Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نتنياهو وبن غفير يشعلان حربا ضد القضاة عنوانها "تجويع الأسرى"

حذرت جمعيات حقوقية من أن الإجراءات التي اتخذت مناقضة كلياً لقوانين حقوق الإنسان وتعرض تل أبيب لمساءلات دولية

نتنياهو وبن غفير هاجما المحكمة العليا بالقول "نحن لا نسهّل على أعدائنا وأنتم أيضاً يجب ألا تمنحوا أية تسهيلات" (رويترز)

ملخص

عدد الأسرى الأمنيين الفلسطينيين يتزايد يومياً وتجاوز 11 ألف أسير وأسيرة، ثلثهم يقضون سجناً إدارياً بانتظار محاكمتهم، من دون لائحة اتهام. وبحسب معطيات "نادي الأسير الفلسطيني" فإن هذا العدد هو الأعلى منذ اندلاع "انتفاضة الأقصى" عام 2000.

من قلب القدس، حيث وصل رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الأمن القومي ايتمار بن غفير إلى موقع عملية إطلاق الرصاص على الحافلة التي أدت إلى مقتل ستة أشخاص وإصابة آخرين، انطلق لهيب حرب جديدة بين المحكمة الإسرائيلية العليا والحكومة بعد إصدار الأولى قراراً يلزم إدارة السجون الإسرائيلية بمسؤولية بن غفير عن وقف سياسة تجويع الأسرى الفلسطينيين الذين يتعرضون منذ أشهر طويلة لمختلف أشكال التنكيل والتعنيف الجسدي والنفسي إلى جانب إجراءات مشددة وضعها بن غفير الذي يحرمهم من تناول الحد الأدنى من حاجاتهم المعيشية، وهي سياسة اتبعها بهدف تجويع الأسرى الفلسطينيين كعقاب جراء حرب "طوفان الأقصى" ووجود 58 أسيراً إسرائيلياً بين حي وميت في أنفاق غزة.

نتنياهو وبن غفير هاجما المحكمة العليا بالقول "نحن لا نسهل على أعدائنا، وأنتم أيضاً يجب ألا تمنحوا أية تسهيلات"، وقال بن غفير "فقط المحكمة العليا سهلت في ظروف النخبة، القتلة، وقررت أنه يجب التدخل في قائمة طعامهم. أصدقائي، هذه ليست لعبة. حينما تفعل المحكمة العليا أمراً كهذا فهي ترسل رسالة إلى المخربين. أنا أقول لقضاة المحكمة، لن يتم ذلك. أن تأتوا الآن وتتدخلوا في قائمة طعام النخبة، على رغم تأكيد مختلف الجهات أن هذا يضيف ردعاً، فهذا قرار لن يقوم ولن يكون. ظروف السجن تضيف ردعاً".

هذه التصريحات أثارت انتقاداً واسعاً لاستغلال حادثة أمس الإثنين موقع العملية لمهاجمة المحكمة، مما دفع بإدارة المحاكم إلى الرد بالقول "من المؤسف أنه في يوم وقع فيه هجوم قاسٍ كهذا، اختيار مهاجمة المحكمة العليا. هذا تصريح مؤسف".

وكانت المحكمة الإسرائيلية قبلت التماساً تقدمت به جمعية حقوق المواطن ومنظمة "غيشا" ضد مصلحة السجون الإسرائيلية بعد وضع سياسة جديدة متعلقة بتقديم الطعام للأسرى الفلسطينيين الأمنيين، بينهم أسرى النخبة الذين اعتقلوا بعد السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وكان الالتماس قدم بعد كشف أسري أمنيين معاناتهم داخل السجون الإسرائيلية جراء فرض بن غفير سياسة جديدة على نوعيات وكميات الطعام التي تقدم إلى الأسرى، إضافة إلى عقوبات أخرى من بينها عدم خروجهم إلى فرص أو إمكان شراء طعام. ويعتمد الالتماس على شهادات أسري أمنيين أفرج عنهم في صفقة الأسرى الأخيرة، وقد كشفوا عن أنهم عانوا جوعاً شديداً ودائماً جودة طعام متدنية جداً.

معسكرات تعذيب

القرار الذي يعد استثنائياً كونه يتعلق أيضاً بأسرى النخبة الذين يقضي عدد كبير منهم في سجن تحت الأرض، على رغم أنه لا يشمل كلمة تجويع، أثار أيضاً معارضة من قبل مسؤولين وجهات يمينية اعتبروا أن تعامل المحكمة مع الأسرى الفلسطينيين الأمنيين، عموماً، وأسرى النخبة بصورة خاصة، بمساواة مع بقية الأسرى، هو أمر لا يتناسب مع أجواء الحرب الحالية. وعدت المحكمة أن "المعايير الدنيا التي تلتزمها الدولة تجاه أي إنسان تحت احتجازها، مهما كان، يجب أن تُصان حتى في أصعب الأوقات. ليس فقط لأن القانون يفرض ذلك، بل حفاظاً على إنسانيتنا".

وحذرت جمعيات حقوقية من عدم تنفيذ قرار المحكمة كون الإجراءات التي اتخذت هي مناقضة كلياً لقوانين حقوق الإنسان وتعرض إسرائيل أمام مساءلات دولية.

المحامي عوديد فيلر المستشار القانوني لجمعية حقوق المواطن قال إن الأسرى الأمنيين الفلسطينيين يتعرضون منذ نحو عامين لمختلف صور التعذيب "خلال هذه الفترة تحولت السجون الإسرائيلية إلى معسكرات تعذيب، وبحسب شهادات بعض الأسرى المحررين فهناك تصعيد متزايد بانتهاكات أبسط حقوقهم"، وبحسب الحاجة المطلبية اليوم أضاف فيلر "يتوجب بصورة فورية تطهير مصلحة السجون من الفكر الكاهاني الذي تغلغل فيها وضمان التنفيذ الفوري والكامل لقرار المحكمة".

معجون أسنان لرفع نسبة السكر

بحسب شهادات أسرى فمنذ السابع من أكتوبر عام 2023 بعد يوم من هجوم حركة "حماس" على إسرائيل واندلاع الحرب بدأت مصلحة السجون الإسرائيلية باتباع سياسة تجويع ضد الأسرى الفلسطينيين.

بعض الأسرى الذين رفضوا الكشف عن هويتهم خشية ملاحقتهم من قبل إسرائيل واعتقالهم من جديد أكدوا أنهم عانوا جوعاً دائماً وقاسياً ورداءة شديدة في نوعية الطعام، أحدهم مريض بداء السكري اضطر لأكل معجون الأسنان لرفع مستوى السكر في دمه، فهو، كبقية الأسرى المرضى، لم يتلق العلاج الضروري ولم يتم نقله إلى عيادة أو مستشفى عند تدهور وضعهم الصحي. واللافت أن نسبة عالية من الأسرى فقدوا عشرات الكيلوغرامات من أوزانهم خلال الأشهر الماضية، "هذه السياسة ترقى إلى حد التجويع والتعذيب، وتشكل انتهاكاً للقانون الإسرائيلي والقانون الدولي، وتمس بحق الأسرى الدستوري في الكرامة والصحة، كما تعد عقوبة جماعية وتخرق واجب مصلحة السجون في توفير ظروف إنسانية للمعتقلين". وجاء في قرار المحكمة الذي أوضع خطورة ما تتبعه مصلحة السجون، بل وبحسب جهات قانونية فلسطينية، ما يجري قد يعرض بن غفير ومسؤول مصلحة السجون لمساءلات أمام المحكمة الدولية.

"توفير الطعام ليس وسيلة عقاب، ولا يجوز إدخال اعتبارات غير موضوعية في إعداد وجبات الأسرى"، كتبت المحكمة الإسرائيلية في قرارها، مؤكدة أن "القانون واضح في هذا الشأن، ويلزم تزويد كل أسير بالغذاء الكافي والمناسب للحفاظ على صحته، ولا شيء غير ذلك".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

حمية بن غفير

بن غفير لم يكتفِ بفرض هذه العقوبات والإجراءات، بل دعا داعميه إلى الترويج لنتائج هذه السياسة، وخرجوا بحملة تحت عنوان "حمية بن غفير"، ونشروا عديداً من مقاطع الفيديو تظهر صور أسرى فلسطينيين محررين وهم يعانون ضعفاً شديداً ونقصاً كبيراً في الوزن.

وبحسب السياسة التي فرضها بن غفير فإن فطور الأسير الأمني يشمل أربع شرائح من الخبز وبيضة وطحينة أو حمصاً، إضافة إلى بندورة أو خيار أو فلفل، أما وجبة الغداء فتشمل نوعاً واحداً من النشويات بزنة 150 غراماً و100 غرام من لحم الحبش أو التونة أو بيضة، أما وجبة العشاء فتشمل شريحة خبز مع تونة أو جبناً أو حمصاً.

واتضح أن الطعام المقدم للأسرى غير طازج، وأحياناً لم يتم طهيه كما يجب، وقد أكد أكثر من سجين أمني أن وجبات ما كان يمكن تناولها بسبب رداءة وضعها. ولم تقتصر معاناة الأسرى على الطعام وشحه أو نوعيته، إنما على حرمانهم من أبسط متطلبات الحياة اليومية وزج عديد منهم في زنازين فترة طويلة، حتى الملابس التي تعطى للأسرى الجدد لا تُلائم مقاسهم.

"لا يحق لنا المطالبة بمعاملة أسرانا بإنسانية"

الجنرال احتياط أرنون هرئيل، وهو أيضاً ناشط سياسي، اعتبر أن استمرار التنكيل بالأسرى الفلسطينيين وحقيقة ما يعانونه داخل السجون، وما تعكسه مشاهد من فقدوا عشرات الكيلوغرامات من وزنهم أو يعانون أمراضاً "لا تمنحنا الحق بمطالبة التعامل مع أسرانا الأحياء لدى (حماس) بإنسانية"، وفي رأيه "حقوق الإنسان غير قابلة للتقسيم، وقد سقط من النقاش الإسرائيلي حول الظروف الصعبة التي يحتجز فيها الأسرى الإسرائيليون أن إسرائيل نفسها تتصرف بصورة مشابهة، بل تفتخر بذلك، وبأننا نتصرف بهذه الصورة مع آلاف الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين". وبحسبه أيضاً فإن "(حماس) وإسرائيل تحتجزان أسرى في ظروف تنتهك حقوقهم، كلتاهما تستغل احتجازهم كأداة مساومة، وكلتاهما تمارس عقاباً جماعياً. الفرق هو بالعدد وبالمعاملة: (حماس) تحتجز العشرات وإسرائيل تحتجز الآلاف. (حماس) تعمل في واقع من نقص وبنى تحتية متداعية، بينما إسرائيل دولة ذات نظام سجون منظم، تختار أن تشدد بصورة منهجية الظروف، بل وتعلن أن هذه هي سياستها". وتابع هرئيل "الأمر لا يتعلق فقط بتفاصيل تقنية عن ظروف معيشة. هنا رسالة أخلاقية عميقة: إسرائيل تطالب (حماس) بمعاملة إنسانية للأسرى، لكنها تتجاهل الطريقة التي تنتهك بها بنفسهاً حقوقاً أساسية للأسرى الفلسطينيين. عندما قام وزير الأمن القومي بزيارة إذلال إعلامية في جناح العزل لقيادي الأسرى الفلسطينيين مروان البرغوثي تباهى بتشديد ظروفهم. وعندما يعرض مسؤولون في المنظومة الأمنية ذلك كإنجاز، فإنهم يبعثون للمجتمع الإسرائيلي وللعالم كله رسالة أن النفاق هو القاعدة: نحن مسموح لنا، لهم ممنوع". ولفت هرئيل إلى أن "هذه الازدواجية تعرض أيضاً الأسرى الإسرائيليين أنفسهم للخطر. لا يمكن حقاً أن نطلب من تنظيم مثل (حماس) أن يتصرف بحسب قواعد اتفاقيات جنيف، في حين أن إسرائيل نفسها تنتهك علناً الاتفاقات ذاتها تجاه الأسرى الفلسطينيين. الرسالة التي تبث من السجون في إسرائيل تتسرب أيضاً إلى غزة: إذا كان الأسرى الفلسطينيون يجوعون ويضربون بالعصي، فلماذا يجب أن يحظى الإسرائيليون بمعاملة أفضل؟".

إلى جانب سؤال الأخلاق، هناك سؤال الحكمة الاستراتيجية، قال هرئيل، "إسرائيل تدير مفاوضات على حياة الأسرى بينما هي نفسها تستعمل المعتقلين الفلسطينيين كأوراق مساومة خاصة بها. ما دام الطرف الإسرائيلي يرى هؤلاء المعتقلين رهائن، سيكون من الصعب إقناع العالم، و(حماس) أنها تعمل من موقع أخلاقي متفوق".

أكثر من 11 ألف أسير ثلثهم إداريون

عدد الأسرى الأمنيين الفلسطينيين يتزايد يومياً وتجاوز 11 ألف أسير وأسيرة، ثلثهم يقضون سجناً إدارياً بانتظار محاكمتهم، من دون لائحة اتهام. وبحسب معطيات "نادي الأسير الفلسطيني" فإن هذا العدد هو الأعلى منذ اندلاع "انتفاضة الأقصى" عام 2000.

ووفقاً للمعطيات هناك 49 امرأة، منهن اثنتان من غزة، تم اعتقالهن بعد الإفراج عن جميع الأسرى الفلسطينيات في صفقتي الأسرى الأخريين، وعدد الأطفال والقاصرين يتجاوز الـ400، وعدد المعتقلين الإداريين يصل إلى نحو 3600 أسير.

اقرأ المزيد

المزيد من الشرق الأوسط