ملخص
أحداث عنف متواترة تمثلت في تخريب الممتلكات العامة وتسجيل خسائر مادية كبيرة، آخرها حادثة تهشيم وتكسير واسعة شهدتها محطة القطار في صفاقس جنوب تونس من قبل مجموعة من الشباب والمراهقين.
تنامت في الآونة الأخيرة في تونس أحداث عنف متواترة تمثلت في تخريب الممتلكات العامة وتسجيل خسائر مادية كبيرة، آخرها حادثة تهشيم وتكسير واسعة شهدتها محطة القطار في صفاقس جنوبي تونس من قبل مجموعة من الشباب والمراهقين، وقبلها بأيام قليلة حادثة الاعتداء على مقر الاتحاد العام التونسي للشغل من قبل مجموعة من الشباب، إضافة إلى أعمال التخريب اليومية التي تعيشها وسائل النقل العمومية بخاصة في العاصمة تونس. كل هذه الأحداث أثارت اهتمام المسؤولين والباحثين في علم الاجتماع للبحث عن دلالتها الاجتماعية وطرق الحد منها.
تعرضت محطة القطار بصفاقس، الخميس الماضي، لأعمال تخريب من قبل مجموعة أشخاص كانوا على متن القطار الآتي من تونس في اتجاه قابس. وفي انتظار الكشف عن خلفيات وملابسات هذا الاعتداء الذي خلف أضراراً مادية جسيمة بالمحطة، أعلن والي صفاقس محمد الجحري في تصريح صحافي أن الوحدات الأمنية تمكنت من توقيف عدد من المعتدين، واستنكر مثل هذه التصرفات التي تضر بالممتلكات الوطنية، مضيفاً أن المسار البحثي والقضائي سيكشف حيثيات هذه الحادثة.
الضرب بقوة
من جهته، أكد مدير منطقة الجنوب الشرقي للشركة الوطنية للسكك الحديد هشام منيف، أن مجموعة من ركاب القطار المذكور تعمدوا النزول إلى بهو المحطة والقيام بأعمال تخريبية طاولت الواجهة الأمامية للمحطة وكراسي الانتظار ودورات المياه والتجهيزات الخاصة بالمقهى، إضافة إلى تعرض كشك المحطة إلى السرقة بالكامل.
في هذا الصدد، يقول الموظف بشركة السكك الحديد مصطفى بن عبدالله أن "المحافظة على الممتلكات العامة والخاصة ثقافة شبه مفقودة في تونس"، مضيفاً "هذا تخريب متعمد طال كل شيء".
وواصل "للأسف هذه الظاهرة أصبحت تشكل هاجساً مقلقاً يلقي بظلاله على مجتمعنا نتيجة تصرفات غير مسؤولة تمارس في ظل غياب الذوق العام والجهل التام بأهمية هذه المنجزات في حياتنا الاجتماعية، وتطاول هذه الظاهرة في المقام الأول المشاريع البلدية والنقل والملاعب والحدائق، والتي دوماً تتعرض للتخريب والتشويه وحتى الحرق"، ودعا الموظف إلى "الضرب بقوة على أيدي العابثين للحد من هذا العنف الذي أضر بممتلكات الوطن".
وفي سياق متصل، يرى الباحث في علم الاجتماع طارق السعيدي أن "العنف داخل الفضاء العام لديه أسباب سيسيولوجية عدة"، موضحاً أن العامل الأساس هو الحرمان أي الفقر وعدم القدرة على تحقيق الرغبات ومجاراة ارتفاع السلوك الاستهلاكي الكبير الذي اجتاح المجتمع".
ويرى السعيدي أن "المجتمع اليوم للأسف لم يعد يقدر أهمية العلم والمعرفة والقيم بل أصبحت الماديات تهيمن على مجتمعاتنا، ومن لا يقدر على مجاراة وتيرة الاستهلاك يشعر بالإقصاء، ومن ثم يولد رد فعل يصل أحياناً إلى العنف".
ويعد السعيدي أن "المصعد الاجتماعي المتمثل في المدرسة بدأ يفقد بريقه لدى بعض الفئات"، مواصلاً "بخاصة أننا نعيش في عالم نمت فيه وسائل التواصل الاجتماعي التي جاءت بنماذج ومؤثرين جدد لا يتميزون بالاجتهاد والعلم وتراكم الخبرات والنجاح بل نموذج لمستهلكين صعدوا سلم الشهرة والثراء بطريقة سريعة ومن دون تعب".
مضيفاً "المشروع المجتمعي الذي يعد التعليم أساس النجاح والصعود إلى أرقى المراتب خفت نوره اليوم عند بعض الشباب".
مجتمع صراعات
وذكر السعيدي عنصراً آخر مهماً قائلاً "نحن مجتمع صراعات عكس ما يظهر أننا مجتمع هادئ"، مفسراً "نجد صراعاً بين المرأة والرجل، وصراعاً بين الجهات، وصراعاً بين الطبقات الاجتماعية، وصراع أنصار الجمعيات الرياضية، والصراع بين الدولة والفرد والقانون واللاقانون". ويفيد الباحث في علم الاجتماع أن "هذه الصراعات تفقد في بعض الأحيان بوصلتها وتنظيمها فتنفلت الأوضاع وتولد العنف كسلوك فردي أو جماعي على غرار ما حدث أخيراً في محطة القطار، والتي يبدو أنها من فعل أنصار أحد الجمعيات الرياضية الذين قاموا برد فعل عنيف ضد جمعية منافسة".
ويعتقد السعيدي أيضاً أنه "عندما ينخفض منسوب النقاش في الفضاء العام يرتفع معه منسوب العنف في الإعلام والمدرسة والحياة السياسية".
من جهة أخرى يعد السعيدي أن "المقاربة القانونية للردع ومعاقبة المخربين لا تصلح لحل تلك المشكلات جذرياً"، معتقداً أن دول المؤسسات التربوية كالمدرسة ودور الشباب وغيرهما تلعب دوراً أساسياً في مكافحة هذه الظاهرة.
تراوح عقوبة الاعتداء على الممتلكات العامة في تونس من السجن لمدة ستة أشهر إلى السجن بقية الحياة أو الإعدام، إضافة إلى الجزية المالية، وتختلف حسب طبيعة الاعتداء وشدته، وما يترتب عنه من أضرار جسدية أو غيرها، وذلك بحسب ما تنص عليه المجلة الجزائية والمشاريع التشريعية مثل مجلة أملاك الدولة وقانون مكافحة الإرهاب. وتدفع العائلة الجزية المالية إذا كان المعتدي قاصراً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مبادرة مجتمعية
ولمكافحة هذه الظاهرة، نظمت وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن قبل أيام، في المركز الوطني للإعلامية الموجهة للطفل، مسابقة وطنية للحفاظ على المرفق العام للنقل.
هذه المسابقة التي نظمت في إطار برنامج الوزارة التوعوي "في الوقاية حماية" الممتد من 20 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 إلى 20 نوفمبر 2025، تمت بالتعاون مع وزارات النقل والشؤون الاجتماعية والتربية وتكنولوجيات الاتصال، وشهدت ترشح 30 عملاً توعوياً وإبداعياً من إنتاج الأطفال.
وقالت وزيرة الأسرة والمرأة أسماء الجابري في هذا الصدد، إن "هذه المسابقة الأولى من نوعها تندرج في إطار المبادرة المجتمعية الوطنية للتوعية بضرورة الحفاظ على المرفق العام للنقل، من خلال تشجيع الأطفال واليافعين الذين لا تتجاوز أعمارهم الـ18 سنة، على إعداد ومضات توعوية مبتكرة لترسيخ قيم المواطنة والحفاظ على هذا المكسب الوطني الحيوي".
كما أبرزت أن هذه المبادرة المجتمعية تؤكد المراهنة على الدور الفاعل للأطفال واليافعين في نشر ثقافة الوقاية من كل الظواهر والسلوكيات المحفوفة بالأخطار، معتبرة أن الأسرة شريك أساس في التنشئة على القيم الإيجابية والمواطنة المسؤولة والهادفة إلى المحافظة على مكاسب تونس والتونسيين في كل المجالات.