Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

منبر الأمين العام لجامعة الدول العربية الغائب

على صاحب المنصب أن يكون قادراً على نقل التمثيل العربي من خانة الدفاع إلى المبادرة وأن يعمل على بناء خطة تواصل عالمية

مقر جامعة الدول العربية بالعاصمة المصرية (أ ف ب)

ملخص

نحتاج إلى صوت الجامعة العربية لتكون حاضرة بقوة في كل المناسبات والعواصم، وأن تتحول إلى منصة جامعة ومبادرة، ليصبح الأمين العام - أياً كان - ترساً فاعلاً في ماكينة العمل العربي، وألا يتحول المنصب إلى مجرد ترقية أو مكافأة نهاية خدمة لوزير سابق.

المعركة مع المحتل الإسرائيلي باتت سياسية إعلامية بامتياز، ينجز فيها عبر إدارة الرأي العام العالمي وصناعة السردية وبناء التحالفات ما يفوق بأضعاف ما تحققه الحلول المسلحة التي تهدر الأرواح والفرص، ولا طائل منها في ظل الدعم العسكري العالمي الأعمى للجيش الإسرائيلي بذريعة ما يسمى بالتهديد الوجودي للدولة العبرية.

وعلى رغم جرائم  الإسرائيلي ورد الفعل العالمي المناهض لهذه الجرائم وتشكل مزاج عالمي جديد مناهض لإسرائيل، إلا أن المتابع يلحظ خفوت صوت الأمانة العامة للجامعة العربية، وغيابها وسط تطورات متلاحقة تبدو عاجزة عن اللحاق بها، فلماذا لا يعاد تعريف موقع الأمين العام لجامعة الدول العربية بوصفه منصباً داعماً للصوت العربي في الساحات الدولية، لا منصباً بروتوكولياً صامتاً؟ ولماذا لا يمنح هذا الكرسي لصوت عربي جديد يجيد مخاطبة العالم بلغته ويعبر عن المزاج العربي الراهن؟

في البداية، وبحسب ميثاق جامعة الدول العربية، ينتخب الأمين العام بقرار من مجلس الجامعة بغالبية الثلثين، لمدة جرى العرف أن تكون خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة. ولم يحصر المنصب نصاً بدولة بعينها، وإن استقر العرف طويلاً على أن يسند لمصري، مع سابقة عربية وحيدة حين أسندت المسؤولية إلى الشاذلي القليبي بعد كامب ديفيد. يفهم من ذلك أن التدوير ممكن ومشروع، وأن النقاش حوله يعد استعمالاً للنظام لا خروجاً عليه، وأن دولة المقر ليست موضوع النقاش.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يراد من الأمين العام للجامعة العربية أن يكون قادراً على نقل التمثيل العربي من خانة الدفاع إلى خانة المبادرة، وأن يعمل على بناء خطة تواصل عالمية، وعلى إدارة مؤتمرات صحافية صعبة تحت ضغط أسئلة عدائية، وأن يمتلك لساناً دولياً محترفاً، وأداء مقنعاً. فمعركة الرواية مثلاً حول الدولة الفلسطينية وحول حرب الإبادة في غزة لن تربح إلا بامتلاك أدوات التأثير والضغط، التي منها بلا شك الحضور الإعلامي والمشاركة في الفعاليات ذات العلاقة.

ولا أعتقد أننا نختلف في أننا نعيش مرحلة سعودية بامتياز، ليس لأن الآخرين غائبون، بل لأن معظم العواصم العربية - في المشرق والمغرب - تواجه استحقاقات داخلية ضاغطة تدفع الملفات العربية الكبرى إلى المرتبة الثانية. في المقابل، هناك وزن سياسي واستثماري واتصالي في الرياض يمكن من تحريك الماء الراكد وبناء قنوات تواصل مع القوى الكبرى، وشاهدنا ذلك من خلال الاعترافات المتتالية بالدولة الفلسطينية وكذلك في الملف السوري، وعليه ليست بدعة أن نطالب بأن يختار للأمانة العامة صوت سعودي يضيف قوة دبلوماسية للجامعة، ويستثمر البروز السعودي الملاحظ لصالح قضايانا العربية.

ولأن المشروع العربي الأول اليوم هو "الاعتراف بالدولة الفلسطينية"، وهو جوهر المبادرة السعودية التاريخية - من فاس إلى بيروت - ومع تراكم الاعترافات الدولية، فإننا نحتاج إلى صوت الجامعة العربية لتكون حاضرة بقوة في كل المناسبات والعواصم، وأن تتحول إلى منصة جامعة ومبادرة، ليصبح الأمين العام - أياً كان - ترساً فاعلاً في ماكينة العمل العربي، وألا يتحول المنصب إلى مجرد ترقية أو مكافأة نهاية خدمة لوزير سابق.

تنتهي الولاية الحالية للأمين العام للجامعة العربية في 2026، وهذه فرصة لبناء تفاهمات هادئة بعيداً من ثنائية «مع أو ضد»، لننتقل من مناقشة هوية المرشح إلى برنامج العمل ومتطلبات هذا المنصب، ليصبح السؤال أكثر بساطة، لا يراد منه مغالبة أحد ولا مقايضة أحد، بل يراد منه جامعة حاضرة ومبادرة تجيد مخاطبة العالم بلغة عالمية، تقود أمانتها شخصية عربية تحول الموقع من وظيفة بروتوكولية جامدة إلى منصة فاعلة تدعم المشاريع العربية الكبرى وتمنحها حضوراً عالمياً مؤثراً.

قد تكون المشكلة الأعمق في المؤسسة ذاتها، التي بوضعها الراهن تعكس دائماً الخلافات بين الدول الأعضاء أكثر مما تعكس إرادتهم الجماعية. ومع ذلك، يكفي أن نتذكر كيف ارتبط اسم المنصب في بعض المراحل بشخصيات تركت حضوراً إعلامياً واضحاً، مثل السيد عمرو موسى، مما يؤكد أن الصوت القوي قادر على نقل صورة مختلفة للجامعة، وهو ما يثبت أن المؤسسة وصلاحياتها ليست عذراً، بل تحدياً لأي شخصية سياسية لا تستسلم، وتضيف للمنصب أكثر مما يضيف لها، ونتفق تماماً على ضرورة إصلاح المؤسسة قبل تحميل المسؤولية للأشخاص، لكن التمسك بالآليات القديمة في اختيار الأمين العام لا يعني سوى تكريس الغياب العربي عن الساحة الدولية، وهو ثمن باهظ في زمن تتشكل فيه تحالفات جديدة وتلوح فيه فرص كبرى تحتاج إلى من يلتقطها.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء