Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل بات ترمب نموذجا للزعيم الليبرالي في العصر الحديث؟

مع تبدل مواقف الرئيس الأميركي حيال كل من غزة وأوكرانيا وتشديد لهجته مع بوتين ونتنياهو برزت أخيراً مؤشرات مشجعة على أنه لا يزال قادراً على اتخاذ مواقف إيجابية

يبدي ترمب تبدلاً في بعض المواقف حيال بوتين والحرب في غزة (غيتي)

 

ملخص

ترمب يسعى إلى بناء علاقات مع قادة أقوياء لتحقيق مصالح شخصية واقتصادية، لكنه غالباً ما يخدع، مما يدفعه لتغيير مواقفه، بينما تظهر أحياناً دوافع إنسانية حقيقية، على رغم استمرار سياسات مثيرة للجدل مثل خطة تهجير الفلسطينيين وتحويل غزة إلى منتجع.

المواقف الأخيرة التي صدرت عن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بدءاً من منحه ضوءاً أخضر حاسماً لرئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر كي يمضي قدماً نحو اعتراف المملكة المتحدة بـ دولة فلسطين، مروراً بنفيه العلني لرواية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في شأن عدم وجود أزمة غذائية في قطاع غزة، وتأكيده أن هناك "مجاعة حقيقية" هناك، وصولاً إلى توجيهه إنذاراً لروسيا بمهلة محددة من "10 إلى 12 يوماً" لحسم موقفها في أوكرانيا، جميعها طرحت تساؤلاً عما إذا كان هذا الأسبوع شهد اقتراب ترمب من صورة الزعيم الذي كثيراً ما حلم به "الليبراليون"؟

قد نعرف يوماً ما القصة الكاملة وراء هذا التحول الرائع في نهج سيد البيت الأبيض، فعلى رغم ما يحيط به من تحفظات وشكوك، وربما خيبات أمل لاحقة، فإن من الجدير أن نتوقف عند مثل هذه التطورات غير المتوقعة، ونمنحها التقدير الذي تستحق.

أما عبارته: "علينا إطعام الأطفال"، فتعد من أبسط التعليمات وأكثرها قوة، وهي أفضل ما يمكن أن نأمل الحصول عليه من زعيم العالم الحر. فلا مواربة أخلاقية فيها، ولا تتضمن مواقف رمادية من قبيل "على الطرفين"، ولا مجال فيها حتى للمماطلة. وليس من قبيل المصادفة أن تبدأ إسرائيل، وإن على مضض وبصورة غير كافية بعد، بالسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة. وفي المحصلة، هناك أرواح قد تكتب لها النجاة.

ترمب ليس بالساذج الذي ينكر وجود مجاعة في قطاع غزة، ومهما بلغ حجم ولائه لصديقه بنيامين نتنياهو، فهو ليس مديناً له إلى الحد الذي يسمح به لنفسه بأن يخدع بإحدى أكثر محاولات التضليل وقاحة وخزياً في تاريخ إسرائيل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ربما بات من الممكن أن نقرأ بوضوح ما يجري، سواء في ما يتعلق بإسرائيل أم بروسيا، إذ يبدو أن صبر الرئيس الأميركي نفد أيضاً من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ذلك الرجل القوي الآخر الذي سعى دونالد ترمب طويلاً إلى بناء شراكة معه.

أولاً، يبدأ الأمر بقرار يتخذه ترمب ببناء علاقة شخصية مع نظير له عادة ما يكون رجلاً قوياً، مثل فلاديمير بوتين أو بنيامين نتنياهو، أو حتى كيم جونغ أون الزعيم الكوري الشمالي في ولايته الأولى. يجب ألا ننسى أيضاً أنه حاول في مرحلة ما التوصل إلى اتفاق مع آيات الله في إيران (الغنية بالنفط)، في خطوة أثارت قلقاً بالغاً لدى الإسرائيليين. أما المفارقة الأكبر، فهي موقفه من كير ستارمر الذي يفترض أن يكون خصماً يحتقره ترمب، إلا أنه على عكس ذلك لا يكف عن الإشادة به والتعبير عن إعجابه به، إنه سلوك يصعب تفسيره ويتجاوز المنطق البشري.

ثانياً، كثيراً ما تكون هناك صفقة جانبية بعيدة من الأنظار، تتعلق أحياناً بعقارات أو بموارد طبيعية، وتمزج بين مصالح الولايات المتحدة ومكاسب شخصية مرتبطة بعائلة ترمب. من هنا، يمكن فهم تقاربه المحدود مع رئيس أوكرانيا فلاديمير زيلينسكي، الذي ارتبط معه بمصالح مشتركة في مجال المعادن النادرة. ولعل ما يجب ملاحظته هو ولعه الدائم بالمشاريع الاستثمارية الخيالية، سواء حلمه ببناء ملعب غولف على سواحل كوريا الشمالية، أو خطته الأكثر غرابة لتحويل قطاع غزة إلى منتجع شاطئي. وعندما أعلن أخيراً أنه لم يعد يثق بصدق نيات بوتين، بدا وكأنه يكتم حسرة، من دون أن يقولها صراحة، على ما كان يمكن أن تكون عليه روسيا من ثراء، لو أن بوتين فقط سمح له بالتدخل في اقتصادها.

نتنياهو، الذي فوجئ بفكرة المنتجع في غزة التي طرحتها الإدارة الأميركية، قد لا يكون مفيداً في هذا المشروع كما كان ترمب يتوقعه، لكن الصورة هنا أكثر تعقيداً.

ولعلكم تذكرون تلك المقابلة النادرة في صراحتها التي أجراها ترمب أخيراً مع غاري أودونوهيو في قناة "بي بي سي"، عندما أقر بأنه "لا يثق بأحد تقريباً"، لكنه أضاف أنه لم ينه بعد علاقته مع بوتين، إلا أنه يبدو أن الباب أغلق الآن. فبحسب تعبير ترمب نفسه، كانت تجمعهما "محادثات لطيفة، طويلة، ومحترمة"، كان خلالها ترمب يستمع بتعاطف لوجهة نظر بوتين وتضحيات روسيا في زمن الحرب، ثم، بكل بساطة، يقدم الروس على قصف دار رعاية في العاصمة الأوكرانية كييف أو ما شابه.

الحقيقة أن ترمب أظهر في أحيان كثيرة ميلاً إلى منح ثقته لأشخاص لم يكونوا أهلاً لها، في الوقت الذي لم يتردد فيه في معاداة حلفاء طبيعيين له، تماماً كما حدث مع جاستن ترودو رئيس الوزراء السابق في كندا، وإيشيبا شيغيرو رئيس الوزراء في اليابان. لكنه، حين يدرك في نهاية المطاف أنه تعرض للخداع، لا يتوانى عن تعديل موقفه. وهكذا يمكن قراءة تخليه عن بوتين، وابتعاده من نتنياهو، الذي أسهمت سياساته - تلك التي تساهل معها ترمب طويلاً - في تقويض مشروعه لإقامة منطقة اقتصادية مربحة تمتد من الخليج إلى البحر الأبيض المتوسط، وفق رؤية "اتفاقات أبراهام" التي وضعها. واليوم، تلاشت احتمالات تطبيع المملكة العربية السعودية علاقاتها مع إسرائيل، مما أثار استياء ترمب بصورة واضحة.

وأخيراً، ربما لم يكن دونالد ترمب ذلك الوحش أحادي البعد الذي جرى تصويره به على الدوام، حتى وإن لم يكن يوماً بطلاً في نظر أحد. ويبدو أنه - بدفع من زوجته ميلانيا - قد تأثر بصدق في الآونة الأخيرة بحجم الفظائع التي ارتكبها بوتين في حق المدنيين في أوكرانيا. كما أن مشهد الأطفال الجائعين في غزة، حرك فيه تعاطفاً مشابهاً، دفعه إلى اتخاذ مواقف بدافع أخلاقي غير معهود. فكما هي حال أي فرد، قد يوقظه أحياناً حس إنساني صادق.

بالطبع، ينبغي ألا ننجر خلف هذه التحولات بحماسة مفرطة، فالولايات المتحدة لا تزال تقاطع مؤتمر الأمم المتحدة المتعلق بحل الدولتين ومستقبل فلسطين. كما أن خطة إنشاء منتجع ساحلي في قطاع غزة، على ما يبدو، لا تزال قائمة ضمن سياسات إدارة الرئيس ترمب، مع ما تحمله من احتمالات طرد الفلسطينيين من ديارهم. وتشير تقارير إلى أن الأميركيين يبحثون فعلاً عن أماكن يمكن إعادة توطين اللاجئين فيها، في خطوة تقترب بدرجة خطرة من التهجير القسري، بحيث تشكل جريمة ضد الإنسانية.

في المقابل، لن يتخلى ترمب فجأة عن مواقفه بحيث يجعل الولايات المتحدة داعماً لاستعادة السيادة الأوكرانية الكاملة. وسيواصل البيت الأبيض في عهده إنكار أزمة تغير المناخ، وسيستمر في شن حروب تجارية متى شاء. مع ذلك، لا يمكن إنكار أن الأيام القليلة الماضية حملت بعض المؤشرات الإيجابية للغاية على أن ترمب قادر، من حين إلى آخر، على اتخاذ مواقف ذات أثر إيجابي.

يقول ترمب إنه أوقف الحرب بين الهند وباكستان، وبين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وبين كمبوديا وتايلاند. وسواء كان ذلك مبالغاً فيه أم لا، فإن الولايات المتحدة تؤدي الدور الصحيح. وإذا كانت تسعى الآن إلى تحقيق وقف لإطلاق النار في كل من أوكرانيا وغزة، وهو ما يمثل في الحالتين سلاماً يفوق كل تصور، فلعل من الحكمة أن نقبل بالانتصارات كما هي، حتى لو كان ذلك يعني حصول ترمب على "جائزة نوبل للسلام".

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء