ملخص
تورد المعطيات في هذا الشأن أنه تم اعتقال 12 امرأة مرفقات بستة أطفال من جنسيات مختلفة أثناء محاولتهن الهروب، تبعاً لتصريحات صحافية لمديرة مخيم الهول، جيهان حنان، التي كشفت أن 18 امرأة وطفلاً من جنسيات متعددة، من بينها الروسية، حاولوا الفرار من القسم عالي الحراسة للنساء في هذا المخيم.
نجحت مغربيات ضمن نساء أخريات من جنسيات مختلفة، في الهروب أخيراً من مخيم الهول الذي يقع شمال شرقي مدينة الحسكة السورية، ويؤوي آلاف العائلات، خصوصاً نساء وأطفال مقاتلي تنظيم "داعش"، الذين يعيشون ظروفاً إنسانية واجتماعية معقدة.
وتفيد أرقام متداولة غير رسمية لهيئات حقوقية أن عدد المغاربة الذين يعيشون في مخيم الهول بسوريا يتجاوز 560 شخصاً، منهم 102 امرأة و292 طفلاً، يعشن في غياب أدنى شروط العيش الكريم، بينما يظل مصير عودتهن إلى أرض الوطن غامضاً، لا سيما أنها عودة وفق مراقبين تطرح تحديات أمنية معقدة.
الهروب من الجحيم
تمكنت مغربيات من الهروب من مخيم الهول الشهير، بفضل دفعهن مبالغ مالية إلى مُهربين حصلن عليها من عائلاتهن داخل المغرب، من أجل إنقاذهن من براثن المأساة الاجتماعية التي يعشن فيها داخل المخيم المذكور.
وإذا كانت مغربيات ونساء أخريات من جنسيات أخرى أفلحن في الهرب من مخيم الهول، بعد تنسيقهن مع شبكات تهريب صوب تركيا مقابل مبالغ مالية متفق عليها، فإن محاولات نساء قابعات في ذات المخيم باءت بالفشل قبل أسابيع قليلة.
وتورد المعطيات في هذا الشأن أنه تم اعتقال 12 امرأة مرفقات بستة أطفال من جنسيات مختلفة أثناء محاولتهن الهروب، تبعاً لتصريحات صحافية لمديرة مخيم الهول، جيهان حنان، التي كشفت أن 18 امرأة وطفلاً من جنسيات متعددة، من بينها الروسية، حاولوا الفرار من القسم عالي الحراسة للنساء في هذا المخيم.
ويستغل العالقون والمحتجزون في مخيم الهول سوء الأحوال الجوية السائدة في المنطقة من أجل محاولات الهرب، وهو ما حصل في الفترات الأخيرة، وأكدته مديرة المخيم بقولها "إن المنطقة تشهد حالياً ضباباً كثيفاً، وعدد محاولات الهروب يرتفع خلال سوء الأحوال الجوية".
وفي سبتمبر (أيلول) الماضي أحبطت القوات الكردية السورية محاولة فرار 56 من قاطني مخيم الهول الذي يؤوي أزيد من 24 ألف شخص، من بينهم زهاء 15 ألف سوري، و3500 عراقي، و6200 أجنبي من جنسيات أخرى.
وعلى رغم مطالبة الأكراد الدول بإرجاع وترحيل مواطنيها القابعين في مخيم الهول وغيره، فإن العديد من الدول لم تستجب لهذا الطلب إلا جزئياً، حيث تم السماح بترحيل أعداد محدودة فقط، بالنظر إلى التحديات الأمنية والسياقات السياسية الداخلية لهذه الدول.
خطر صامت
وبخصوص النقطة الأخيرة أفاد محمد الطيار، خبير في الشأن الأمني والاستراتيجي، بأن قبول عودة المغربيات القادمات من مخيم الهول بسوريا مع أطفالهن يشكل تحدياً أمنياً معقداً، لأن بعض هؤلاء النسوة قضين سنوات داخل بيئة مشبعة بالفكر المتطرف، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وهذا الواقع يثير تخوفاً من احتمال انتقال بقايا هذا الفكر إلى الداخل، ليس بالضرورة عبر العنف المباشر، بل من خلال التطبيع مع خطاب متشدد أو تبرير العنف، وهو ما قد يشكل خطراً صامتاً على الأمن الفكري والاجتماعي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
التحدي الثاني، وفق المتحدث، يتمثل في صعوبة التحقق الدقيق من الخلفيات الفردية لكل حالة، فالظروف الفوضوية التي سادت مناطق النزاع، وغياب سجلات واضحة، تجعل من العسير تحديد الدور الحقيقي الذي قامت به كل امرأة، وهل كانت ضحية إكراه واجبار أم كانت منخرطة طوعاً في دعم تنظيم "داعش"، كذلك يطرح وضع الأطفال إشكالاً قانونياً وأمنياً إضافياً، بخاصة من ولدوا داخل مناطق سيطرة التنظيم أو نشأوا في المخيم، حيث يصعب قياس الأثر النفسي والسلوكي الذي تركته تلك البيئة عليهم.
واستطرد الطيار بأن التحدي الثالث يتعلق بمرحلة ما بعد العودة، إذ تفرض عملية الإدماج والمواكبة الأمنية والاجتماعية مجهوداً كبيراً ومستمراً من طرف الدولة، فالمطلوب، وفق المتحدث، ليس فقط ضمان عدم انخراط النساء العائدات في أي نشاط متطرف، حيث يطرح هنا بشدة توفير برامج تأهيل نفسي وتربوي للأطفال، بل أيضاً مراقبة منضبطة لا تتحول إلى وصم اجتماعي، لأن الفشل في الإدماج قد ينتج نتائج عكسية على المدى المتوسط".
ويبرز تحد رابع، بحسب الطيار، وهو ذو طابع قانوني ومجتمعي، يتمثل في تحقيق التوازن بين المقاربة الأمنية والبعد الإنساني، فالدولة مطالبة بحماية الأمن القومي، وفي الوقت نفسه احترام التزاماتها تجاه مواطنيها، بخاصة النساء والأطفال"، مشدداً على أن "هذا التوازن الدقيق يتطلب معالجة كل حالة على حدة، وتنسيقاً مؤسساتياً محكماً، حتى لا تتحول العودة إلى ثغرة أمنية، ولا يترك الضحايا الحقيقيون من دون حماية أو أفق اندماج".
استغلال إنساني واقتصادي
من جهته، يسرد عبد العزيز البقالي، وهو رئيس التنسيقية الوطنية لعائلات العالقين والمعـتقلين المغاربة في سوريا والعراق، الأوضاع الإنسانية التي تدفع المغربيات، ومعهن نساء من جنسيات أخرى، إلى التخطيط للهرب من مخيم الهول بأية طريقة كانت، قائلاً "تعيش المغربيات المحتجزات في مخيم الهول شمال شرقي سوريا أوضاعاً إنسانية بالغة القسوة تتجاوز في كثير من الأحيان مجرد الاحتجاز إلى شكل من أشكال العقاب الجماعي الممتد، إذ إن عدداً من هؤلاء النساء يقبعن في المخيم منذ ما يقارب سبع سنوات رفقة أطفالهن، من دون أفق واضح للحل أو لإعادة الإدماج، في ظل تسويف دولي وصمت رسمي أنهكهن نفسياً وجسدياً".
وعن أبرز ملامح هذه المعاناة، أفاد البقالي بأنها تتجلى أولاً في غياب أبسط شروط العيش الكريم، من خيام مهترئة، ونقص حاد في الغذاء، وانعدام شبه تام للبنية الصحية، كذلك تعتمد كثير من المحتجزات على أموال ترسلها عائلاتهن من المغرب لتأمين الحاجات الأساسية، غير أن هذه الأموال لا تصل إليهن كاملة إذ تقتطع منها نسب من طرف القائمين على إدارة المخيم، قبل أن يعاد ضخ ما تبقى في سوق داخلية يجبرن على الشراء منها بأسعار مرتفعة، ما يجعل المحتجزات في حلقة استغلال اقتصادي دائم".
أما بخصوص الرعاية الصحية، بحسب المتحدث، فهي بدورها تخضع لمنطق المال، فالتطبيب والأدوية لا تقدم إلا مقابل الدفع، وفي حال عدم توافر المال، يترك المريض امرأة كان أو طفلاً من دون علاج، وهو ما يتسبب في تفاقم أمراض مزمنة وحالات وفاة كان يمكن تفاديها".
وتابع البقالي "تزداد المأساة حدّة خلال فصل الشتاء، حيث تواجه النساء والأطفال برداً قارساً داخل خيام لا تقي من الصقيع، إضافة إلى فيضانات موسمية تغمر الخيام بالمياه وتحول الحياة اليومية إلى معاناة مضاعفة، وسط غياب التدفئة والملابس المناسبة".
وخلص رئيس التنسيقية إلى أن "معاناة المغربيات في مخيم الهول ليست ظرفية ولا طارئة، بل هي معاناة ممتدة ومركبة، عنوانها الإهمال والاستغلال، وغياب أي أفق إنساني أو قانوني واضح، وهو وضع مؤلم يستدعي مقاربة جدية تراعي البعد الإنساني، بخاصة حين يتعلق الأمر بنساء وأطفال دفعوا ثمن خيارات وسياقات معقدة، ولا يزالون إلى اليوم عالقين في انتظار حل طال أمده".