ملخص
في ظل غياب سياسة فيدرالية موحدة ووجود روبرت كينيدي جونيور المشكك في سياسة اللقاحات على رأس وزارة الصحة، باتت قرارات التطعيم في الولايات المتحدة خاضعة للتجاذبات السياسية، إذ تتجه ولايات ديمقراطية لتعزيز الوصول إلى اللقاحات، بينما تتراجع أخرى عنها، مما يهدد بتفكك نظام الصحة العامة.
خلال جلسات التصديق على تعيينه في يناير (كانون الثاني) الماضي وعد روبرت كينيدي جونيور أعضاء مجلس الشيوخ بأنه لن يتخذ أي إجراءات تقيد وصول الناس إلى اللقاحات في الولايات المتحدة، ولكن بعد مرور سبعة أشهر على توليه منصب وزير الصحة والخدمات الإنسانية، يبدو أن وعده يتبدد شيئاً فشيئاً.
روبرت كينيدي جونيور، المشكك في أهمية اللقاحات، أجرى تغييرات مفاجئة في القوانين التنظيمية أفضت إلى تقسيم البلاد على أسس حزبية وجغرافية، مما دفع متخصصين في الصحة العامة إلى التحذير من حالة ارتباك غير مسبوقة في سياسات التطعيم مع ابتعاد عدد من الولايات عن إرشادات إدارة الرئيس دونالد ترمب.
في الواقع، لم تعرف أي هيئة تحت قيادة روبرت كينيدي جونيور اضطرابات مماثلة في حجمها وتأثيرها كما "مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها" الأميركية (اختصاراً "سي دي سي")، التي طالما كانت الجهة المسؤولة عن التوصية باللقاحات للأميركيين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي يونيو (حزيران) الماضي أقيل جميع الخبراء الـ17 الأعضاء في مجموعة استشارية مستقلة معنية بالتطعيم، وعين مكانهم عدد من الأشخاص المعروفين بترويجهم مواقف مناهضة اللقاحات. وادعى روبرت كينيدي جونيور أن هذا التغيير كان ضرورياً "لإعادة بناء ثقة الجمهور في علم اللقاحات".
كذلك ألغى الوزير تمويلاً اتحادياً بقيمة 500 مليون دولار كان مخصصاً لتطوير لقاحات تستخدم تكنولوجيا "الحمض النووي الريبوزي المرسال" (اختصاراً "أم آر أن أي" mRNA) [في إشارة إلى نوع الحمض النووي الوراثي الذي تستند إليه] المضادة لفيروسات تسبب أمراضاً مثل الإنفلونزا و"كوفيد-19". وفي أواخر أغسطس (آب) الماضي أقيلت سوزان موناريز مديرة "مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها"، من منصبها بعد أسابيع قليلة فقط من تسلمها مهامها.
في الوقت نفسه قلصت "إدارة الغذاء والدواء" الأميركية نطاق الموافقة على الجرعات المحدثة من لقاحات "كوفيد- 19" للأشخاص دون الـ65 من العمر، لتقتصر على من يعانون حالة صحية مزمنة واحدة في الأقل. ولا يحق لأي شخص آخر الحصول عليها، حتى من يعيشون مع أفراد معرضين لأخطار صحية عالية.
وإذ يقترب موسم الأمراض الفيروسية بسرعة، تعيش الولايات حالاً من التخبط. فبينما يعمل بعض المسؤولين والأطباء وشركات التأمين في الخفاء لضمان استمرارية وصول الناس إلى اللقاحات، يبدو أن آخرين قد سلكوا اتجاهاً معاكساً.
الأربعاء الماضي، وقبيل جلسة الاستماع المثيرة للجدل التي خضع فيها روبرت كينيدي جونيور للاستجواب أمام لجنة المالية في مجلس الشيوخ، أعلنت ولايات واشنطن وأوريغون وكاليفورنيا، إضافة إلى هاواي، اتحادها في إطار ما سمته "تحالف الصحة في الساحل الغربي" West Coast Health Alliance، بهدف إصدار توصياتها الخاصة في شأن اللقاحات [بعيداً من الوكالة الفيدرالية "سي دي سي"]، ومواجهة ما وصفته بـ"الدمار" الذي لحق بـ"مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها".
ويهدف التحالف الجديد للولايات الغربية ذات التوجه الديمقراطي إلى تزويد السكان بالبيانات العلمية المتعلقة بسلامة اللقاحات وفاعليتها، وإصدار إرشادات في شأن اللقاحات الخاصة بالأمراض التنفسية مثل "كوفيد-19" والإنفلونزا، فضلاً عن مجموعة متنوعة من تطعيمات الأطفال.
لم تمضِ ساعات حتى أعلنت فلوريدا أنها ستكون الولاية الأولى التي تلغي إلزامية اللقاحات في المدارس، في قرار يبدو متناقضاً مع آراء أولياء الأمور في الولاية، الذين عبروا، وفق استطلاع رأي حديث أجرته "مؤسسة كايزر العائلية" [الرائدة في مجال السياسات الصحية] ومجلة "واشنطن بوست"، عن دعم واسع لشروط تلقيح الأطفال.
يتزعم هذا التحول المدير العام للخدمات الصحية في فلوريدا، جوزيف لادابو، الذي دان شروط الإلزامية واعتبرها انتهاكاً لاستقلالية الجسم، وقال خلال مؤتمر صحافي في تامبا إن "كل شرط إلزامي منها خاطئ ويفيض بالازدراء والاستعباد."
كذلك أعرب حاكم فلوريدا رون ديسانتيس عن دعمه هذا القرار، ولكن ليس واضحاً بعد ما إذا كان تنفيذه سيحتاج إلى موافقة المجلس التشريعي في الولاية.
ولكن على النقيض، سلكت بعض الولايات اتجاهاً معاكساً.
مثلاً، أصدر مسؤولون في ولايات نيو مكسيكو وماساتشوستس وبنسلفانيا وكولورادو قرارات تسمح للصيدليات بتقديم اللقاحات المضادة لـ"كوفيد-19" من دون الحاجة إلى وصفة طبية.
كذلك أصدرت حاكمة ماساتشوستس ماورا هيلي الخميس الماضي توجيهاً يلزم شركات التأمين تغطية جميع التطعيمات التي توصي بها إدارة الصحة العامة في الولاية، بدءاً باللقاحات الروتينية للأطفال وصولاً إلى لقاح الحصبة، بغض النظر عما إذا كانت معتمدة أو موصى بها من جهات فيدرالية أم لا [مثل "مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها"].
وانضمت حاكمة نيويورك كاثي هوشول إلى الولايات التي يحكمها الديمقراطيون، إذ وقعت أمراً تنفيذياً الجمعة الماضي يهدف إلى حماية الوصول شبه الشامل إلى لقاحات "كوفيد-19" في الولاية. ويظل إعلان حال الكارثة ساري المفعول حتى الخامس من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، مما يسمح للصيادلة بإعطاء اللقاحات المضادة للفيروس للمرضى الذين تبلغ أعمارهم ثلاث سنوات فما فوق.
وفي مينيسوتا أيضاً وقع الحاكم تيم والز أمراً تنفيذياً مشابهاً الإثنين الماضي يقضي بإمكان الوصول إلى لقاحات "كوفيد-19".
أما إدارة الصحة في نيوجيرسي فذهبت في قراراتها خطوة أبعد الأربعاء الماضي، وذلك بتوسيع نطاق الوصول إلى لقاحات "كوفيد-19" ليشمل كل شخص يبلغ من العمر ستة أشهر أو أكثر.
الأربعاء الماضي أيضاً سمحت مفوضة إدارة الصحة في فرجينيا كارين شيلتون للبالغين في الـ65 من العمر فأكثر، والأشخاص الذين تراوح أعمارهم ما بين 18 و64 سنة ويكابدون حالات صحية معينة، بالحصول على لقاحات كورونا في الصيدليات من دون الحاجة إلى وصفة طبية.
أما ولاية إلينوي فلم تحسم موقفها بعد، فيما تواصل إدارة الصحة فيها مشاوراتها مع متخصصين في الطب حول مسألة اللقاحات، ومن المتوقع صدور توجيهات رسمية بحلول نهاية سبتمبر (أيلول) الجاري.
وفي تصريح إلى "واشنطن بوست" قال رئيس الموظفين السابق في "مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها" كايل مكغوان خلال الإدارة الأولى لترمب إنه "في غياب توجيهات قيادية على المستوى الفيدرالي، سيكون لكل ولاية من الولايات الـ50 سياسة مختلفة في شأن إلزامية اللقاحات".
وأضاف مكغوان "شهدنا [هذا التباين في الإجراءات الخاصة باللقاحات] أيضاً في المراحل الأولى من جائحة "كوفيد-19"، حين اتخذت كل ولاية قراراتها الخاصة بناء على ما ظنته صواباً وسط الفوضى وعدم وضوح الرؤية على المستوى الفيدرالي".
© The Independent