Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نفوق المواشي ينذر بفقدان اللحوم والألبان من أسواق السودان

طاولت التهديدات الرعاة أيضاً بسبب انتشار مسلحين وأصبح امتلاك الحيوانات سبباً للموت

معارك كردفان تعرض ثروتها الحيوانية للهلاك (أ ف ب)

ملخص

تسببت الحرب الدائرة في إقليم كردفان بعدم توفر اللقاحات والمحاجر البيطرية، مما يعجل نفوق الماشية وهلاكها وإصابتها بالأوبئة الخطرة، مثل وباء اللسان الأزرق الذي يصيب على وجه الخصوص الأبقار والأغنام، إلى جانب مرضي الجدري وأبو زقالة.

أفقد الصراع المواطنين ممتلكاتهم ومزق أوصال الحياة وبات الفرار من أجل سلامة الأرواح هو الأهم لهم من الحفاظ على المواشي.

ألحقت الحرب الدائرة حالياً بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" في إقليم كردفان أضراراً بالغة بقطاع الثروة الحيوانية، إذ تقلصت مساحات المراعي الطبيعية وأغلقت مسارات الترحال، إلى جانب توقف عملية التسويق بسبب انعدام الأمن، فضلاً عن مخاوف فقدان اللقاحات والتلوث البيئي الذي يهدد صحة الحيوان جراء القصف العشوائي واستخدام طرفي الصراع أسلحة كيماوية في العمليات العسكرية النشطة.

وتعد ولاية غرب كردفان من أكثر ولايات الإقليم تأثراً بأخطار الحرب على الثروة الحيوانية، إذ تدور معارك ضارية منذ أبريل (نيسان) الماضي في مناطق عدة، بخاصة مدينتا النهود والخوي والقرى المحيطة بهما، وهي مناطق رعوية ومركزاً مهماً لإنتاج الضأن الحمري، وتضم أكبر الأسواق لتجارة الماشية، فضلاً عن أن الاشتباكات تتمركز في الجزء الشمالي من ولاية غرب كردفان، وهي ذات شهرة في تربية الماعز والضأن والإبل، مما وضعها في مواجهة أخطار جمة، بينما يهتم السكان في الاتجاه الجنوبي من ولاية غرب كردفان بتربية الأبقار. وعلى رغم أن هذه المناطق مستقرة أمنياً، فإنها تأثرت بالحرب، وأدى عدم ترحالها شمالاً في فصل الخريف إلى أن تكون عرضة للأمراض والأوبئة باعتباره نشاطاً مهماً لصحتها وسلامتها.

مصير مجهول

آدم عبدالكريم أحد الرعاة في محلية القوز بولاية جنوب كردفان قال "في الحقيقة إن عدم تنقل وترحال المواشي عامة خلال فترة موسم الخريف هذا العام بسبب انعدام الأمن يجعلني يعرض القطيع لمشكلات صحية، إذ إنها ستكون هزيلة وعرضة للإصابة بالأمراض والأوبئة، لا سيما أن الأعشاب والمياه تقل في المنطقة وبذلك تصبح غير قادرة على تحمل ظروف الصيف القاسية".

وأضاف عبدالكريم "يعتمد الرعاة بصورة أساسية في إعالة أسرهم وتلبية الحاجات الضرورية على تربية المواشي والاهتمام بسلامتها، لكن الحرب في إقليم كردفان باتت من أكبر المهددات لمستقبلنا المعيشي، إذ وضعت الثروة الحيوانية في الإقليم وسط أخطار معقدة، فضلاً عن انحسار المراعي الطبيعية وتلوثها بسبب القصف العشوائي واستخدام أسلحة كيماوية، مما يجعل المواشي عرضة للهلاك، ناهيك بتوقف التسويق وعدم ارتياد كبار تجار المواشي الأسواق ومخاوفهم الناتجة من استهدافهم بواسطة عناصر ’الدعم السريع‘". وتابع "المعارك المحتدمة التي دارت في القوز والدبيبات والحمادي وكازقيل أدت إلى نزوح جماعي للسكان، تاركين خلفهم ثروات من الماشية لا يعرفون مصيرها حتى الآن، إذ كان يصعب التحرك بها وهم يجهلون وجهتهم".

وأشار عبدالكريم إلى أن "التهديدات لم تتوقف عند المواشي وإنما شملت الرعاة بسبب انتشار مسلحين، بخاصة في المناطق التي تقع تحت سيطرة قوات ’الدعم السريع‘، إذ تمارس انتهاكات واسعة من نهب المواشي ودخولهم في صدام مع أصحابها يصل إلى حد القتل في حال الاعتراض".

انهيار كامل

في أعقاب بسط "الدعم السريع" السيطرة على مساحات واسعة وصلت إلى الأجزاء الشمالية من ولاية غرب كردفان في مايو (أيار) الماضي بعد عمليات عسكرية نشطة، ومحاولات الجيش استعادة تلك المناطق، وهو ما أدى إلى توسع رقعة الصراع المسلح حتى تخوم مدينة الأبيض لتشمل المحليات الشمالية والشرقية من ولاية شمال كردفان، وهي مناطق زاخرة بالثروة الحيوانية. وعلى رغم تراجع وتيرة القتال في ولاية غرب كردفان، فإن المنطقة تشهد وجوداً كثيفاً للمسلحين في واقع يجسد الفوضى مع تصاعد عمليات نهب المواشي تحت تهديد السلاح.

في ظل هذا الواقع، يشير أحمد فضل المولى، أحد تجار المواشي إلى أن "أصحاب المواشي في ولايات كردفان يعيشون ظروفاً غير طبيعية بسبب ما أصاب الثروة الحيوانية من ضرر بالغ جراء الحرب وأصبح امتلاك المواشي سبباً للموت، إذ وجهت ’الدعم السريع‘ كل أسلحتها الفتاكة للقضاء على قطاع الثروة الحيوانية، التي تعتبر من أهم المقومات الاقتصادية، فضلاً عن الانتهاكات الوحشية التي تعرض لها الرعاة والتجار وأصحاب المواشي من قبل تلك القوات".

وأردف فضل المولى "بسبب الحرب لم يعد هناك من يرغب في إنفاق أمواله على نشاط تجاري غير مضمون نتيجة اجتياح المناطق الآمنة والخسائر الفادحة، فجميع التجار ومربو المواشي يحاولون التخلص من ثروتهم الحيوانية ومغادرة مناطقهم بحثاً عن ملاذات آمنة، لكن المشكلة تكمن في عدم توفر الأسواق والمشترين في هذا التوقيت، إذ يخشون ضياع رأس مالهم وفقدان حياتهم".

ولفت التاجر إلى أن "الصراع أفقد المواطنين ممتلكاتهم ومزق أوصال الحياة وبات الفرار من أجل سلامة الأرواح هو الأهم لهم من الحفاظ على المواشي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تهديد ونزوح

إلى ذلك أوضحت آمنة عبدالجليل إحدى النساء اللاتي يعملن في مشاريع تربية المواشي أن "المرأة في كردفان عرفت بنشاطها في مهنة الرعي وتربية المواشي، لكن المؤسف أن الحرب لم تستثن النساء اللاتي يمتلكن مشاريع صغيرة في هذا المجال بهدف مساعدة الزوج أو إعالة الأطفال، فهذه الحرب جعلت معظمهن أرامل".

واستطردت "المشكلة المقلقة تكمن في انتشار المسلحين بصورة كبيرة، ففي الفترة الماضية اقتحمت مجموعة مسلحة ترتدي زياً عسكرياً منطقتنا، ومارسوا أعمال النهب على أوسع نطاق وكنت واحدة من ضحاياهم، فقد كنت أجهز التربة استعداداً لزراعة بعض المحاصيل، لكنهم للأسف أخذوا كل ما أملك من مواشٍ ومال وغيره".

وزادت عبدالجليل "هذه الحادثة جعلتنا في ضائقة معيشية، إذ نعاني الجوع والعوز، واضطررت إلى ترك منطقتي والنزوح، ولا ندري إذا كنا سنجد الأمان الذي بات مفقوداً في ظل الانتهاكات وتهديد الحياة واستقرارها".

تنقل المواشي

على الصعيد نفسه، أوضح الباحث المجتمعي في ولاية غرب كردفان أحمد محمود أن "الحرب رمت بظلالها السلبية على الثروة الحيوانية بخاصة في ما يتعلق بحركة رعاة الماشية في ظل انتشار اللصوص والمتفلتين، الذين ينشطون في ظل هذه الأوضاع المأسوية من أجل نهب المواشي". وتابع "هذه الحرب تسببت أيضاً في مشكلات تتعلق بمصادر المياه والمراعي، فالمواشي في هذا الإقليم كانت تتنقل بسلام من الجنوب إلى الشمال خلال فصل الخريف والعكس صيفاً، لا سيما أن غرب كردفان تحتضن طرقاً تقليدية في التنقل مع دول الجوار مثل تشاد وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان، لكن هذا النشاط توقف بسبب الحرب والصراعات القبلية، وأصبح من الضرورة وقف هذه الحرب لإنقاذ حياة الإنسان والحيوان في إقليم كردفان".

تأثيرات سلبية

من جانبها، أشارت الطبيبة البيطرية أسيا حماد إلى أن الحرب الدائرة في إقليم كردفان تسببت في عدم توفر اللقاحات والمحاجر البيطرية، مما يعجل بنفوق الماشية وهلاكها وإصابتها بالأوبئة الخطرة، مثل وباء اللسان الأزرق الذي يصيب على وجه الخصوص الأبقار والأغنام، إلى جانب مرضي الجدري وأبو زقالة، فضلاً عن أن تمدد القتال يسهم في عدم توفر المسارات الآمنة بحثاً عن المراعي الخضراء والمياه النظيفة.

وبينت حماد أن هذه القطاعات المهدرة تعتبر مصدراً رئيساً لتوفير اللحوم الحمراء والألبان، إذ تغذي الأسواق المحلية والمسالخ الخاصة بالتصدير، لذا يستوجب المحافظة عليها وعدم تبديدها بسبب الحرب.

ونوهت الطبيبة البيطرية بأن "أسعار المواشي تدنت بصورة كبيرة نتيجة توقف عمليات التصدير إلى الخارج، في وقت تعتمد نسبة كبيرة من القوى العاملة في السودان على نشاطات رعوية تم فقدانها بسبب النزوح، ومن ثم كل هذه العوامل ألقت بتأثيرات سلبية على الثروة الحيوانية والرعاة والتجار".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير