ملخص
لم يكن سيناريو "استهداف رجال 'حماس' في الخارج" خارج احتمالات قادة الحركة، إذ تقول "وول ستريت جورنال" إن قادة "حماس" "تلقوا تحذيراً غامضاً خلال الأسابيع التي سبقت الهجوم، لكنه صارم مفاده شددوا إجراءات الأمن حول اجتماعاتكم"، بحسب ما أبلغه لهم مسؤولون مصريون وأتراك. مشيرة إلى أنه مع انهيار محادثات وقف إطلاق النار، طالبت إسرائيل فعلياً باستسلام "حماس"، وهدد وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس بالقضاء على قادة الحركة في الخارج إذا لم يلق المقاتلون سلاحهم.
بعد أسابيع طويلة من التنقل في أنحاء مختلفة من الشرق الأوسط، أخيراً قرر قادة حركة "حماس" الكبار السفر نهاية الأسبوع الماضي إلى مقر الحركة في العاصمة القطرية الدوحة، وعلى جدول الأعمال هذه المرة "مناقشة خطة أميركية جديدة لوقف إطلاق النار في غزة، تحظى على ما يبدو بدعم إسرائيل"، هذا الاجتماع النادر أتاح الفرصة للمسؤولين الإسرائيليين الذين قرروا ألا يمنعهم أي محظور من اغتنامها، حتى لو كان ذلك على حساب توتر العلاقات مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين وقطريين وعرب آخرين، فضلاً عن أشخاص في الجيش والحكومة الأميركية، تسرد "وول ستريت جورنال" تفاصيل عملية "قمة النار" التي استهدفت خلالها تل أبيب قادة "حماس" في قطر، وذلك بعد تعهدها بـ"تعقب وقتل كل عضو في الحركة متورط في هجمات السابع من أكتوبر 2023 في أي مكان في العالم"، متجاوزة في هذا ما كان محظوراً سابقاً بالنسبة إلى استهداف قادة "حماس" في قطر حليفة الولايات المتحدة الأميركية.
"ضوء أخضر" على رغم المحاذير
بحلول ظهر الثلاثاء، التاسع من سبتمبر (أيلول)، أعطى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الضوء الأخضر لشن "هجوم جريء" على الأراضي القطرية، استهدف منزلاً يستخدمه قادة من "حماس" في الضواحي الشمالية للدوحة، وهو المكان نفسه الذي احتفل فيه قادة الحركة بهجمات السابع من أكتوبر، وفق تبرير نتنياهو.
مثلت تلك العملية، حين أطلقت أكثر من 10 مقاتلات إسرائيلية ذخائر بعيدة المدى على المنزل، مما تسبب بانفجارات دوت في أرجاء العاصمة القطرية، تصعيداً حاداً في تكتيكات إسرائيل ضد الحركة التي تصنفها الولايات المتحدة "منظمة إرهابية"، إذ استهدف قادتها في دولة ذات سيادة تتوسط في محادثات السلام في غزة وتستضيف أهم قاعدة جوية أميركية في المنطقة.
وفق التحرك الإسرائيلي، فقد كان الهدف استهداف قادة "حماس" ومن بينهم خليل الحية وزاهر جبارين، وهما شخصيتان سياسيتان توجهان علاقات الحركة الدولية وتساعدان في جمع الأموال لكنهما لا يشاركان في القتال مثل الجناح العسكري في غزة، إلا أنه بحسب ما أعلنت "حماس" لاحقاً فقد نجا قادة الحركة من الضربة، بينما قتل خمسة من الأعضاء الأدنى رتبة، ولم تعلق إسرائيل حتى الآن على نتائج الهجوم.
تقول "وول ستريت جورنال" إنه "حتى لو لم تصب الضربة أهدافها المقصودة، فقد بعثت برسالة واضحة، بأن إسرائيل ستظهر قليلاً من الاكتراث للخطوط الحمراء أو التداعيات الدبلوماسية، ولم تعد الملاذات القديمة آمنة بصورة موثوقة"، مشيرة إلى تصريحات نتنياهو التي أعقبت الضربة وقال خلالها مساء الثلاثاء "انتهت الأيام التي كان يتمتع فيها قادة الإرهاب بالحصانة في أي مكان".
تحذيرات مصرية تركية "مسبقة"
لم يكن سيناريو "استهداف رجال 'حماس' في الخارج" خارج احتمالات قادة الحركة، إذ تقول الصحيفة الأميركية إن قادة "حماس" "تلقوا تحذيراً غامضاً خلال الأسابيع التي سبقت الهجوم، لكنه صارم مفاده شددوا إجراءات الأمن حول اجتماعاتكم"، بحسب ما أبلغه لهم مسؤولون مصريون وأتراك. مشيرة إلى أنه مع انهيار محادثات وقف إطلاق النار، طالبت إسرائيل فعلياً باستسلام "حماس"، وهدد وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس بالقضاء على قادة الحركة في الخارج إذا لم يلق المقاتلون سلاحهم.
وبالفعل، تضيف "وول ستريت جورنال" بدأت إسرائيل التحضير منذ أشهر لهجوم معقد يستهدف قادة "حماس" خارج غزة، بعدما قتلت بالفعل معظم القادة العسكريين البارزين للحركة داخل غزة، ومن بينهم يحيى السنوار ومحمد ضيف، مهندسا هجمات السابع من أكتوبر. فضلاً عن تنفيذها بنجاح عمليات عسكرية واستخباراتية خارج حدودها "أظهرت قدرة فائقة واستعداداً لاستخدام قوتها"، لا سيما بعدما اغتال عملاء استخبارات إسرائيليون رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية في دار ضيافة عسكرية شديدة الحراسة في طهران في نهاية يوليو (تموز) 2024، وأصابوا آلافاً من عناصر "حزب الله" اللبناني عبر تفجير أجهزة النداء الخاصة بهم في وقت متزامن في سبتمبر (أيلول) 2024.
وعليه، تمضي الصحيفة في تقريرها، "طور سلاح الجو الإسرائيلي تكتيكات للهجوم على مسافات بعيدة من خلال ضربات متكررة على ميليشيات الحوثي في اليمن ومئات الطلعات فوق إيران، تجاوز كل منها مسافة 1000 ميل".
تجاوز عائق "المسافة" بأسلحة موجهة
وأمام العمليات النوعية التي نفذتها إسرائيل خارج حدودها طوال العامين الماضيين، تقول "وول ستريت جورنال" إن الهدف الآن الدوحة، تلك المدينة الساحلية التي تمتلئ بناطحات السحاب اللامعة والجزر الاصطناعية مع الأسواق العربية التقليدية، والتي تقيم فيها "حماس" لأكثر من عقد، في ترتيب حظي بموافقة ضمنية من الولايات المتحدة لإبقاء قنوات خلفية مفتوحة مع الحركة لا يستطيع المسؤولون الغربيون التحدث إليها علناً.
ولإتمام العملية خصصت إسرائيل ما لا يقل عن 10 مقاتلات حربية، كل منها محملة بصواريخ بعيدة المدى "خلف الأفق" قادرة على إصابة أهدافها من مسافة آمنة، وكان الهدف أن تفاجأ قيادات "حماس" أثناء اجتماع لهم، لقتل أكبر عدد ممكن منهم مع تقليل الخسائر غير المقصودة.
لكن ماذا عن تحدي المسافة، تقول الصحيفة الأميركية، إن المسافة بين تل أبيب والدوحة تتجاوز 1000 ميل (16093.47 كيلومتر) ، إلا أن المقاتلات الإسرائيلية استطاعت الاقتراب بما يكفي لاستخدام صواريخ موجهة بعيدة المدى من دون التحليق مباشرة فوق الأجواء الحساسة للسعودية أو الإمارات. ونقلت عن عامير أفيفي، وهو مسؤول عسكري كبير سابق مقرب من الحكومة الحالية قوله، "يمكنك أن تطلق من مسافة بعيدة جداً، ولست في حاجة إلى أن تكون فوق قطر لفعل ذلك".
وعادة ما يقسم القادة السياسيون لـ"حماس" وقتهم بين قطر ومصر وتركيا، وقد توافدوا إلى الدوحة خلال عطلة نهاية الأسبوع لمناقشة خطة أميركية جديدة لإنهاء الحرب، ودعت الولايات المتحدة الحركة إلى تسليم ما تبقى لديها من رهائن مقابل إفراج إسرائيل عن أسرى فلسطينيين، وضمان أميركي ببدء محادثات لإنهاء الحرب، بحسب ما قاله مسؤولون عرب مطلعون على المناقشات.
ورأى الوسطاء أن الاقتراح غير قابل للتنفيذ، إذ كان غير متوقع من "حماس" أن تتخلى عن ورقتها الضاغطة من دون معالجة أي من القضايا المعقدة المتعلقة بإنهاء الحرب، لكن "حماس" كانت تحت ضغط شديد بسبب الدمار الناجم عن الحرب والضغوط الأميركية للقبول بصفقة.
وكتب الرئيس الأميركي دونالد ترمب الأحد على وسائل التواصل الاجتماعي "لقد قبل الإسرائيليون بشروطي، وحان الوقت لكي تقبل 'حماس' أيضاً. لقد حذرت 'حماس' من عواقب عدم القبول، وهذا تحذيري الأخير، ولن يكون هناك غيره"، وعليه كان من المقرر أن يجتمع قادة "حماس" الثلاثاء لمناقشة الاقتراح، وعند الظهر بتوقيت إسرائيل، جمع نتنياهو قادته الأمنيين وأعطى الإذن بالهجوم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبحسب "وول ستريت جورنال، فمع اقتراب المقاتلات الإسرائيلية من تنفيذ الهجوم، أبلغ الجيش الإسرائيلي نظراءه الأميركيين بأن هجوماً على أهداف تابعة لـ"حماس" في الدوحة وشيك قبل دقائق من إطلاق الصواريخ، لكنه لم يكشف عن الموقع الدقيق، بحسب ما قاله مسؤولون أميركيون. مضيفة أن المسؤولين العسكريين الأميركيين شاهدوا إطلاق الصواريخ واستنتجوا الهدف، وقال مسؤول أميركي إن قائد القيادة المركزية الأميركية، الأدميرال براد كوبر، علم بالضربة وهو في طريقه إلى القاهرة وتحدث مع رئيس هيئة الأركان المشتركة. وذلك في وقت قال فيه البيت الأبيض إن الجيش أبلغ الرئيس ترمب، الذي وجه بدوره مبعوثه الخاص ستيف ويتكوف لإخطار قطر.
تنفيذ العملية
ووفق "وول ستريت جورنال" أطلقت المقاتلات الإسرائيلية أكثر من 10 صواريخ على مكاتب "حماس" في الدوحة من خارج الأجواء القطرية، وأظهر مقطع فيديو تحققت منه منصة "ستوري فول" المملوكة لحظة الانفجار، حيث هرع الناس للركض مع دوي انفجارات هائلة، وأظهرت مقاطع أخرى موثقة تصاعد الدخان فوق العاصمة القطرية.
وما كان لافتاً، فبخلاف الهجمات الإسرائيلية السابقة في سوريا ولبنان وإيران، حيث عملت تل أبيب للحفاظ على غطاء من الإنكار، تبنت هذه المرة الضربة مباشرة عبر إعلان رسمي للجيش في إشارة أخرى إلى أن "القواعد القديمة تتغير"، تقول ""وول ستريت جورنال"، مشيرة إلى أنه وفي القدس، بينما كانت أخبار الهجمات تتكشف، كانت السفارة الأميركية تستضيف احتفالاً متأخراً بعيد الاستقلال في الرابع من يوليو، بعدما كان قد ألغي خلال حرب إسرائيل مع إيران، وهي الأمسية التي خاطب فيها نتنياهو في نهايتها، الحضور مازحاً وسط تصفيق حار بأنه كان يأمل في أن يتحدث في وقت أبكر من المساء، لكنه كان "مشغولاً بأمر آخر".
أما في البيت الأبيض فكان المشهد أقل احتفالية، حيث عمل المسؤولون على إدارة التداعيات الدبلوماسية لهجوم نفذه حليف أميركي ضد آخر، وقالت قطر إن أميرها الشيخ تميم آل ثاني تحدث مع ترمب ودان الهجوم، وكذلك فعلت كل الدول العربية.
وفي وقت لاحق من مساء الثلاثاء، قال ترمب للصحافيين إن إسرائيل لم تخطره مسبقاً بالضربة، مضيفاً أنه كان "غير سعيد جداً بكل جانب" من العملية، كذلك في الدوحة وفي وقت متأخر من الثلاثاء، كانت الإجراءات الأمنية مشددة، وقال مسؤول في "حماس" إنه لم يتمكن بنفسه من الوصول إلى موقع الهجوم بعدما طوق بالكامل، وأضاف أن أعضاء الحركة كانوا يرفضون لقاء الغرباء ويلتزمون الاختباء، وقال "التهديد الأمني لم ينته بعد".