Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الجاليات المصرية... قريبة من الاقتصاد بعيدة عن السياسة

14 مليون مصري بالخارج يمثلون المصدر الأول للعملات الأجنبية وخبراء يرونها فرصة لتعزيز القوة الناعمة

ارتبط الحديث عن دور المصريين بالخارج بتحويلاتهم من العملات الصعبة إلى مصر (رويترز)

ملخص

يطالب متخصصون ببذل مزيد من الاهتمام بالمصريين في الخارج من جانب السياسة الخارجية المصرية، مؤكدين أن ظهور جيل ثان من المصريين في أوروبا يجمع بين الثقافتين المصرية والغربية يجعلهم مؤثرين في مجالات السياسة والثقافة، وسيكون من المفيد التواصل معهم، ومنحهم شعوراً بالأمان والاعتراف بدورهم سيسهم في تقوية روابطهم بوطنهم الأم

في غضون أيام كان المصريون المقيمون في الخارج محور حدثين شغلا الرأي العام المصري، هما تظاهرات أمام سفارات مصرية بعدة عواصم، إضافة إلى إعلان الحكومة مبادرات، لتعزيز التواصل مع جالياتها في الخارج، مما يسلط الضوء على ملف تعامل الدولة المصرية مع المغتربين الذين تقدر أعدادهم بـ14 مليون مصري.

وخلال افتتاح النسخة السادسة من مؤتمر المصريين بالخارج في الثالث من أغسطس (آب) الجاري، وصف وزير الخارجية والهجرة وشؤون المصريين بدر عبدالعاطي الجاليات المصرية بأنها "خط الدفاع الأول عن الأمن القومي المصري"، كما أكد رئيس الوزراء مصطفى مدبولي أن هناك توجيهاً رئاسياً بتكثيف التواصل معهم والدفاع عن مصالحهم.

وفق تقرير للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في يناير (كانون الثاني) الماضي، يبلغ عدد المصريين في الخارج 11.8 مليون مواطن بحسب آخر إحصاء أجري عام 2022، فيما قدرت وزيرة الدولة للهجرة وشؤون المصريين بالخارج سها جندي، في تصريحات تلفزيونية العام الماضي عدد المغتربين بنحو 14 مليوناً، يتركز أكثر من 60 في المئة منهم في دول الخليج، بخاصة السعودية التي تضم العدد الأكبر من المصريين في الخارج، فيما تضم الأميركتان نحو 19 في المئة، وأوروبا 15 في المئة من المصريين بالخارج.

وخلال السنوات الـ10 الأخيرة أصبح ملف المصريين في الخارج حاضراً على أجندة الاهتمام الحكومي، حيث استحدثت وزارة مستقلة لشؤون الهجرة والمصريين بالخارج عام 2015، بعدما كان ذلك الملف يتبع وزارة القوى العاملة، لكن الوزارة ألغيت في حكومة مصطفى مدبولي الثانية التي تشكلت في يوليو (تموز) 2024، وأضيفت لاختصاصات وزارة الخارجية، وجرى تعيين نائب لوزير الخارجية لشؤون المصريين في الخارج. وعقدت الحكومة مؤتمرات سنوية للالتقاء بممثلي الجاليات المصرية، إذ شارك في النسخة السادسة قبل أيام 1200 مصري حضروا من أكثر من 40 دولة حول العالم.

توطيد العلاقة بالخدمات

يقول الأمين العام لاتحاد المصريين في الخارج علاء سليم، إن الدولة المصرية أولت اهتماماً كبيراً بالمصريين في الخارج في السنوات الأخيرة، باعتبارهم خط الدفاع الأول عن الوطن، ومصدراً مهماً من مصادر الدخل القومي. مشيراً إلى أن إنشاء وزارة للمصريين بالخارج، ثم قطاع خاص يتبع وزارة الخارجية، يعكس حرص الدولة على تعزيز التواصل مع أبنائها في الخارج وضمان رعايتهم وتلبية حاجاتهم.

وأضاف سليم، المقيم في الكويت، لـ"اندبندنت عربية"، أن دستور 2014 عزز مشاركة أبناء الوطن بالخارج في الحياة الديمقراطية والدستورية، من خلال التصويت والترشح. مشيراً إلى أن الدستور أقر تمثيلهم بمقاعد في مجلس النواب، مما أسهم في ترسيخ الصلة الدائمة بينهم وبين الحكومة المصرية.

وتنص المادة 88 من الدستور على أن "تلتزم الدولة برعاية مصالح المصريين المقيمين بالخارج، وحمايتهم وكفالة حقوقهم وحرياتهم، وتمكينهم من أداء واجباتهم العامة نحو الدولة والمجتمع وإسهامهم في تنمية الوطن"، كما ألزمت المادة 244 الدولة بتمثيل المقيمين في الخارج "تمثيلاً ملائماً" في مجلس النواب.

وأوضح الأمين العام لاتحاد المصريين في الخارج أن الدولة وسعت شبكة الخدمات التي تتيحها للمقيمين بالخارج، مثل الوحدات السكنية في المدن الجديدة، إلى جانب تسهيل معاملاتهم القنصلية عبر السفارات، التي باتت تقدم خدمات مثل إصدار التوكيلات والتصديقات وفتح الحسابات البنكية والتواصل مع مختلف المصالح الحكومية.

 

وتضمن البيان الختامي للنسخة السادسة من مؤتمر المصريين في الخارج، إعلان العمل على سرعة إطلاق مبادرة لتوفير وحدات سكنية "مع مراعاتها مختلف مستويات دخل المصريين بالخارج"، إضافة إلى العمل على منح مزيد من فرص التحاق أبناء المصريين بالخارج بجامعات حكومية.

وتركزت مطالب المشاركين في المؤتمر على تجديد مبادرة استيراد سيارات المصريين بالخارج ودراسة استخدام وسائل التصويت الإلكتروني في الانتخابات المختلفة، إلى جانب مطالبة شركة مصر للطيران بتقديم تخفيضات في تذاكر الطيران وزيادة عدد الرحلات.

وارتبط الحديث عن دور المصريين بالخارج بتحويلاتهم من العملات الصعبة إلى مصر، التي تمثل المصدر الأول للدخل الأجنبي، إذ بلغت 32.8 مليار دولار خلال الفترة بين يوليو (تموز) 2024 ومايو (أيار) الماضي، بزيادة بلغت نحو 70 في المئة عن الفترة نفسها من العام المالي السابق، وهو ما وصفه رئيس الوزراء بأنه "أروع المثل في الانتماء والوطنية". موضحاً أن ما ساعد على ذلك هو الإصلاحات في مجال السياسة النقدية عبر اتباع سياسة سعر الصرف المرن.

وخلال السنوات الماضية ارتبط معدل تحويلات المغتربين بحال الاقتصاد المصري، حيث قفزت التحويلات 27.7 في المئة خلال العام المالي 2016 - 2017، متأثرة بقرار تحرير سعر صرف الجنيه المصري، فيما انخفضت 30.8 في المئة خلال العام المالي 2022 - 2023، تزامناً مع ظهور أزمة شح العملة والسوق السوداء، وعادت إلى الارتفاع من جديد مع تحرير السعر الرسمي للجنيه.

فرص غير مستغلة

وعلى رغم مساهمة نحو 10 في المئة من الشعب المصري في نحو ثلث الدخل الدولاري لمصر، بما يضع مصر في المرتبة السادسة بين الدول التي تتلقى تحويلات مالية من قبل مهاجريها بحسب البنك الدولي، فإن أستاذ الإدارة بالجامعة الأميركية بالقاهرة والمتخصص في الشأن الاقتصادي أيمن غنيم، يرى أن هناك فرصاً غير مستغلة في هذا الملف.

يقول غنيم، لـ"اندبندنت عربية"، إن المصريين بالخارج يمثلون أحد أعظم الأصول الاستراتيجية لمصر، مشيراً إلى أن شريحة كبيرة منهم، بخاصة في دول الخليج وأوروبا، يتمتعون بمتوسط دخول سنوية مرتفعة نسبياً، تراوح ما بين 25 و60 ألف دولار للفرد، وهو ما يمنحهم قدرة على الاستثمار في أدوات طويلة الأجل مثل الأراضي الزراعية، والأسهم، والسندات الحكومية.

وأوضح أستاذ الإدارة أن هناك فرصة لطرح مشروعات قومية في شكل اكتتابات عامة موجهة حصرياً للمصريين بالخارج، مثل مشروعات الطاقة الشمسية في الصحراء الغربية، أو الموانئ الجافة، أو المناطق اللوجيستية في محور قناة السويس، أو استصلاح الأراضي في مشروع الدلتا الجديدة، مع ضمانات ملكية واضحة ونظم تقسيط دولارية، مما يتيح لهم مصدر دخل مستدام وفرصة لبناء أصول في بلدهم، ويعزز رأس المال الوطني.

وأكد غنيم أن تعبئة 10 في المئة فقط من تحويلات المصريين بالخارج يمكن أن توفر لمصر أكثر من 3 مليارات دولار سنوياً، لتمويل المشروعات القومية، وتسريع النمو الاقتصادي. وتابع أن تأسيس صندوق استثمار سيادي فرعي للمصريين بالخارج، تحت مظلة صندوق مصر السيادي، يمكن أن يوجه أمواله لتمويل البنية التحتية والزراعة والصناعة، مع منح المكتتبين أولوية في شراء منتجات تلك المشروعات أو المشاركة في إدارتها، بما يضمن جدية وربحية الاستثمار، وربطه بخطط التنمية الإقليمية مثل "المثلث الذهبي" والربط البري مع أفريقيا.

وأعلنت وزيرة الهجرة السابقة سها جندي، عام 2023، العمل على إنشاء شركة لاستثمار مدخرات المصريين بالخارج، وعقدت اجتماعات مع رجال أعمال مقيمين في دول أوروبية وكندا، إلا أن المشروع لم يخرج للنور، في تكرار لمصير مقترحات مشابهة خلال السنوات الماضية.

 

واقترحت دراسة لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء القيام بإجراءات حكومية لتحفيز المغتربين على زيادة تحويلاتهم من العملة الصعبة، من بينها تعزيز الثقة بين الدولة والمصريين بالخارج من خلال الالتزام بمدة تنفيذ مشروعات الإسكان، وتقديم امتيازات لمن يواظب على تحويل مدخراته إلى البنوك كمنحه معاشاً للتقاعد ومكافأة نهاية الخدمة بعد سن معين.

وذكرت الدراسة المنشورة في فبراير (شباط) 2024 أنه من الممكن زيادة حصيلة مبادرات الدولة، مثل مبادرة تسوية الموقف التجنيدي لأبناء المصريين في الخارج، إذا جرى تقديم نظام لتقسيط المبلغ أو إتاحة الدفع في السفارات مباشرة وليس عبر حساب بنكي محدد.

وخلال المؤتمر الأخير للمصريين في الخارج، اعترف وزير الخارجية والهجرة أن العلاقة بين الدولة وجالياتها كانت من طرف واحد، وهو انتظار الولاء من جانبهم واستمرار التحويلات، لكنه أكد أن حالياً الحكومة تعمل على تحسين خدماتها لكي تكون أي رسوم أو أموال يدفعها المصري في الخارج مستحقة، وهو ما يزيد من الشعور بالانتماء لديه.

لكن الاستفادة من المصريين بالخارج لا ينبغي أن تقتصر على التحويلات المالية، حيث شدد الأكاديمي المصري المقيم في ألمانيا عاصم حفني، على أهمية وضع استراتيجية واضحة للاستفادة من خبرات المصريين المقيمين بالخارج. مشيراً إلى أن هذا الملف يحظى بأهمية كبيرة لكل مصري مغترب، إلا أن التعامل معه ظل فترة طويلة في إطار شكلي ومحدود مثل استقبال رئيس الجمهورية عند زيارته إلى الدولة التي بها مغتربون.

وأوضح حفني لـ"اندبندنت عربية"، أن الاهتمام بشؤون المصريين في الخارج تحسن نسبياً بعد دمج الوزارة المتخصصة مع وزارة الخارجية، مما أتاح وجود كيان رسمي يمثلهم، لكنه أشار إلى أن التواصل المباشر مع الكوادر المصرية في الخارج لا يزال غائباً، حيث يجري اختيار المشاركين في المؤتمرات واللقاءات الرسمية عبر ترشيحات شخصية أو علاقات بالسفراء، مما يجعل هذه اللقاءات أقرب إلى الطابع الودي منها إلى التفاعل الحقيقي.

وأشار إلى غياب قوائم رسمية لدى البعثات الدبلوماسية بأسماء المصريين مصنفة حسب مجالات عملهم وأنشطتهم، مؤكداً أن هناك كوادر مؤهلة تستطيع المساهمة في مجالات معرفية وعلمية واستشارية، لكنهم غير ممثلين في المبادرات الرسمية.

السياسة الخارجية المصرية

وأشار حفني إلى ظهور جيل ثان من المصريين في أوروبا يجمع بين الثقافتين المصرية والغربية، وهو ما يجعلهم مؤثرين في مجالات السياسة والثقافة، وسيكون من المفيد التواصل معهم، لافتاً إلى أن منح المصريين في الخارج شعوراً بالأمان والاعتراف بدورهم سيسهم في تقوية روابطهم بوطنهم الأم، داعياً إلى مزيد من الاهتمام بهذا الملف من جانب السياسة الخارجية المصرية. كما عرض تجربة يقوم بها مع غيره من خريجي كلية اللغات والترجمة بجامعة الأزهر لوضع قاعدة بيانات للخريجين وبحث عقد مؤتمر سنوي، سواء حضوري أو إلكتروني، لتعزيز التواصل والاستفادة من الخبرات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويتفق الرأي السابق مع مقال في موقع "حلول للدراسات البديلة" التابع للجامعة الأميركية بالقاهرة تحت عنوان "دمج المهاجرين: نظرة أخرى لقوة مصر الناعمة"، أكدت فيه الباحثة وفاء مرسي أن إنشاء علاقة حقيقية بين مجتمعات المهاجرين المصريين والحكومة يفيد القوة الناعمة لمصر في مجالات التعاون التنموي. مشيرة إلى أن "بناء الثقة المتبادلة وتحسين نظرة المهاجرين يعدان أمراً أساسياً لتشجيع قادة المهاجرين والمنظمات على الانتظام بصورة جادة مع المؤسسات المصرية".

وعلى النقيض من تأييد البيان الختامي لمؤتمر ممثلي الجاليات المصرية لسياسات الرئيس عبدالفتاح السيسي، ظهرت خلال الأسابيع الأخيرة تحركات من أفراد مصريين في بعض الدول حاولوا إغلاق واقتحام سفارات مصر في عدد من العواصم مثل لاهاي وفيينا وبروكسل، احتجاجاً على ما زعموا أنه منع مصري لدخول المساعدات إلى قطاع غزة.

ورد وزير الخارجية المصري على تلك التصرفات جاء في كلمته خلال المؤتمر، حيث أعرب "عن ثقته في أبناء مصر بالخارج وفي حسهم الوطني أمام الحملة الممنهجة التي تشن على مصر، التي تعكس أغراضاً مشبوهة ومضللة، تستهدف تشتيت الانتباه وتخفيف الضغوط عن إسرائيل، الدولة الوحيدة المسؤولة عن الوضع الإنساني الكارثي في قطاع غزة".

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات