ملخص
رسوم ترمب الجمركية الجديدة أثّرت بشدة في اقتصادات آسيوية حليفة، مهددة بإعادة تشكيل التحالفات الاستراتيجية والتجارية، وسط تصعيد ضد الهند وتفاوت في المعاملة بين الدول، وغياب معايير موحدة.
تلقت البلدان الآسيوية الضربات الأشد في أحدث زيادات للرسوم الجمركية التي أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترمب في مسعاه لإعادة تشكيل التجارة العالمية، ما يشير إلى تعمق الخلافات مع اقتصادات رئيسة في المنطقة.
ويُنذر هذا التشدد في موقف الولايات المتحدة تجاه شركاء قدامى مثل الهند واليابان بإعادة رسم التحالفات الاستراتيجية في آسيا، ويُثير الشكوك بشأن موثوقية واشنطن كحليف.
فبعد ثلاثة أشهر من كشفه عن رسوم جمركية شاملة على معظم دول العالم، فرض ترمب يوم الجمعة رسوماً جديدة ومعدّلة على أكثر من 90 دولة، وصلت نسبها إلى 49 في المئة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكان من بين الأكثر تضرراً بلدان آسيوية حليفة لأميركا– تعتمد اقتصاداتها بشدة على تصدير الملابس والإلكترونيات والرقائق والسيارات إلى الأسواق الأميركية– على رغم محاولاتهم التوصل إلى اتفاقات مع مفاوضي ترمب قبل الموعد النهائي في 1 أغسطس (آب). وتواجه ميانمار والهند ولاوس، على وجه الخصوص، رسوماً شبه تقييدية.
عقوبات قاسية وانقسامات في جنوب آسيا
بدا أن السيد ترمب استهدف الهند تحديداً من بين الاقتصادات الكبرى، إذ فرض عليها رسوماً جمركية قاسية بنسبة 25 في المئة، وانتقدها بسبب توسع تجارتها مع روسيا في مجالي الطاقة والسلاح.
وكانت نبرة السيد ترمب التصعيدية في الأيام الأخيرة قد بددت آمال نيودلهي في الحصول على معاملة تفضيلية في المفاوضات التجارية مقارنة ببقية الاقتصادات الآسيوية، على رغم علاقاته الودية مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي. فقد أجهض إعلان السيد ترمب لتلك الرسوم الثقيلة الآمال كلها.
وواصل الرئيس الأميركي التصعيد ضد الهند على رغم وصفه لها بأنها "بلاد صديقة طيبة" وعلى رغم اعتبارها شريكة في موازنة نفوذ الصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
يُذكَر أن نيودلهي وواشنطن كانتا تعملان منذ أشهر لإبرام اتفاق تجاري، وكان مسؤولون هنود يتوقعون التوصل إلى اتفاق بحلول سبتمبر (أيلول) أو أكتوبر (تشرين الأول).
لكن المحادثات وصلت في الأسابيع الأخيرة إلى طريق مسدودة بشأن منتجات الزراعة والألبان. فبينما كانت واشنطن تسعى إلى توسيع وصول صادراتها الزراعية مثل القمح والذرة والقطن والمحاصيل المعدلة وراثياً إلى السوق الهندية، أصرت نيودلهي على أن قطاعي الزراعة والألبان– اللذين يؤمنان سبل عيش أكثر من 80 مليون شخص– يعدان خطاً أحمر.
وعلى رغم أن الرسوم الجمركية البالغة نسبتها 25 في المئة على الصادرات الهندية والتي أُعلِنت الخميس كانت أقل قليلاً من النسبة المقترحة في أبريل (نيسان) (بلغت وقتذاك 27 في المئة)، فقد ترافقت مع عقوبات غير محددة تفاصيلها تتعلق بمشتريات نيودلهي من النفط الروسي والأسلحة الروسية.
قال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو يوم الخميس الماضي إن علاقات الهند الوثيقة مع موسكو لا تزال تمثّل "موضع خلاف دائم" في العلاقات التي تربطها بالولايات المتحدة.
أما جارتا الهند، سريلانكا وبنغلادش، فقد فُرِضت عليهما رسوم بنسبة 20 في المئة، وهما اقتصادان يعتمدان على التصدير يرسلان كميات ضخمة من المنسوجات والملابس إلى الولايات المتحدة.
وتُعَد الرسوم المفروضة على بنغلادش أقل بكثير من نسبة الـ37 في المئة التي كانت مقترحة سابقاً، ما شكّل انفراجة كبيرة لثاني أكبر بلد مصدر للملابس في العالم بعد الصين.
أما باكستان فقد فُرِضت عليها رسوم بنسبة 19 في المئة بعدما أعلن السيد ترمب إبرام اتفاق تجاري في اللحظات الأخيرة مع البلاد.
وكانت باكستان، الحليفة لكلٍّ من الصين والولايات المتحدة، تسعى إلى استمالة السيد ترمب منذ إعلانه الرسوم في أبريل. ونسبت إسلام آباد إلى التدخل الدبلوماسي الأميركي الفضل في إنهاء صدام عسكري قصير مع الهند في مايو (أيار)– الأمر الذي نفته نيودلهي– بل ورشّحت السيد ترمب لجائزة نوبل للسلام.
رابحون وخاسرون في جنوب شرقي آسيا
وفي حين فُرِضت على ميانمار ولاوس رسوم جمركية بنسبة 40 في المئة لكل منهما، تواجه بلدان أخرى في جنوب شرقي آسيا– مثل ماليزيا وإندونيسيا وتايلاند وكمبوديا والفيليبين– رسوماً متوسطة بنسبة 19 في المئة.
وكانت ميانمار ولاوس من بين البلدان الأكثر تضرراً عالمياً، إذ بلغت معدلات الرسوم مستويات قد توقف صادراتهما عملياً من السوق الأميركية. وتكمن هشاشة هذين البلدين في اعتمادهما الكبير على تصدير المنسوجات والمنتجات الزراعية المنخفضة الكلفة.
أما اليابان وكوريا الجنوبية فقد تمكنتا من إبرام صفقات مع إدارة السيد ترمب في الوقت المناسب، وحصلتا على رسوم أساسية بنسبة 15 في المئة، أي أقل من نسبة 25 في المئة التي كانت مطروحة في أبريل.
إلا أن نقطة خلاف رئيسة بقيت من دون حل: ستظل صادرات السيارات من كلا البلدين الشرق آسيويين خاضعة إلى رسوم منفصلة بنسبة 25 في المئة لا علاقة لها بإعلان الخميس.
ونظراً إلى أن السيارات وأشباه الموصلات تمثّل صادرات اليابان وكوريا الجنوبية الأساسية إلى الولايات المتحدة، فإن استمرار رسوم قطاعية كهذه يلقي بظلاله على العلاقات التجارية الثنائية البعيدة الأجل.
أما البلد الحليف الرئيس للولايات المتحدة، تايوان، وهو أكثر بلدان العالم إنتاجاً للرقائق الإلكترونية، فقد حصل على خفض في الرسوم من 32 في المئة إلى 20 في المئة. إلا أن هذا الخفض موقت، إذ لا تزال المفاوضات جارية في واشنطن.
وقال رئيس تايوان لاي تشينغ تي يوم الجمعة الماضي: "أبلغ الجانب الأميركي فريقنا التفاوضي في واشنطن بأن رسوماً موقتة بنسبة 20 في المئة ستُطبَّق على تايوان".
وأضاف أن مبرّر الرسوم الموقتة يعود إلى أن الطرفين "لم يعقدا بعد اجتماعاً ختامياً بسبب ترتيبات إجرائية"، مشيراً إلى "أن النسبة قد تُخفَّض أكثر في حال التوصل إلى اتفاق نهائي لاحقاً".
في غرب آسيا، تواجه سوريا رسوماً بنسبة 41 في المئة– هي الأعلى على الإطلاق– على رغم محدودية التبادل التجاري المباشر بسبب عقوبات أميركية قائمة. كذلك فُرِضت على العراق رسوم بنسبة 35 في المئة، ما أثار مخاوف في شأن صادرات البلاد من النفط والمعادن.
أما في آسيا الوسطى، فتواجه كازاخستان رسوماً بنسبة 25 في المئة، ما يشير إلى أن البلدان المحايدة أيضاً لم تسلم من ضغوط واشنطن.
رسوم مخففة لأستراليا ونيوزيلندا
وحافظت أستراليا على رسوم بنسبة 10 في المئة فُرِضت عليها في أبريل، ويبدو أنها نجت من أي زيادة، على الأقل في الوقت الراهن. وقال وزير التجارة الأسترالي دون فاريل يوم الجمعة الماضي إن البيت الأبيض أكد أن أستراليا تحتل أدنى معدل للرسوم بين البلدان.
وقال ناطق باسم الحكومة الأسترالية "على رغم أننا نظل في أفضل وضع ممكن في ظل نظام الرسوم الأميركية الجديد، سنواصل الدعوة إلى إزالة الرسوم تماشياً مع اتفاق التجارة الحرة المعقود بيننا".
أما نيوزيلندا المجاورة فقد ارتفعت رسومها من 10 في المئة إلى 15 في المئة. وإذ وصف وزير التجارة في البلاد تود ماكلاي الخطوة بأنها "غير منصفة"، فقد طلب التواصل مع المفاوض التجاري الأميركي جيميسون غرير لـ"البدء في تقديم حججنا" لمصلحة خفض النسبة.
التجارة مع الصين في حالة تجميد
وغابت الصين عن قائمة البلدان التي شملتها الرسوم الجديدة التي أعلنها السيد ترمب، ما ترك واحدة من أهم العلاقات التجارية في العالم خلف جدار من الغموض.
يُشَار إلى أن الجانبين كانا قد اتفقا في وقت سابق على تمديد العمل بهدنة تجارية بينهما لمدة 90 يوماً حتى 12 أغسطس.
وقال وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت يوم الخميس الماضي إن اتفاقاً تجارياً مع الصين قيد الإعداد، لكنه "لم يُنجز بعد بنسبة 100 في المئة".
وأشار بيسنت في مقابلة مع شبكة "سي أن بي سي" إلى أن المفاوضين الأميركيين "مارسوا ضغوطاً كبيرة" خلال يومين من المحادثات التجارية مع الصينيين استضافتها استوكهولم هذا الأسبوع، مضيفاً "أعتقد أن لدينا مقومات الوصول إلى اتفاق".
كيف ستؤثر الرسوم الجمركية في البلدان الآسيوية؟
في هذه الأثناء، قال مصدر حكومي هندي مطلع على المفاوضات التجارية لوكالة "رويترز" يوم الجمعة الماضي إن الرسوم الجديدة على الهند يُتوقَّع أن تؤثر في صادرات هندية إلى الولايات المتحدة البالغة قيمتها 40 مليار دولار.
ولفت المصدر إلى أن المحادثات التجارية لا تزال جارية، ومن المرجّح أن تزور وفود أميركية نيودلهي في وقت لاحق من هذا الشهر.
وصرّح رامنيواس موندادا، مدير البحوث الاقتصادية في مؤسسة "غلوبال داتا" البريطانية، قائلاً: "تشكّل هذه الرسوم الكبيرة، إلى جانب العقوبات المرتبطة بتعاملات الهند مع الطاقة والإمدادات العسكرية الروسية، تحديات خطيرة لقطاعات تصدير رئيسة تشمل الإلكترونيات، والصناعات الدوائية، والسيارات، والمنسوجات".
وأفاد مصدّرون في الهند بأن الرسوم المرتفعة ستضر بصادرات البلاد من المنسوجات، ولا سيما مع حصول بلدان منافسة مثل بنغلادش وفيتنام وكمبوديا على معدلات أقل.
وقال شينتان ثاكير، رئيس اتحاد غرف التجارة والصناعة (أسوشام) في غوجارات، وهي ولاية تُعَد مركزاً رئيساً لتصدير الملابس "نأمل بأن تعدل الرسوم بشكل واقعي. سنضطر إلى إعادة ضبط استراتيجياتنا اعتماداً على النسبة النهائية التي ستُفرض".
أما بنغلادش فقد وصفت النسبة الجديدة بأنها "انتصار دبلوماسي قاطع".
وقال زعيم البلاد الموقت محمد يونس في مؤتمر صحافي "نهنئ بفخر فريق بنغلادش التفاوضي على تأمين اتفاق تجاري تاريخي مع الولايات المتحدة، في ما يُعَد انتصاراً دبلوماسياً حاسماً".
© The Independent