللجنة العليا في السويداء أو ممثلين عن الشيخ حكمت الهجري في الاجتماعات المرتقبة يعني أن الاتفاق الثلاثي ولد ميتاً أصلاً، على حد تعبيره، ذلك لأن هؤلاء هم الطرف الأساسي في المصالحة وتغييبهم لن يعالج الأزمة بل سيزيدها سوءاً ويزيد عمرها، فالحكومة السورية لا تمثلهم ومن تتعامل معهم دمشق من أبناء المحافظة لا يمثلون السويداء ولا نفوذ لهم فيها، كذلك فإن الأردن لا تستطيع التحدث بالنيابة عن هذا الطرف الفاعل على الأرض.
في بيان نشره المكتب الإعلامي للجنة القانونية العليا في السويداء عبر وسائل التواصل، قالت اللجنة إنها بعد دراسة متأنية لما ورد في بيان الخارجية السورية، تؤكد على التناقض بين دعوة لجنة التحقيق الدولية المستقلة الخاصة بسوريا إلى المحافظة وتطبيق المحاسبة وفق القانون السوري، كذلك لفتت إلى أن البيان يصور الحكومة السورية كطرف محايد يسعى إلى المصالحة بينما "هي وأجهزتها الأمنية والعسكرية شريكاً مباشراً في المجازر والانتهاكات التي طاولت آلاف المدنيين بين قتلى ومفقودين ومختطفين".
أشارت اللجنة إلى أن "الأجهزة القضائية السورية مسيّسة وتابعة للسلطة التنفيذية وغير قادرة على توفير أي ضمانات لمحاكمات عادلة". وفي الحديث عن مجالس محلية وقوات شرطية مشتركة قالت اللجنة إنها "محاولة فرض وصاية جديدة على السويداء وزرع الفتنة بين أبنائها عبر الدفع بأسماء فقدت الشرعية المجتمعية وخانت قضايا أهلها".
تلمح اللجنة العليا هنا إلى قرار الحكومة السورية بتعيين شخص اسمه سلمان عبد الباقي كقائد للأمن في السويداء بينما يتهمه سكان المحافظة بالتآمر مع الميليشيات المسلحة التي ارتكبت الجرائم بحقهم في تموز الماضي، لذا هو يعيش خارج المحافظة ولا يستطيع الوصول لمركز المدينة حيث تقع المؤسسات الرسمية للدولة.
على ضوء ما سبق أكدت اللجنة أن السويداء تتمسك بتحقيق دولي ومحاكمة دولية بشأن ما شهدته المحافظة، كذلك جددت التمسك بمطلب حق تقرير المصير الذي تحاول فعاليات مختلفة في المحافظة إقراره عبر الأمم المتحدة والمنظمات ذات الصلة.
باراك قال في منشور عبر "إكس" إن المصالحة في السويداء تبدأ بخطوة، واعتبر أن "خريطة الطريق" التي تم توقيعها أمس في دمشق مع الشيباني ووزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي حول السويداء لم ترسم مساراً للتعافي فحسب، بل مساراً يمكن للأجيال القادمة من السوريين أن تسلكه وهم يبنون وطناً يتمتع بالمساواة في الحقوق والواجبات للجميع".
يثير الصحافي السوري لؤي غبرة تساؤلاً آخر يتعلق بنجاعة "خريطة الطريق" لإنهاء أزمة السويداء يدور حول الموقف الإسرائيلي منه، ويقول إن الاتفاقية الثلاثية تمهد بشكل أو بآخر لاتفاق أمني بين سوريا وإسرائيل لم يبرم بعد، منوهاً إلى أن الوزير الصفدي كان واضحاً عند الإشارة خلال الإعلان عن "خريطة الطريق" على أهمية مراعاة الاعتبارات الأمنية الإسرائيلية في الجنوب السوري، وهذا يقود إلى حقيقة ربط حوار دمشق وتل أبيب بالاتفاق الثلاثي، فإن فشل أحدهما انهار الآخر بشكل تلقائي.
ويلفت غبرة إلى أن دمشق مهتمة بالاتفاق الأمني مع إسرائيل وتعيش تحت ضغوط أميركية كبيرة من أجل إنجازه خلال مشاركة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى نيويورك خلال سبتمبر (أيلول) الجاري، لكن الشروط الإسرائيلية كما ترد عبر التقارير الإعلامية تبدو قاسية والقبول بها لن يمنح حكومة الشرع الضوء الأخضر للسيطرة على السويداء كما يظن البعض، وإنما سيعزز موقف المحافظة في أي مفاوضات مقبلة مع دمشق إن كان هذا هو الخيار اليتيم ولم ينجح أهل السويداء بالحصول على حق تقرير المصير.