Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السمنة تستنزف بريطانيا… والحقن الثورية قد تكون هي الحل

تعاني المملكة المتحدة من وباء السمنة، إذ تضاعفت معدلاتها منذ تسعينيات القرن الماضي. فهل يمكن أن تسهم زيادة توزيع أدوية إنقاص الوزن في تخفيف الضغط عن هيئة الخدمات الصحية الوطنية المثقلة بالأعباء؟

أكثر من واحد من كل أربعة بالغين في المملكة المتحدة يعانون من السمنة – وهي نسبة تضاعفت منذ تسعينيات القرن الماضي (شاترستوك)

ملخص

أزمة السمنة في بريطانيا تكلف الاقتصاد أكثر من 100 مليار جنيه سنوياً وتدفع هيئة الخدمات الصحية إلى حافة الانهيار، مع توقع وصول عدد المصابين إلى 43 مليوناً بحلول 2050 وارتفاع سمنة الأطفال بنسبة 50 في المئة. الخبراء يرون في حقن إنقاص الوزن أداة أساسية للحد من الخسائر، إذ قد توفر عشرات المليارات، لكن تحديات الفوارق الاجتماعية وصعوبة الوصول للعلاج السلوكي تبقى عائقاً كبيراً.

كشفت بيانات جديدة عن أن كلفة أزمة السمنة المتفاقمة في المملكة المتحدة ارتفعت لتبلغ 107 مليارات جنيه استرليني سنوياً، فيما تدفع مستويات الإنفاق القياسية هيئة الخدمات الصحية الوطنية إلى حافة الانهيار.

أكثر من واحد من كل أربعة بالغين يعاني الآن السمنة – وهي نسبة تضاعفت منذ تسعينيات القرن الماضي – وتجاوزت المملكة المتحدة جيرانها الأوروبيين في معدلات السمنة، فيما تعج شوارعها الرئيسة بمطاعم الوجبات السريعة، بينما يقول معظم البريطانيين إن الطعام الصحي مكلف للغاية.

والوضع مرشح للتفاقم، إذ يحذر خبراء في مجلة "ذا لانسيت" من أن 43 مليون بالغ سيعانون زيادة في الوزن أو السمنة بحلول عام 2050، وأن معدلات السمنة لدى الأطفال الصغار سترتفع بنسبة 50 في المئة ما لم تتخذ إجراءات عاجلة.

وتلحق السمنة بالفعل أضراراً بالاقتصاد، إذ تؤدي إلى فقدان نحو 266 ألف وظيفة سنوياً نتيجة عجز الأشخاص عن العمل بسبب أمراض مرتبطة بوزنهم، سواء عبر الإجازات المرضية أو الوفاة المبكرة، مما يعادل 24 مليار جنيه استرليني من الإنتاجية الاقتصادية المفقودة سنوياً، وفقاً لمحللي "فرونتير إيكونوميكس" لمصلحة مركز الفكر الاجتماعي "نيستا".

ويقول الخبراء إن حقن إنقاص الوزن قد تمثل مفتاح الحل، إذ يعتقد بأن 1.5 مليون شخص يستخدمونها حالياً، فيما توقع كبير أطباء هيئة الخدمات الصحية الوطنية ستيفن باويس أنها قد تصبح قريباً من أكثر الأدوية شيوعاً.

وتظهر حسابات "نيستا"، في كشف خاص لـ "اندبندنت"، أن المملكة المتحدة قد توفر نحو 53 مليار جنيه استرليني سنوياً عبر توسيع إتاحة حقن إنقاص الوزن لـ150 ألف شخص إضافي، فضلاً عن تمويل تغييرات في السياسات مثل القوانين المنظمة لطرق بيع المواد الغذائية في المتاجر.

وقال هوغو هاربر، مدير برنامج الحياة الصحية في "نيستا"، لـ"اندبندنت": "لا يمكننا تحمل تأجيل معالجة مشكلة السمنة بعد الآن".

وأضاف: "السمنة تقف وراء كثير من المشكلات الصحية في المملكة المتحدة، بما في ذلك زيادة أخطار الإصابة بالسرطان والسكري، فيما تكلف اقتصادنا مليارات الجنيهات بين خسائر الإنتاجية والإنفاق على هيئة الخدمات الصحية الوطنية. وهذا لن يزداد إلا سوءاً إذا لم نتدخل، في ظل توقعات بارتفاع معدلات السمنة".

وفي الوقت الراهن، 26.5 في المئة من البالغين في المملكة المتحدة يعانون السمنة، بحسب تقديرات وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية - في ارتفاع من 12.3 في المئة خلال تسعينيات القرن الماضي - بينما تبلغ نسبة البالغين الذين يعانون زيادة الوزن مستوى صادم وقدره 64.5 في المئة.

وفي أوروبا، تعد تركيا الدولة الوحيدة التي تسجل معدلات أعلى من بريطانيا، بينما تظل المملكة المتحدة أدنى من الولايات المتحدة، حيث يعاني 40 في المئة من البالغين هناك السمنة، وفقاً لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها.

ويعد النظام الغذائي غير الصحي أو الإفراط في تناول الطعام من أبرز أسباب السمنة، إضافة إلى قلة النشاط البدني والعوامل الوراثية وبعض الأدوية والاضطرابات الصحية مثل قصور الغدة الدرقية الذي قد يبطئ عملية الأيض.

كما أصبحت الوجبات السريعة متاحة على نطاق أوسع، إذ تسجل 70 في المئة من المجالس المحلية في إنجلترا أكثر من 100 منفذ بيع لكل 100 ألف شخص، وتصل هذه النسبة إلى 414 منفذاً لكل 100 ألف شخص في بعض مناطق لندن.

ويبلغ عدد مطاعم الوجبات السريعة لكل 100 ألف نسمة في أكثر المناطق حرماناً في إنجلترا ضعفي العدد في المناطق الأقل حرماناً، إذ يصل إلى 147 مطعماً لكل 100 ألف شخص، مقابل 73 في المناطق الميسورة.

كما يظهر استطلاع حديث أجرته مؤسسة الاستطلاعات "يوغوف" أن معظم البريطانيين يرون أن شراء المواد الغذائية غير الصحية أرخص ثمناً، إذ غالباً ما تباع هذه المنتجات بأسعار مخفضة.

الكلفة على الاقتصاد

وإضافة إلى تأثيرها في نوعية حياة الناس، تفرض أزمة السمنة في بريطانيا كلفة اقتصادية ضخمة، من العبء الواقع على هيئة الخدمات الصحية الوطنية وقطاع الرعاية ونظام الإعانات، إلى أثرها على الإنتاجية في سوق العمل.

وتقدر شركة "فرونتير إيكونوميكس" بأن الكلف المترتبة على السمنة وزيادة الوزن مجتمعة تبلغ 126 مليار جنيه استرليني سنوياً، وقد ترتفع إلى 150 ملياراً خلال العقد المقبل إذا لم يتخذ أي إجراء، بحسب تحذيرات مؤسسة "نيستا"، مع توقع استمرار صعود معدلات السمنة.

ويظهر التقرير أن العجز عن العمل بسبب أمراض مرتبطة بالوزن يؤدي إلى فقدان 266 ألف وظيفة سنوياً، مما يشكل تحدياً كبيراً في ضوء تعهد رئيس الوزراء كير ستارمر بـ"إعادة بريطانيا إلى العمل".

ووجدت الإحصاءات أن خسائر الإنتاجية تبلغ 31 مليار جنيه استرليني سنوياً نتيجة التوقف عن العمل بسبب المرض أو الوفاة المبكرة، بما في ذلك البطالة المرتبطة بالسمنة، إذ يفقد الشخص المصاب بالسمنة نحو سبعة إلى ثمانية أيام إنتاجية سنوياً، مما يكلف الاقتصاد نحو 9.7 مليار جنيه استرليني.

الكلفة على هيئة الخدمات الصحية الوطنية

وتزيد السمنة من أخطار الإصابة بأمراض أخرى مثل أمراض القلب والأوعية الدموية والسكري والسكتة الدماغية، وهي اليوم ثاني أهم سبب للسرطان يمكن الوقاية منه بعد التدخين.

وعام 2023، قدرت الحكومة بأن السمنة تكلف هيئة الخدمات الصحية الوطنية نحو 6.5 مليار جنيه استرليني سنوياً. وتضاعف هذا الرقم تقريباً ليصل إلى 11.4مليار جنيه عام 2025.

ويظهر تحليل "فرونتير إيكونوميكس" أن الكلف قد تصل إلى 12.6 مليار جنيه سنوياً عند احتساب أثر زيادة الوزن أيضاً.

وعام 2023، أدخل أكثر من 1.2 مليون شخص إلى المستشفيات بسبب أمراض مرتبطة بالسمنة، بينهم 8716 حالة كان السبب المباشر فيها زيادة الوزن. ومثلت هذه الحالات المرتبطة بالسمنة نحو 13 في المئة من إجمال 16.4 مليون حالة إدخال إلى المستشفيات في ذلك العام.

وتعد معالجة السمنة محوراً رئيساً في الخطة العشرية لهيئة الخدمات الصحية الوطنية التي تسعى إلى خفض النفقات لسد عجز مالي قدره 6.6 مليار جنيه استرليني.

وتخطط الهيئة لتوزيع حقن إنقاص الوزن على 220 ألف مريض خلال الأعوام الثلاثة المقبلة، من أصل 3.4 مليون شخص مؤهل للاستفادة منها.

وتقول "نيستا" إن توسيع استخدامها ليشمل 150 ألف شخص إضافي سيكلف نحو 500 مليون جنيه سنوياً، لكنه سيوفر 1.4 مليار جنيه أثناء الفترة نفسها، في كشف خاص لـ "اندبندنت"، من خلال تخفيف العبء عن الخدمات الأخرى وتعزيز الاقتصاد.

لكن الخبراء حذروا من أن المدة التي ينبغي أن يستمر المرضى في استخدام هذه الحقن خلالها ما زالت غير واضحة، كما أظهرت التجارب أن معظم المرضى يستعيدون الوزن المفقود بعد التوقف عن استخدامها.

ومع ذلك، تؤكد "نيستا" أن ما يصل إلى 53 مليار جنيه استرليني يمكن توفيرها إذا ترافقت الحقن مع تغييرات في السياسات الحكومية مثل حظر العروض الترويجية على الأطعمة الغنية بالملح والدهون والسكر، وتقييد بيعها عند نقاط الدفع في المتاجر وتشديد الرقابة على إعلاناتها.

معالجة انعدام المساواة الصحية

من المعلوم أن انعدام المساواة الاقتصادية والاجتماعية يؤدي إلى تدهور الصحة، مما يتجلى في ارتفاع معدلات السمنة.

وتسجل السمنة أعلى معدلاتها بين البريطانيين السود بنسبة 33 في المئة مقارنة بالمتوسط الوطني البالغ 26.5 في المئة. وترتفع النسبة إلى 73 في المئة عند احتساب من يعانون زيادة الوزن أيضاً، مقابل 65 في المئة بين عموم السكان.

كما يعاني 40 في المئة من ذوي الإعاقة السمنة، إضافة إلى 36 في المئة ممن لا يحملون مؤهلات تعليمية، وهم يفتقرون إلى الموارد اللازمة لمعالجة مشكلات الوزن والصحة.

وتظهر المقارنات أن معدلات السمنة بين الأطفال في إنجلترا أعلى من مثيلاتها في فرنسا وألمانيا وإيطاليا.

أما في المناطق الأكثر حرماناً في المملكة المتحدة، فتتضاعف احتمالات الإصابة بالسمنة إلى 28 في المئة مقارنة بـ 14 في المئة في المناطق الأكثر ثراء، مع تسجيل شمال إنجلترا نسباً أعلى في سمنة الأطفال.

وقال ألفرد سلايد، من تحالف الصحة لمكافحة السمنة المكون من 65 منظمة صحية، لـ"اندبندنت": "نعلم أن معدلات السمنة بين الأطفال في أكثر المناطق فقراً هي ضعف المعدلات ضمن المناطق الثرية، بالتالي فإن القدرة على شراء طعام صحي تشكل جزءاً أساساً من المشكلة، بلا شك".

وأضاف: "الأسر الأفقر في البلاد لا تحب أطفالها أقل ولا ترغب في إطعامهم الأطعمة الأكثر رداءة، لكن هناك عوائق هائلة تحول دون الحصول على الطعام الصحي".

كما ترتفع معدلات السمنة بين البالغين في المناطق الأفقر بوتيرة أسرع، إذ زادت 20 في المئة منذ عام 2015، مقارنة بـ15 في المئة فقط ضمن المناطق الأكثر ثراء.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومع ارتفاع كلفة برامج الحمية والنوادي الرياضية وأدوية إنقاص الوزن، أو صعوبة الحصول عليها، يرى بعض الأطباء أنه يتعين على هيئة الخدمات الصحية الوطنية توسيع توفير الحقن على نحو أكثر عدلاً.

وقال البروفيسور غراهام إيستون، طبيب الأسرة الذي جرب حقن التنحيف بنفسه: "هناك فجوة هائلة في المساواة الاقتصادية والاجتماعية، وهناك قلق من أن يؤدي هذا الوضع إلى تعميق تلك الفجوة أكثر".

وأضاف: "إن لم تضمن الهيئة إتاحة هذه الحقن على قدم المساواة للجميع، فهناك خطر حقيقي من اتساع الفجوة في معدلات السمنة بين الفئات الاجتماعية والاقتصادية".

من جهته، ذكر متحدث باسم وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية أن السمنة أصبحت من أبرز أسباب تدهور الصحة، وأن حقن إنقاص الوزن قد تكون إحدى الوسائل لمكافحة "وباء السمنة".

وأردف: "إن هذه الحكومة مصممة على توفير العلاجات الحديثة الثورية لكل من يحتاج إليها، وليس فقط لمن يستطيع تحمل كلفتها. ويشكل هذا التوسع خطوة مهمة نحو إتاحة هذه الأدوية على نطاق أوسع، وتحويل تركيز الرعاية الصحية من معالجة المرض إلى الوقاية منه، مما تسعى خطتنا العشرية في قطاع الصحة إلى تحقيقه".

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من صحة